على نحو مفاجئ، أعلنت الآلية الثلاثية الراعية للحوار السوداني المباشر، التي تضم البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد)، إلغاء الحوار المعلق منذ جلسة انطلاقه الأولى في الثامن من يونيو (حزيران) الماضي، بسبب مقاطعة الحرية والتغيير وفاعلين أساسيين في الحراك الثوري والعملية السياسية.
إعلان الآلية الثلاثية يأتي في وقت يتواصل فيه تصعيد التظاهرات والاعتصامات، وتختنق شوارع العاصمة السودانية بالمتاريس، تزامناً مع استعدادات استقبال عيد الأضحى، ما يمثل تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية، ويهدد بشل الحركة في طرق رئيسة داخل مدن الخرطوم الثلاث.
وبررت الآلية قرار الإلغاء هذه المرة بانتفاء جدوى مواصلته من دون مشاركة المكون العسكري (الجيش) بعد إعلان الأخير الانسحاب منه. وذكر بيان صادر عن الآلية أن إجراءات الحوار السابق كانت مبنية على أساس حوار (عسكري - مدني)، وبانسحاب الجيش تم إلغاء الصيغة القديمة للحوار.
وأكدت الآلية مواصلة انخراطها مع جميع المكونات التي شاركت في الاجتماع السابق، إضافة إلى جميع أصحاب المصلحة الآخرين، كجزء من جهودها المستمرة لتسهيل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الحالية، بتشجيع جميع الأطراف المدنية على سبل لتخطيها.
وقالت الآلية، في خطاب وجهته إلى القوى السياسية المشاركة في الحوار المباشر، إنه لن يكون هناك حوار (عسكري مدني) في الاجتماعات المقبلة، ما يلغي جدوى مواصلة المحادثات على الشكل الذي بدأت في اجتماع الثامن من يونيو في الشهر الماضي بفندق روتانا بالخرطوم.
تحفظ الحرية والتغيير
في السياق ذاته، قطع فؤاد عثمان، القيادي بتحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، أمين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر السوداني، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، بعدم "دخول التحالف في أي حوار مع القوى المدنية الداعمة للانقلاب وفلول النظام البائد، لأنه سيكون حواراً شكلياً لا يحقق العودة إلى الحياة السياسية الدستورية بإنهاء انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021".
وقال عثمان، "أبلغنا الآلية مراراً أننا منفتحون للتعاطي الإيجابي معها، لكن لنا تصور حول العملية السياسية وأهدافها، بدءاً بإجراءات تهيئة المناخ، وتحديد الأطراف المعنية بالحوار، وصولاً إلى الإجراءات العملية التي تنهي الانقلاب وتؤسس لإطار دستوري لسلطة مدنية كاملة، والنأي بالمؤسسة العسكرية من المعترك السياسي والتفرغ لمهامها وفق الترتيبات الدستورية".
أشار قيادي المجلس المركزي إلى أن قوى الحرية والتغيير جاهزة لدراسة أي مبادرة أخرى تتلقاها من الآلية والرد عليها، وذلك بعد تعليقها الحوار الذي ابتدرته من دون أن يحرز تقدماً.
حوار شامل
من جانبه، شدد مبارك أردول، الأمين العام لتحالف الحرية والتغيير (ميثاق التوافق الوطني)، المتهم بمساندة الانقلاب، على موقف التحالف الثابت بدعوة جميع القوى السياسية إلى الحوار (عدا المؤتمر الوطني) من أجل التسامي فوق الانقسامات، والتوافق وتقديم المصلحة الوطنية، والاستعداد لتقديم تنازلات من أجل الحوار وتشكيل حكومة انتقالية متوافق حولها تستجيب لقضايا المواطن وتخرج بالبلاد لبر الأمان.
أكد أردول تسلمهم خطاباً من الآلية الثلاثية تبين فيه حاجة الأطراف إلى صيغة جديدة من الحوار بعد انسحاب المكون العسكري، إذ باتت الصيغة القديمة لا تصلح. وكشف عن لقاء جمع التحالف مع الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، طرحوا فيه استفسارات حول بعض النقاط التي كانت تبدو غامضة في خطاب إعلانه الانسحاب من الحوار منتصف الأسبوع الماضي.
بدورها، اعتبرت حركة العدل والمساواة السودانية خطاب البرهان خطوة مهمة نحو تحقيق التوافق السياسي ووضع البلاد في مسارها الصحيح وحمايتها من الانقسامات والتفتت، بتأمينه على أهمية الحوار كمخرج وحيد للأزمة السودانية، فضلاً عن استجابته لمطلب الأطراف الرافضة للجلوس مع المكون العسكري في هذه المرحلة.
وطالبت الحركة بحوار شامل بين القوى السياسية والمدنية ولجان المقاومة لا يستثنى منه سوى المؤتمر الوطني، بهدف الوصول إلى توافق عام واتفاق سياسي تكتب بموجبه المرجعية الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية.
دعوة إلى الحياد
من جانبه، أكد حزب الأمة القومي ضرورة توحيد الرؤية لتفويت الفرصة على دعاة الانقسام والتشتت، داعياً القوات المسلحة إلى النأي بنفسها عن السياسة والتفرغ لمهامها الدستورية.
وصف الحزب، في بيان، خطاب البرهان بأنه يمثل إقراراً بالفشل بعد أكثر من ثمانية أشهر فقدت البلاد فيها أرواحاً عزيزة، وجمدت فيها المنح والقروض وإعفاء الديون وباتت مهددة بالانهيار الاقتصادي.
في لقائه فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة الأممية لدعم التحول الديمقراطي في السودان (يونيتامس)، شدد وكيل وزارة الخارجية، دفع الله الحاج، على ضرورة التزام البعثة بالمهنية والحيادية، وفاءً لميثاق وقيم ومبادئ الأمم المتحدة.
أكد الحاج أهمية انخراط البعثة بفاعلية في عملية تسهيل الحوار، وفق خطة محددة بآجال زمنية معلومة، سعياً للوصول إلى الغايات المرجوة.
على الصعيد ذاته، قدم وزير الخارجية المكلف علي الصادق، تنويراً للسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية المعتمدة لدى السودان، حول قرارات الفريق البرهان ونتائج قمة (إيغاد) الطارئة رقم 39 وتخريج قوة حماية المدنيين بدارفور.
وأكد الصادق أن قرارات البرهان أكدت أن "الجيش لن ينخرط في أي عملية تفاوضية في شأن اختيار رئيس الوزراء المدني أو تكوين حكومة كفاءات مدنية". وأشار إلى أن العملية السياسية ستكون بعد ذلك مدنية كاملة، وفق الصيغة التي طالبت بها القوى السياسية، وأن الحكومة المقترحة ستكون مسؤولة عن صياغة وتنفيذ سياسة الدولة الخارجية وبسط الأمن والاستقرار ومعالجة المعضلات الاقتصادية، فضلاً عن الترتيب للانتخابات.
وفي سياق ذي صلة، دعا حاكم دارفور السابق، رئيس تحالف قوى الحراك الوطني، التجاني سيسي، إلى عقد مؤتمر جامع لإدارة الفترة الانتقالية، يقود إلى انتخابات نزيهة في نهايتها. وطالب في مؤتمر صحافي القوى السياسية بالتقاط ما تضمنه خطاب البرهان من قرارات والجلوس في حوار هادف للخروج بالبلاد من وهدتها.
وشدد سيسي على ضرورة شمول الحوار جميع مكونات الشعب السوداني من دون إقصاء، مشيراً إلى أن المبادرات الأجنبية لن تزيد الأزمة السودانية إلا تعقيداً. وانتقد قرار الآلية بعد إخطارهم كتابةً بإلغاء الحوار بسبب خروج المكون العسكري منه، ودعاها إلى إعادة الثقة في نفسها ومعالجة الإشكالات الداخلية فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حوار جديد
المحلل السياسي، محمد إبراهيم الأمين، رجح أن تكون الآلية الثلاثية شرعت بالفعل في التأسيس لعملية سياسية جديدة، وسيكون لـ"الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) المناهض للانقلاب الدور الأعظم في نجاحها أو فشلها، وهو ما يفتح الساحة السياسية لتحالفات الجديدة، وربما يعجل التقارب بين طرفي الحرية والتغيير من جديد شكوك مجموعة جوبا بأن خطاب البرهان خدعة مدبرة بينه وبين المجلس المركزي.
قال الأمين، هناك الآن واقع جديد يتطلب الترتيب لحوار سياسي جديد، وفق قواعد وضوابط إجرائية يتفق عليها بين المسهلين والقوى المدنية، ما يعني بالضرورة التأسيس لحوار مختلف لا يشمل مشاركة العسكريين، بالتالي فإن قرار الآلية في هذا الخصوص يعتبر موضوعياً.
وأشار المحلل السياسي إلى أن خطاب الفريق البرهان الأخير أعاد إلى السطح خلافات كانت مكتومة بين المكون العسكري وعدد من حلفائه في الداخل الذين وصفوا الخطاب بالغموض، فيما لا يزال موقف المجتمع الدولي والولايات المتحدة من قرارات البرهان ضبابياً وينحو في اتجاه المباركة والرضا.
وأضيف "لم تعلن قوى الحرية والتغيير حتى الآن قبولها بالحوار المدني الجديد، كما لم تعلن رفضها له، بسبب أن ملامحه لم تتبلور بعد، لكنها في الوقت ذاته تهدد بالدخول في مواجهة مفتوحة مع المكون العسكري، برفع وتيرة تصعيد التظاهرات والاعتصامات، ما يعني قطع الطريق أمام أي توافق وطني في ظل المعطيات الراهنة واستمرار الأزمة وتعطل مسيرة التحول الديمقراطي.
آمال المجتمع الدولي
دولياً، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن أمله في أن يوفر انسحاب الجيش من المحادثات السياسية التي يسرتها الآلية الثلاثية فرصة للسودانيين للتوصل إلى اتفاق يؤدي في نهاية المطاف إلى انتقال نحو الديمقراطية في السودان.
وأكد المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان صحافي، أن المنظمة الأممية تشجع جهود الآلية الثلاثية في تسهيل الحوار بين جميع أصحاب المصلحة للتوصل إلى اتفاق للمضي قدماً في استعادة الانتقال المدني.
كما دعت وزارة الخارجية الأميركية الأطراف في السودان إلى العودة إلى الحوار، لإيجاد حل يدعم تقدم السودان نحو حكم يقوده المدنيون والديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة. وقالت في بيان إنها اطلعت على خطاب البرهان في شأن حل مجلس السيادة حال تشكيل حكومة مدنية، مؤكدة دعمها المستمر لطموحات الشعب السوداني في الانتقال إلى الديمقراطية وإقامة حكم يقوده المدنيون.
وكانت جلسات الحوار المباشر، الذي دعت إليه الآلية الثلاثية، بين فرقاء الأزمة السودانية المتجذرة في الثامن من شهر يونيو الماضي، قد تم تعليقها إلى أجل غير مسمى بسبب مقاطعة تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) وحزب الأمة ولجان المقاومة وعدد من القوى الثورية المؤثرة.
ونجحت وساطة قادها كل من مساعدة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية للشؤون الأفريقية، مولي في، وسفير السعودية بالخرطوم علي جعفر، في ترتيب لقاءات موازية بين "تحالف الحرية والتغيير مع المكون العسكري غير أن اللقاءات لم تفلح في التوصل إلى صيغة توافقية تعيد إطلاق جلسات الحوار من جديد.
في الشهر ذاته، انضم الاتحاد الأفريقي لجهود البعثة، ثم لحقت بها منظمة شرق ووسط أفريقيا للتنمية (إيغاد)، وشكلت الأطراف الثلاثة (الآلية الثلاثية) لرعاية الحوار السوداني، التي بدأت العمل في مارس (آذار) الماضي، بإجراء مشاورات فردية غير مباشرة مع الأطراف المختلفة، كأولى مراحل التشاور مع القوى السياسية من الأطراف المختلفة.
بإعلان انسحاب الجيش من الحوار، ألغت الآلية ترتيباتها السابقة للحوار المدني العسكري، وأعلنت في 6 يوليو (تموز) الحالي، استمرار جهودها لتسهيل التوصل إلى حلول وتشجيعها جميع المدنيين على تخطي الأزمة السياسية السودانية الراهنة.