Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيف العقوبات الأميركية مسلط على رجل اعمال سوري كان مغمورا قبل الحرب ثم لمع نجمه

  بنى مافيوية... وطبقة من المقاولين راكموا الثروات في الحرب السورية

 فندق فور سيزنز دمشق سابقاً (أ.ف.ب.)

 تسلط العقوبات الأميركية على رجال أعمال سوريين الضوء على بنى مافيوية في الاقتصاد السوري، وتميط اللثام عن طبقة من المقاولين راكموا الثروات في الحرب. والعقوبات المالية الأميركية هي مرآة نفوذ الولايات المتحدة في القطاع المالي، وهو سلاح قاطع لا تتوانى عن توجيهه الى الحلفاء والأعداء على حد سواء، إذا ما خالفوا توجيهاتها أو الأسماء المدرجة في لوائحها. وعلى الرغم من الكلام على أفول القوة الأميركية، إلا أن رجحان كفتها في النظام العالمي، تحديداً في النظام المالي، يُظهر أنها لا تزال قوة لا تُضاهى. فعلى سبيل المثل، لم يوافق الأوروبيون على فرض العقوبات الأميركية من جديد على إيران جزاء برنامجها النووي، ولكن الشركات الأوروبية اضطرت إلى الامتثال للعقوبات مخافة حرمانها من التداول في السوق الأميركية الضخمة. وعلى سبيل المثل، قبل أربعة أعوام،  فرضت محكمة أميركية غرامة قدرها أكثر من 8 مليارات دولار على مصرف بي "إن بي باريبا" الفرنسي جزاء إدانته بانتهاك العقوبات على السودان وإيران وكوبا.

 وقبل نحو أسبوع، أدرج اسم سامر فوز على لوائح العقوبات الأميركية مع عدد من أفراد عائلته. وهو مثل أخطبوط أحكم أذرعته على الاقتصاد السوري من صناعة انتاج السكر وتكريره مروراً بتجميع السيارات وصولاً الى القطاع العقاري. ومدّ فوز الجسور مع مختلف أطراف النزاع في سوريا. فهو باع القمح في اراضي "الخلافة" والمناطق الواقعة تحت سلطة الأكراد. وصار مقرباً من الحكومة السورية كذلك، وتربطه علاقات أعمال بها. وراكم الثروات في اقتصاد الحرب السورية. وصار أبرز قنوات الأسد لإبرام صفقات في عالم الأعمال. وبعد أيام على إدراج فوز على لوائح العقوبات هذه، سارعت سلسلة فنادق "فور سيزنز" الدولية إلى قطع أواصرها بفرعها في دمشق. وكان فوز حاز، في مطلع 2018، أكبر حصة، جنباً الى جنب الحكومة السورية، في فندق "فور سيزنز" الفخم حيث ينزل المسؤولون الغربيون حين يسعون الى تقديم مساعدات انسانية أو يسعون إلى دور ديبلوماسي.

وكانت صحيفة لوموند الفرنسية كشفت عن عن دور الحكومة الفرنسية، إلى حد ما، في بروز سامر فوز الاقتصادي. ففي خريف 2013، انزلقت سوريا الى الحرب الأهلية، وعانت شحاً غذائياً. ونزولاً على حال الطوارئ الانسانية، أقنعت باريس شركاءها الأوروبيين برفع التجميد عن أصول بنوك سوريا في الخارج. واستُخدمت الأموال هذه لشراء آلاف أطنان السلع الغذائية في الخارج وبيعها في سوريا. ولكن عمليات البيع هذه آلت كلها تقريباً الى سامر فوز، الذي احتكر هذا القطاع في غياب طبقة رجال أعمال اضطرت الى النزوح والهجرة ولجأت الى لبنان ودول الخليج وتركيا وأوروبا. فاشترى فوز السلع الغذائية وباعها للحكومة السورية بأسعار خيالية، فجنى عشرات آلاف الدولارات في أشهر قليلة.

وكان سامر فوز يحسب نفسه في منأى من العقوبات. ففي 2018، عزا نجاته من سيفها إلى عمله في قطاعات غير مرتبطة بشؤون النظام العسكرية، وتوزيعه سلعاً غذائية في إطار المساعدات الانسانية. وهو قال متبجحاً أمام وول ستريت جورنل في أغسطس (آب) الماضي "إذا ما فُرضت عقوبات عليَّ، يجب فرض عقوبات على الأمم المتحدة".

وأعدت الصحيفة الأميركية الآنفة الذكر تقريراً عن سامر فوز، وصار تقريرها في مثابة مرجع تشير إليه مقالات في الصحافة الغربية.

 ويُنقب اليوم عن أطنان الحديد الذي خلفه الدمار في حمص بين الأنقاض، وتُذاب في مصنع فولاذ لاستخدامه من جديد في البناء. والمصنع هذا تعود ملكيته إلى سامر فوز.  ويسعى رجل الأعمال الانتهازي هذا إلى أن يكون مصنع الفولاذ الخاص به في حمص نواة إعادة إعمار سوريا حتى قبل الحل السياسي، ويرمي إلى استمالة مستثمرين أجانب وجهات مانحة تنأى عن سوريا طالما الرئيس بشار الأسد يمسك بمقاليد السلطة.

علاقاته بالنظام السوري

 ويُعد فوز العدة لتشييد ناطحات سحاب في أراض بدمشق انتزعها النظام من المعارضة.

وفي 2017، أبرم فوز أبرز شراكة له مع النظام السوري، فحاز حق تشييد 3 أبراج في محيط دمشق وخمسة مبان أصغر في أراض صودرت من اصحابها المعارضين، ودفع للمالكين القدامى مبالغ ضئيلة. وسوَّغ شراكته هذه في هذا المشروع الذي يعرف رسمياً بـ "ماروتا سيتي" ولكن الناس يسمونه مشروع 66 تيمناً بالمرسوم الرئاسي رقم 66، بالقول إن المنازل المدمرة هناك شُيّدت من دون تصريح، وأنه ليس من صادر هذه الممتلكات.

وفي وقت يحظر على الشركات الأميركية إبرام استثمارات جديدة في سوريا كلها، يسمح للشركات الاوروبية التعامل مع أفراد سوريين غير مرتبطين بالحكومة والقوات المسلحة وآل الأسد ويحظر عليها كذلك العمل مع من هو مدرج على لوائح العقوبات. وفي 2017، نظمت شركة أمان القابضة، التي يملكها سامر فوز، معرضاً دولياً في دمشق.

  ويعصى تقدير قيمة ثروة رجل الاعمال الانتهازي هذا، غير أن السوريين يُجمعون على أنه صار أثرى أثرياء سوريا بعد أن شملت امبراطوريته مصانع الفولاذ والفنادق ومقاولات البناء وتصنيع الأدوية وتكرير السكر وتجميع السيارات، وبيع مياه الشفة ومناجم التنقيب عن الذهب.

 وهو شيد الامبراطورية هذه، إثر عودته من الدراسة في الخارج لإدارة شركة أسسها والده. ومصنع الفولاذ "الفوزي" يوظف أكثر من ألف سوري وحوالى 100 هندي وعدداً من الخبراء الروس. ويرى مراقبون أنه يمد النظام الأسدي بموارد البقاء. ولكن فوز ينفي أنه مقرب من الأسد أكثر من رجال الأعمال الآخرين. وهو يقول إنه يحاول البقاء بعيداً من الأعين. "كلما تواريت، قلما ارتكبت أخطاء".

من اللاذقية إلى باريس وأميركا

ولد سامر فوز في 1973 في اللاذقية، وهو ابن صيدلاني. وشبّ في مرحلة اعتماد آل الاسد سياسات خصخصة لتحفيز الاقتصاد أدت الى بروز نخب مدينية جديدة في قطاع الأعمال. وكان والده زهير أنشأ في 1988، شركة تجارة صارت لاحقاً إلى أمان القابضة، نواة أعماله العائلية.

وتابع تعليمه في الجامعة الأميركية في باريس في مطلع التسعينات، وفي جامعتي بوسطن وساند ييغو.

بعد عودته الى سوريا، وسَّع أعمال عائلته واستورد آلات زراعية واسمنت. ولكن هذا التوسع بقي محدوداً لأنه "افتقر الى العلاقات... كنا رجال أعمال من الدرجة الثانية او الثالثة"، على قوله لصحيفة وول ستريت جورنل.

الحرب... مصائب وفوائد

قلب اندلاع الاضطرابات السياسية في سوريا في 2011 أحوال سامر فوز رأساً على عقب. فالمعارك حملت كثير من الشركات على اغلاق أبوابها، وخلفت فوضى رجحت كفة مقاولين ارتبطوا بالنظام وبعض فصائل الثوار.

 ويقول فارس الشهابي، رئيس غرف الصناعة السورية، أن أكثر من 500 رجل أعمال خطفهم مقاتلون في النصف الأول من 2012 فحسب طمعاً بالفدية.

ومع فرار رجال الأعمال من سوريا، هاجر أصحاب صناعة الصابون الحلبي التي كانت ضاربة الجذور طوال قرون، وهاجرت عائلات ذاع صيت صناعتها الشوكولاتة وآلاف من مصانع النسيج التي كانت تنتج سلعاً فاخرة من الحرير. فسنحت فرص كبيرة أمام فوز الذي سارع الى اقتناصها من طريق التعامل مع أطراف كثيرة في النزاع السوري. وتسنى له العمل سنوات في غياب أي منافس.

وفي 2017، وضع اليد على ممتلكات كبار رجال الأعمال السوريين بعد استبعاد النظام لهم، منهم عماد غريواتي، الرئيس السابق لغرفة التجارة والصناعة في دمشق. والاخير وصفت وسائل الاعلام السورية بالخائن بعد سفره، فباع كل أصوله بأسعار بخسة، وتنازل لفوز عن مصنع السيارات الكورية- الجنوبية، كيا، الذي يملكه. وما كان من الميليشيات النظامية إلا الانسحاب من المصنع استجابة لطلب فوز.

 وفرضت الحكومات الغربية عقوبات على بعض رجال الأعمال الذين لم يغادروا سوريا، وحظرت على شركاتها التعامل معهم وجمدت أصولهم في الخارج. وأبرز هؤلاء هو رامي مخلوف، سيد قطاع الاتصالات في سوريا وابن خال الأسد، والمحكم القبضة على الاقتصاد السوري قبل 2011. واتهمه الاتحاد الاوروبي بـ"إنقاذ النظام من الإفلاس". وأدرج رجال أعمال سوريين على لائحة العقوبات جزاء تسهيل بيع داعش النفط أو تمويل ميليشيات موالية للحكم.

 قمح وزوان

 اشترى سامر فوز قمحاً غزته الحشرات من داعش، وخزَّنه في تركيا، وتلاعب بوثائق المنشأ ليعيد تصديره على أنه قمح روسي، وباعه في شمال سوريا. وينفي فوز هذه الأخبار.

 وفي 2013، نقل زوجته وأولاده الى تركيا لحمايتهم. وحاز الجنسية التركية من طريق الاستثمار في البلاد. وفي نهاية 2013، عُثر في تركيا على جثمان تاجر مصري – أوكراني تخلف عن تسليم فوز شحنة قمح قيمتها 14 مليون دولار. فاعتقلت السلطات التركية فوز بشبهة الأمر بقتل رمزي متى والتلاعب بالأدلة. وأطلق سراحه في 2014، وقال مسؤول تركي أنه دفع كفالة قيمتها نص مليون دولار. وبعد حوالى 6 أشهر على اطلاق سراحه، حكمت عليه محكمة اسطنبول بالسجن 4 سنوات وشهرين بعد إدانته بالتلاعب بالأدلة. واستأنف فوز الحُكم فعُلق العمل به في انتظار بت المحكمة في أمره، وهو يأتي دورياً الى تركيا "من أجل الإشراف على أعماله" ولا يتغيب عن جلسات المحاكمة.

المزيد من الشرق الأوسط