Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

درس جونسون... لماذا يكذب السياسيون؟

بوش الابن أخفى الحقيقة عن الأميركيين في غزو العراق وسبقه روزفلت في الحرب العالمية الثانية وباحث: "بعضهم يراها مسؤولية أخلاقية لحماية البلاد"

لا يكذب السياسيون على شعوبهم في الأمور الداخلية أو هذا ما يجب أن يكون ما دام السياسي ممثلاً لأماني الجماهير التي اختارته (أ ف ب)

هل يمكننا الافتراض أن الكذب هو الذي أسقط رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون لأنه لم يعلن عن حفلاته الإدارية والسياسية الترفيهية في ظل الإغلاق العام، وكأنه يخالف ما تطلب حكومته من المواطنين الالتزام به تحت تهديد العقوبة في حال خالفوا الأوامر.

إذا صح الافتراض بأن جونسون سقط من منصبه في رئاستي الحكومة وحزب المحافظين بسبب إخفاء الحقيقة، فإن هذا سيدفعنا إلى طرح سؤال جوهري وهو ما هي أنواع الكذب التي يمارسها السياسيون؟ ولماذا يكذب القادة على الرغم من أن معظم الناس يعتبرون الكذب سلوكاً مشيناً وغير مرحب به، ولا يرتاح أي شخص لوصفه بالكاذب حتى ولو كذب من وقت إلى آخر؟

لماذا يكذب القادة؟

على المستوى الفردي تم اكتشاف 31 نوعاً من الكذب الذي وصفه الفيلسوف الفرنسي إيمانويل كانط بأنه "أكبر انتهاك يقوم به الفرد ضد نفسه".

ولشدة استنكار الكذب ورفضه لا يتهم الناس بعضهم بالكذب مباشرة ولو كانت التهمة مستحقة، بل يستخدمون لغة أقل وطأة لوصف الكاذبين، لهذا لم يصف عضو الكونغرس في حينه جون كيري الرئيس جورج بوش الابن بالكاذب على الشعب الأميركي في شأن الحرب على العراق خلال الحملة الانتخابية في 2004، بل قال إنه "أخفق في قول الحقيقة وقاد الشعب الأميركي في الطريق الخطأ"، كما يشير جون شي ميرشيمير في كتابه "لماذا يكذب القادة؟" (سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية 2016).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أنواع الكذب السياسي

لا يكذب السياسيون على شعوبهم في الأمور الداخلية، أو هذا ما يجب أن يكون في ممارسة السياسة، ما دام السياسي ممثلاً لأماني الجماهير التي اختارته بالتصويت الأكثري في الأنظمة الديمقراطية، وقد يكذب السياسيون على شعبهم في الأمور الخارجية، وهو ما يكون ضرورياً أحياناً من أجل المصلحة الوطنية العليا، أو من أجل حماية الشعب من الأضاليل، أو خشية التسبب في ذعر عام مثلاً، وهكذا كذب الرئيس جورج بوش الابن على الأميركيين في شأن أسباب الحرب على العراق، لكنه لم يكن الرئيس الأميركي الأول الذي يفعل ذلك، إذ سبقه الرئيس فرانكلين روزفلت الذي كذب بخصوص الحادثة البحرية عام 1941 من أجل التأثير في الرأي العام بما يخدم دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من هذه الكذبة الضرورية فقد كان لها الأثر الكبير في مسار الحرب وما بعدها، وفي صورة العالم الحالية التي كانت لتختلف اختلافاً تاماً لو لم تنقذ أميركا الأوروبيين من براثن النظام النازي الألماني.

وهناك كذبة الرئيس ليندون جونسون العميقة الأثر بدورها في مسار الحرب الباردة، وفي العصر الأميركي اللاحق على هذه الحرب، والرافض لها من قبل الجيل الجديد من الأميركيين، مدعومين من الجنود العائدين منها بأمراض نفسية وجسدية كثيرة أطلقت حركة سلام حول العالم، والكذبة كانت في شأن خليج تونكين عام 1964 من أجل الحصول على دعم الكونغرس للحرب على فيتنام الشمالية في ذروة نزاعات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.

يمكن القول إن بعض القادة لا يرون أنه يجب أن يكذبوا فقط، بل ويعتبرون أن كذبهم مسؤولية أخلاقية لحماية بلادهم في مناسبات معينة، ويعلق ميرشيمير، وهو أحد أبرز الباحثين الأميركيين في السياسة الخارجية وصاحب كتابي "مأساة السياسة في الدولة العظمى" و"اللوبي الإسرائيلي وسياسة أميركا الخارجية"، على الكذب السياسي في الأمور الخارجية قائلاً إن "السياسة الدولية هي مضمار لكسر القواعد المعتادة من دون عقاب، ولا يعني هذا أن القادة متحسمون للكذب، أو أنهم يريدون للسياسات الدولية أن تبنى عليه، بل على العكس، ففي معظم أبحاثي وجدت أن كذب الدول بين بعضها أقل بكثير مما اعتقدت، لكن تطبيق المبادئ الأخلاقية والمثل العيا في السياسة الدولية يحتاج إلى بنية سيادية متفق عليها بين الدول، يمكنها فرض تلك المبادئ".

كذب مقبول وكذب مرفوض

يمكننا تعداد أنواع مختلفة من كذب القادة على الشعوب، منها كذبهم على الشعوب الأخرى في شأن السياسة الخارجية، وكذلك يمكنهم الكذب في شأنها أمام شعوبهم أيضاً، وهناك الكذب على الشعب في الأمور الداخلية غير المرغوب بها في مجمل الأنظمة السياسية، لكن انتشار الأكاذيب بين دولة وشعبها قد يدمر كيانها ويضعف استقرارها وأمنها الداخلي.

كما يقول مطور علم السياسة وفن الحكم المفكر الإيطالي مكيافيللي مؤكداً، "لا يمكن للدولة أن تستمر بكفاءة وفاعلية إذا انتشر الكذب بين أفرادها وبينهم وبين السلطة".

يمكن تبرير الكذب في الأمور الخارجية من أجل المصلحة العامة، أو من أجل غايات لا شأن مباشراً للمواطنين بها، لكن لا يمكن أبداً تبرير الكذب في أمور داخلية.

ولو طبقنا فكرة ميرشيمير على حال رئيس الوزراء الإنجليزي بوريس جونسون فستكون الأمور على الشكل التالي: كان بإمكان جونسون الكذب عبر إخفاء الجوانب السلبية للحفلات وتقوية الجوانب الإيجابية عبر جعلها اجتماعات ضرورية، وهذا لا يعتبر كذباً بل تلاعباً نفسياً، ويحق لمعارضيه أن يلقوا الضوء على الجانب السلبي للمسألة من دون أن يلجأوا إلى الكذب أو تضخيم الأمر بإضافة أحداث غير حقيقية، وفي الجهة المقابلة لا يحق لبوريس جونسون أن يخفي حدوث هذه الحفلات ويدافع عن ذلك، كما لا يمكنه أن يبررها ما دام أمر الإغلاق ينطبق عليه كما على مواطنيه، بخاصة أن الكشف عنها جاء كما لو أنها فضائح حول لقاءات سرية سميت حفلات، فأي تبرير في هذه الحال لا يمكنه نفي وجود فعل الكذب المقصود من أجل مصلحة شخصية، وهو ما يخالف الدور الذي يؤديه رئيس حكومة يمثل أكثرية برلمانية سيحاسبها ناخبوها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير