Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الممثل جفري راش حاز الجائزة البلورية وفتح قلبه في "كارلوفي فاري"

الكاميرا لم تسرق شغفه بمسرح شكسبير والسينما قادرة على الجمع بين الشعوب

الممثل الأسترالي جيفري راش مكرماً في "كارلوفي فاري" (اندنبدنت عربية) 

زيارة جفري راش إلى "كارلوفي فاري" لاستلام جائزة "كرة بلورية" خاصة في إطار تكريمه المستحق عن مجمل أعماله، أضحت هذا العام الحدث الأبرز خلال المهرجان الذي عُقد في المدينة التشيكية. أمضى الممثّل الأسترالي الشهير الذي فاز بـ"أوسكار" عن "شاين" لسكوت هيكس (أول دور مهّم له في السينما بعد سنوات من العمل في المسرح) بضعة أيام بين ندوات ومقابلات وتقديم عروض للجمهور وحفلات للاحتفاء بعيد ميلاده الحادي والسبعين. وكذلك جلسات التقاط صور مع المعجبين الذين جاؤوا بكثرة لملاقاة فنان كبير عُرف بأدوار لافتة في أفلام مثل "البؤساء" (دور المفتش جافير) و"شكسبير مغرماً" (فيليب هنسلو) و"كويلز" (ماركي دو ساد) و"فريدا" (تروتسكي) و"حياة وموت بيتر سيلرز" (بيتر سيلرز) و"خطاب الملك" (لينويل لوغ) و"العرض الأفضل" (فيرغيل أولدمان) و"البورتريه الأخير" (جياكوميتّي)... كما اشتهر بدور القبطان هكتور باربوسّا إلى جانب جوني دب، في خمسة أفلام من سلسلة "قراصنة الكاريبي" التي جعلت صيته يطير عالمياً.  

في سياق التحيّة والتكريم اللذين خُصصا له في "كارلوفي فاري"، عُرضت أفلام عدة من بطولة راش أحدها "شاين" المستوحى من سيرة عازف البيانو النابغة ديفيد هلفغوت الذي كان يعاني من السكيزوفرينيا. قدّم في هذا الفيلم أداءً لا يُفارق الذاكرة، ومن حينها انهالت عليه العروض السينمائية من كلّ حدب وصوب، ممّا جعله يتخلى تدريجاً عن الخشبة لمصلحة الكاميرا. هذا الذي ما لبثنا أن رأيناه في "حاجبان مرفوعان" لأورين موفرمان عن سيرة الفنّان المتعدد الموهبة غروشو ماركس (1890 - 1977)، التقى الجمهور التشيكي وضيوف المهرجان في حديث طويل تناول فيه سيرته، فبدا سخياً ومعطاءً، يرد على الأسئلة برحابة صدر لا مثيل لها.   

أمس بلغت الحادية والسبعين

روى راش انه في مطلع الستينيات، فيما كان لا يزال داخل جدران جامعة كوينزلاند (بريسبان)، شهدت أستراليا هيمنة للتلفزيون. لكنه ورفاقه كانوا يواصلون نشاطات نادي الدراما داخل المدرسة، ولم يتخيل يوماً انه سيمتهن التمثيل. تذكّر بداياته قائلاً: "كانت لدينا مسارح، لكنها مسارح تجارية. درستُ الأدب وكنت أتوقّع ان أصبح مدرّساً أو مذيعاً في راديو. في تلك الأثناء، بدأ يتأسس في أستراليا مسرح أكثر جديةً، فجاء مدير أحد هذه المسارح ليشاهد مسرحية كنتُ فيها، وكانت تُقدَّم في الاطار الجامعي. إقترح عليّ التعاقد معه لتقديم مسرحيات عدة فوافقت. وهكذا بدأتُ. أتذكّر انني قلتُ لنفسي انني سأكون ممثّلاً حتى بلوغي السابعة عشرة لا أكثر. أمس بلغتُ الحادية والسبعين". 

نشأ راش في ثقافة اجتماعية لم يكن التمثيل المسرحي فيها مقبولاً. كان يعي انه ممثّل كاراكتير ولم يبحث يوماً عن الشهرة. "كان المسرح عندي أهم من رؤية اسمي في صحيفة. عملتُ كثيراً لأحسّن من ذاتي. جاء فيلم "شاين" في مرحلة كنتُ بلغت فيها منتصف الأربعينيات من العمر. وكنت بدأتُ أقنتع، نتيجة تعرّضي المتكرر لنوبات الهلع، ان المسرح ليس "صديقي الوفيّ". فالتعب الذي تُصاب به في الحياة، خلاف للتعب في السينما. دخولي إلى السينما كان محض صدفة. مثّلتُ في ثلاثة أفلام أسترالية دفعة واحدة، منها "شاين"، ولم تكن لي أي خبرة تجعلني أقف قبالة الكاميرا. ولكن السينما لم تبدد شغفي بالمسرح الشكسبيري. لا  أتحدّث عن الريبيرتوار التراجيدي لشكسبير، فأنا لم أكن يوماً منحازاً لهاملت أو ماكبث أو الملك لير، بل انحزتُ إلى المهرجين والسكارى والحمقى الذين خصص لهم شكسبير مساحة معتبرة في عمله المسرحي. لا توجد متعة أكبر من المشاركة في كوميديا لشكسبير كُتبت قبل أكثر من 400 عاماً ولا يزال حسّها الكوميدي خالداً وعابراً للزمن". 

لا يمكن تناول تجربة راش من دون الحديث عن "شاين"، الفيلم الذي كان حدد مصيره المهني. لا يزال يتذكّر ذلك العرض الصباحي "الذي لا يُنسى"، يوم شارك الفيلم في مهرجان ساندانس الأميركي. يقول: "حملني الفيلم إلى رحلة مدهشة. تجوّلتُ في سائر أنحاء أميركا للترويج. كلّ اسبوعين كانت تتم دعوتي مجدداً إلى أميركا. ثم انتهى أمري في عرض ديفيد ليترمان التلفزيوني. كان الناس صاروا يتعرّفون عليّ ويوقفونني في الشارع. نال "شاين" الكثير من الاستحسان وحقّق الأرباح. بعد ذلك، اقتُرحت عليّ عشرات الأفلام حيث كان عليّ ان أكرر دوري السابق كعازف بيانو. لم أوافق عليها. ثم طلب إليّ بيلي أوغوست مقابلتي، وكان يريد إسنادي دور جافير في "البؤساء"، فقلتُ له انه لم يسبق لي، حتى في المسرح، ان شاركتُ في عمل كلاسيكي درامي كذلك الذي كتبه فيكتور هوغو. لم يسبق ان لعبتُ دور الشرطي. فردّ بكلام جعلني أقتنع فوراً. قال: "عملتُ مع ماكس فون سيدو، وأنتَ تذكّرني به". سلمتُ نفسي بعدما أدركتُ ان لا خسارة، فالكتاب عظيم والرحلة عظيمة أيضاً". 

هجوم الأدرينالين

بعدما مثّل لأكثر من عشرين عاماً في كلّ أنحاء أستراليا مستخدماً الكثير من الطاقة والتركيز، كما يقول، وجد راش نفسه فجأةً وهو ينهار، نتيجة ارهاق شديد، وجاء ذلك في أعقاب جولة كانت استغرقت نحواً من عشرة أشهر. "كنت على الخشبة، فأصبتُ بشعور جسدي غير مسبوق. كان مزيجاً من الخوف والارتباك. عندما يهاجم الأدرينالين جسدك، يشلّ حركتك فلا تعود تقوى على التكلّم. معظم الناس يعتقدون انهم أصيبوا بسكتة قلبية وأنهم سيموتون. بعدها، خضتُ الكثير من العلاجات، من التأمل إلى التحكّم بالسلوك. والأدوية كانت مفيدة أيضاً. لطالما خفتُ مثلاً من حوض السباحة، ومن المياه العميقة. كنت أتجنبهما. ثم خلال إحدى الجولات، صرت أسبح وأغوص في الأعماق. عالجتُ نفسي عبر التعرّض لما أخشاه".

يعتبر راش أن الأزياء التي يرتديها الممثّل مهمّة جداً للدخول في الدور. فهي تصبح بنية كاملة متكاملة ينبغي أن يشعر بها. في نظره، كلّ كاراكتير يتبلور بشكل مختلف؛ بعضها يتبلور من العقل وبعضها من القلب، وبعضها الآخر من الأحشاء. وفي هذا السياق، روى كيف كان عليه ان يختار بين دور مسرحي وآخر سينمائي، عندما وجد نفسه في مواجهة هذه المعضلة: "عندما تلقيتُ عرضاً للتمثيل في "قراصنة الكاريبي"، كان عليّ ان أتخلّى عن مسرحية "في انتظار غودو" التي كنت أستعد لها. واجهتُ صعوبة في ان أعلن للذين يعملون معي بأني سأتخلّى عن بيكيت لمصلحة فيلم قراصنة. أتذكّر انني كتبتُ رسالة طويلة إلى مدير أعمالي لأشرح له أسباب خياري. تفهّمني لأن هذا الدور كان يشرّع الكثير من الأبواب أمامي. ثم، جلستُ وكتبتُ رسالة ثانية لإدارة المسرح، وجاء ردها إيجابياً، رغم أني شعرتُ ببعض السخرية فيه (…). عندما شاركتُ في الجزء الأول من "قراصنة الكاريبي"، شعرنا في نهاية التصوير انه ستكون هناك تتمات. هذا ما أسمّيه بسحر الفيلم الهوليوودي. غور فربينسكي أخرج الأجزاء الثلاثة الأولى وكان معلّماً في هذا المجال. كان زمناً جميلاً. من المؤسف ما حصل مع جوني دب. لا أعرف لما أخذت الأمور هذا المنحى. كان شاباً من الصنف اللطيف والسوريالي والظريف والخجول. سعدتُ بالعمل معه. في الصحافة، كنت أمدحه مراراً. لا أعتقد انه جاء ممثّل بهذه الكلاسيكية منذ مارلون براندو. انه من ممثّلي المدرسة القديمة الذين يحاولون الدفع بحدودهم إلى الأقصى. تخيّل انه رُشِّح لجائزة "أوسكار" عن دور جاك سبارو. لا أعرف إذا سيكون هناك جزء جديد من "قراصنة الكاريبي". المعطيات تغيّرت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. الإنترنت هو بالنسبة لي مكان مثير، ولكن فيه أيضاً الكثير من المساوئ. هناك مَن يعتقد أن عودة جوني فكرة عظيمة، من جهتي أعتقد انه لن يفعلها".

المكلة إليزابيث و"البؤساء"

واحدة من أطرف الحكايات التي رواها راش هي حكاية لقائه بالملكة إليزابيث الثانية: "بعد دوري في فيلم "خطاب الملك"، التقيتُ الملكة إليزابيث وتناولتُ معها الغداء. لم نكن بمفردنا. كان غداءً في أستراليا جمعني مع نحو 30 شخصاً. قبل الغداء، انتظرنا في غرفة كبيرة كي نتعرّف على الملكة. كنت أنا وزوجتي جاين. لكن، فيما كانوا يعرفونني عليها، عبرتُ أمامها ولم أنتبه لوجودها (ضحك). ثم، عدتُ أدراجي. كان ذلك جد محرج. خلال الغداء، جلست الملكة على بُعد شخصين مني. بعدما شربنا النبيذ والجميع بدأ يشرب ويضحك، اغتنمتُ الفرصة لأسأل مرافقتَي الملكة اذا كانت شاهدت الفيلم. فقالا لي انهما لا تعرفان. علمتُ ان العائلة المالكة تشاهد الأفلام ولكن لا تعلق عليها البتة". 

خلال هذا اللقاء الذي استمر لأكثر من ساعة، حكى راش عن علاقته باللغة التشيكية، فهو يعرف هذا البلد جيداً بحيث سبق أن صوّر فيه "البؤساء" قبل 25 عاماً، وبالتالي حفظ بعض الكلمات العصية على اللفظ بالنسبة لأسترالي مثله. قلّد الكيفية التي يلفظ فيها التشيك اسم مدينتهم "برّنو" (مع التشديد على حرف الراء)، فضحك الجمهور عالياً. ثم كشف أنه يصوّر فيلماً في براغ عن غروشو ماركس الذي يكن له احتراماً كبيراً. "هذا ثاني مرة أصوّر فيها في براغ. غروشو هو الكوميديان الأميركي الشهير الذي انطلق في مطلع القرن الماضي. عمل في المسرح والتلفزيون والسينما والاذاعة طوال 65 عاماً قبل أن يرحل وهو في منتصف الثمانينيات من عمره. الفيلم قصّة شاب في العشرين أصبح مساعده وهو الذي كتب الحكاية. الجميع يقول إنه فيلم سيرة، أمّا أنا فأراه تراجيكوميديا عن الموت، فهو يتحدّث عن انحطاط الجسد الذي عانى منه هذا العبقري بعد إصابته بالخرف. إنه دور عظيم". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أدوار يحلم بها؟ هذا هو السؤال الذي وُجِّه اليه، فرد بلا تردد: “وددتُ لو أتيح لي أن أكون ريتشارد الثالث في المسرح. إنه دورٌ عظيم. في السنوات الأخيرة، ممثّل جورجي يُدعى راماز شخيكفادزه قدّم هذه الشخصية بطريقة مذهلة، وهو على الأرجح من أعظم الاداءات في التاريخ. في الحقيقة، لم يكن لي يوماً دور أحلم به. لكنّ دوراً مثل دور غروشو ماركس أتمسّك به".

أخيراً، قال راش إن جائحة كورونا اختزلت حيواتنا لعيش تكنولوجي. توقّفنا عن الخروج واللقاء بالناس من حولنا. "في طريقي إلى هنا، شعرتُ بالكثير من الحماسة خلال مغادرتي مطار ملبورن. رأيتُ الناس وهم يرغبون في الرحيل فحسب. الجمهور في هذا المهرجان مثقّف سينمائياً. عندما قدّمتُ فيلماً من أفلامي للجمهور صباح أمس، حطّمتُ رقماً قياسياً إذ كنت أول فنّان يقدّم فيلماً في "كارلوفي فاري" في هذا الوقت المبكر من الصباح. علينا المحافظة على لغة السينما الجماعية التي تقرّبنا بعضنا من البعض الآخر. أن يجتمع الناس على زوم، هذا شيء مثير لليأس: لا تستطيع أن تشم رائحتهم أو أن ترمقهم بنظرة". 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما