Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا بعد إقصاء النفط الليبي عن لهيب السياسة؟

نتائج إعادة تدفق الخام تظهر سريعاً على الاقتصاد والخدمات ورئيس المؤسسة الوطنية الجديد يتعهد بحيادها

عزز إعادة فتح حقول وموانئ النفط الإشاعات عن صفقة سياسية عقدت في الخفاء بين الطرفين المتنازعين في الشرق والغرب (أ ف ب)

نجح الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، بعد يوم واحد من تسلم مهماته، في فتح صمامات النفط المقفلة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، من قبل محتجين على سياسات حكومة عبد الحميد الدبيبة ورفضها تسليم السلطة إلى الحكومة الجديدة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا.

ففي الوقت الذي تشكل هذه الخطوة دعماً كبيراً للاقتصاد الليبي الذي يعتمد بشكل كامل على ما يدره النفط من إيرادات، فإنها عززت الإشاعات عن صفقة سياسية عقدت في الخفاء بين الطرفين المتنازعين في الشرق والغرب وأدت إلى إسقاط الرئيس السابق للمؤسسة مصطفى صنع الله وتعيين بن قدارة وفتح الحقول النفطية، مقابل تنازلات ستقدمها جميع الأطراف لبعضها البعض.

عودة تدفق الخام

أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط بقيادة بن قدارة في بيان لها، رفع حالة القوة القاهرة والإنهاء الشامل للإغلاقات في جميع الحقول والموانئ الليبية اعتباراً من الجمعة 15 يوليو (تموز).

وقالت المؤسسة في مؤتمر صحافي من بنغازي برفقة أعيان وأعضاء حراك الهلال النفطي الذين أوقفوا ضخ النفط في الأشهر الماضية، إنها "أعطت التعليمات بمباشرة ترتيبات الإنتاج بمراعاة معايير الأمن والسلامة العامة وسلامة العمليات"، وتعهدت بـ"التمسك بالثوابت المهنية غير السياسية، وأنها مستمرة في أداء مهماتها بكل حياد".

وأشارت إلى أن "مجلس إدارة المؤسسة المعين بموجب قرار مجلس وزراء حكومة الوحدة سيلتزم بأنظمة الحوكمة والعمل المؤسسي والشفافية والإفصاح، بعيداً من العمل الفردي الارتجالي بما يليق بهذه المؤسسة العريقة".

وأكدت أنها "ستعمل بكل جهد بالتنسيق المستمر مع وزارة النفط والغاز على الوصول بمعدلات الإنتاج الطبيعية ما قبل الإغلاق إلى أعلى مستوياتها في أقرب الآجال، وعودة إنتاج الغاز المغذي لوحدات إنتاج الطاقة وتنفيذ خطة فاعلة لزيادة الإنتاج بالتنسيق مع الشركاء الدوليين من خلال الموازنة الاستثنائية المعتمدة للعام الحالي".

بعيداً من الأيديولوجيا

من جانبه، أكد بن قدارة أن "من أولويات عمل إدارة المؤسسة تفعيل أنظمة الحوكمة والتزام العمل بقانون النفط الليبي الذي يحدد العلاقات مع المؤسسات الدولية". وقال في كلمة ألقاها عقب تسلمه مهمات عمله، "سنعمل بأعلى معايير الشفافية بالإفصاح عن الإيرادات وطريقة تكوينها وما تم إنفاقه داخل المؤسسة وشركاتها".

وشدد على "ضرورة إرجاع النفط والغاز بانتظام وصرف الموازنة الاستثنائية للقطاع بما يحقق الأهداف المرجوة منها"، وقال إن الأطراف الدولية والمحلية اتفقت على أن تأتي لإدارة المؤسسة شخصية ليس لها انتماء سياسي أو أيديولوجي لتديرها بشكل محايد ومهني.

وطمأن بن قدارة الشركاء الأجانب في شأن "المحافظة على كل التعهدات والاتفاقات المبرمة"، مؤكداً سعيه بإشراف الحكومة على تطويرها.

وحول ما يثار من اتهامه بالتبعية لدولة بعينها، قال بن قدارة، "هذا كلام فارغ غرضه التشويش، وأسافر إلى كل مكان في ليبيا من دون مشكلات، ولست محسوباً على أي طرف. أنا رجل وطني ومستقل برأيي ولا أريد المزايدة على أحد".

وجاء حديث بن قدارة، رداً على اتهامات وجهها إليه رئيس مؤسسة النفط المقال مصطفى صنع الله، بالسعي لبيع قطاع النفط لدولة الإمارات التي كانت آخر محطة عمل له في الأعوام الماضية.

كما تعهد بن قدارة بعدم إقحام المؤسسة في الصراع السياسي، مشيراً إلى اتصال أجراه مع مسؤولين في السفارة الأميركية لدى ليبيا أبدوا تخوفهم من استخدام أموال النفط في دعم طرف على حساب آخر، قائلاً إنه "أوضح لهم الأمر، وأجرى مشاورات مع أطراف من الحكومة الفرنسية في الإطار ذاته، وأيضاً أجرت حكومة الوحدة محادثات مماثلة مع أطراف دولية أخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خسائر بالجملة وانتعاشة سريعة

عودة ضخ النفط الليبي من بعض الحقول والموانئ التي أقفلت في الأشهر الثلاثة الماضية، أوقفت نزف الخسائر المالية التي تكبدتها البلاد جراء هذا الإغلاق القسري، وبلغت حتى بداية الشهر الحالي 3.5 مليار دولار، بحسب المؤسسة الوطنية للنفط.

وقالت المؤسسة إن "الخسائر الناجمة عن الإغلاقات تجاوزت حتى بداية يوليو 16 مليار دينار ليبي (3.59 مليار دولار)، وانخفض الإنتاج بشكل حاد لتتراوح الصادرات اليومية بين 365 و409 آلاف برميل، علاوة على فقدان 220 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً".

وكان الإنتاج الليبي من النفط استقر خلال الربع الأول من 2022 عند حدود 1.063 مليون برميل يومياً، ليهوي خلال الربع الثاني إلى نحو 600 ألف برميل جراء الاحتجاجات في الحقول والموانئ النفطية.

وخلال ساعات فقط بعد الإعلان عن فتح الحقول والموانئ النفطية، بدأت إيجابيات هذه الخطوة تظهر، إذ أعلنت الشركة العامة للكهرباء عن نهاية أزمة الانقطاعات الطويلة للتيار، التي لعب توقف إمدادات الغاز لمحطات التوليد من منطقة الهلال النفطي، مقر الاحتجاجات، دوراً بارزاً فيها.

وأكدت الشركة أن "إعلان المؤسسة الوطنية للنفط رفع القوة القاهرة عن الحقول والموانئ النفطية سينعكس إيجاباً على قدرة الشبكة العامة للكهرباء في كل ربوع ليبيا، وإعادة التصدير ستؤدي إلى عودة إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء، خصوصاً في الجناح الشرقي، مما سيؤدي إلى تحسين أداء الشبكة بفارق مهم".

في المقابل، أعلنت وزارة المالية في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس أن "رفع القوة القاهرة يسهم في تحصيل الإيرادات منها لتغطية المرتبات وما في حكمها وصرفها في حينها". وأكدت الوزارة أن "تحصيل الإيرادات يغطي مصاريف التشغيل وتطوير قطاع النفط وتقديم الخدمات الأساسية وتغطية دعم المحروقات والكهرباء."

أيام حاسمة للقطاع

وفي تعليق له على التغييرات الكبيرة التي يشهدها قطاع النفط الليبي، وآخرها الصراع على إدارة المؤسسة الوطنية، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة بنغازي جمال الشطشاط إن "الأيام المقبلة تفتح الباب لسيناريوهين في شأن مستقبل القطاع الحيوي، الأول أن ينجح بن قدارة المشهود له بالكفاءة التي قادته إلى مناصب مرموقة في الداخل والخارج في إنقاذه من الهاوية التي يقف على مشارفها ويجر إليها الاقتصاد الليبي برمّته، بداية من قدرته على إعادة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية".

وحذر الشطشاط من السيناريو الثاني، الذي "لو وقع سيكون مؤلماً حقاً ويهدر آخر ما تبقى من سيادة الدولة عبر فشل بن قدارة في مهمته الصعبة، أو حتى أن يؤدي الصراع على إدارة المؤسسة إلى انقسامها، ما يفتح المجال لتنفيذ المقترح الأميركي الذي ينص على إدارة دولية للموارد النفطية وتقسيم عوائدها، وهو ما ألمح إليه السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند في الفترة الأخيرة، ولقي ترحيباً دولياً وقبولاً حتى من بعض الأطراف المحلية".

وخلص إلى أن "الأيام المقبلة حاسمة لمستقبل القطاع الذي ستلعب فيه أطراف دولية دوراً بارزاً، خصوصاً في ظل أزمة الطاقة التي يشهدها العالم، والتي لن يسمح معها باستمرار الصراع على ورقة النفط بين فرقاء ليبيا، الأمر الذي سيؤثر في الأسواق الدولية التي تعاني أصلاً حالاً من عدم الاستقرار".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي