Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمطار تختبر الخرطوم بدرس قاس مع مطلع موسم خريف

لم تنفع الاحتياطات المتخذة مسبقاً والتوقعات الصائبة في درء الأزمة

شكلت كل الحكومات الولائية غرفاً لطوارئ الخريف والسيول والفيضانات بغرض المتابعة اليومية للموقف والتنسيق مع الجهات الفنية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

على الرغم من الاستعدادات وغرف العمليات والتحركات في إطار التحوطات لخريف هذا العام التي انتظمت في جميع أنحاء السودان، فإن الخرطوم تلقت نهاية الأسبوع الماضي، أول درس قاسٍ من بواكير خريف هذا العام، إذ تسببت أمطار رعدية غزيرة شهدتها معظم أنحاء العاصمة في تراكم كميات كبيرة من المياه وسط الأحياء تسببت بتكدس مروري، في أول اختبار جدي للاستعدادات والجاهزية لفصل الخريف، فيما توحي المؤشرات والتوقعات بزيادة معدلات الأمطار خلال الفترة القصيرة المقبلة. ولم تخلُ التوقعات أيضاً من احتمالات حدوث فيضانات قادمة من الهضبة الإثيوبية.

الأزمة المتجددة

وكشف أول هطول للأمطار في موسم 2022، عن مدى ضعف وهشاشة البنية التحتية والخلل الهيكلي في مصارف المياه الذي ظل ملازماً لولاية الخرطوم طوال سنوات مضت، من دون إيجاد حلول جذرية. وظلت معظم جهود السلطات تنصب على إيجاد الحلول الإسعافية ومواجهة تداعيات ما بعد الأزمة أو الكارثة، على الرغم من أن لموسم الخريف مواعيد معلومة، مع وفرة بيانات التنبؤ والتوقعات الموثوقة المسبقة حول معدلات ونسب الأمطار المتوقعة، لكن بقي هذا الموسم هو الأزمة الدائمة المتجددة كل عام.
وشكا سكان عديد من أحياء العاصمة السودانية، الراقية منها والشعبية، من تحول معظم ساحات الأحياء والطرقات إلى برك كبيرة من مياه الأمطار، ما تسبب في صعوبات كبيرة في الحركة، سواء للراجلين أو مستخدمي السيارات، مع تكدس في حركة السير، وسط شوارع مغمورة بالمياه، بخاصة في مناطق الخرطوم، فيما سعت السلطات المحلية وهي تسابق الزمن لتدعيم بعض الجسور القريبة وفتح مصارف المياه وبعض الممرات.


لجنة الطوارئ

وكانت اللجنة العليا للحد من مخاطر السيول والفيضانات والأمطار بولاية الخرطوم، عقدت أول اجتماعاتها في آخر أبريل (نيسان) الماضي، برئاسة مختار عمر صابر، المدير العام لهيئة الطرق والجسور ومصارف المياه، لاتخاذ الترتيبات الخاصة بأعمال الطوارئ لموسم خريف هذا العام ومتابعتها. واطلعت اللجنة على تقارير الأعمال الجارية بالمحليات، والتي تقوم بها هيئة الطرق والجسور ومصارف المياه في تطهير ونظافة مصارف المياه ونظافة المصبات إلى جانب تدعيم التروس النيلية، وتأكيد أهمية توحيد وتضافر جهود كل الجهات ذات الصلة.
ودعا صابر إلى "توفير الاحتياجات والمطلوبات الضرورية الخاصة بالدفاع المدني، مع إشراك مفوضية العون الإنساني والمنظمات الطوعية الأخرى في جهود وأعمال لجنة طوارئ الخريف"، مؤكداً دور هيئة الطرق والجسور ومصارف المياه في توفير كل ما يليها للأعمال الخاصة بالدفاع المدني.
وفي محلية شرق النيل بالخرطوم شديدة التأثر بالأمطار والسيول، وضعت غرفة طوارئ الخريف التحوطات والتدابير اللازمة لمجابهة الوضع. وأوضح مدير الشؤون الإدارية والخدمة العامة بالمحلية، الغالي محمد سليمان، لدى تفقده الغرفة أن "حفر وتطهير المصارف أسهم في تصريف المياه بصورة طبيعية"، مشدداً على "إزالة الأنقاض التي أعاقت التصريف وتسببت في تراكم المياه في الشوارع".
وأوضح سليمان أن "المحلية استفادت من تجاربها السابقة مع كارثة السيول والأمطار"، مؤكداً "استعداد غرفة الطوارئ بالمحلية للتعامل مع جميع البلاغات الواردة إليها"، وأثنى على تضافر الجهود بين الجهات المختلفة من أجل درء آثار الخريف.

إزالة التعديات

من جانبه، جدد والي ولاية الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة التوجيهات بتطبيق القوانين وإزالة جميع المخالفات والتعديات على المصارف والطرق التي تعوق الحركة تتسبب في سوء تصريف مياه الأمطار.
وقال المدير العام لوزارة البنى التحتية والمواصلات، كمال الدين حسن عبد الرحيم، لوكالة السودان للأنباء (سونا)، أن خطة الوزارة للعام 2022، تشمل جوانب خدمية عدة، بما فيها صيانة ورصف الطرق وتشييد مصارف مياه الأمطار وتوفير مياه الشرب وصيانة شبكات الصرف الصحي.
بدوره، تفقد وزير الصحة الاتحادي، هيثم محمد إبراهيم، برفقة كبار موظفي الوزارة، غرفة الطوارئ بالخرطوم، خلال أيام عيد الأضحى بغرض الوقوف على الوضع الصحي في الولاية.
ووقف الوزير المكلف على وضع غرفة الطوارئ والإشراف وتحليل العمل بالمستشفيات وأقسام الحوادث والقوى العاملة بالمستشفيات والعلاج المجاني وكل ما يتعلق بصحة البيئة.

سيول تجتاح كسلا

وشهدت ولايات أخرى هطول أمطار متفاوتة المعدلات، كانت غزيرة في كل من ولايات سنار، النيل الأزرق، شمال كردفان والجزيرة، وخفيفة إلى متوسطة في النيل الأبيض، جنوب كردفان، القضارف، جنوب وشرق دارفور، لكنها كانت الأعنف في ولاية كسلا شرق السودان، حيث أغرقت السيول التي رافقتها عدداً من القرى والأحياء بعاصمة الولاية.
وأشار مدير إدارة الخدمات بمحلية كسلا، لؤي محمد عثمان إلى أن "السيول غمرت مناطق كبير بالضفة الغربية في أحياء الشهيد وريبا"، مشيراً إلى أن "التدخل السريع للجنة الطوارئ وفتح المجاري لتصريف الكميات الكبيرة من المياه، قلل من حجم الأضرار وأسهم في تفادي تفاقم الخسائر ووقوع كارثة، بينما تعمل جمعية الهلال الأحمر السوداني بالولاية على حصر أعداد المتضررين وحجم الأضرار التي أحدثتها السيول في منازل عدد من المواطنين.
وشكلت كل الحكومات الولائية غرفاً لطوارئ الخريف والسيول والفيضانات، بغرض المتابعة اليومية للموقف والتنسيق مع الجهات الفنية بالمحليات، ورفع تقارير يومية وأسبوعية وشهرية إلى اللجنة العليا، إضافة إلى تلقي البلاغات العاجلة والتعامل الفوري معها على مدار الساعة.
وبحسب مكتب الأمم لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا)، تضرر نحو 6250 شخصاً من الأمطار الغزيرة والفيضانات في كل من ولايات كسلا، النيل الأبيض وجنوب كردفان منذ بداية موسم الأمطار في يونيو (حزيران) الماضي.

لماذا الفشل؟

في السياق، طالب نائب المدير العام السابق لمصلحة المساحة السودانية، المهندس صديق مكي لـ"اندبندنت عربية" بضرورة "إحياء دور هندسة المساحة المتخصصة في عمل النماذج الهندسية لجميع عمليات التخطيط، وإنهاء حالة تغييب دور مصلحة المساحة كجهة اختصاص مرجعية بالدولة".
وشدد مكي على "اتخاذ إجراءات هندسية لتصحيح وتجاوز أخطاء التخطيط الماضية التي نجمت عن ضعف الرؤية الهندسية، وتغييب دور هندسة المساحة في وصف وتعريف كل درجات الارتفاعات الهندسية للمنخفضات والمنحدرات في طبوغرافيا البلاد".
في سياق متصل، عزا المتخصص في تخطيط المدن، المهندس صلاح عثمان، مشكلات غياب التصريف المتكررة سنوياً وغرق شوارع الخرطوم كل عام، إلى "غياب الإدارة الحضرية مع أن الدراسات والأفكار موجودة والبحوث والكوادر، لكن تنقصها إرادة التنفيذ العلمي المخطط له"، منوهاً بأن "ميول السياسيين نحو المشروعات البراقة سريعة العائد الإعلامي من دون انتظار دراستها، تعتبر إحدى المشكلات التي تواجه العاصمة اليوم، وراكمت فوقها أخطاء هندسية تدفع ثمنها كل خريف".
ودعا عثمان إلى "إجراء معالجات هندسية أساسية، لكل المشروعات والمنشآت التي شيدت من دون مراعاة الاعتبارات المساحية"، معتبراً أن "تلك المعالجات أقل كلفة بكثير من خسائر وأضرار الفيضانات".
ولتفادي تكرار غرق شوارع وأحياء الخرطوم، نصح عثمان بتكوين آلية مركزية للتخطيط، تضم كل الجهات المتخصصة، يناط بها حصرياً إصدار التصديقات والتصاريح لأي إنشاءات أو مبانٍ ومشروعات بمختلف أنواعها، لضمان اتساقها مع المعايير العلمية والهندسية السليمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قصور التخطيط

وكشف عثمان عن "تقصير في عمل لجان التخطيط بالولايات لعدم شمولها كل التخصصات الهندسية والفنية المطلوبة، ما أفقد قراراتها النظرة المتكاملة والرؤية الشاملة لمقتضيات التنمية الحضرية، وتسبب بكثير من الإخفاقات الهندسية، التي خلقت عوائق وحجبت البعد الهندسي، وتسببت بالتالي في تدمير نظم التصريف الجيدة الموروثة منذ ما قبل استقلال البلاد".
وكشف مهندس التخطيط الحضري عن "عدم انضباط معظم شوارع الخرطوم هندسياً، حيث لم يراع فيها الانحدار اللازم، باعتبار الطريق هو نفسه مصرف للمياه في سياق اعتبارات هندسة التصريف السطحي الأقل تكلفة من التصريف السفلي ومتطلباته في حفر المجاري والمنهولات، شريطة أن تراعى فيه المواصفات الكنتورية المطلوبة"، مشيراً إلى "وجود بعض الشوارع الرئيسة بالعاصمة تمضي في عكس اتجاه الانسياب الكنتوري، ما جعل معظم الشوارع تحبس المياه مع غياب المجاري السفلية اللازمة، وكذلك غياب الصيانة السنوية الدورية للطرق بمراعاة المواصفات الهندسية المطلوبة التي تأخذ في الاعتبار المعايير الكنتورية".

حلول وتوقعات

وعن الحلول يقول مهندس التخطيط الحضري، إن "الحلول ممكنة، لكنها تتطلب وقتاً وتدرجاً، قد تستغرق نحو 5 سنوات، يراجع وينجز 20 في المئة منها كل عام بانضباط تام، كما أن التدرج يسهم أيضاً في تخيف التكلفة وتوزيعها".
وشدد عثمان على "ضرورة أحياء دور هندسة المساحة المتمثل في الهيئة العامة للمساحة السودانية، باعتبارها المرجعية للتخطيط الحضري، سواء بالنسبة للأراضي وطرق المرور والمصارف، وكلها يجب أن تبنى على الرؤية الهندسية المساحية، غير أن هذا الدور مغيب تماماً، مما تسبب في قيام أحياء حديثة من دون تخطيط هي الآن مهددة لأنها أنشئت في مناطق ووديان وخيران جريان مياه الأمطار بسبب غياب المعلومة الهندسية المساحية".
من جانبها، توقعت الهيئة العامة للإرصاد الجوي، استمرار هطول أمطار بمعدلات أعلى خلال الأسابيع المقبلة في ولايات البلاد الوسطى والشرقية والغربية وأجزاء من المناطق الشمالية الغربية من العاصمة الخرطوم، مرجحةً أن تتأثر أيضاً بالفيضانات النيلية الموسمية.
وتعرض السودان خلال السنوات السابقة إلى كوارث مدمرة من السيول والفيضانات، أسفرت عن مصرع 120 شخصاً وإصابة 46 آخرين، إلى جانب أضرار مادية كبيرة شملت أكثر من نصف مليون نسمة، وانهيار كلي لأكثر من 40 ألف منزل، وتضرر ما يزيد على 118 ألف منزل، إضافة إلى تدمير 250 مرفقاً و97751 ألف فدان ونفوق 5930 ألفاً من الحيوانات الأليفة والدواجن.
وتصدرت ولاية سنار قائمة الخسائر في الأرواح والمنازل والحيوانات، تلتها ولايتا البحر الأحمر وشمال دارفور.

المزيد من العالم العربي