Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما يتحول الإنجاز إلى عبء... بسنت حميدة ورفيقاتها يواجهن حملات الترهيب

استنزاف بطلات الرياضة المصريات في معارك جانبية يقلل من قيمتهن لمجرد خروجهن عن النمط المجتمعي في المظهر

ترك المعلقون دورة ألعاب البحر المتوسط التي اختُتمت فعاليتها بمدينة وهران في الجزائر، وانخرطوا في نقاشات حادة حول ملابس العداءة المصرية بسنت حميدة (مواقع التواصل)

كل ما تمنته الشابة أن تصنع إنجازها الرياضي وأن يكون التلقي في محله، مثل مناقشة مستواها وقدراتها البدنية، ومدى حاجتها للتدريب، وهو أمر طبيعي لامرأة تحصد ميداليات ذهبية بعد أن تجاوزت قريناتها في سباق الـ 100 والـ200 متر. إلا أن تلك الأمنية وعلى بساطتها لكنها لم تتحقق.
ترك المعلقون دورة ألعاب البحر المتوسط التي اختُتمت فعاليتها بمدينة وهران في الجزائر قبل يومين، وانخرطوا في نقاشات حادة حول ملابس العداءة المصرية بسنت حميدة، فهي بالنسبة لعدد من "هواة التعليقات" لا تُعد فخراً لهم، ولا قيمة لأي نجاحات رياضية تحققها، طالما أنها خرجت عن كتالوغهم الشخصي. وكان المعلقون أكثر عنفاً مع بسنت دوناً عن رياضيات مصريات أخريات كثيرات، ولكنها بالطبع لم تكن الأولى التي يُهوى بنجاحها الرياضي الإقليمي أو العالمي أرضاً لأسباب لا تتعلق أبداً بالمستوى أو بالنزاهة أو الموهبة.

تبريرات تحت وطأة حملات الترهيب

الرياضية صاحبة الـ26 سنة التي تعرف كيف تعبر عن نفسها ومشاعرها وتبدو مستقلة ومختلفة في مظهرها، خسفت بها التعليقات الأرض لأنها كانت تجري مرتدية زياً رياضياً اعتبره البعض غير لائق، "شورت وقميص قصير"، الأمر الذي جعل والدتها الدكتورة ريم إسماعيل وهي رياضية سابقة أيضاً، تسارع إلى الرد والدفاع بارتباك وتواجه ما قيل بحق ابنتها وكأنها تعتذر ضمنياً، مشيرةً إلى أن فتاتها الناجحة لا يمكن أن تجري إلا بتلك الملابس بخاصة في المسافات القصيرة وتقسم بأنها لا ترتدي بمثل هذا الأسلوب في حياتها اليومية. وظهرت الأم وكأنها تبحث عن مخرج من الهجمة الطاحنة وتحاول أن تبرر لها "فعلتها" جراء الرعب والترهيب الذي واجهته العائلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع كل خبر يُنشَر حول مشوار بسنت حميدة الرياضي، حيث بدا وكأن الشابة تدفع ثمن تفوقها وتصدرها السباقات.
وكشفت ردود الأم سطوة "المرجعية المجتمعية" بعد أيام من مطالبة أحد الشيوخ المشهورين فتيات مصر بأن يرتدين ملابس تشبه "القفة" في تعليقه على حادثة ذبح نيرة أشرف، حيث حصل قاتلها على حكم بالإعدام، بينما البعض يترك الجريمة ويركز على ملابس "القتيلة". إذن بسنت لم ترتدِ القفة، بل إنها سجدت شكراً لله بعدما ربحت السباق، وهنا حصدت المزيد من التندر والسخرية ممَن عبروا عن انزعاجهم من سجدة بسنت بملابس الجري بينما يصفقون لسجدة لاعبي كرة القدم بعد تسجيلهم الأهداف، وهي تفصيلة انتبه إليها بعض المدافعين عن بسنت حميدة ورفيقاتها، حيث أكدوا أنه بحسب رأي الفقهاء فلاعبو الكرة أيضاً لا يلتزمون بالزي الشرعي "تغطية ما بين السرة والركبة"، فشورت كرة القدم يكون عادةً فوق الركبة، وبحسب ما قاله الشيخ خالد الجندي في أحد برامجه التلفزيونية، فإن الشورت الذي لا يغطي الركبة هو حرام شرعاً للرجال، وهو الرأي نفسه الذي شدد عليه الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، مؤكداً أن الشورت الشرعي للرجال يجب أن يصل إلى الركبة، وهو أمر لا تحققه ملابس الرياضة الرسمية المعتادة في المباريات.

معارك جانبية لاستنزاف بطلات الرياضة

ليست بسنت وحدها التي تحمل عبئاً كلما حققت إنجازاً مثلها مثل رياضيات مصريات كان لهن نصيب من التتويجات العالمية، مثل البطلة فريدة عثمان الحاصلة على برونزية العالم في السباحة قبل أعوام، كأول لاعبة مصرية في التاريخ تصل لهذا الإنجاز، كما حققت المركز الرابع الشهر الماضي في بطولة الألعاب المائية في المجر، وتمتلئ منصات فريدة عثمان عبر مواقع التواصل بتعليقات غاضبة بسبب مَن يعتبرون ملابس السباحة في المسابقات الدولية لا تليق، وهو أمر جعل والدتها أيضاً تطل عبر أكثر من برنامج تلفزيوني في وقت سابق وتدافع عن ابنتها ضد الحملات التي تسخر منها، فالبطلات بدلاً من أن يركزن في مواجهة الخصم عليهن أولاً أن يدخلن في معارك جانبية لا علاقة لها بأي حال بالرياضة بشكل عام، فهن يحاربن ليثبتن أحقيتهن في الألقاب ولكن عليهن أيضاً أعباءً إضافية تتعلق بضرورة تعلمهن تقنية التعامل مع سيل التشكيك والسخرية والعدائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في أولمبياد طوكيو العام الماضي، حصلت فريال أشرف لاعبة الكاراتيه على أول ميدالية ذهبية باسم مصر منذ عام 2004، وفي البطولة نفسها تمكنت هداية ملاك في التايكوندو وجيانا لطفي في الكاراتيه من تحقيق ميداليات فضية أيضاً، وعلى الرغم من عدم خلو التعليقات من الغضب الذي يلقي على الرياضيات أيضاً لوم عدم التزامهن بالزي "الشرعي" ولكن وقع السخرية من نجمات أولمبياد طوكيو كان أشد وطأة بسبب التزامهن بالحجاب على ما يبدو، وهو وضع البطلة نعمة سعيد نفسه التي توِّجت بثلاث ميداليات في رفع الأثقال خلال بطولة ألعاب البحر المتوسط بالجزائر، وقبلهما بطلتا رفع الأثقال سارة سمير وعبير عبد الرحمن، اللتان ارتديتا الحجاب في ما بعد لإغلاق الباب أمام الحملات التي لا تركز سوى على مظهرهن، حيث أن مظهر الفتيات المصريات المشاركات في أي بطولة رياضية يأتي أولاً، بالنسبة لبعض المعلقين. وتقتصر نقاشات كثيرة عادةً حول طول غطاء الرأس وهل هو حجاب أم مجرد تربون؟ ومدى ضيق البنطلون، وهل كِم السترة الرياضية طويل أم أقصر من اللازم... دائرة من الجدل لا تترك مجالاً للحديث عن قيمة المنافسة أو تأثيرها في مسيرة اللاعبة من عدمه، وهو أمر عبّر عنه المخرج عمرو سلامة في تغريدة له لاقت انتشاراً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيها "اتحرشوا بيها... كانت لابسة ايه؟ اتدبحت... كانت لابسة إيه؟ كسبت ميدالية ذهبية... كانت لابسة إيه؟". وبالطبع لم يسلم مخرج "لا مؤاخذة" و"بره المنهج" و"ما وراء الطبيعة" من حملات الهجوم التي طالبته بأن يتوقف عن التعبير عن رأيه في "ما لا يعنيه"، بينما يرى المهاجمون أن من حقهم نشر آرائهم في كافة المجالات ويهددون مَن يخالفهم!

تكريمات رسمية ومساندة من النخبة

لكن المؤكد أن جمهور الرياضة الحقيقي كان له رأي مخالف بخاصة أن هناك نقاشات بين متابعي تلك الدورات والبطولات تتحدث عن فنيات وأداء اللاعبات ومستوى المتنافسات، ولم يلتفتوا لمَن كان تدخلهم في الموضوع فقط من أجل متابعة "الملابس" وكأنهم يشرفون على مدى تطبيق الكود الأخلاقي الخاص بهم على بقية فتيات العالم.
كما تمت ترجمة ما حققته بسنت حميدة وزملاؤها في التقدير الرسمي، حيث استقبلهم بحفاوة وزير الرياضة أشرف صبحي. وجاء في البيان الذي نُشر على الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء المصري أن "وزير الرياضة أثنى على إنجاز بسنت حميدة التاريخي"، موضحاً أن "هذا الإنجاز هو الأول من نوعه في تاريخ منافسات ألعاب القوى المصرية"، وأن "مصر تدخل العديد من المنافسات التي لم تتواجد بها من قبل، وأن تنافس عليها وتتفوق بها فهذا أمر يستحق الفخر".
وكان أبطال الأولمبياد العام الماضي قد حظوا بتكريم من رئاسة الجمهورية.

كما نالت بسنت ورفيقاتها الكثير من الدعم من قبل مشاهير المجتمع وبينهم لاعب كرة القدم السابق أحمد حسام "ميدو" الذي استنكر حملات الهجوم على بسنت وأثنى على مساندة زوجها لها، كما شدد على أن السخرية من ملابسها الرياضية أمر لا يليق ويعيد الناس إلى عصور ظلامية، وطلب من الجمهور التركيز على ما تحققه من نجاحات رياضية، وعدم التركيز على موديلات ملابسها. وشدد ميدو على قوة شخصية بسنت وعدم تأثرها بالآراء السلبية.
بسنت حميدة الفتاة المرحة التي بعثت بتحياتها إلى متابعيها عبر الشاشات على طريقة نجمات السينما، وتحرص على أن تضع مساحيق التجميل لتخفي إرهاق وجهها قبيل لحظات من صعود منصة التتويج، وتنتصر لتفاصيل مثل خفة الدم واللطافة والبساطة، درست في أكاديمية العلوم والتكنولوجيا، وكانت متفوقة دراسياً، بحسب والدتها، مثلما تفوقت رياضياً تماماً.
ظهرت بنمط مغاير لمواصفات الفتاة الرياضية التقليدي، فهي تحرص على التعبير عن إحساسها بوضوح ومن دون خجل، ولم تتردد في أن تقبل يد زوجها ومدربها الكابتن محمد عباس أمام الكاميرات، كما أرسلت له عبارات الامتنان والمحبة من خلال تدوينة لها عبر حسابها بموقع "فيسبوك"، حيث كتبت خطاباً عاطفياً مطولاً فاجأت فيه متابعيها بقدرتها على التعبير الأدبي، ومما قالته "عندما أتذكر كل ما صنعت لأجلي كي أصل إلى الذي وصلت إليه في يومي هذا فإن لساني يقف عاجزاً على قول أي شيء، فعبارات الشكر قليلة، وكلمات الثناء لا تستطيع أن تفيك حقك، فأنت كل شيء في كل الأوقات، وأنت ما ألقاه حينما أحتاج أي شيء في هذه الحياة، فكل الشكر لك على ما قدمت... يا من تمنح بلا انتظار، وتغفر من دون اعتذار، وتقف إلى جانبي في كل شيء، يا أغلى الناس".

المزيد من تحقيقات ومطولات