Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الطريق إلى القسوة" أميركا إلى أين تتجه؟

باميلا بول مسؤولة قراءة ومراجعة ونشر الكتب في "نيويورك تايمز"، ترصد ثلاثة كتب تدور حول تحولات المجتمع الأميركي في مسائل العدالة والحريات والقوانين

النصب التذكاري لضحايا مذبحة تكساس   (أ ف ب)

في الوقت الذي يترقب الأميركيون الاحتفال بالعيد الوطني للبلاد، تبدو الولايات المتحدة وكأنها تخطو إلى الوراء وليس إبطال حق الإجهاض بما أثاره بين ليلة وضحاها ببعيد. فأي بلد أمست عليه الولايات بعدما ابتلع صخب آلاتها الرحمة من شوارعها، وأي مكانة باتت عليها وسط الدول المتقدمة بينما الرعب يجتاحها تحت سطوة السلاح من حين لآخر؟، ناهيك عن القوانين التي تخلت في مضمونها عن روح العدالة بعدما أطلقت عليها الرصاص أيضاً، حتى المنظومة الصحية في البلاد لا تزال تنظر إلى البشر بمعيار الربح والخسارة بدلاً من أن تنظر إليهم على أنهم يستحقون الرعاية والرأفة. وفق ما سجلت باميلا بول، مسؤولة قراءة ومراجعة ونشر الكتب في "نيويورك تايمز"، ورصدت في مقال لها ثلاثة كتب تدور في فلك الرحمة الغائبة عن البلاد، وهو ما نستعرضه في سياقنا هذا.

أميركا نحو القسوة

تقول باميلا بول إنه "مع اقتراب الرابع من يوليو (تموز)، العيد الوطني الأميركي بأعلامه وحفلات الشواء وارتفاع وتيرة الشعور الوطني عامة، وجدت نفسي أتساءل حول الاستثنائية الأميركية. من الناحية الأخلاقية والقِيمية، ما الذي يميز هذا البلد عن بقية دول العالم المتقدم؟ أي صورة تعكسها قيمنا الفريدة لمعاملة أميركا لمواطنيها؟ ووجدت الإجابة: الغياب التام للرأفة".

وتمضي للقول: "فلنستعرض تمزقنا القاسي بقضية رو ضد وايد، وحكم حق حمل السلاح علناً بعيد مذبحتين مروعتين، وكلا الحكمين صدرا من محاكم عليا يفترض أنها المؤسسات التي تسنّ أعلى قيم العدالة لمواطنيها، إلا أنها لم تبدِ اكتراثاً لحياة النساء والأطفال والأسر الأميركية. لنستعرض الرعب في 6 يناير (كانون الثاني)، أو التخبط في إدارة أزمة كورونا، لننظر إلى النظام الصحي الذي ما زال ينظر إلى البشر بمعيار الربح والخسارة، بدلاً من أن ينظر إليهم على أنهم بشر يستحقون الرعاية والرأفة".

وتخلص إلى "لا أرى سوى أميركا تتجه نحو القسوة، خصوصاً في مسائل الموت والحياة، قسوة ممنهجة لا تملي علينا كيف نعيش فحسب، بل حتى بقوانين تقرر من يموت ومن يحيا".

"... قرأت ثلاثة كتب أثناء وباء كورونا ركزت على هذه المسألة في سياق أعمق وأوسع، اثنان منها نشرا عام 2014 وركزا على مسألة الرحمة في عنوانيهما: (الرحمة فحسب: قصة عدالة وتوبة) للكاتب برايان ستيفنسون، والأخير لأناند جيريديراداس وعنوانه: (الأميركي الحقيقي: القتل والرحمة في تكساس). ويركز الكاتبان على شهوة هذه البلاد في تقرير موت من قد يرغب بالحياة. أما الكتاب الثالث، فهو للمؤلفة أيمي بلوم وعنوانه، (مع محبتي: مذكرات الحب والخسارة)، الذي ينظر إلى الجانب الآخر من المشهد: انعدام رحمة قلوبنا عندما يرغب من قارب على الموت بأن ينهي حياته. فعندما يناضل شخص ما من أجل البقاء حيّاً وهو على قائمة الإعدام، أو عندما يتطلع شخص ما إلى إنهاء حياته وهو على مشارف الموت، فإن أميركا عموماً تتبنى الخيار الأقل رحمة..."

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"... فالقوانين حول عقوبة الإعدام أو المساعدة الطبية للانتحار واضحة تمام الوضوح، فحماستنا لعقوبة الإعدام توازي تلك التي في الصين وإيران و16 بلداً آخر قتلت مواطنيها عام 2020، فقد بلغ عدد من نُفّذ بهم الإعدام في أميركا سبعة أشخاص حتى مطلع يونيو (حزيران) الماضي. أما بالنسبة إلى قوانين "إنهاء الحياة"، أي "اليوثينيزيا" التي تسمح للطبيب بحقن المريض بحقنة مورفين تنهي معاناته، فهي محرمة في كل الولايات المتحدة. وحدها 10 ولايات بينها مقاطعة كولومبيا (واشنطن العاصمة) تسمح بالمساعدة الطبية في انتحار المريض، إذ يسمح للمريض المصاب بمرض عضال، الذي تأكد موته خلال ستة أشهر أن يقرر كيفية موته..."

"الرحمة فحسب: قصة عدالة وتوبة"

كتاب "الرحمة فحسب"، الذي بقي مدة 281 أسبوعاً على قائمة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعاً، يُعدّ الأكثر شهرة بين الكتب الثلاثة، بحسب باميلا بول "فهو يقنع بقوة بإدانة نظامنا القضائي الجنائي، إذ يفضح هذا الكتاب كيف أن النظام محصن ضد الضعفاء الذين يحاولون مواجهته وتحديه، فهو نظام تخلى عن السبل كافة لإعادة تأهيل أصحاب السوابق بعد خروجهم من السجون، إنه نظام مخصخص يتهم بجني الأرباح بدلاً من تحسين سبل العيش الكريم، إنه نظام لا مجال فيه للرأفة أو التوبة".

وتقول من الفقرات التي استوقفتني فيه "إن الخوف والغضب يمكن أن يخلقا منّا بشراً ناقماً ومؤذياً وظالماً وقاهراً، إلى أن نعاني جميعاً غياب الرأفة، فنؤذي أنفسنا بقدر ما نؤذي الآخرين".

"الأميركي الحقيقي: القتل والرحمة في تكساس"

أما كتاب "الأميركي الحقيقي" لجيريداراداس، فيحكي قصة رئيس الدين بويهان، ذاك المهاجر البنغالي الذي أطلق عليه النار في وجهه عنصري أبيض هو مارك سترومان في سبتمبر (أيلول) 2001. وناشد الضحية بعدما نجا من الموت أن يتم العفو عمن حاول اغتياله من دون فائدة.

ترى أنه "من خلال قصة هذين الرجلين، وقيم العدالة العوراء التي خذلتهما، رأينا كيف أن بلادنا أضاعت فرصة لم تدُم طويلاً بعيد هجمات 11 سبتمبر للوحدة والتضامن، فقد أخلى التضامن المجال لشعار (إما معنا أو ضدنا)، ويساند ذلك الشعار الحصول السهل على السلاح وصوت الكراهية العالي".

تضيف "ومن بين العبارات التي لا يزال صداها في أذني، عبارة من الفريق الدفاعي لمارك سترومان، جاء فيها، (من المنطقي أن ينتصر القضاء للضحية، ولكن من المنطقي أيضاً أن يحترم رغبة الضحية بالعفو والرأفة)".

"مع محبتي: مذكرات الحب والخسارة"

ويبدو الكتاب الثالث - بحسب باميلا بول - مختلفاً عن الكتابين الآخرين، "إذ يشكل عدم اكتراث أميركا بمن يعانون عند اقتراب نهاية حياتهم مفارقة كبيرة تجاه ضعفاء ينتظرون الموت وهم على قائمة الإعدام. في يناير 2020، رافقت بلوم زوجها براين (66 سنة)، الذي اكتشفت إصابته أخيراً بألزهايمر إلى زيوريخ، المكان الوحيد في العالم الذي يستطيع الأميركي فيه أن يحصل على (انتحار قانوني هادئ من دون آلام). فالولايات الأميركية القليلة التي تسمح بالمساعدة في الانتحار تفرض شروطاً يصعب على المقيم بالولاية تحقيقها وتشتد صعوبة للمقيمين خارجها. أما بالنسبة إلى موت براين (زوج الكاتبة بلوم)، فهو برغبته وبيديه وعلى الرغم من الحزن عليه، إلا أنه يتم بإرادته. فلم لا نستطيع عمل ذلك في الولايات المتحدة؟ هذا التساؤل كان يدور في خلدي وأنا أقرأ الكتاب. ومن بين الفقرات التي بقيت ترن في أذني، عبارة قالها الطبيب، (ما إن يتم اقتراح قانون بحق الموت، حتى تقفز المعارضة لذلك بـ10 ملايين دولار لمواجهة قانون حق اختيار الموت للمريض)".

ترى باميلا بول "نظهر في أسوأ حالاتنا صوراً متكررة لانعدام الرحمة بيننا، وبطرق أصبحت سمة من سمات ثقافتنا، فالأخطاء البسيطة تصبح جرائم كبرى، والاعتذار غالباً ما يكون مفروضاً فرضاً والمسامحة الحقة نادرة جداً. وحين نحاول البحث عن تعريف العدو ومجابهته، لا نعطي فرصة للتراجع، وغالباً ما تنحرف جهودنا لتحقيق العدالة والمحاسبة نحو اللوم والانتقام والإنكار".

أين الخلل؟

تخلص في مقالتها إلى القول "لن أنهي مقالتي هذه بمزيد من اللوم، فمن غير الصواب أن نلقي به على الشعب الأميركي وحده الذي خلق هذه القوانين، فغالبية الأميركيين (72 في المئة عام 2018) يؤيدون الموت الرحيم، و65 في المئة عام 2018 يؤيدون المساعدة الطبية في الانتحار، وحوالى 6 من كل 10 أميركيين يؤيدون حق الإجهاض في كل أو معظم الحالات، وهناك أقلية معتبرة تمثل 39 في المئة يرفضون عقوبة الإعدام، إلا أن أكثرية تعترف بأن أبرياء يمكن أن يقعوا ضحية عقوبته وأن النظام القضائي الحالي عنصري".

تضيف "وهنا علينا أن نسأل أنفسنا كأميركيين: أين الخلل في نظامنا السياسي والقضائي الذي أدى إلى قوانين وسياسات لا نؤيدها كأمة؟ كيف نقنع شباباً في مقتبل العمر أو شيباً رأوا كيف تراجعت بلادهم بأن يرأفوا ببلاد مصممة على عدم الرأفة بهم؟ كيف نحتفل بالرابع من يوليو في بلد قوانينه ومؤسساته تفشل غالباً في أن تعكس الوجه الخيّر بنا؟"

تختم بالقول "فأنا لا أرى اليوم سوى وجه لبلاد تبدو محطمة، ولعل من المناسب أن نستذكر كلمات من كتاب ستيفنسون: (كل منا بداخله أفضل من أشر أعماله). أتمنى أن يصدق هذا القول بنا جميعاً كأمة وليس كأفراد فقط".

باميلا بول

 (مسؤولة قراءة ومراجعة ونشر الكتب في "نيويورك تايمز")

ترجمة: سعد بن طفلة

المصدر: "نيويورك تايمز" 26-6-2022

المزيد من كتب