Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أربكت العقوبات ضد روسيا سوق العقار في لندن؟

زيادة الضغوط البريطانية لتدقيق مصادر الأموال تعقد صفقات البيع والشراء

العقوبات الغربية ضد روسيا أثرت بشكل سلبي على سوق العقارات في بريطانيا (رويترز)

إذا كان قطاع العقار البريطاني، عموماً، يواجه تحديات، مثل ارتفاع أسعار الفائدة على القروض العقارية ما يحد من زيادة الطلب نتيجة تكلفة الاقتراض العالية، فإن شريحة العقارات غالية الثمن تواجه تحدياً آخر، يتمثل في العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. وتشهد تلك الشريحة من السوق العقارية تباطؤاً شديداً إلى حد الركود، نتيجة القيود على شراء أو بيع الروس لعقاراتهم الغالية، بخاصة في العاصمة البريطانية لندن.

واضطرت بعض وكالات العقار المتخصصة في سمسرة صفقات البيوت التي يزيد سعرها على 2.5 مليون دولار (مليوني جنيه استرليني) في لندن إلى مواجهة توقف النشاط تقريباً، ومن ثم تسريح العاملين فيها إلى حين، بسبب تلك القيود المرتبطة بالعقوبات على روسيا.

وبحسب تحقيق مطول نشرته صحيفة "الفايننشال تايمز" فإن الوضع ازداد سوءاً، ليس فقط بسبب تلك القيود الرسمية، لكن لأن التغطية الإعلامية "شيطنت" كل الروس حتى هؤلاء الذين لا يخضعون لعقوبات، ومصادر أموالهم شرعية.

تذكر أليسا زوتيموفا، التي تدير شركة سمسرة عقارية في لندن، أنها كانت تحاول إتمام صفقة منذ مارس (آذار) الماضي لكنها فشلت. كان أحد زبائنها الروس يريد شراء شقة بنحو 2.5 مليون دولار (مليوني جنيه استرليني) في حي ويستمنستر بقلب العاصمة لندن لأبنائه الذين يدرسون في المدينة، لكن البائع تردد في البيع عندما علم أن المشتري روسي. وأبدى البائع تخوفه من مصدر أموال المشتري الروسي، على الرغم من أن تلك الأموال كانت في حساب الزبون في بريطانيا بالفعل، أي لن تحول من روسيا.

زيادة التوتر

ما سبق كان مثالاً واحداً على ما بدأت تشهده سوق العقارات الفخمة في بريطانيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، 24 فبراير (شباط) الماضي، من مخاوف وتوتر المشترين والبائعين على السواء. وكان المليارديرات الروس أقبلوا بكثافة، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي نهايات القرن الماضي، على سوق العقارات الفخمة في بريطانيا، وحولوا المليارات إلى السوق. وأصبحت هناك وكالات عقارية وشركات سمسرة متخصصة في عقد الصفقات لتلك المباني في أحياء مثل "ماي فير" و"بلغرافيا" و"هاي غيت" وغيرها من أحياء العاصمة المميزة.

من تلك الشركات شركة أليسا زوتيوفا، وهي روسية الأصل. تقول عن الصفقة الفاشلة، "قال البائعون إنهم لا يريدون أن يبيعوا، وإنهم قلقون من مصدر أموال الشراء". ولم يقتصر الأمر على البائعين، بل إن المشتري الروسي نفسه ألغى فكرة الشراء متخوفاً من احتمال أن "يشتري عقار اليوم ليجده مصادراً بعد أسابيع".

والمشكلة، كما يقول كثير من العاملين في مجال سمسرة العقارات في بريطانيا، إن الرأي العام أصبح متأثراً بشدة بحملات الإعلام منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حتى أصبح الناس يحظرون على أنفسهم التعامل مع أي روسي. ويذكر هؤلاء تظاهرات النشطاء في بداية الحرب أمام المبنى الفخم في هولاند غرين بلايس، حيث شقة بولينا كوفاليفا التي اشترتها عام 2016 بـ5.5 مليون دولار (4.4 مليون جنيه استرليني). ولم ينتبه أحد لذلك لأنها لم تشهد أي تغطية إعلامية، على الرغم من أنها، حينها، كانت تدرس في الجامعة، ومع ذلك اشترت الشقة نقداً ومن دون الحاجة لقرض رهن عقاري.

لكن النشطاء ضد روسيا كشفوا أنها الابنة المتبناة لوزير الخارجية الروسي المخضرم سيرغي لافروف، الذي يعتبر أحد أعمدة الحكومة الروسية المهمة، وأكبر داعم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وخرجت التظاهرات أمام المبنى، بل واحتل النشطاء الشقة لفترة قبل أن تخرجهم الشرطة منها. وبعد ذلك جمدت الحكومة البريطانية كل أصول تتبع بولينا كوفاليفا وحظرتها من دخول بريطانيا.

ولا يقتصر الأمر على النشطاء وتغطيات الإعلام، في إثارة المخاوف في شأن الروس، بل إن تصريحات السياسيين أيضاً تعبئ الجماهير ضد كل ما هو روسي، بما يجعل من الصعب حتى على بعض الروس المقيمين في بريطانيا ويحملون جنسيتها، بيع عقاراتهم، حيث سبق وصرح مايكل غوف، وزير الإسكان السابق قبل أن يطرده رئيس الوزراء المستقيل بوريس جونسون، بأنه سيقدم اقتراحاً بمصادرة ممتلكات الروس في بريطانيا، وإسكان اللاجئين الأوكرانيين في عقارات الروس، كما صرحت وزيرة الخارجية ليز تراس، بأنها ستقترح الاستيلاء على ممتلكات الروس المجمدة واستخدام عائداتها لتعويض الأوكرانيين المتضررين من الحرب. وعلى الرغم من أن أياً من ذلك لم يحدث أو يقر رسمياً، فإنه زاد من مخاوف التعامل مع أي شيء له علاقة بروسيا، حتى لو كان الطرف الروسي لا يخضع لأي عقوبات.

غياب المليارات

مع زيادة الحملات الإعلامية منذ بدء الحرب لتشديد القيود على القطاع العقاري كي لا يصبح "مستودعاً لغسل الأموال" لأثرياء العالم، بدأت السلطات البريطانية تشديد القيود والإجراءات. وفي نهاية يونيو (حزيران) أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم "البرلمان البريطاني" تقريراً خلاصته أن قطاع العقار البريطاني أصبح "صندوق ودائع شخصياً للأموال القذرة من حول العالم".

وذكرت مؤسسة الشفافية العالمية في تقرير حديث، حجم الأموال الأجنبية المودعة في عقارات بريطانية، وحددت عقارات تبلغ قيمتها أكثر من 8 مليارات دولار (6.7 مليار جنيه استرليني)، منها ما قيمته 1.8 مليار دولار (1.5 مليار جنيه استرليني) يملكها أثرياء روس والبقية لأثرياء من الشرق الأوسط وآسيا وغيرها.

وفي عام 2017، شددت مصلحة الضرائب الملكية القيود على تسجيل العقارات التي يشتريها الأجانب، وألزمت شركات السمسرة العقارية والوكالات العقارية بالكشف الواضح والدقيق عن المالك النهائي للعقارات البريطانية المشتراة. إلا أن تقرير البرلمان يقول إن تلك القيود لا تطبق. ومطلع هذا العام أصدرت بريطانيا قانون "الجرائم الاقتصادية" الذي يطالب الوكلاء العقاريين بإبلاغ السلطات عن كل التفاصيل التي يحصلون عليها من زبائنهم في شأن مصادر أموالهم.

ويرى البعض أن ذلك يتنافى مع المهنية، كما يقول غاري هيرشام، مؤسس شركة "بوشامب إيستيت" الذي يعتبر أن كثيراً من الاستثمارات العقارية للأجانب في لندن قانونية وشرعية. ويضيف، أن "السفسطة الإعلامية" هي التي تثير كل تلك المشكلات. وعلى الرغم من أنه يبدي الأسف على حرب أوكرانيا، فإنه يضيف، "أعتقد أن كل لغو الحديث هذا المتعلق بالعقوبات على روسيا يساء فهمه، وهو أمر خطأ في الواقع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب أكثر من شركة تعمل في قطاع العقارات الفاخرة، فإن التباطؤ أكثر في شريحة العقارات التي يقع سعرها ما بين 12 مليون دولار (10 ملايين جنيه استرليني) و25 مليون دولار (20 مليون جنيه استرليني). أما بقية شرائح السوق للعقارات عالية الثمن فلا تصل نسبة الهبوط فيها إلى أكثر من 12 في المئة، بينما في تلك الشريحة العالية جداً زاد معدل الهبوط لأكثر من 30 في المئة.

وفي تقدير البعض، فإن تأثير العقوبات على روسيا، الذي يحجب مليارات الروس قد يكون قصير الأجل، وأن الأموال من الشرق الأوسط وآسيا يمكن أن تعوض ذلك الفاقد. ويضيف البعض أن الروس ما عادوا "ينفقون ببذخ" كما كانت الحال عقب انهيار الاتحاد السوفياتي كما يقول هيرشام. ويضيف، "إذا كنا نرى أن الأموال الروسية مشكوك في مصدرها فذلك انتهى مع نهاية القرن الماضي. ووقتها كان الجميع يتسابقون للحصول على تلك الأموال، من نواب البرلمان إلى أعضاء مجلس الشيوخ. وتلك الأموال الآن أنظف مما كانت عليه وقتها".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد