Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع معدلات الجريمة في كردستان العراق في ظل إفلات المتهمين من العقاب

تواصل السلطات حملتها لمصادرة الأسلحة غير المرخصة وسط معاناة من تأخر القضايا أمام المحاكم

أعلنت شرطة أربيل الإثنين الرابع من يوليو الحالي عن تسجيل 3375 جريمة خلال النصف الأول من العام (أ ف ب)

أظهرت إحصاءات رسمية حول معدل جرائم القتل في إقليم كردستان العراق خلال النصف الأول من العام الحالي، تصاعداً ملحوظاً مع بدء السلطات الأمنية حملة مشددة للحد من ظاهرة حيازة الأسلحة غير المرخصة، فيما يرجع مسؤولون حكوميون ومعنيون تفاقم المشكلات الاجتماعية إلى بطء في حسم الدعاوى القضائية وإفلات المتهمين من العقاب عبر أروقة "المكاتب الاجتماعية" للأحزاب والعشائر.
وشهد الأسبوع الأخير من شهر يونيو (حزيران) الماضي حالات قتل واعتداء استخدمت في معظمهما أسلحة نارية، إذ قتل طالب جامعي مفصول عميد كلية القانون في جامعة صلاح الدين بأربيل وأستاذ في كلية الهندسة، وبعد 24 ساعة فقط على تلك الجريمة أقدم شاب آخر على قتل شقيقته وزوجها.
وفي السليمانية أعلنت طبيبة عن تعرض منزلها لهجوم بقنبلة يدوية وإطلاق نار، ودعت حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" ذو النفوذ الأكبر في المحافظة إلى حمايتها "لكون الهجوم تم بواسطة سيارة تابعة لحزب متنفذ، بسبب مواقفي حول قضايا فساد، إذ تعرضت سابقاً لتهديدات بالقتل".
وفي اليوم ذاته، ألقى فرد كان يستقل دراجة نارية قنبلة يدوية على أحد المنازل مما أدى إلى إصابة شخص بجروح، وفي حادثة أخرى أُصيب شقيقان بجروح عندما أطلق مسلح عليهما النار، كما انتحر شاب من أسرة معروفة تنتمي إلى حزب طالباني بإطلاق رصاصة على الرأس، وشهد قضاء كويسنجق الواقع بين أربيل والسليمانية اقتحام مسلح لمدرسة أثناء أداء الطلاب الامتحانات.
وفي مطلع شهر مايو (أيار) الماضي عم الغضب الشارع الكردي عندما اقتحم ضابط أمن منزل والد زوجته في قضاء جمجمال، وقام بقتل زوجته وأمها وشقيقتها وشقيقها مع نجل شقيقها البالغ 14 عاماً، فيما أُصيب ثلاثة آخرون بجروح، هذا إضافة إلى تسجيل عشرات حالات قتل نساء على أيدي أزواجهن.

السلاح سيد الموقف

وتزامناً أعلنت شرطة أربيل يوم الإثنين الرابع من يوليو (تموز) الحالي، عن "تسجيل 3375 جريمة واعتقال نحو 5 آلاف متهم بالقتل والسرقة والاحتيال والمخدرات، خلال النصف الأول من العام الجاري، وقد تم حسم 2961 ملفاً وأحيل المتهمون إلى المحاكمة". وكشفت الشرطة عن "اعتقال 41 شخصاً بتهمة القتل وتسجيل 24 حالة إطلاق نار مع اعتقال جميع المنفذين".
أما في السليمانية فتؤكد السلطات اعتقال 100 متهم في فترة وجيزة ممتدة بين مطلع شهر مارس (آذار) إلى منتصف أبريل (نيسان) الماضيين بتهم تتعلق بالقتل والسرقة والاحتيال والمخدرات وغيرها.

وفي الفترة ذاتها أعلنت شرطة الإقليم اعتقال 370 مطلوباً من "بينهم رجال أمن وعسكريين بتهم مختلفة"، وتشير البيانات الأولية إلى مقتل أكثر من 30 رجلاً وأكثر من 20 امرأة منذ مطلع العام، باستثناء حالات الانتحار، وأن معظم الجرائم ارتكب بواسطة أسلحة نارية، بينما سجل الإقليم العام الماضي 215 حالة قتل و59 حالة قتل بالخطأ و287 حالة انتحار.
وبحسب "منظمة المساعدة القانونية للمرأة" المعروفة بـ"OLA"، فإن "نسب حالات العنف ضد النساء خلال الأشهر الستة الماضية مقارنة مع السنتين الماضيتين شهدت ارتفاعاً ملحوظاً"، وقالت "لقد بلغ عدد القتلى من النساء 82 ضحية، منها 29 حالة نتيجة الحرق و31 حالة انتحار و22 حالة قتل".

إجراءات مشددة

وعلى خلفية هذا المشهد أطلقت السلطات بأمر من رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني حملة مشددة لمصادرة الأسلحة غير المرخصة، وكذلك غلق المحال والمواقع الإلكترونية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تروج لبيع الأسلحة، بخاصة أن قاتل الأستاذين الجامعيين اعترف بشراء المسدس الذي استخدمه في جريمته عبر الإنترنت، وتم نشر نقاط تفتيش داخل المدن وخارجها على أن يتم لاحقاً "اتباع آلية قانونية جديدة وفق نظام إلكتروني لبيع الأسلحة" وإخضاع طالب الرخصة لفحوص طبية لإثبات أهليته من الناحية العقلية والنفسية لحيازة السلاح، وتعهدت السلطات بتقديم تعويض لكل من يسلم سلاحه.
وأسفرت الحملة المستمرة لغاية الآن عن مصادرة أكثر من 10 آلاف قطعة سلاح بين مسدس وسلاح رشاش، وأكثر من 3 آلاف بندقية صيد وغلق نحو 20 محلاً لبيع الأسلحة، بينما يشير آخر إحصاء للوزارة إلى منح أكثر من 20 ألف رخصة، لكن سيكون على أصحابها تجديد تراخيصهم بناء على التعليمات الجديدة والتعديلات التي أدخلت أخيراً على قانون حيازة السلاح.

بطء في حسم القضايا

وأثار تفاقم العنف سجالاً حامياً حول المسببات، إذ يرجعه بعضهم إلى انتشار السلاح غير المرخص منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي في أعقاب انتفاضة الأكراد ضد نظام الرئيس السابق صدام حسين، ومن ثم دخول الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" الذي كان يتزعمه مؤسسه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني في حرب أهلية، بينما يرجعها آخرون إلى ضعف دور القضاء في مقابل تدخلات من قبل الأحزاب المتنفذة والعشائر لحسم القضايا.
وفي سياق متصل أقر وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد خلال مؤتمر صحافي بأن "تأخر حسم القضايا لدى المحاكم، وهو أحد الأسباب التي ربما تعقد القضايا لتحول خلافاً بسيطاً إلى مشكلة أكبر". وأضاف، "في ظل غياب الحلول القانونية المناسبة يتم حل المشكلات في حالات عدة في أروقة المكاتب الاجتماعية للأحزاب أو من قبل شخصيات اجتماعية وعشائرية، لكن على الرغم من ذلك نحتاج إلى حلول قانونية، وهذا أحد أسباب المشكلات الاجتماعية".

"قضاء مسيس"

أما زعيم الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" محمد الحاج محمود فقد حمّل من جانبه "القضاء والمحاكم مسؤولية تزايد الجرائم والتي ستحدث مستقبلاً"، مشدداً على أن "تسييس القضاء يعد سبباً رئيساً لتفشي الجريمة"، كما لفت إلى أن "معظم الأسلحة المرخصة استخدمت في ارتكاب الجرائم"، كاشفاً عن أن ملف مشكلة الطالب الذي قتل الأستاذين الجامعيين "بقي في المحاكم لنحو ثلاث سنوات من دون أن يحسم، فما هي فائدة القضاء إذاً؟"، ووصف النظام التعليمي في الإقليم بـ "الفاشل".

مردود محدود

لكن مدير مكافحة الجريمة المنظمة في السليمانية آريان رشيد رأى أن "جرائم القتل لم تتوقف على الرغم من صدور قرارات حظر بيع الأسلحة مرات عدة، ففي البداية تكون الإجراءات مشددة ثم تتراخى بعد ذلك، ولا يمكن التعويل فقط على هذا الإجراء، لأن الإنسان بطبيعته إذا أراد أن يرتكب جريمة سيتمكن بطريقة ما إن يحصل على الأداة القاتلة، فبالإمكان اعتقال ومعاقبة بعض المخالفين، بينما بإمكان كثيرين الإفلات حتى إن الجهات المعنية لا تستطيع أن تحاسبهم".

وأضاف أن "الثقافة القبلية القائمة وفق مبدأ الانتماء العشائري والعائلي والدم والقرابة يجعل من ارتكاب القتل أمراً مباحاً ويمنح العزة والكرامة للجاني".

وختم بالقول إنه "على الرغم من التشاؤم القائم، فإذا كان قرار حظر الأسلحة جدياً فإن تطبيق عقوبات شديدة بحق المخالفين والجهد القانوني إلى جانب أنشطة وبرامج التوعية الفكرية والثقافية كلها مجتمعة يمكن أن تحد من معدلات القتل".

انتقادات للحزبين

وحمل نواب وسياسيون فضلاً عن وسائل إعلام مستقلة ومعارضة الحزبين الحاكمين مسؤولية ظاهرة انتشار السلاح، وزعم بعضهم أن أسلحة قدمت كهدايا إلى مواطنين لكسب الأصوات خلال الانتخابات. وكتب موقع "شار بريس" المستقل عنواناً عريضاً جاء فيه "الجريمة آخذة في الارتفاع والحكومة والقضاء يتبادلان التهم".

وتشير الصحيفة إلى أن "يوماً لا يمضي من دون أن يقتل شخص أو يقع شجار بالرصاص أو مواجهة بين أسرتين أو عشيرتين"، وأشارت إلى تأخير في حسم الملفات لدى القضاء، بينما يرجع محامون التأخير إلى نقص في عدد القضاة مقارنة مع كثرة الدعاوى والملفات إلى جانب عدم رفع المشتكي دعوته في وقت باكر يكون سبباً في هذا التأخير. 

وسأل النائب عن كتلة "الاتحاد الوطني" عباس حاجي فتاح من جانبه، "هل المشكلة تكمن في انتشار السلاح أم في عدم تطبيق القوانين؟". وأضاف، "في كل أصقاع الأرض يمكن الحصول على سلاح وفي الإقليم هناك قوانين وضوابط وعقوبات، منها ما يلزم عناصر وزارتي الداخلية والبيشمركة بعدم حمل السلاح خارج المهمات الرسمية"، لافتاً إلى أن ذلك "يدل على أن تفشي ظاهرة جرائم القتل ليست بسبب انتشار السلاح وعدم وجود قوانين، بل تكمن في عدم تنفيذ القوانين وهيمنة الحزب على السلطة التنفيذية، يجب أن تسري القوانين على الجميع، مسؤولين وأحزاب، وإلا فإن جرائم القتل ستزداد وسيبقى أمان الإقليم مجرد شعار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إنذار باكر

ويشهد الإقليم أيضاً إلى جانب جرائم القتل تزايداً في ظاهرة التعاطي والترويج للمخدرات، إذ أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات أخيراً عن "مصادرة 1200 كيلوغرام من المخدرات بأنواعها منذ العام 2019 لغاية شهر يونيو(حزيران) الماضي"، مشيرة إلى "اعتقال 5419 متهم في المتاجرة بالمخدرات"، كما تظهر بيانات المديرية ارتفاعاً متتالياً في أعداد المتهمين، "إذ كان عددهم 1182 متهماً عام 2019، وارتفع العدد في عام 2021 إلى 1943 متهماً، فيما شهدت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي اعتقال 999 متهماً"، لكن المتحدث باسم حكومة الإقليم جوتيار عادل على الرغم من إقراره بحصول زيادة بعدد المتهمين في هذا الملف، أكد أن "الحالات لم تصل إلى حد الذي تشكل فيه خطورة، فالإقليم مقارنة مع بلدان المنطقة في هذا الجانب وضعه أفضل".
وكانت لجنة حقوق الإنسان النيابية كشفت منتصف الشهر الماضي عقب زيارة قامت بها إلى سجني مدينتي أربيل والسليمانية بأن 85 في المئة من المعتقلين في أربيل و65 ‎في المئة في السليمانية هم من متعاطي المخدرات".

العشائرية لغة الفصل

وأرجع بعضهم تزايد ظاهرة العنف إلى الثقافة والأعراف التي لا يزال لها حضوراً في حل الخلافات الاجتماعية عشائرياً إلى جانب دور الأحزاب القانوني ريبين شمامكي علق عبر حسابه في "فيسبوك" قائلاً، "عندما تتفوق لغة الصلح العشائري على مقام القضاء فإن كلمة الفصل تكون للسلاح"، وحمل الأحزاب المسؤولية بالقول "لقد فعلتم بهذه الملة ما لم يفعله الأعداء وقمتم بتسليح حتى النساء والأطفال خلال الحرب الأهلية، ومنحتم السلاح كهدايا في فترات الانتخابات من أجل شراء الأصوات، أتريدون اليوم بهذه السهولة أن تجردونهم من السلاح؟ هناك قبائل تسلحت وأصبح السلاح جزء من شرفها ورجولتها"، وأضاف شمامكي أن "المشكلة الثانية هي العداوات، وفي الغالب يكون سببها المشكلة الأولى وليس للقضاء دور فيها، أو أنها ليست بالمستوى المطلوب بسبب التدخل الحزبي، لذلك هناك علاقة ديناميكية بين السلاح والقضاء، فعندما يتم التقليل من دور المحاكم من خلال الصلح العشائري، فإنها تمهد الطريق لتكرار عمليات القتل هذه أو عندما يشعر المتهم بأنه لن يعاقب ويمكنه الإفلات عبر الصلح، فإن المؤسسة القضائية ستصبح هامشية في ذهن المواطن لأنها عاجزة عن تحقيق العدالة، وهذا يدفع الفرد للتفكير في امتلاك السلاح كضرورة في حياته اليومية".

تعدد أدوات العنف

الابتزاز الإلكتروني ضد النساء سبب آخر يزيد المشكلات الاجتماعية ويدفع بعضها بالضحية إلى الانتحار، فقد أعلنت مديرية أمن السليمانية عن اعتقال 38 شخصاً جلهم من الذكور منذ مطلع العام إثر تلقي 27 شكوى من مواطنين، معظمهم نساء، أكدن تعرضهن إلى تهديدات من أشخاص عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وكان من بين المعتقلين "من ارتكب أكثر من جريمة"، على حد قول المديرية.

كما أعلنت شرطة أربيل قبل أيام "اعتقال طبيب استغل مهنته لابتزاز النساء إلكترونياً، وهدد إحداهن بنشر صورها وهي في أوضاع مخلة، وأظهر التحقيق أنه ابتز عدداً من النساء بهدف الحصول على فدية، كما أعلنت في وقت سابق اعتقال "مبتز متهم بالتسبب في انتحار فتاة نتيجة لتهديداته المتكررة لها بنشر صورها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي".
ويؤكد متخصصون أن الزواج الباكر في الإقليم يعد أحد أسباب المشكلات الاجتماعية، فأظهرت نتائج مسح أجري بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان الشهر الماضي تجاوز الفتيات اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن الـ 18 عاماً نسبة 22 في المئة من مجموع المتزوجين عام 2021 الذي سجلت فيه أكثر من 11700 ألف حالة طلاق في مقابل 45840 ألف حالة زواج".

للرجال نصيب من حالات العنفالعنف لا يقتصر على النساء فقط وفق منظمة "رجال كردستان"، إذ أعلن رئيسها برهان علي الشهر الماضي أن نسبة حالات العنف ضد الرجال من قبل زوجاتهم ما زالت مرتفقة مقارنة بالسنوات السابقة"، لافتاً إلى "تسجيل 196 حالة خلال الأشهر الأولى من العام الحالي فقط، منها انتحار 17 رجلاً، فيما قتل ثلاثة آخرون بمساعدة زوجاتهم وأشخاص آخرين"، منوهاً بأن "ما بين 35 إلى 50 رجلاً مسناً يطردون من منازلهم إما من قبل زوجاتهم أو أعضاء في أسرهم، وهناك عدد من الذين يخشون تقديم الشكوى نتيجة الخجل والتقاليد الاجتماعية".
ويعزو برهان علي أسباب تزايد الحالات إلى "الظروف المعيشية الصعبة للأسرة، وعمل الأحزاب السياسية على حقوق الرجل في اتجاهين سيئين للغاية، أحدهما إعطاء المرأة حرية مطلقة غير مشروطة، وكذلك إحياء بعض القضايا القبلية أيضاً على صعيد الفرد".

المزيد من تحقيقات ومطولات