Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التمويل الأخضر يشهد ازدهارا لكن ينقصه تغيرات جذرية

يجب مضاعفة الاستثمارات السنوية، وبسرعة، لتحقق أوروبا أهدافها البيئية والأمر غير المدهش هو تخلف المملكة المتحدة عن الركب

نطاق الاستثمار السنوي المطلوب هو ما بين 600 مليار يورو وتريليون يورو في أوروبا (أ ف ب عبر غيتي)

تتطلب حماية البيئة حول العالم ضخ استثمارات رأسمالية هائلة جداً، فهل نحن قريبون بأي شكل من رؤية ذلك يتحقق؟

إن هذه القضية تمتلك وجهتي نظر للمجادلة، واحدة تقوم على مبدأ "النصف الممتلىء من الكأس" والأخرى على "النصف الفارغ من الكأس"، على الأقل هذا ما يمكن استنتاجه وفقاً لتقرير بعنوان "مراجعة الحقائق والوقائع عن التمويل الأخضر" الذي نشرته أخيراً مؤسسة "نيو فاينانشال" (المالية الجديدة) New Financial، وهي مؤسسة بحوث متخصصة قائمة على رسالة مفادها أن الأسواق الرأسمالية بإمكانها وينبغي أن تكون قوة دافعة تحقق مصلحة اقتصادية واجتماعية نافعة.

والنظرة المتفائلة التي تؤيد النصف الممتلئ من الكأس تقول إن قيمة التمويل الأخضر الذي يجري جمعه عبر أسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قد شهد نمواً متسارعاً خلال الخمس سنوات الماضية – وهو أمر سيكون ضرورياً إذا كان لدى العالم أي أمل في الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها في اتفاقيات باريس للمناخ.

تم جمع أكثر من 300 مليار يورو (260 مليار جنيه استرليني) العام الماضي وحده، وهو مبلغ هائل. وفضلاً عن ذلك، شهدت أنشطة التمويل الأخضر منذ 2017 زيادة خمسة أضعاف في أسواق السندات والأسهم والقروض. وفي العام الماضي، تضاعفت بفضل نشاط الشركات التي كان لها دور رائد.

والأمور تسير على ما يرام حتى الآن. لكن الإشكالية تكمن، بالطبع، أنه على الرغم مما تحقق حتى الآن يبدو مثيراً للإعجاب، إلا أنه بعيداً كل البعد من الوصول إلى المبلغ المطلوب. وهنا نأتي إلى النظرة المتشائمة التي تتحدث عن نصف الكأس الفارغ حيث يقدر التقرير أن النطاق المطلوب للاستثمار السنوي في أوروبا يتراوح بين 600 مليار وتريليون يورو، مما يعني أن النشاط يحتاج إلى مضاعفة مرة أخرى وبسرعة.

لقد تحول الاستثمار الأخضر مما يمكن تسميته الهامش الأخلاقي، الذي يتكون من وسائل متخصصة تلبي احتياجات الملتزمين صراحةً إنقاذ الكوكب، إلى التيار العام السائد. وذلك ينم عن اهتمام جدي بهذه المسألة وهو موضع ترحيب كبير.

ولكن على الرغم من كل اللغط والجعجعة التي تدور حول هذه المسألة، يفيد التقرير أنه [الاستثمار الأخضر] لا يزال يمثل نسبة صغيرة نسبياً من نشاط سوق رأس المال في أوروبا. وتشير التقديرات إلى أن نسبة التمويل الأخضر بلغت 12 في المئة فقط من ذلك في أسواق السندات والأسهم والقروض في العام الماضي، علماً أن الجانب المتعلق بالأسهم ما زال يحتاج بشكل خاص إلى تطوير. قد يكون أحد التفسيرات لذلك هو أن المملكة المتحدة التي تفضل الأسهم على السندات، على عكس عديد من الدول الأوروبية، أصبحت متقاعسة جداً مثل رجل مسن لا يستطيع الحراك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشكلت الاستثمارات بالأسهم 20 في المئة من أنشطة جميع أسواق رأس المال في أوروبا، ونسبة 14 في المئة فقط من التمويل الأخضر. وللأسف، لم يتغير شيء.

ويخلص التقرير أيضاً إلى الفصل التام بين مبلغ رأس المال الذي تجمعه الشركات "المراعية للبيئة" (وهي الشركات التي تحاول من خلال نشاطها الأساسي معالجة التغير المناخي، مثل شركات الطاقة المتجددة) والشركات "غير المراعية للبيئة" التي يؤخر نشاطها الأساسي الانتقال إلى صافي انبعاثات صفرية.

وتندرج شركات الوقود الأحفوري ضمن تصنيف هذه الأخيرة. وقد جمعت مبالغاً في أسواق المال تعادل 18 ضعفاً المبالغ التي جمعتها قريناتها "المراعية للبيئة"، وهي إحصائية واقعية.

هناك بعض الأسباب الواضحة لذلك. شركات النفط العملاقة، على سبيل المثال، تميل إلى أن تكون شركات ضخمة ومعروفة في أسواق رأس المال،  بالتالي من السهل عليها اللجوء لهذه الأسواق عندما تحتاج إلى النقد. كما أنها ستحتاج إلى النقد لتقليل أثر أعمالها على البيئة (وهي في الوقت الراهن لا تزال مغرمة بإطلاق الادعاءات الزائفة لحماية البيئة).

ومن ناحية أخرى، فإن مشغلي الطاقة المراعين للبيئة حديثو العهد ولم يثبتوا أنفسهم في السوق. وهو المطلوب إثباته.

ومن الجدير بالذكر أن النسبة [الشركات المراعية للبيئة مقارنة مع غيرها] انخفضت دون 10 إلى واحد لأول مرة في العام الماضي. لكن التقرير يؤكد مرة أخرى "يجب أن نحاول بجدية أكبر"، كما هي الحال بالنسبة لجهود إزالة الكربون في المملكة المتحدة وأوروبا.

يقول مركز الأبحاث، إن صانعي السياسات والشركات يواجهون خيارين، إما أنهم سيحتاجون إلى تعديل أهدافهم وتوقعاتهم، أو سيتعين عليهم إيجاد طرق جديدة لجمع مزيد من رأس المال المراعي للبيئة على نطاق واسع.

ومن الواضح أن الخيار الأول هو فكرة رهيبة، ولكن من المنظور التاريخي كانت دائماً النهج المفضل. هل يعد ذلك فشلاً في تسجيل الهدف؟ إذاً، انقل المرمى من مكانه.

هل سيكون الأمر مفاجئاً إذا تم اعتماد مستويات أقل صرامة للاحترار العالمي وأعلى نسبةً من هدف [قمة] باريس، لأن العالم ببساطة لم يتمكن من فعل شيء حيال ذلك؟

أشفق على الأجيال المقبلة التي يجب أن تعيش في هذا العالم. أشفق على المستثمرين لأن الأمر لن يكون ممتعاً بالنسبة لهم أيضاً، وهي نقطة جديرة بالتكرار.

وذلك يقودنا إلى الخيار الثاني المتمثل في إيجاد طرق لجمع مزيد من رأس المال، الأمر الذي يتطلب بوضوح الالتزام والاقتناع والتأييد من القطاع المالي، والشركات والحكومات، بخاصة الحكومات.

أما الحكومات، وبسبب الحرب الروسية في أوكرانيا وتأثيرها في التضخم وفواتير الطاقة على الناخبين المتعبين، قد أصابها الإغراء الشديد للوصول إلى حل سريع يتمثل في العودة إلى استخدام الفحم، أو تمويل مشاريع جديدة للوقود الأحفوري. وجميعها خطوات تقودنا إلى الوراء عندما تكون البدائل الخضراء هي الأفضل بلا شك من الناحية البيئية، ولكن أيضاً وجهة نظر اقتصادية طويلة الأجل.

ومن ناحية أخرى، تشير مؤسسة "نيو فاينانشال" إلى أن "النمو السريع في عام 2021 يظهر أنه عندما يسهم كافة المصدرين [الحكومات والشركات] في التمويل الأخضر، يتم توجيه مزيد من رأس المال نحو المشاريع الخضراء".

وذلك هو الواقع. لقد حان الوقت، للالتزام باتخاذ خطوات سريعة وفي نفس الوقت معالجة أي عوائق تنظيمية ومالية قد تبطئ انطلاقنا.

ولعلنا نقدم بعض الحوافز كذلك، فذلك لن يضر، طالما أنها لا تُستخدم، أو يُساء استخدامها، بكل سخرية.

نُشر في اندبندنت بتاريخ 4 يوليو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد