Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

  مثقفون مصريون يستعيدون السجال حول آليات منح جوائز الدولة

جابر عصفور أبرز الفائزين... واستبعاد مرشحين مستحقين

من اجواء الاحتفال بجوائز الدولة المصرية (موقع وزارة الثقافة المصرية)

لجان تحكيم أعمال المرشحين لنيل جوائز الدولة المصرية، استبعدت مرشحين (خصوصاً لجائزة التفوق)، لا خلاف على جدارتهم بأن تضمهم القوائم القصيرة التي يتم اختيار الفائزين منها. تلك ملاحظة أساسية سبقت التصويت (اليوم الأحد 23 يونيو) على تلك القوائم وفق تعديلات جرت قبل عامين على قانون منح هذه الجوائز، لكن لم تصدر بها لائحة تنفيذية بعد. ويأمل مثقفون مصريون في أن تعالج اللائحة المنتظرة "سلطة مطلقة" باتت تتمتع بها تلك اللجان التي لم يستغرق عملها أكثر من عشرين يوماً، بدأت وانتهت الشهر الماضي، على الرغم من أن باب التقدم لجوائز هذه الدورة (النيل والتفوق) أُغلق في نهاية 2018، وأُغلق بالنسبة إلى التشجيعية والتقديرية في نهاية 2017!   

وعلى أية حال، أسفر التصويت عن فوز المعماري الأردني راسم بدران بـ"جائزة النيل للمبدعين العرب"، وهي جائزة مستحدثة منذ الدورة الماضية، وحصل الناقد والمفكر جابر عصفور على جائزة النيل في الآداب بعد منافسة مع الشاعر حسن طلب، وسبق أن نافس عليها العام الماضي الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي. ونالها في العلوم الاجتماعية الوزير السابق أستاذ القانون الدستوري مفيد شهاب، وفي الفنون نالها الفنان التشكيلي أحمد نوار الذي سبق أن تولى رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة لسنوات عدة.

وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون، كل من: المخرج المسرحي فهمي الخولي، والمعماري عبد الحليم إبراهيم، ومخرج الأفلام التسجيلية الناقد السينمائي هاشم النحاس، وفاز بالجائزة ذاتها في الآداب كل من الناقد محمد عبد المطلب، مقرر لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للثقافة، والكاتب المسرحي أبو العلا السلاموني، والشاعر محمد الشهاوي، وتم استُبعد الروائي محمد جبريل على الرغم من أن عدداً كبيراً من المتابعين رأى أنه يستحق تلك الجائزة منذ عقدين من الزمان على الأقل! فيما حصل عليها في العلوم الاجتماعية كل من: أستاذ الفلسفة الأمين العام السابق للمجلس الأعلى المصري للثقافة سعيد توفيق، وأستاذة القانون سميحة القليوبي، ورائد زراعة الكُلى محمد غنيم، بينما حُجبت الجائزة الرابعة في هذا الفرع.

وبلغ عدد الجوائز التي حُجبت عموماً 21 جائزة، ما دفع أعضاء المجلس الأعلى للثقافة إلى اتخاذ قرار بتشكيل لجنة لمعرفة أسباب "عدم تقدم الشباب لنيل الجوائز"!  

وتقرر النظر في كيفية الإعلان في الجرائد الرسمية عند فتح أبواب التقدم لنيل الجوائز، إضافة إلى مراجعة المعايير التي يقوم على أساسها الترشح. ولوحظ أن هناك جوائز في مرتبة "التشجيعية" لم يتقدم لها أحد. وتتراوح قيمة تلك الجوائز المادية من الأدنى إلى الأعلى بدءًا من "التشجيعية"، مرورا بـ"التفوق"، فـ"التقديرية" ثم "النيل". 

آراء مختلفة

"اندبندت عربية" استطلعت آراء عدد من المثقفين المصريين حول آليات منح تلك الجوائز، وسبل معالجة ملاحظات تحد من صدقيتها سنة بعد أخرى، على الرغم من أنها الأقدم في العالم العربي، وباتت منفتحة على العرب منذ الدورة الماضية عبر "جائزة النيل" التي تُعتبر الأهم بين تلك الجوائز التي تُمنح سنوياً في مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية.    

الشاعر فريد أبو سعدة: "لتجنب المحاباة المترسخة استناداً إلى آليات التصويت القائمة، أقترح أن يتولى التصويت خمسون شخصاً سيق لهم الحصول على هذه الجوائز، فهم أقدر على تثمين إنجازات المرشح".

الناقد الأدبي أحمد مجاهد: "التعديل الخاص بعدم تصويت رؤساء هيئات وزارة الثقافة، والاكتفاء بتصويت وزير الثقافة ضمن نحو 60 شخصاً يتشكل منهم المجلس الأعلى للثقافة مانح جوائز الدولة، هو أمر رائع، لأنه يقضي على الجبهات والشللية، على اعتبار أن هذه الكتلة التصويتية كانت تضم أكثر من 10 أصوات. ومن المنظور نفسه (محاولة القضاء على الشللية) نجد أن لجان التصفية أضرَّت بهذا الأمر ضرراً بالغاً إذ أصبحت اللجنة التي يصل عددها إلى حوالى سبعة أشخاص (لم يحضر منهم ثلاثة الاجتماع الأخير في لجنة فرز المرشحين لجائزة التفوق في الآداب التي تقدمتُ إليها)، تتحكم في التصفية، علماً أن هذا حق دستورى أصيل للمجلس".

القاص منير عتيبة: "أرى أن جائزة الدولة التشجيعية هي من أنقى جوائز الدولة في مصر، لأنها تعتمد على رأي اللجنة في مجموعة من الأعمال المقدمة للتنافس، والعمل الذي يحصل على أعلى الدرجات هو الذي يفوز، من دون الحاجة إلى تصويت المجلس. ولا يضايقني فيها إلا حجبها الجائزة أحياناً، بدعوى أنها لم تجد عملاً يرقى للحصول على الجائزة من الأعمال التي أُنتجت خلال ثلاث سنوات سابقة. إذن، الحجب لا ينم سوى عن كسل اللجنة التي يُفترض بها معرفة كل أو على الأقل أهم ما أُنتج في مجالها. كما أن الحجب يوصل رسالة سيئة مفادها بأن البلاد عجزت خلال ثلاث سنوات عن تقديم عمل يستحق جائزة تشجيعية وهذا لا يمكن أن يكون صحيحاً. أعتقد أن اللجنة التي تحجب جائزة، لا تستحق أن تحكم أي جائزة بعد ذلك. أما الجوائز الأخرى التي تعتمد على التصويت بدرجة أو بأخرى، فأعتقد أن مشكلتها الأساسية تكمن في أن كثيرين ممن لهم حق التصويت يعرفون جيداً عن مجالهم، لكنهم قد يعرفون قليلاً عن مجالات أخرى، ولا يعرفون شيئاً عن بعض المجالات. ومع ذلك، يجب أن يكون لهم دور في منح الجائزة لهذا ومنعها عن ذاك. وأرى أن توضع معايير موضوعية لمثل هذه الجوائز تحدد نقاطاً معينة، لا بد أن تستوفى في المرشح، وتعطي لكل نقطة درجات، وتتم تصفية المرشحين إلى ثلاثة حصلوا على أعلى درجات، ويكون التصويت على هؤلاء الثلاثة الذين يستحق كل منهم الجائزة، وذهابها إلى أحدهم لن يكون موضع شك أنه يستحقها".

الناقد محمود الضبع: "نحن نحتكم إلى الذوق الشخصي ولا نحتكم إلى المعيار. هكذا يمكن توصيف جوائز ومسابقات الأدب على وجه الخصوص. ففي الوقت الذي يحتكم العالم كله إلى معايير ومقاييس في تحكيم الأعمال الأدبية والفنية، ما زلنا نحن نحتكم إلى ذوق أجيال تنتمي إلى وعي يبتعد كثيراً عن الوعي الحاضر والذوق الجمالي السائد. فكيف يحكم – مثلاً - مَن ينتمي وعيه إلى السرد الكلاسيكي (القصة والرواية والمسرح) على الرواية الجديدة والقصة القصيرة جداً والمسرح التجريبي؟ وكيف لمن يدين بالولاء للمنهج النقدي ويرى الخروج عنه نزقاً، أن يكون محكماً على محاولات انفتاح الرؤية النقدية وخروجها عن المقتضيات الصارمة للمنهج؟

أبعاد شخصية

هكذا هو الحال في تحكيم جوائز الدولة على وجه الخصوص، الاحتكام إلى آراء تتأثر في الأبعاد الشخصية وليس في الوثيقة العلمية التي لا تعترف بالمشاعر والعواطف. واضح أننا ما زلنا نحتكم في تقييم أبحاثنا العلمية والأدبية والفنية لآراء الأشخاص الذين يحتكمون بدورهم إلى خبرتهم العريضة في مجال التخصص، ولكن ماذا لو قلنا إن مجال التخصص ذاته اتسع ولم يعد في الإمكان أن يحيط به متخصص كائناً من كان، وأن المنهج الصارم محدد المعالم الذي كانت خطواته معروفة انقضت أيامه وصار العالم يميل إلى فلسفات ضد المنهج أحياناً، وإلى فلسفات المناهج البينية أحياناً أخرى، ناهيك عن الانفتاح الثقافي والتدفق المعلوماتي وتكنولوجيا العلوم والمعارف التي فتحت المشهد على مصراعيه.

وتعد أهم الملاحظات على جوائز الدولة هي طريقة التحكيم التي تتم في كل الفروع عن طريق توزيع كل مجموعة أعمال على ثلاثة محكمين، ثم توزيع مجموعة أخرى على ثلاثة آخرين، وكل محكم يمنح درجة تبعاً لمفهومه هو عن التقييم ورؤيته، من دون اتفاق على معيار ضابط حاكم أو مجموعة مؤشرات كما يقول العلم، ثم تُجمع درجات المحكمين الثلاثة لكل عمل.

ويكمن الخلل في طريقة المحكمين الشخصية لتقدير الدرجات، فأساتذة الجامعات مثلاً يرون أن الدرجة 90 من 100 هي أعلى معدل تقييم يمكن أن يحصل عليه العمل، لأنها تساوي تقدير "امتياز" في التقييم الجامعي، في حين يرى غيرهم أن 99 و100 هي الدرجة الطبيعية للتعبير عن إعجابهم الشخصي، وهنا يأتي الخلل، فقد يكون من حظ كاتب جيد ومتميز أن يحكمه من يكون حدهم الأعلى 90، في حين يكون من حظ كاتب متوسط أو أقل قيمة أن يحكمه من يكون حدهم الأعلى 100 وبالتالي عند احتساب مجموع الدرجات تضيع القيمة وتعلو العشوائية. هل يمكن لنا أن نصدق أن ذلك هو المعيار الأول والأساسي لتحكيم هذه الجوائز، ولعل ذلك ما يفسر اجتماع اللجنة ثلاث مرات على الأكثر لإعلان النتيجة، لأنها باختصار لا تقوم بعمل التحكيم وإنما بعمل توزيع الأعمال، وتجميع الدرجات، وكفى. علينا تلافي الأخطاء السابقة إذا أردنا لهذه الجوائز أن تكتسب المصداقية".

الشاعر مسعود شومان: "أظن أن جوهر مشكلات جوائز الدولة يكمن في اللائحة التي تحدد شروط التقدم والجهات المرشحة وتشكيل لجان الفحص وكذا آلية التصويت التي تنص على حصول المرشح على ثلثي أصوات أعضاء المجلس. وأتصور أنه تجب إعادة النظر في الجهات المرشحة واختيار لجان الفحص بموضوعية في ضوء قواعد بيانات تقدم وصفاً للمتقدمين وأعمالهم وتحديد اللجان في ضوء الأنواع المتقدمة، فاللجان غالباً لا تكون متسقة وربما لا تكون مؤهلة للحكم على أعمال بعض المتقدمين، وهذا ليس حكماً بالقيمة ولكن يعتور الاختيار عدم الموضوعية، ما يترتب عليه اختيارات عير متصفة للقوائم القصيرة. وحتى لو تم الاختيار بشكل موضوعي، فقد يحجب التصويت الجائزة أو يُترك مبدع مستحق لأسباب اختيار الأكبر سناً أو الأكثر شهرة أو صاحب العلاقات الواسعة ببعض الأعضاء الذين يرجّحون بدورهم فوزه عبر التنادي. فعلى سبيل المثال، دخلتُ القائمة القصيرة في المرتبة الأولى للحصول على جائزة التفوق عام 2017 والعام الذي يليه، استُبعدت. أليست هذه مفارقة تضرب الموضوعية في مقتل؟ فعلى أي أساس تمَّ حصولي على أعلى الدرجات ثم استبعادي؟ لقد مات فؤاد حداد من دون أن يحصل على جائزة وهو "والد الشعراء"، بينما حصل عليها مَن هم دونه بكثير. ولا شك في أن هناك ظلماً يقع على شعر العامية والدراسات الشعبية بسبب بُعد أعضاء اللجان عن التخصص أو رفضهم لهذا الشعر وتلك الدراسات ووضع اعتبارات اجتماعية أو سِنية أو مرضية كأسباب للحصول على الجوائز".

حديث الواسطة

الروائي رؤوف مسعد: "الأمر يتعلق بـ"قدس الأقداس" الذي من خلاله تكرم الدولة "مواطنيها". يقول نقاد إن بعض أعمالي الروائية وبخاصة عملي الأول "بيضة النعامة" حقق إنجازاً ريادياً في بنيته، وكذلك في "الثيمة" التي عملتُ عليها مازجاً بين السيرة الذاتية المروية وبين الرواية، بخاصة أن الرواية كانت تركز على المسيحيين المصريين وعلاقتهم بإخوة الوطن، وعوالمهم التي كانت تبدو مغلقة أو شبه مغلقة أمام الأعمال الأدبية. كذلك جرى تقديرها إيجابياً كرواية "إروتيكية" ابتعدت عن المألوف من الكتابات الجنسية العربية الفجة. ومن ثم، تُرجمت عبر مؤسسة "ذاكرة المتوسط الدولية" المدعومة من السوق الأوروبية المشتركة إلى الفرنسية والإيطالية والإسبانية والسويدية والهولندية. لكن يبدو أن كل هذا لم يشفع لي في أن أستحق واحدة من جوائز الدولة في مصر. أعتقد أن هذه الجوائز مرتبطة بالثقافة العامة المصرية التي تستند إلى "الواسطة". أنا بعيد عن دوائر "الواسطة"، على ما يبدو، فضلاً عن أن كتاباتي "إروتيكية" ولذلك لم يرشحني أحد. بلغتُ أخيراً الثانية والثمانين من عمري، وأمارس الكتابة منذ نصف قرن زاهداً في ماديات حياتنا، أوطن نفسي على السكينة والاستغناء لأتأهب لرحيل كريم".

الناقد المسرحي محمد الروبي: "أتصور أنه آن الأوان لإعادة النظر في نظام الترشح لجوائز الدولة وبخاصة الأعلى منها مثل النيل والتقديرية. وأتصور أن إعادة التفكير لا بد أن تبدأ في معنى الجائزتين (النيل والتقديرية)، فلا يوجد فارق نوعي كبير بين الجائزتين اللهم إلا في القيمة المالية الأعلى للأولى، الأمر الذي يحتم أن تُحذف الأولى والعودة مرة أخرى إلى أن تكون التقديرية هي الجائزة الأعلى. وأظن أن الجائزة المستحدثة (النيل) كانت بهدف تخليد اسم الرئيس السابق (حسني مبارك)، إذ كانت تحمل اسمه حتى قيام ثورة يناير 2011. فأن يكون لدينا جائزة واحدة كبيرة وتقديرية يعطيها معناها الحقيقي، فليس كل مبدع في مجاله يستحق "تقديرية بلاده". أما عن آلية الترشح، فأتصور أن النظام المعمول به منذ إنشاء هذه الجوائز، الذي يعتمد على الترشح من قبل هيئة أو مؤسسة هو نظام يُفقد الجائزة كثيراً من معناها، كما أنه يضع المترشح للجائزة في حرج لا يليق باسمه الذي يُفترض أنه كبير بإنجازه في مجاله. ويحيل الأمر إلى تسابق وهو ليس كذلك، فهو - يفترض - أنه تكريم واعتراف من الدولة أن ذلك الاسم يستحق بما قدمه في مجاله الحصول على اعتراف من الدولة بقيمة ما قدم ومن ثم تقديمه كنموذج يُحتذى. وهنا أقترح أن تكون اللجنة المانحة لهذه الجائزة هي لجنة مشكّلة من نخبة من كبار العاملين في المجال، يضاف إليها الحاصلون على الجائزة في سنوات سابقة، وتكون هذه اللجنة في انعقاد شبه دائم طوال العام، تتابع المنجز والتاريخ وتقارن بين المستحقين وفقاً لآليات يمكن الاتفاق عليها، من بينها قيمة هذا المنجز بالمقارنة مع من سبق ممن حصلوا عليها. وأن تحرص هذه اللجنة على أن يكون عملها البحث في المنجز طوال التاريخ، هو عمل يعتمد على منهج يضع المجال تحت مجهر البحث العلمي القائم على الإجابة عن سؤال: ماذا قدم هذا المنجز لتاريج المجال ومن ثم للمجتمع؟

أما آلية أن ترشح هيئة اسماً ما، فهي تصل بمنح الجائزة إلى من سيصيبه الدور. هذا من ناحية. وستتغافل مبدعين كثيرين لا يفضلون الدخول لكبر قامتهم في صراع أن ترشحه الهيئة التي ينتمي إليها أو لا ترشحه. ولعلنا نذكر جميعاً أسماء كثيرة وفي المجالات كافة رحلوا عن عالمنا من دون أن يحصلوا على الجائزة، لأنهم ببساطة لم يصارعوا على أن تمنحهم هيئة ما فضل ترشيحهم".

"الكوتة" الادارية

الشاعر محمود خير الله: "السؤال حول المصداقية، التي يمكن أن تتمتع بها "جوائز الدولة"، لا محل له من الإعراب. أنا هنا أتحدث تحديداً عن جوائز الشعر، لأن الذين يحصلون عليها، هم أناسٌ لا يخرجون عن حالتين اثنتين: إما أن يكون الحاصل على الجائزة جزءًا لا يتجزأ من "الكوتة" الإدارية للدولة، بغض النظر عن موهبته، وبالتالي يكون حصوله عليها أمراً متوقعاً، وإما أن يكون الحاصل عليها مريضاً أو مصاباً بداء عضال، ويكون حصوله عليها في هذه الحالة، أمراً مثيراً للشفقة ولا يستطيع أحد أن يعلق عليه. أما لو كنتَ شاعراً موهوباً لا تعتبر نفسك جزءًا من "الكوتة" الإدارية، ولستَ تعاني من أي مرض، فهذا يعني أنك لن تحصل على الجائزة، حتى لو كنت "رامبو". والأدلة على ذلك بلا حصر، فقد مات أهم الشعراء المصريين الذين أثروا في القصيدة العربية من دون أن يحصلوا على أية جائزة من الدولة، من أمل دنقل، إلى فؤاد حداد وصلاح جاهين، وبالتالي عن أية مصداقية يمكن أن نتحدث؟

ثم دعني أسألك وأسأل كل من يقرأ ويتابع أمر الشعر، هل تعرف شيئاً عمن فازوا بجوائز الدولة التشجيعية في الشعر، خلال السنوات العشرين الماضية، إنهم مجرد تلاميذ مخلصون يجلبهم الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي إلى حظيرته الشعرية التقليدية، التي لا تحتفي سوى بالقصيدة التفعيلية التي يفضلها مزاجه القديم، ولإغاظة شعراء قصيدة النثر، ولو كان هناك استثناء أو أكثر، فهذا لا يعني سوى أنه الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. والسؤال: لماذا ضيعت جائزة الدولة التشجيعية مئات الآلاف من أموال الدولة على من لا يكتبون الشعر إلا للحصول على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر؟ بينما الأمر لا ينطبق مثلاً على الحاصلين على جوائز الرواية، فهؤلاء كتاب معروفون من أصحاب الروايات ويمكنني أن أعدد لك أسماء الروائيين الشبان الذين واصلوا الكتابة بعد حصولهم على التشجيعية (في الرواية أو في القصة) وصاروا أكثر إنتاجاً بعد الجائزة، على عكس الشعراء. أعتقد أنه يحق لمثلي ممن يكتبون قصيدة النثر ولم يتقدموا أبداً للحصول على جوائز الدولةـ أن يتقدم ببلاغ ضد لجان تحكيم جائزة الدولة التشجيعية في الشعر، لأنها أهدرت خلال العشرين عاماً الماضية عشرات الآلاف من الجنيهات من أموال الدولة على الشعراء الأشباح".

المزيد من ثقافة