Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دار الأزياء العراقية تنقب عن مجدها القديم

بعد مشاركات عالمية بموازنات ضخمة تعاني حالياً الإهمال وقلة الدعم

أول نجاح لدار الأزياء العراقية تحقق عام 1969 في "الأسبوع السياحي في الخليج العربي" (اندبندنت عربية- محمود رؤوف)

تسعى الدار العراقية للأزياء إلى إظهار القيم الجمالية والفنية في تراث بلاد الرافدين وحضارتها ونشرها إلى أنحاء العالم، وطوال رحلتها وثقت الدار تاريخ العراق بأسلوب فني مبتكر، إذ تستوحي تصميماتها من حضارات وادي الرافدين فق التسلسل الزمني لها.

الدار وثقت لأزياء الحضارة السومرية (3500 ق.م) والأكدية (2350 ق.م) والحضارة الآشورية (650 ق.م) والحضر (200 ق.م) وصولاً إلى الأزياء الفولكلورية التي تمثل التراث الشعبي العراقي، وعلى امتداد زمني يسرد حضارة تمتد إلى ستة آلاف سنة.

ومضة أصبحت حقيقة

فريال الكليدار، أول مدير عام للدار قالت في تصريح صحافي إن "تأسيس هذه الدار جاء من ومضة في البال وأصبحت حقيقة بعد جهد كبير".

أول نجاح لدار الأزياء العراقية تحقق عام 1969 في "الأسبوع السياحي في الخليج العربي" بعد عرض الأزياء الفلكلورية التراثية العراقية، توالت بعدها العروض في بغداد حتى طالبت مديرة الدار بتأسيس المبنى المعروف بـ "دار الأزياء العراقية" عام 1970.

وفي عام 1985 صدر تشريع خاص بها باسم "قانون الدار العراقية للأزياء"، وفق قانون وزارة الثقافة والإعلام، لتنال دعماً حكومياً. ووضع التصميم الأساس للدار شركة يوغسلافية، وأصبحت الدار فيما بعد جزءاً مهماً من وزارة الثقافة.

سلب ونهب 2003

تعرضت الدار للسلب والنهب عام 2003 واضطرت مديرته ومؤسسته إلى التقاعد والهجرة من العراق، وأعيد إعمارها لاحقاً بعد تغيير اسمها إلى "الدار العراقية للأزياء" وتعد من الدلائل المعمارية المميزة لمنطقة زيونة في بغداد.

وبعد أن نهبت الدار في 2003 وفقدت معظم الفساتين والأكسسوارات الثمينة، إضافة إلى مكملات فلكلورية مهمة أخرى، اجتهدت شيرين النقشبندي، مديرة الدار آنذاك، في جمع ما تستطيع للنهوض بها من جديد، واستعادت بعض القطع الثمينة التي تعبر عن تاريخ العراق بمساعدة المصمم الراحل آرا يسايان.

عملت النقشبندي في دار الأزياء العراقية منذ بداية تأسيسها عام 1978 وباشرت عملها في السكرتارية وتدرجت في الوظيفة حتى العام 2014 وتسلمت بعد 2009 منصب المدير العام بعد مغادرة فريال الكليدار المدير العام السابقة.

وقالت النقشبندي "هذه المؤسسة الثقافية عرضت تاريخ وادي الرافدين، وسردت حضارة ما بين النهرين التي تعد من أخصب الحضارات في العالم، والتي تميزت بثرائها بقصص وحكايات تعبر عن عظمة هذا الإنسان".

 

لوحات فنية

وأضافت النقشبندي، "كنا نستعين بكتب من المتحف العراقي، مثلاً كتاب (بلاد آشور) ليترجم هذه المرحلة باحثون وفنانون وشعراء وكتاب ومصممون للأزياء يمتلكون خبرة كبيرة بالأزياء التاريخية، فلا يكون عرض الملكة مجرد عرض لزي ترتديه فتاة بل لوحة فنية، وعرض مسرحي ترافقه الموسيقى المعبرة، كأننا نتصفح أجواء بلاد آشور من جميع نواحيها في الصناعة والنحت والرسم، لعرض يستمر لمدة ساعة أو قد تزيد".

وأوضحت، "كذلك عروضنا لمواضيع الحقب الزمنية الأخرى، مثل (حقبة ما قبل الإسلام وبعدها) و(الفترة العباسية) الزاخرة بتاريخها الحرفي في الصناعة والرسم والزخرفة العربية ومنمنمات الواسطي، وصممت لتلك المرحلة فساتين من أقمشة الحرير التي زينت بالحروف العربية على يد فنانينا لتتحول في ما بعد إلى لوحات فنية متكاملة".

عقبة الأحزاب الإسلامية

نغم قاسم التي عملت في الدار لمدة سنتين منذ العام 2016 بصفة مشرف على إعمار المبنى، وإعادة تأهيله بعد القصف الذي تعرض له. وقالت إن الدار تعتبر من العلامات الثقافية الفارقة للبلد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأشارت إلى أن الدار عرضت بين عامي 2014 و2015 ضمن برنامج تحديث وإعادة صياغة للأوبريتات والعروض، عرضاً للحقب الزمنية المختلفة مثل الأكدية والآشورية والبابلية، وهي أزياء تميزت ببعدها عن الملبس الإسلامي المحتشم، مما أثار حفيظة الأحزاب السياسية الحاكمة واعتراضها على ما يعرض باعتبار أنه لا يمت للإسلام بصلة، وكان ذلك سبباً في توقف نشاط الدار.

وفي العام 2018 عمد المصمم آرا يساسان إلى تقديم أوبريت جمع فيه أزياء جميع طوائف الشعب العراقي من الشمال إلى الجنوب تاريخاً وحاضراً، وسماه "أنا العراق" ونجح في فك الحصار عن الدار. 

"كوفيد-19"

صادف تسلم ابتهال خاجيك منصب المدير العام للدار مع بداية وباء كورونا (كوفيد-19) في الثالث من مايو (حزيران) 2020، وعن ذلك تقول "تحدينا كل الصعوبات أثناء فترة انتشار الوباء وباشرنا أولاً بعمل كمامات طبية نتيجة فقدها في الأسواق، تلا ذلك التهيئة والإعداد لكثير من النشاطات، كان أبرزها (المؤتمر العالمي الأول لأنسجة الأزياء ومكملاتها لحضارات وادي الرافدين)، الذي لاقى صدى طيباً من العالم، شاركت فيه أكثر من 25 بلداً وبلغ عدد المشاركات ما بين بحوث وأوراق بحثية وتصاميم أكثر من 75 مشاركة، ورفعت على منصة (زوم) وزاد عدد الحاضرين عن 1300 شخص".

وأضافت خاجيك، "كذلك شاركنا بأمسية في ختام معرض الكتاب مع (مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون)، وأنتجنا في هذه المرحلة أيضاً 50 قطعة من الأثواب إلى فرقة بابل الموسيقية، وأصدرنا جريدة (انخيدونا) إضافة إلى كثير من النشاطات.

إدارة جديدة ومتفائلة

وعلى خلفية الموضوع تحدثت مسؤولة الإعلام مها الحديثي قائلة "استعادت الدار العراقية للأزياء نهضتها بجهد الخيرين من منتسبيها لتسافر عبر العالم وتنشر حب العراقيين للفن والثقافة، فكانت الدار ولا تزال تقدم نتاجات فنية تتحول إلى نفائس، وكل فكرة تعيش مخاضات ولادة عمل عظيم من تصميم وتنفيذ وتوثيق للحقب التاريخية بأزياء الملوك والملكات، من حمورابي إلى نبوخذ نصر والواسطيات وأزياء الحقب الإسلامية من العباءة والهاشميات وبدلات العروض الخاصة بالمهرجانات كمهرجان بابل".

وعن الاهتمام والرعاية قالت الحديثي إن "وزير الثقافة والسياحة والآثار حسن ناظم، ووكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار والمدير العام للدار العراقية للأزياء بالوكالة عماد جاسم، أوليا رعاية خاصة بالدار من خلال التنسيق والانفتاح على المؤسسات الأخرى لتحفيز التكامل وتوفير بيئة للتعاون مع باقي المؤسسات لتعزيز أهمية الدور الثقافي والفني المعني بالجمال والأزياء التي تعد مرآة الشعوب وتعكس الروح الحضارية النابضة بالحياة".

وسبق أن وصلت المشاركات الدولية للدار إلى 200 مشاركة في أنحاء العالم المختلفة، لكن في الوقت الحاضر تفتقر الدار للتخصيصات المالية الكافية لإقامة العروض الخارجية، وفي حال تلقي الدعوات لا تستطيع الدار المشاركة لعدم توفير غطاء مالي لتغطية كلف السفر من قبل الدولة المضيفة.

وعن اختيار التصاميم قالت الحديثي، "يتم اختيارها من كتب التاريخ، بخاصة تصاميم الواسطيات، ومن الحقب التاريخية لكل عصر وكل مرحلة، وتضاف إليها الأكسسوارات الملكية التي كان يتحلى بها ملوك تلك العصور، مثل تاج الملكة (شبعاد) وكلها مأخوذة من كتب التاريخ، ويضيف إليها المصمم من بنات أفكاره، ولهذا لدينا أقسام التشكيل والأكسسوارات الخاصة بتيجان الملوك والصولجانات، فضلاً عن الحلي المتنوعة الأخرى".

 

توفير بيئة مثالية

وكيل وزارة الثقافة والمدير العام للدار العراقية للأزياء عماد جاسم قال، "شرعنا منذ تسلمنا مهمات الدار في حل المشكلات الداخلية وتنظيم علائق وظيفية تضع في أولوياتها احترام التخصص وإقامة التعاون الحريص، ونعتقد أننا نجحنا في ذلك".

وأضاف، "تلتها خطوة التوجه نحو البناء والترميم مع توفير البيئة المثالية من أجهزة التكييف والمصاعد والحمامات، وتجهيز قاعة المسرح والتمرين بالمستلزمات الضرورية، وبعدها نظمنا زيارات ولقاءات مثمرة مع جهات ممولة وداعمة وحصلنا على دعم مقبول من البنك المركزي ورابطة المصارف". 

وأوضح، "منذ ذلك الحين فتحت أبوابنا للمؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية لإقامة مهرجانات وأماسي تعرف بنشاطات الدار، وعلى الرغم من قلة الكادر في قسم العروض وغياب التخصيصات المالية كان الحل لتقديم عروضنا بواسطة التنسيق مع جامعات ومؤسسات وتنظيم جلسات تصوير في المناطق الفلكلورية والتاريخية".

وأشار جاسم إلى تنظيم عروض في الأندية الاجتماعية تخص المكونات والحضارات التاريخية، " ونجحت عروضنا في المناطق المنكوبة مثل الموصل وسامراء، وللإعلان عن الجمال المعماري للدار وتأكيد حضورها التاريخي البهي لا يمر شهر من دون أن يكون للدار مشاركة أو اثنتين على الأقل في مسرح الدار أو حديقتها التي تم تصميمها لإحياء أماس نوعية كسبت ود العائلة العراقية بغزارة وشغف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا نملك كلف السفر

وعن المشاركات الدولية أشار جاسم إلى أنه "حصلنا على دعوات عدة للمشاركة في العروض، لكننا لا نملك موازنة لبطاقات السفر أو كلف الإقامة، ولم نتوقف عن مخاطبات وزيارات المسؤولين والجهات الداعمة من أجل تذليل هذه الصعوبات، نظراً إلى أهمية المشاركة الخارجية وإظهار الحضارة العراقية وأزياء المكونات المختلفة وجمالية التطور في هذا المجال الذي يعكس هوية العراق عبر الإبداع والجمال".

وأضاف جاسم، "أعربنا عن استعدادنا لتقديم عروض أزياء عالمية، وفتحنا آفاق التعاون مع مراكز دولية، كما زار ممثلو بعض المراكز الدار للتنسيق في هذا المجال، ونحن نعمل بحرص لاستعادة الصورة الدولية للدار كالسابق، لكن العقبات المالية والإنتاجية تقف عائقاً أمام تحقيق ذلك، ونحن نسعى إلى تجاوزها".

قطع متحفية

مصمم الأزياء سيف العبيدي يعقد مقارنة بين الفترتين، فيصف المرحلة الأولى بالفترة الذهبية ويقول، "كانت الدار في أوج زهوها تتمتع بتمويل خاص يشمل الإيفادات والسفر لشراء المواد الأساس ومكملاتها وتلبية الدعوات الخارجية بشكل متواصل، والآن يقتصر عملنا على حضور المشاركات المحلية والتبضع من الأسواق المحلية، ولا يخفى على أحد أن معظم أسواق بغداد فقيرة وبضاعتها رديئة". 

وأضاف العبيدي، " الموازنة بسيطة جداً ولا تكفي لأبسط الأمور التي نعوزها داخل الدار، مثل تصليح المكائن أو شراء الأقمشة أو شراء المواد، لذا تظهر التصاميم بصورة سيئة".

ويعزو العبيدي السبب إلى أن "البلاد توجهت بعيداً من الفن".

فجوة كبيرة

ويرى العبيدي أن "مديري هذه الدار عادة ما يكونون بعيدين من التصميم والأزياء، ولهذا فهناك فجوة كبيرة بين الموظفين والإدارة، فمثلاً يتوقع المدير إنجاز قطعة معينة في أسبوع، بينما الوقت الذي تستغرقه في العمل المتواصل هو ستة أشهر، وبعمل يدوي يستلزم مراحل لصناعتها، إذ تحكي القطع تاريخ البلد وتتداخل فيها الطباعة والرسم والتطريز والتنزيل والتحفير وتمر بمراحل عدة وأيد كثيرة حتى تنجز".

وأشار العبيدي إلى أنه "في السابق كانت الدار تشارك عادة في أسابيع الموضة بباريس وغيرها من البلدان الأوروبية، بينما تقتصر الدعوات اليوم على العروض المحلية من قبل جهات حكومية أو أهلية وفي مناسبات وطنية أو افتتاح مشاريع معينة، ولا أعتبر ذلك عرضاً للدار بل حشواً للبرامج، فعروض الدار لها نظام وصيغة وشكل وهيئة معينة خاصة بالمسرح والإضاءة ونوع جمهور الحضور لدار الأزياء، لكن حالياً أي جهة تود حشو المنهاج الاحتفالي الخاص بها توجه الدعوة إلى الدار لتقديم أحد عروضها، وسبب القبول هو الدعم المادي للعارضات والعارضين لتدنى أجورهم التي قد لا تتجاوز 400 ألف دينار عراقي (250 دولاراً).

ويرى العبيدي أن "الخطة الأنجح لاستعادة مكانة الدار هي استقطاب الكفاءات الفنية، فضلاً عن الدعم المادي للدار وأقسامها الفنية، وتغليب أصحاب الموهبة على الملاكات الإدارية، إذ يتخطى اليوم عدد الإداريين أربعة أضعاف عدد الفنيين".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات