أضافت الحكومة الأميركية 5 مؤسسات صينية إلى القائمة السوداء أمس، ما زاد من تقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا الأميركية وأجّج التوترات المتزايدة عشية لقاء متوقع بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جين بينغ في اليابان الأسبوع المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت وزارة التجارة أنها ستضيف 4 شركات صينية ومعهداً صينياً إلى قائمة الكيانات، قائلة إنها "تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي أو مصالح السياسة الخارجية". وتمنع هذه الخطوة تلك المؤسسات من شراء مكوّنات أميركية بلا إذن رسمي، ما يوقف اعتمادها على الرقائق الأميركية وغيرها من تكنولوجيا لصنع إلكترونيات متطوّرة.
ويقول الدكتور فواز العلمي، الخبير في التجارة الدولية لـ"اندبندنت عربية"، "إن الحروب التجارية تطال عموماً مجموعة سلع منتقاة لأسباب مختلفة، لكنها هذه المرة شملت جميع السلع بين الولايات المتحدة أكبر مستهلك ومستورد للبضائع، والصين أكبر منتج ومصدّر للسلع في العالم، ما سيكون له أثرٌ سلبيٌ على الاقتصاد العالمي ورفاهية المستهلك في جميع أنحاء العالم".
الكيانات المستهدفة
أبرز المؤسسات المستهدفة شركة "سوغون" العملاقة الرائدة في صناعة الكمبيوتر في الصين، و3 شركات تابعة لها تعمل على تصميم رقائق دقيقة وهي: "هيغون" وChengdu Haiguang Integrated Circuit و"تشانغدو" ومعهد "ووتشي جيانغنان لتكنولوجيا الكمبيوتر". وتقول وزارة التجارة الأميركية "إن هذه الكيانات تقود تطوير الصين للحوسبة عالية الأداء، ويُستخدم بعضها في التطبيقات العسكرية مثل محاكاة التفجيرات النووية".
وكانت شركة "هواوي" لأجهزة الاتصالات مُنعت من الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية وأُدرجت على القائمة السوداء في مايو (أيار). وتدرس إدارة الرئيس ترمب أيضاً إضافة شركة تكنولوجيا المراقبة "هيكفيجن" إلى القائمة كما توقعت صحف أميركية.
عشية المفاوضات
ويسهم تقييد هذه الشركات الصينية الإضافية في تعقيد الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق تجاري بين البلدين. وكان مفاوضو واشنطن وبكين قد عاودوا محادثاتهم أخيراً بعد انهيار المفاوضات في مايو، حين اتهم ترمب الصين بخرق اتفاق سابق وكثّف البلدان حربهما في مجال زيادة الرسوم الجمركية.
ومن المقرر أن يعقد الرئيسان الأميركي والصيني اجتماعاً مفصّلاً خلال انعقاد قمة "مجموعة العشرين" الأسبوع المقبل في أوساكا باليابان، ويُتوقع أن يتقرر في الاجتماع مصير الحرب التجارية القائمة بينهما، وما إذا كانت ستتوقف أو تستمر لمدة طويلة.
ويأمل الدكتور فوّاز العلمي لهذا الاجتماع "أن يصل إلى نهاية سعيدة، خصوصاً أن بكين كانت قد أعلنت سابقاً التزامها بحماية حقوق الملكية الفكرية، وفتح أسواقها أمام الخدمات المالية، وتقليص تدخل الشركات الحكومية في التجارة، والتوقف عن التلاعب بأسعار عملتها، وتشكّل هذه الالتزامات معظم المطالب الأميركية منها".
وحذّر من أنه "إذا فشلت هذه المفاوضات ولم يتم التوصل إلى اتفاق، ولو كان مبدئيا، فإن الاقتصاد العالمي سيتأثر سلباً وبشدة، في وقت تتفاقم خلاله حدة الخلافات في محيط الخليج العربي الذي يمر خلاله 35% من النفط العالمي، وترتفع الديون السيادية العالمية، التي وصلت إلى 3 أضعاف الناتج العالمي، ما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بحدود 1% سنويا، وتراجع الإنفاق بحدود 7% دولياً وارتفاع الرسوم الجمركية، وبالتالي ارتفاع وتيرة التضخم بحدود 2.5%".
توقيت القرار
لماذا هذا التوقيت إذن لقرار وزارة التجارة الأميركية؟
الخبراء يُرجعون الأمر إما إلى انتقام أميركي من وضع الصين قائمة "كيانات غير موثوق فيها"، منها شركات أميركية وأفراد، ردّاً على حرمان شركاتها التكنولوجية الحيوية، أو لتعزيز أوراق التفاوض في يد الجانب الأميركي قبيل اجتماع أوساكا.
ويرى الدكتور العلمي "أن القرار رُبط بدواعي الأمن القومي بما ينسجم مع المادة 21 من اتفاقية GATS لـ(منظمة التجارة العالمية) التي تمنح الدول الحق في حظر مواد وسلع تؤثر سلباً على أمنها القومي وبيئتها وصحة مجتمعاتها".
وقال "إن الحظر في هذا التوقيت بالذات، جاء كموقف أميركي تفاوضي لإرغام الصين على التوصل إلى اتفاق مبدئي خلال المفاوضات الثنائية، التي ستعود إلى الانعقاد في العاصمة بكين الاثنين المقبل، كي يتم التوقيع على اتفاق بين الزعيمين في قمة مجموعة العشرين التي تلتئم في أوساكا في اليابان نهاية الشهر الحالي".
التقنيات المتطوّرة
وكانت الولايات المتحدة بدأت استهداف شركات التكنولوجيا الصينية التي تعتمد على المنتجات الأميركية في سعيها إلى إحباط جهود الصين للسيطرة على التقنيات المتقدمة التي يمكن أن تكون لها تطبيقات عسكرية.
وتُعد الحوسبة الفائقة إحدى التقنيات الرئيسية في المستقبل التي تسعى بكين إلى السيطرة عليها، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي، بينما الولايات المتحدة هي موطن أسرع كمبيوتر في العالم، لكن الصين تبني المزيد من الأجهزة فائقة السرعة المتفوقة على أي بلد آخر في العالم.
وتعد شركة "سوغون" المستهدفة بعقوبات أحد أهم صانعي أجهزة الكمبيوتر والخوادم عالية الأداء في الصين، وتخدم منتجاتها وآلاتها الحكومة الصينية وشركات التكنولوجيا الكبرى لديها، وتتنوّع مجالاتها من المحاكاة العسكرية والأمنية إلى توقعات الطقس.
منع الرقائق
في معظم الحالات، تعتمد أجهزة الكمبيوتر على مزيج من الرقائق من المصنعين الأميركيين مثل "إنتل" و"نفيديا"، ومن خلال وضع "سوغون" الصينية على قائمة الحظر، تعمل إدارة ترمب على عزل هذه الشركة بشكل فعّال عن الرقائق الذكية التي تحتاج إليها لإجراء مليارات الحسابات اللازمة لتوقع أنماط الطقس ودعم تطبيقات الفيديو والتسوق عبر الإنترنت.
وتعاونت إحدى المؤسسات التابعة المدرجة في القائمة السوداء مع شركة "أدفاندس ميكرو ديفايسز" الأميركية لصنع الرقائق، لتزويدها برقائق يمكن أن تلبي متطلبات الأمان لعملاء الحكومة الصينية.
وقال بعض المسؤولين الصينيين إنه يمكن استخدام الرقائق في صنع جيل جديد من أجهزة الكمبيوتر العملاقة الأسرع، من خلال الاعتماد على منتجات "إنتل"، ويمكن لأجهزة "سوغون" العملاقة تشغيل مجموعة أكبر من البرامج من بعض أجهزة الكمبيوتر الأسرع في البلاد التي بُنيت على رقائق منتجة محليا.
أهمية "سوغون"
تُعد "سوغون" بإيراداتها التي زادت على مليار دولار في العام الماضي، متواضعة أمام "هواوي" التي سبقتها إلى "القائمة السوداء" الأميركية. ومع ذلك، فإن استبعادها من التكنولوجيا الأميركية يُعد علقماً لبكين، لأن أجهزة الكمبيوتر العملاقة الخاصة بها تشكل جوهر بعض أكثر أنظمة الحكومة الصينية حساسية وأهمية. وتدعم أجهزتها شبكة الاتصالات في الدولة "تشاينا موبايل"، وامتياز شبكة الكهرباء في الصين و"إدارة الأرصاد الجوية" الصينية. وتقدم خدمة مراكز البيانات لشركات مثل عملاق التجارة الإلكترونية "جي دي.كوم" و"بايتيدانس" صاحب تطبيق الوسائط الاجتماعية "تيك توك".
يبقى أنه يمكن للشركات الصينية المشمولة بالحظر أن تقدم التماساً إلى الحكومة الأميركية للحصول على إذن بشراء التكنولوجيا الأميركية، لكن حصولها عليه يتطلب فحصاً مكثفاً وطويلاً وقيوداً، وقد لا تكون الموافقة مضمونة.