Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المنفذ الوحيد: المتطوعون ينقذون الأوكرانيين من جحيم الخطوط الأمامية

سعياً للهرب من المناطق التي تشتد فيها الحرب يعتمد أكثر الأوكرانيين عرضة للخطر على متطوعين يستخدمون باصات لنقل الناس إلى بر الأمان... انضمت بيل ترو إلى أحد هذه المواكب في دونباس

طفل صغير ينظر عبر النافذة داخل باص إجلاء انضمت إليه "اندبندنت" يعمل على إخراج المدنيين من البلدات الواقعة على خط المواجهة في دونباس (اندبندنت)

إنه من أخطر الأعمال في العالم: الانخراط في لعبة القط والفأر مع نيران المدفعية بغية إخراج المدنيين المعرضين للخطر من مناطق مقفرة لم يحسم فيها الصراع بعد، لكن المتطوعين الذين ينظمون الآن عمليات الإجلاء من أشد جبهات القتال ضراوة في منطقة دونباس الأوكرانية يقولون إنهم إن لم يقوموا بهذا العمل فلن ينجزه أحد.

على متن موكب من سبع باصات خارجة من سلوفيانسك التي أصبحت الآن إحدى جبهات القتال في منطقة دونيتسك الشرقية في أوكرانيا، يشرح كبير المنسقين سيرهي نومينكو، 29 عاماً، بأن فريقه المكون من نحو20  سائقاً تعرض لإطلاق النيران عشرات المرات أثناء تأديته واجبه.

بدأت منظمته، وهي منظمة خيرية مسيحية تدعى "السلام للشعب"، العمل في أول أيام الحرب على إخراج المدنيين من بوتشا وإيربين قرب العاصمة كييف، ثم انتقلت للعمل في الشمال في مدينة تشيرنيهيف المحاصرة قبل أن تصب تركيزها في الآونة الأخيرة على الجبهة الشرقية في لوغانسك ودونيتسك المعروفتين بدونباس.

يسود التوتر على رحلة اليوم، إذ يقل سيرهي 100 شخص من سكان سلوفيانسك، التي لا تبعد عنها المواقع الروسية على ما يبدو سوى بضعة كلومترات، والتي تعرضت سوقها المركزية في اليوم السابق لقصف عنيف. نمر في طريقنا بالمدينة التالية، كراماتورسك، التي تتعرض هي الأخرى للقصف في هذا القتال الضاري بالمدفعية. معظم الموجودين في الباص من العائلات والمسنين العاجزين عن الهرب لولا هذه المساعدة.

ويتابع سيرهي، الأب لولدين الذي كان يدير متجر ألعاب إلكترونياً قبل الحرب، "لقد أنقذنا آلاف الأشخاص من كل أنحاء البلاد. مدفعية وهاون وإطلاق نيران. تعرض فريقنا لكل هذا".

"تختلف هذه الحياة كلياً عن حياتي قبلاً، ولكن هذا مهم. لا أنوي التوقف عن هذا العمل. سنستمر به إلى أن تنتهي الحاجة إلينا".

"حتى في ذلك الحين، لو ما عاد أي شخص بحاجة للإنقاذ، سنتحول إلى توصيل المساعدات الإنسانية. لن نتوقف".

كان موكب سيرهي من بين ثلاث مبادرات على الأقل قامت بعمليات إجلاء طارئة للمدنيين في ذلك اليوم وحده من سلوفيانسك التي أصبحت محط تركيز قوات بوتين. وغالبية من نقلوا إلى مناطق أخرى هم من المسنين والمرضى والمقعدين.

خلال الأسابيع الأخيرة، استولت روسيا والقوات الحليفة لها على منطقة لوغانسك بعد إقرار الجيش الأوكراني بأن الروس متفوقون عليه في الأسلحة. وبعد أن وضعوا نصب أعينهم القبض على كامل منطقة دونباس التي تعتبر بوابة إقليمية، توغل رجال موسكو الآن في منطقة دونيتسك المجاورة، حيث يحث المحافظون المدنيين الذين لم يبارحوا مكانهم على المغادرة فوراً.

ولهذه الغاية، وحدت السلطات المحلية والمنظمات الخيرية والكنائس جهودها، سعياً لإيصال أكثر المواطنين عرضة للخطر إلى بر الأمان.

في الباص يقول المدنيون الذين يجري إنقاذهم إن القصف قد اشتد على سلوفيانسك خلال الأيام الأخيرة، وبعد حرمانهم من الطاقة الكهربائية والمياه والغاز، استغاثوا بمجلس البلدية، مطالبين بالحصول على أي معلومات عما قد يساعدهم بالخروج من المدينة. تضاعفت أسعار السلع الغذائية والوقود ثلاث مرات- ومعظمهم عاجزون عن تأمين الطعام.

وقصصهم عشوائية بشكل مرعب. تقول لودميلا، 43 عاماً، وهي أم لطفلين تسافر برفقة والدتها المسنة، إن السبب الوحيد في بقاء والديها على قيد الحياة هو أنهما للمصادفة خرجا لتناول العشاء في المساء الذي دمر فيه القصف منزلهما منذ وقت قريب.

وقد طفح الكيل بالنسبة لها حين استهدف سوق المدينة المركزية في اليوم السابق لوصول الموكب. تركت في المدينة زوجها ووالدها اللذين عليهما حماية إحدى الممتلكات القليلة التي بقيت لهم: سيارة العائلة التي لا يمكنهما قيادتها للخروج من المدينة لعدم توفر أي وقود.

وتشرح وهي تضع طفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات على ركبتها، "قال زوجي إنه عليّ الذهاب برفقة الأطفال. إن المغادرة دونه تشعرني بأنني تخليت عن جزء من نفسي هناك، عن روحي، ولكنه من المستحيل إطعام أطفال عن طريق الطبخ على نيران مخيم. هذه المسألة متعلقة بحياة أولادنا ووالدينا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول المراهق فلاد، 19 عاماً، الذي تعمل والدته طبيبة جراحة واضطرت لهذا السبب للبقاء في سلوفيانسك والاعتناء بالجرحى، إن القصف دمر منزل صديقه المجاور لمنزله. يسافر الشاب الذي يأمل أن يتابع تحصيله العلمي الآن وحده مع شقيقيه التوأم البالغين من العمر ستة أعوام، الذي يعاني أحدهما، كوستيا، من اضطرابات شديدة في التعلم والكلام تجعل القصف أخطر وأكثر ترويعاً.

ويضيف فيما يعتني بالصبيين الذين يلعبان على هاتف نقال، "أحياناً، لا يستوعب كوستيا عندما نحتاج للذهاب إلى الملجأ، ولا يريد ذلك، كما أن المياه والغاز والكهرباء مفقودة. كل ما يمكننا أن نفعله هو شيّ الطعام على الطريق".

نجح هذا الموكب لأن الصباح كان هادئاً نسبياً طوال الطريق. في اليوم التالي، شمل القصف وسط سلوفيانسك وكراماتورسك.

بعد تخطيه أسوأ المراحل الخطرة، يعبر الموكب بلدة بوكروفسك الواقعة في نقطة أبعد في الجنوب الغربي، والتي أصبحت مركز الإجلاء الرئيس في المنطقة.

هناك، تنقل القطارات المسنين والمرضى والجرحى إلى بر أمان نسبي في غرب البلاد.

يستقل المتقاعد الكفيف ميخولا، 66 عاماً، القطار بعد أن نقلته إليه سيارة إسعاف من قرية هيرنيك، التي لا تبعد سوى ثمانية أميال عن الجبهة الشرقية و14 ميلاً عن دونيتسك، العاصمة الإقليمية التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من الروس.

ويشرح أنه بقي حياً بسبب قرار اتخذه في اللحظة الأخيرة بالخروج والتنزه خارج حيه الذي قصف فوراً وراءه.

"أثناء خروجي، وقع مزيد من القذائف وقتلت أحد أصدقائي"، كما يقول حارس المقبرة السابق الذي فقد نظره تماماً في عين واحدة وجزئياً في العين الثانية بعد إصابته بالتهاب قبل الحرب.

تؤثر حالته على وظائف دماغه كذلك ولهذا يحتاج لحقن يومية أصبح من الصعب إيجادها تحت وابل الصواريخ المستمر.

"إنه أمر مرعب. اعتمد على أصدقائي كلياً لأنني عاجز عن الرؤية. حين يبدأ القصف كان أحد جيراني يأتي ويصطحبني إلى ملجأ قريب".

يجلس ميخولا بقرب رجل يدعى فاليري، نقل من بلدة سوليدار الواقعة شمال مدينة دونيتسك والعالقة وسط جبهة مختلفة بين ليسيتشانسك التي استولى عليها الروس أخيراً من جهة، وباخموت من جهة أخرى. تعاني كاتيا، زوجة فاليري، من الشلل مما استدعى وضعها على حمالة لكي يرفعها الأطباء على متن القطار.

لا يقوى فاليري المصاب بحالة ذهول أن يفسر بالتفصيل طريقة نجاحهم في الهروب نظراً إلى وضع زوجته، ولكنه يفسر بأنهم هربوا تحت القصف العنيف.  

ويقول بوهن، "خرجنا منذ يومين".

في الطرف المقابل للمدينة، تدير مجموعة أخرى من المتطوعين المدنيين منظمة خيرية لإجلاء السكان أسسها المواطن الألماني أندريه ويست البالغ من العمر 21 عاماً، الذي بالكاد غادر هانوفر قبل الحرب.

في البداية أتى العامل الميكانيكي المتخصص في السيارات المصفحة إلى أوكرانيا للالتحاق بفرقة المقاتلين الأجانب، ولكن بسبب افتقاره للخبرة في القتال، انتقل إلى العمل على إجلاء المدنيين إذ أيقن أنه العمل الأنسب لمهاراته.

نجحت مجموعتهم المسماة " المساعدة التقنية عمليات البحث والإنقاذ في أوكرانيا" بإجلاء أكثر من 250 شخصاً من بعض أصعب المناطق في دونباس، وقد ركزت على القرى الأصغر والمجتمعات الريفية التي غالباً ما يغفل عنها. تعرض أندريه نفسه للقصف نحو خمس مرات منها مرة كان فيها على وشك تلقي ضربة مباشرة، تركت وقعها على زجاج سيارته.

وفي حادثة أخرى، يعبر عن اعتقاده بأنهم استهدفوا عمداً فيما كانوا يحاولون إجلاء 18 مدنياً من منطقة تقع جنوب ليسيتشانسك المحتلة الآن.

ويتابع حديثه وهو متكأ إلى إحدى سياراته الخمس المحطمة "حلقت طائرة مسيرة روسية فوقنا وفجأة، بدأ القصف ينهمر علينا من كل حدب وصوب. كنا ثلاث سيارات مدنية". باتت كل السيارات الآن خارج الخدمة بسبب الضرر الذي لحق بها خلال جهود الإنقاذ. وهم لا يملكون مالاً لإصلاحها.

"نلتقي بأشخاص لم يتلقوا أي مساعدة أو إغاثة منذ ثماني سنوات. تقدم لهم الخبز فيجهشون بالبكاء. أمام هذا المشهد تسأل نفسك، كيف يسعنا التوقف عن هذا العمل؟"

ولكن هذا العمل قد خلف عبئاً نفسياً شديداً على الفريق المؤلف من 10 سائقين، كانوا قبل الحرب طلاباً وفنيي صيانة سيارات. وتظهر على بعضهم علامات اضطراب كرب ما بعد الصدمة، ومن ضمنها الهلوسة بوقوع انفجارات متوهمة في منتصف النهار.

ويضيف مع ابتسامة عصبية، "نحاول العمل على أساس التناوب بين الفرق، التي تعمل أسبوعين وتتوقف عن العمل أسبوعين، ولكن ذلك لا يكفي لكي يتعافى المرء فعلياً".

"تركت طريقة حياتي الغربية من أجل هذا العمل. لست متأكداً من السبب. من الصعب التوقف عن هذا العمل".

بالعودة إلى باص إجلاء السكان من سلوفيانسك، بدأت الأسر التي خرجت من أخطر المناطق الآن تستوعب أنها تركت كل شيء وراءها. وهي لا تعلم مطلقاً إن كانت ستعود إلى منازلها مرة جديدة. ترك كثيرون أحباءهم في المدينة.

تقول لاريسا، 55 عاماً، وهي تبكي وتتمسك بكيس صغير فيه المقتنيات الشخصية الأساسية التي نجحت في إحضارها معها "إنها فوضى عارمة، من الصعب فهم هذا الكابوس، والآن نخشى ألا يبقى ما نعود إليه".

"تركت كل شيء، 55 عاماً من حياتي تركتها خلفي. ذهبت 55 عاماً من حياتي أدراج الرياح".

© The Independent

المزيد من تقارير