ظلت حركة النهضة تباهي بأنها الحزب الأكثر تماسكاً طيلة العشرية التي تلت 2011 إلى أن شهدت خلال الفترة الأخيرة جملة من الاستقالات شملت قيادات من الصف الأول، طالبت بضرورة عقد مؤتمر الحركة، الذي تأجل عدة مرات، ولتصعيد جيل جديد في الحزب مقابل تنحي رئيس الحركة راشد الغنوشي، ومجموعة من القيادات المقربة منه، ومثلت لحظة 25 يوليو (تموز) 2021 منعطفاً حاسماً في مسار الحركة التي يطالب جزء من التونسيين بمحاسبتها عما اقترفته طيلة عشرية حكمها لتونس وإخضاع قياداتها للمساءلة القانونية.
قضايا عديدة
وتعددت الملفات القضائية المتهمة فيها الحركة على غرار ما يسمى الجهاز السري للحركة وقضية شركة "استالينغو"، وقضية جمعية "نماء تونس". وفي تطور لافت في قضية ما يعرف بالجهاز السري للحركة، قرر القضاء التونسي حظر سفر 34 متهماً، على رأسهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في قضية لها علاقة باغتيال كل من شكري بالعيد ومحمد البراهمي. إضافة إلى تجميد أموال رئيس حركة النهضة، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي وعدد من قيادات الحركة، وأفراد من عائلاتهم في ما يعرف بقضية "جمعية نماء تونس". ومن المنتظر أن يستنطق القضاء الأسبوع المقبل راشد الغنوشي في هذه القضية، فهل بدأت مرحلة محاسبة الحركة وقياداتها؟
رئيس حركة النهضة استبق الموعد أمام القضاء الثلاثاء المقبل حول قضية "جمعية نماء تونس" ومصادر تمويلاتها بإعلانه أنه يملك معلومات حول إيقافه. وهو التصريح الذي اعتبره عدد من المراقبين "تكتيكاً سياسياً من أجل خلط الملفات القضائية بالسياسية".
تصريح سياسي
يقول خليفة شوشان الكاتب الصحافي، المتخصص في الشأن السياسي، "إن تصريح الغنوشي حركة استباقية للمسار القضائي على نحو سياسي"، مشيراً إلى أن "حركة النهضة تسعى لتسييس القضية وتحويل مسار الملف القضائي كنوع من أنواع الضغط على المنظومة القانونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر شوشان أن قضية "نماء تونس" تعود إلى ما قبل 25 يوليو 2021، وقد أثارتها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي، ويعتقد أن التزامن القضائي والسياسي محض صدفة، مستبعداً "أن يكون هناك توظيف للقضاء من أجل حسم قضايا سياسية". وشدد على أن "القضاء تحرر من الضغط وتعافى بشكل كبير، وبات قادراً على الخوض في عدد من القضايا التي كان يشوبها نوع من اللبس والتخوف من الضغوط السياسية". وأشار إلى أنه تم "التفكيك الرسمي لمنظومة الإخوان المسلمين في تونس على المستويين المالي والسياسي، وربما مستقبلاً الذراع العسكرية والتنظيم المسلح المتورط في قضايا الاغتيالات السياسية".
النهضة ترد
في المقابل دان المكتب التنفيذي لحركة "النهضة"، في بيان يوم الأربعاء 22 يونيو (حزيران) 2022، "محاولات الزج بقياداتها في قضايا وتهم كيدية ووشايات"، معتبرة ذلك "محاولات يائسة لتشويه الحركة والتحريض ضدها ولصرف اهتمام الناس عن القضايا الحقيقية".
واعتبر البيان أن "ما يحصل عملية ممنهجة لإلهاء الرأي العام وصرفه عن الاهتمام بالمشاغل الحقيقية، وواقع الأزمة السياسية والاقتصادية التي تسبب فيها الانقلاب على الدستور وتداعياته على الوضع الاقتصادي المنهار وواقع الاحتقان الاجتماعي"، كما تنفي الحركة أي علاقة تربطها بجمعية "نماء تونس" التي فتح تحقيق قضائي في حساباتها المالية.
من جانبها، صرحت يمينة الزغلامي، القيادية بحركة النهضة والنائبة السابقة في البرلمان، لـ"اندبندنت عربية"، أن "الحركة ستستجيب لدعوة القضاء، إلا أن التخوف الوحيد هو أن تستغل السلطة القائمة جزءاً منه في المعركة السياسية كنوع من أنواع الضغط لتمرير الاستفتاء".
تبييض وغسل أموال
يذكر أن قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، المتعهد ملف قضية جمعية "نماء تونس" أصدر مذكرات تفتيش في حق عدد من الأطراف في هذه القضية، بينهم وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام، وابنتا رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي. وشملت هذه القضية عدداً من المتهمين وقياديين في حركة النهضة بينهم عادل الدعداع، وحمادي الجبالي. وتم فتح البحث على خلفية جرائم تتعلق بتبييض وغسل الأموال، والاشتباه في تمويل أشخاص، أو تنظيمات مرتبطة بالإرهاب سواء داخل تونس أو خارجها.
وتواجه حركة النهضة تحديات مزدوجة، فهي من جهة تتحمل وزر فترة حكمها لتونس والتي أدت إلى مسار 25 يوليو، ومن أخرى، تواجه كماً من القضايا المنشورة أمام مكاتب التحقيق في شبهات تجاوزات مالية لجمعيات خيرية، علاوة على ملف الجهاز السري المورط في الاغتيالات السياسية، إضافة إلى ما تواجهه من انحسار شعبيتها ونزيف استقالات عدد من قياداتها، بالتزامن مع بداية تشكل مشهد سياسي في تونس لا تلعب فيه حركة النهضة أي دور.