Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبرز 3 تحديات تواجه التصنيع العسكري السعودي

قال محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية أحمد العوهلي لـ"اندبندنت عربية" إنهم أصدروا حتى يونيو الماضي 291 تصريحاً و174 ترخيصاً لمنشآت صناعية دفاعية وإن نسبة توطين القطاع بلغت 11.7 في المئة

مسيرة "عاصف 1" من صناعة شركة إنترا السعودية عرضت في معرض الدفاع العالمي (أ ف ب)

تعيش بلدة فارنبره الصغيرة غرب لندن مناسبتها السنوية الأهم، إذ تتحول المدينة إلى مطار كبير تحط فيه شركات الطيران من كل العالم، للمشاركة في معرض فارنبره الدولي للطيران، وهو معرض تجاري مخصص للصناعات الدفاعية وقطاع الفضاء وعروض الطيران.

ضمن طائرات الوفود التي اكتظت بهم المدينة، حط الوفد السعودي يتقدمه محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية في السعودية أحمد العوهلي، المهندس الذي وجد نفسه في قلب رحلة التحولات في بلاده، معنياً بتطوير وتوطين الشق الصناعي العسكري المعقد، محملاً بوعد توطين 50 في المئة من الإنفاق الحكومي على المعدات والخدمات العسكرية بحلول عام 2030.

يمكن من خلال الأرقام معرفة مدى تعقيد وصعوبة المهمة التي تكبدها، فعندما أنشئت الهيئة، ووضع العوهلي على قمة هرمها، كان المحتوى المحلي من إجمالي الإنفاق العسكري السعودي لا يتجاوز 2 في المئة، أي أقل بـ48 في المئة من الهدف المنشود في 2030، ليقود المؤسسة العسكرية الحديثة في معارك الصناعة والتقنية المعقدة.

تحدثت معه "اندبندنت عربية" قبيل رحلته إلى بريطانيا، وسألته عن أرقام الهيئة بعد 4 سنوات من إنشائها، وقبل 8 سنوات من نهاية الرؤية التي حددت أهدافها، عن التحديات القائمة وما أنجز حتى الآن.

11.7 في المئة توطين

في عام 2020، أي بعد سنتين من انطلاق الهيئة، قال محافظها، إن نسبة التوطين في الإنفاق العسكري بلغت 8 في المئة، وهي خطوة كبيرة في طريق المستهدف الطموح في 2030، إلا أن الرحلة تصطدم بحقيقة أعلنها العوهلي في حفل إطلاق استراتيجية الهيئة مطلع العام الحالي، حين قال إن قطاع الصناعات العسكرية في السعودية ينقصه كثير من المهارات، سواء في التقنية العسكرية الحساسة، أو الأجزاء التي يمكن أن تتشاركها من الصناعات المدنية.

يعلق المهندس على هذا التحدي قائلاً، "على صعيد الخطوات التي يخطوها القطاع نحو تحقيق مستهدفات التوطين، يمكن الإشارة إلى أن نسبة التوطين كانت في حدود الـ2 في المئة في عام 2018، وبعد إنشاء الهيئة عملنا مع جميع الشركاء من القطاعين الحكومي والخاص على رفع نسبة التوطين، واستطعنا رفع النسبة إلى أكثر من الضعف. واليوم نتحدث عن نسبة تتجاوز الـ11.7 في المئة من إجمالي الإنفاق على المعدات والخدمات العسكرية في نهاية عام 2021".

وتسهم الهيئة في زيادة المحتوى المحلي بصفتها من ركائز الاستراتيجية الخاصة بها، المتكونة من 3 مسارات يشرحها العوهلي، "الأولى هي المشتريات العسكرية التي تعمل الهيئة من خلالها مع الجهات الدفاعية والأمنية على تحسين آلية المشتريات، مما سيسهم في إعطاء الأولوية للتوطين في العقود والاستفادة من القوة الشرائية الموحدة لقواتنا العسكرية والأمنية لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة في الإنفاق"، عكس ما كان يتم سابقاً بأن تتولى كل جهة مهمة التفاوض بشكل منفصل، ما يضعف قدرتها التفاوضية.

أما الركيزة الثانية فهي "توطين الصناعة، حيث تعد الركيزة التنظيمية المسؤولة عن وضع لوائح وتشريعات تعزز الشفافية في القطاع وتشجع الاستثمار فيه. والثالثة هي التقنيات العسكرية، عن طريق تطوير الإمكانات التي نقوم من خلالها بتطبيق برامج تعليمية هيئة التطوير الدفاعي على توجيه الجهود التقنية والتطوير إلى المجالات التي تلبي احتياجات قواتنا العسكرية والأمنية".

القطاع ينقصه 800 مهارة

بحسب العوهلي، فإن الفجوة بين المهارات المطلوبة في القطاع وبين مخرجات التعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني تصل إلى 800 مهارة مطلوبة في القطاع ينبثق عنها 172 مجالاً وظيفياً تحتاج الهيئة إلى إيجادها من العدم. ومن هذه المتطلبات تنطلق عملية التوطين في الاستراتيجية التي أعلنت في فبراير (شباط) الماضي، إذ تركز على تطوير الموارد البشرية السعودية لتوفير احتياجات القطاع، "فبُنيت الاستراتيجية لضمان جاهزية واستدامة القوى البشرية المؤهلة لتحقيق أهداف توطين القطاع عبر تطوير 3 برامج رئيسة تتمثل في برامج تعليمية وتدريبية، وبرامج السياسات والتمكين، إضافة إلى برامج التوجيه والإرشاد التي تم تطويرها مع شركاء الهيئة من الجهات ذات الصلة بهدف تحقيق متطلبات التنمية الشاملة، وبما يسهم في تنمية وصقل المعارف والقدرات اللازمة في المجالات والتخصصات المرتبطة بالصناعات العسكرية والدفاع والأمن".

وحول الشركات الجديدة التي تم التصريح لها، يقول، "بلغ عدد التصاريح التأسيسية والتراخيص حتى نهاية شهر يونيو الماضي 291 تصريحاً، وتم الترخيص لعدد 174 منشأة كان نصيب المنشآت العسكرية (وهي التي تقدم منتجات أو خدمات عسكرية فقط) ما نسبته 41 في المئة، بينما حظيت المنشآت الداعمة (وهي التي تقدم منتجات أو خدمات عسكرية ومدنية) ما نسبته 42 في المئة، ونسبة 17 في المئة كانت من نصيب منشآت التوريد".

وحول المزايا التي تتمتع بها السوق المحلية ويراهن عليها القطاع في مسعى اجتذاب الشركات، "وجود السعودية في قلب سلاسل الإمداد العالمية بحكم موقعها الاستراتيجي وإمكاناتها النوعية، والتسهيلات التي قدمتها الحكومة للمستثمر الأجنبي، إذ سمحت له بتملك مشروعة بالكامل، من دون الحاجة إلى شريك محلي كما في السابق. وأطلقنا مشروع تمكين المستثمر عبر سلاسل الإمداد في القطاع بهدف تعزيز جهود التوطين عبر دعم وتمكين المستثمر بفرص بلغ عددها 74 فرصة عبر 6 مجالات دفاعية وأمنية".

سألناه عن هذه الفرص التي تحدث عنها وكيفية الوصول إليها، فقال، "أطلقنا منصة إلكترونية باسم (الصناعات العسكرية) التي تعمل على تمكين المستثمرين من الوصول إلى فرص التوطين والتعرف على القدرات الصناعية للمستثمرين في القطاع، حيث تهدف المنصة إلى ربط القطاع مع جميع المستثمرين المرخصين من قبل الهيئة والمسجلين في المنصة، إضافة إلى ربط الشركات المحلية بالشركات العالمية، لا سيما المصنعين الأصليين".

الثقة في المنتج العسكري السعودي

في أثناء التحضير لهذا الحوار تواصلت مع عدد من المستثمرين السعوديين الذين أخذوا خطوة مبكرة في الاستثمار في القطاع العسكري، وقدموا منتجات بالشراكة مع منتجين دوليين، إلا أنها لم تجد طريقها إلى القوات المسلحة السعودية، ويفسرون ذلك بأنه انعدام لثقة المؤسسة العسكرية في المنتج المحلي، إلا أن العوهلي يملك تفسيراً آخر. يقول محافظ الهيئة، "القطاع يعد من القطاعات الحديثة نسبياً في السعودية، ويوجد بعض التجارب الوطنية في إنتاج بعض الأنظمة، إلا أن الهيئة وبعملها التكاملي مع شركائها في القطاع تعمل على ضمان مطابقة المواصفات مع متطلبات الجهات المستفيدة وتقديم عدد من الممكنات والمحفزات التي تمكن الشركات من تحسين وتطوير منتجاتها بحسب متطلبات القطاع، ومن ذلك المواءمة مع القطاعات العسكرية لتوقيع عقود الشراء"، مشيراً إلى عدد من الصفقات التي تمت في وقت قريب، والتي يعتبرها دليلاً على دعم القطاعات العسكرية المختلفة للمنتج الوطني.

وتملك الهيئة أولويات في وضع التشريعات الخاصة بإرساء عقود التصنيع العسكري ودعم وتمكين المصنعين المحليين، وتطوير الشركات المحلية. ويضيف في هذا السياق، "عملت الهيئة من خلال برنامج المشاركة الصناعية والتزامات التوازن الاقتصادي على دعم بناء قدرات محلية وتوطين التصنيع، وذلك بالتعاون مع الشركات العالمية، ومن تلك المشاريع التعاون مع وزارة الدفاع على تدشين وتوطين زوارق اعتراضية سريعة من نوع (HSI32) مُصنّع محلياً، إضافة إلى تدشين أول حوض عائم، حيث تم تصنيعها وتوطينها محلياً بالتعاون بين شركة (CMN) الفرنسية وشركة الزامل للخدمات البحرية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "قامت الهيئة أخيراً بالإعلان عن توقيع عقد تطوير طائرة حارس الأجواء (طائرة من دون طيار) مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية، كما شهد هذا المشروع توقيع اتفاقية بين الشركة ومركز الأمير سلطان للأبحاث والدراسات الدفاعية للعمل على تطوير الطائرة التي تعد إحدى نتائج مشاريع البحث والتطوير المتعددة في المركز للوصول إلى منتج وطني يتوافق مع متطلبات الجهات المستفيدة، مما سيسهم في تحقيق مستهدفات القطاع، إضافة إلى الإعلان عن توقيع اتفاقية توطين وتطوير قدرات بين شركة الشرق الأوسط لمحركات الطائرات المحدودة وشركة (هانيويل) الأميركية، والتي تهدف إلى توطين قدرات الإصلاح والصيانة والعمرة لمحركات (AGT1500)، وكذلك توقيع عقد تصنيع نظام المراقبة والرؤية الحرارية متعدد الاستخدامات باسم (زرقاء اليمامة - زالي) من خلال الشركة الوطنية للأنظمة الميكانيكية".

حصيلة أول معرض دفاع عالمي

نظمت الهيئة في مارس (آذار) الماضي معرضاً دولياً للدفاع في الرياض، ضم عدداً واسعاً من المصنعين العسكريين في العالم. سألناه عن معنى أن يكون لدى السعودية معرض عسكري، وفي ماذا يخدم أهدافهم؟ فأجاب، "سجّل المعرض صفقات وعقود شراء عسكرية ودفاعية بين جهات محلية ودولية بقيمة إجمالية قُدّرت بـ29.7 مليار ريال سعودي (7.90 مليار دولار)، وشملت منظومات وتجهيزات عسكرية وعربات وذخائر وخدمات مساندة"، مضيفاً، "بلغت نسبة الشركات الوطنية من هذه العقود 46 في المئة من حيث القيمة الإجمالية بواقع 10 مليارات ريال (2.66 مليار دولار)".

وأشار إلى قيمة أخرى للمعرض قائلاً، "المعارض الدولية بطبيعة الحال تمثل منصة نوعية لتطوير الصناعات المتخصصة في قطاع الصناعات العسكرية، وهذا يأتي من خلال خلق شراكات بين اللاعبين الدوليين في هذا المجال، وتبادل المعارف والخبرات، ونقل التقنية، والتعريف بالفرص الاستثمارية الواعدة في القطاع ودعم المستثمرين وتسهيل دخولهم لسوق الصناعات العسكرية والأمنية السعودية".

أبرز 3 تحديات تواجه القطاع

وفي نهاية حوارنا مع محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية في السعودية، أحمد العوهلي، سألناه عن أبرز التحديات التي تواجه قطاع الصناعات العسكرية في سبيل تحقيق مستهدفاتها الطموحة، فقال، "التحديات التي تواجه القطاع كثيرة بطبيعة الحال، نظراً إلى كوننا نبني قطاعاً جديداً، لكنني سأركز على ثلاثة تحديات رئيسة. الأول يتعلق بالتخطيط طويل الأمد لاحتياجات السعودية من المعدات والخدمات العسكرية، لا سيما في ظل السباق التقني الذي تشهده الصناعة عالمياً، ونقوم في الهيئة بالعمل بصورة وثيقة مع الجهات العسكرية والأمنية في البلاد والموردين الدوليين لتخطي أي عقبات في هذا السياق. أما التحدي الثاني فهو توريد التقنيات، أي الحصول على التقنية والملكية الفكرية لتطوير قدراتنا الصناعية المحلية، وهو تحدٍّ كبير، وفي إطار التحدي الثالث تقوم الهيئة بالعمل مع المصنعين والحكومات في الدول الصديقة لإيجاد حلول قانونية وتشغيلية نستطيع من خلالها استقطاب هذه التقنيات مع ضمان حقوق الملكية لمصنعي المعدات الأصليين، وكذلك العمل مع الهيئة العامة للتطوير الدفاعي على تطوير تقنيات محلية". وحول كيفية تجاوز هذا التحدي يقول، "لدى السعودية علاقات جيدة مع كثير من الحكومات والمصنعين حول العالم، وهو ما سيكفل لنا تحقيق أهدافنا المرجوة".

أما التحدي الثالث "فيتمحور حول تطوير الكفاءات السعودية القادرة على الانتقال بالصناعة العسكرية إلى أفق جديد، فلدينا اليوم عدد جيد من المواهب الوطنية، لا سيما داخل الهيئة، وطموحنا هو تنمية أجيال جديدة من الصناعيين والخبراء والاختصاصيين في المجال عبر برامج تعليمية وتطبيقية سنعمل على تطويرها بالتعاون مع وزارة التعليم والجامعات محلياً، ومع مراكز الأبحاث والمصنعين حول العالم".

والهيئة العامة للصناعات العسكرية هي واحدة من 3 جهات تعمل في هذا القطاع بجوار الشركة السعودية للصناعات العسكرية، والمؤسسة العامة للصناعات العسكرية، وأُوكل للهيئة مهمة تحقيق مستهدفات رؤية 2030 في قطاع التصنيع العسكري، إذ تقوم بوضع تشريعات القطاع ومنح التراخيص للشركات في مجال الصناعات العسكرية، وهي المعنية كذلك بتطويره وتوطينه وتمكين المستثمرين المحليين والدوليين، بينما تنشط الجهتان الأخريان، وهما المؤسسة العامة للصناعات العسكرية والشركة السعودية للصناعات العسكرية "سامي"، في مجال التصنيع المباشر كمصنعين محليين ومهمين للقطاع، إذ تتولى الهيئة مهمة تسهيل عملهما ومساعدتهما على أداء مهامهما على الوجه المطلوب، إضافة إلى تمكين ودعم الشركات الأخرى في القطاع لتسهم بشكل كبير في دعم مسيرة التوطين في هذا القطاع الواعد.

المزيد من حوارات