Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انطلاق أول حوار وطني مصري يجمع المعارضة والسلطة

الجلسة الافتتاحية بدأت بانعقاد مجلس الأمناء واشتباك حول الصلاحيات والدور والإخوان "الحاضر الغائب"

انطلقت أولى الجلسات الافتتاحية للحوار الوطني في مصر اليوم الثلاثاء، الخامس من يوليو (تموز) 2022، بانعقاد مجلس الأمناء لبدء التنسيق مع تيارات وفئات المجتمع كافة من قوى سياسية وحزبية ونقابية بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب (تأسست عام 2017 وتتبع رئاسة الجمهورية)، بحسب ما أعلنت اللجنة المسؤولة عن الحوار في البلاد.

وبعد أكثر من شهرين من دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى حوار شامل تحت مظلة "وطن يتسع الجميع" أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أعلن المنسق العام للحوار ضياء رشوان أن "انعقاد مجلس الأمناء هو البداية الرسمية لأعمال الحوار التي سينظر المجلس خلال جلسته الأولى في تفاصيلها ومواعيدها ويتخذ القرارات اللازمة في شأنها ويعلنها للرأي العام، ليتيح له التفاعل مع الحوار والمشاركة فيه بمختلف الوسائل المباشرة والإلكترونية".

وبحسب رشوان خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية، فإن "الحوار لا توجد فيه كوابح أو جوامح على مستوى المواضيع أو المشاركين سوى من رفض الحوار بأن لجأ إلى القتال والعنف، فلن يوجد له كرسي على طاولة الحوار وهو غير مدعو إليه"، في إشارة لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السلطات "إرهابية".

وأشار رشوان إلى أن أحد أهداف الحوار هو "إعادة اللحمة لتحالف 30 يونيو (حزيران) الذي بات يستعيد عافيته بانطلاق جلسات الحوار".

وطوال الفترة الأخيرة تقاذفت المعارضة والقوى الموالية للحكومة الجدل في شأن "جدية الحوار الوطني في البلاد"، في وقت لا يزال الغموض يكتنف قضايا كبرى في شأن الحوار، تشمل وفق مراقبين "تنوع وشمول القضايا التي سيتضمنها وملف الحقوق والحريات وفتح المجال العام، والإفراج عن سجناء الرأي وأولويات المرحلة المقبلة، فضلاً عن مستقبل تيارات الإسلام السياسي".

أولويات العمل الوطني

ووفق مصادر مطلعة وقريبة من الحكومة المصرية تحدثت إلى "اندبندنت عربية"، فإن "أهم أهداف الحوار الوطني بين مختلف قوى المجتمع هي مناقشة أولويات العمل الوطني في الفترة المقبلة نحو المضي في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة"، مضيفة أن "السلطات المصرية ترحب بجميع الأطراف والأطياف للمشاركة في الحوار وحتى تيارات الإسلام السياسي، عدا جماعة الإخوان التي تلوثت يداها بدماء المصريين".

ووفق حديث المصادر لنا فإن "النقاشات التمهيدية التي سبقت انطلاق الحوار الوطني بين المعارضة المدنية والحكومة أضافت توصيات حول توسيع هامش الملفات المطروحة للحوار والشخصيات المشاركة به من دون استثناءات"، مرجحة "عدم استبعاد أي تطور قد يطرأ على مجريات الحوار الوطني خلال الفترة المقبلة وفق ما تقره الأمانة العامة للحوار الوطني". وفي شأن حدود حركة اللجنة المسؤولة عن الحوار الوطني، أوضح أحد المصادر أنها ملتزمة بمرجعية "ثورة الـ 30 من يونيو وكل مخرجاتها". وخلال الجلسة الافتتاحية قال رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني المستشار محمود فوزي إن الأمانة "تلقت ما يفوق الـ 15 ألف ورقة من المقترحات، كما تقلت أكثر من 96 ألف استمارة حتى الآن"، مضيفاً "كان المستهدف دعوة كل قوى المجتمع للمشاركة إلا من استبعد نفسه، إذ تم التواصل مع جميع الأحزاب والحركات السياسية والمجتمع المدني والقوى المتنوعة والنقابات ومراكز الفكر، فضلاً عن القيادات الطبيعية من شيوخ وقبائل ورموز مجتمعية". وأكد أنه "لا توجد محافظة واحدة (عدد محافظات الجمهورية 27) لم يتم تقديم طلبات اشتراك منها في الحوار الوطني).

"الاشتباك الأول"

وخلال الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني التي تابعتها "اندبندنت عربية"، كان لافتاً الاشتباك الأول في شأن دور مجلس الأمناء وحدود صلاحياته ومدى تداخل أطراف خارجية في عمله، والذي ظهر في الجدل الذي دار بين المنسق العام للحوار ضياء رشوان والعضو البرلماني وأحد أعضاء اللجنة النائب أحمد الشرقاوي (محسوب على المعارضة)".

فمن جانبه وبعد أن طلب الكلمة أكثر من مرة، طالب النائب الشرقاوي بالتأكيد على أن مجلس الأمناء "تم تشكيله بالتوافق بين المعارضة والدولة، وذلك بعد أن طرحت المعارضة المصرية عدداً من الأسماء تم قبول نصفها تقريباً ضمن مجلس الأمناء".

وفي الـ 26 من يونيو الماضي أعلن المنسق العام للحوار الوطني أنه وبعد التشاور مع القوى السياسية والنقابية والأطراف المشاركة في هذا الحوار لتشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني، انتهى هذا التشاور الذي استغرق نحو 20 يوماً إلى تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني من 19 عضواً، نصفهم محسوب على المعارضة والنصف الآخر محسوب على الموالاة، بحسب توصيف المراقبين، الذين اعتبر بعضهم أن هذا التشكيل عكس "المشاركة الفعالة المتنوعة لمختلف الرؤى الوطنية والخبرات الفنية والمهنية، بما يضمن التوصل إلى مخرجات إيجابية للحوار بما يخدم مصلحة المواطن المصري".

وبحسب الشرقاوي فقد تم الاتفاق قبل بدء الجلسة الافتتاحية "على أن الأمانة العامة هي المهيمن الوحيد على إدارة الحوار الوطني في تحديد قواعده وآلياته وجلساته والأسماء التي ستشارك والمخرجات وصياغتها النهائية حتى تسليمها لرئيس الجمهورية، وهي أمور كلها من الاختصاص الحصري لمهمات المجلس".

وأضاف، "سمعت حديثاً عن دور للأكاديمية الوطنية للتدريب، وأؤكد أننا ممتنون لما قامت به من جهد، لكن يجب أن يكون مجلس الأمناء هو الذي يدير هذا الحوار"، مطالباً في الوقت ذاته "بالحاجة إلى كتابة لائحة بشكل سريع تحدد قواعد وآليات الحوار الوطني، وتؤكد أن مجلس الأمناء هو المهمين الوحيد على الحوار الوطني مع توجيه الشكر للأكاديمية الوطنية لكونها معاوناً".

ومنذ تكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة لرئاسة الجمهورية بالإشراف على الإعداد للحوار الوطني عبر تنسيق واستضافة جلساته، شكك كثير من المعارضين في دورها ومدى حياديتها على الرغم من إعلان تلك الجهة التابعة لرئاسة الجمهورية أن دورها "يقتصر على التنظيم والاستضافة من دون التدخل في مجريات الحوار الوطني".

وتابع الشرقاوي، "يلزم التنويه في هذا السياق إلى ضرورة الحوار المجتمعي بالتوازي مع الحوار الوطني ليشارك فيه الجميع إلا من حرم نفسه من خلال استخدامه عنفاً أو لطخ يده بدماء المصريين"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

في المقابل، رد رشوان بالقول إن "دور الأكاديمية الوطنية متعلق فقط بتسهيل كل ما يتعلق بإدارة الحوار، وهي ليست طرفاً في الحوار السياسي أو المجتمعي"، وأنه بالفعل سيتم العمل على إعداد لائحة داخلية خاصة بإجراء الحوار الوطني.

"الإخوان" الحاضر الغائب

وفيما لم يحضر الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني في مصر أي من جماعة الإخوان أو ممثل أو قريب الصلة منهم، إلا أن الجماعة كانت بمثابة "الحاضر الغائب" في حديث أغلب الأعضاء الـ19 للأمانة العامة، إذ أكد معظمهم أنه "لا مكان على طاولة التحاور لمن لطخت يده بدماء المصريين أو اختار العنف منهاجاً بدلاً من الحوار"، مع التشديد على أن المظلة الجامعة للجالسين والمشاركين في جلسات الحوار "هي ثورة الـ30 من يونيو وما نتج منها من مخرجات ما بعد الإطاحة بحكم الجماعة".

وخلال الأيام الأخيرة تواردت أنباء عن احتمالات مشاركة "ممثلين قريبين من فكر جماعة الإخوان المسلمين"، حتى خرج الرئيس المصري وشدد قبل يومين على أن الحوار سيشمل الجميع "من دون استثناء وباستثناء"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين بسبب غياب الأرضية المشتركة للحوار بينها وبين السلطة المصرية، لأنها اختارت "القتال"، على حد تعبيره. وقال في لقاء مع عدد من الصحافيين على هامش افتتاح محطة "عدلي منصور" وتشغيل القطار الكهربائي الخفيف، "أطلقنا الحوار من أجل المثقفين والنقابات والقوى السياسية من دون استثناء ومع استثناء".

وأوضح الرئيس المصري مقصده قائلاً، "هذا سببه أن آخر ما قمت به في الثالث من يوليو (تموز) 2013، هو أنني طرحت عليهم تصوراً يمكن من خلاله أن نتجاوز أزمتنا عبر إجراء انتخابات رئاسية باكرة بعد أن خرج الشعب في الشارع لإعطائه حقه بالتعبير عن رأيه، وقلت لهم أنتم تقولون إن لديكم مؤيدين وهذه مؤامرة، فلنكتشف المؤامرة ولنجر انتخابات رئاسية باكرة، فإذا فزتم تستمرون وإذا لم ينتخبوكم فستكونون جزءاً من العملية السياسية في مصر"، بحسب تعبيره.

وتابع السيسي، "لم يحصل ذلك وقالوا لا بل نقاتل، وبما أنهم قاتلوا فالأرضية المشتركة من الحوار والنقاش غير موجودة، لأنني أتحدث عن الحوار وهم يتحدثون عن القتل هذا أولاً، وثانياً لو اتبعوا طريقتهم وانتصروا لم يكونوا ليقبلوا بالحوار معي وكانوا سيقولون نحن انتصرنا عليك بالقتال ولن نحاورك".

ووفق أحد المصادر القريبة من دوائر صناعة القرار في حديثه المقتضب لنا، فإن "أحد الشروط الأساس للمشاركة في الحوار الوطني كانت ولا تزال الاعتراف بالدستور وشرعية الرئيس السيسي ممن لم تتلوث يداه بدماء الشعب المصري"، موضحاً أن "جماعة الإخوان تستغل الظروف السياسية لمصلحتها وما يخدم أهدافها، لكنها في حقيقة الأمر لا تؤمن بالحوار وهذه عادة التنظيمات الدينية المتطرفة".

وأوضح المصدر ذاته أنه وعلى مدى عمر الجماعة أثبت حقيقة رئيسة وهي أن هذه التنظيمات المتطرفة "لا تجيد الحوار حتى مع نفسها، كما أنها لا تؤمن بالآخر وترفض الحوار معه"، مشيراً إلى التفرقة بين الجماعة وتيارات الإسلام السياسي الأخرى التي ستكون مدعوة على الحوار، والذين لم يتورطوا أو يشاركوا في العنف أو حرضوا عليه، مثل السلفين أو التيارات السياسية الأخرى"، معتبراً أن "هؤلاء لو لم يلقوا ترحيباً من الدولة والنظام فسيمكن استخدامهم وتحريضهم وشحنهم ضد الدولة، وستكون عملية استقطابهم سهلة لو ظلوا خارج دائرة الاحتواء".

أي مستقبل مرجح للحوار؟

وبين التفاؤل والحذر تتباين آراء مراقبين تحدثوا إلينا عن مستقبل الحوار الوطني الذي يعد الأول حيث تجتمع فيه المعارضة والحكومة في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ وصوله الحكم في العام 2014.

ومنذ الدعوة إليه في أبريل (نيسان) الماضي حظيت الخطوة التي أعقبها إطلاق عشرات السجناء بقرارات قضائية وعفو رئاسي وبينهم محسوبون على التيار الإسلامي، بترحيب من قطاعات عدة في معارضة الداخل في مقابل تحفظات من نظيرتها في الخارج.

ويقول مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي، "ستظهر جدوى وأهمية الحوار القائم خلال الأيام المقبلة، وفي المخرجات التي سترشح عنه ومدى تنفيذها"، موضحاً أن من بين الملفات التي يجب حسمها سريعاً "ملف المحبوسين في قضايا الرأي وفتح المجال العام السياسي والصحافي والإعلامي، لتكون بداية وخطوة على طريق بناء دولة القانون وعملية الانتقال الديمقراطي".

وبحسب الشوبكي "يتوجب على القائمين على الحوار الوطني إدراك طبيعة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الدولة وأن التحديات الإقليمية والدولية تطب رأياً ورأياً آخر، وتعدداً للآراء بما يخدم المصالح المصرية"، موضحاً "تجاوزت مصر التهديدات الوجودية التي كانت تواجهها قبل سنوات وتحديداً بعد العام 2013 بتصاعد العمليات الإرهابية والانفلات الأمني، وأصبحت الآن تواجه تحديات جديدة لها علاقة بالمجال العام وأولويات التنمية والتحديات الاقتصادية، وإن أفضل السبل في هذا الشأن تبقى تعدد الآراء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتزامن الحوار الوطني في مصر مع أزمة اقتصادية طاحنة عكسها ارتفاع الأسعار ونسب التضخم في البلاد فضلاً عن انخفاض العملة، إثر تأثر الاقتصاد بتداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية المشتعلة منذ الـ 24 من فبراير (شباط) الماضي.

من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، إن الحوار الوطني فرصة "مهمة حتى نسمع بعضنا ونتبادل الرؤى والأفكار، لكن يبقى الأمر في جدية التعاطي معه وتطبيق مخرجاته"، موضحاً أن "البلاد تواجه تحديات داخلية كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما ينبغي أن يكون السبب وراء انطلاق الحوار الوطني، وليس تحسين صورة الحكومة أمام الرأي العام الخارجي أو العمل على تخفيف حدة التوتر مع بعض أطراف المعارضة المدنية في الداخل عبر إشراكهم في حوار وطني".

وحول احتمال أن يكون الحوار باباً يفتح المجال أمام "عودة مشروطة لجماعة الإخوان"، أوضح الشوبكي أن "إشكال الإخوان بات أعمق من المشاركة أو عدم المشاركة في الحوار، وأن القضية الأساس تكمن في علاقة جماعة دينية عقائدية بالمجال العام". ويتابع، "يجب التأكيد للقائمين على الحوار بعدم السماح بقبول جماعة دينية دعوية في المجال السياسي والحزبي، وهو ما يضمنه إقرار قوانين وقواعد حاكمة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي