Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مأزق كاليننغراد سيزيد حدة المواجهة بين الغرب وروسيا

الطريق المسدود في دول البلطيق يختبر إلى حد كبير مدى صبر موسكو

زوارق ترسو على ضفاف نهر برغوليا في كاليننغراد    (رويترز)

يشكّل إقليم كاليننغراد أكثر المناطق الغريبة وموضع اهتمام استثنائي في أوروبا. إذ اعتُبِرَ ذلك الإقليم جزءاً من شواطئ بحر البلطيق حينما انحسر نفوذ الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود من الزمن، لكنه يعتبر اليوم جيباً مغلقاً من الجهات كافة إذ تحده الأراضي البولندية من الجنوب وليتوانيا من الشمال، فيما يستمر في كونه تابعاً لروسيا.
قبل عام 1945، عرفت تلك المنطقة باسم "كونينغسبرغ" Konigsberg فيما كان حينئذٍ منطقة شرق [الإمبراطورية] البروسية. ثم جرى احتلالها من قِبَلْ الاتحاد السوفياتي وُفق مقررات "مؤتمر بوتسدام" [الذي عقده الحلفاء مع نهاية الحرب العالمية الثانية] لتقسيم القارة الأوروبية.
ونتيجة لذلك طرد الشعب الألماني عموماً من "كونينغسبرغ". وأُعيدَ إعمار الإقليم وحصل على اسمه تيمناً بزعيم بلشفي قديم [في مطالع القرن العشرين، عُرِف الشيوعيون الذين قادهم فلاديمير لينين آنذاك في روسيا باسم البلاشفة]، هو ميخائيل كالينين. اليوم، كالينينغراد هي مدينة يقطنها حوالى مليون شخص، وتعتبر قاعدة بحرية تعمل طوال أيام السنة تابعة لأسطول البلطيق الروسي وقطعات عسكرية روسية أخرى. يتمتع الإقليم بأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى روسيا، ما جعل الكرملين يتمسك به حينما حُلَّتْ الإمبراطورية السوفياتية عام 1991.
اليوم، تهدد ليتوانيا عملياً بقطع خطوط السكك الحديد التي تربط كاليننغراد بالأراضي الروسية، بالتالي سيؤدي ذلك إلى عزل الإقليم عن بقية الأراضي الروسية. ويجري ذلك باسم [تطبيق] العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. ويمر نصف ما تستورده كالينينغراد من الوطن الأم عبر أراضٍ تعتبر عدوة لروسيا. والكرملين غاضب للغاية جراء ذلك.
إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين يرغب في اجتياح أوكرانيا لاستعادة عظمة الدولة الروسية من جديد، فإن تنمر دولة صغيرة كليتوانيا على موسكو، بعدما كانت ذات يوم دولة صغيرة جداً ضمن الاتحاد السوفياتي السابق، ويقطنها حوالى 2.8 مليون مواطن، جعل من الرئيس الروسي يبدو كأنه سخيف بعض الشيء، بالمقارنة مع سعيه لاستعادة عظمة ماضية.
لا يبدو معقولاً أن تكون ليتوانيا قادرة على فرض عقوبات كتلك ضد جارتها القوية لو لم تكن [ليتوانيا] دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي وحلف ناتو. ولا يبدو معقولاً أيضاً أن تكون ليتوانيا على هذا القدر من الشجاعة للقيام بذلك [منفردة] لولا وجود موافقة ضمنية من حلف الأطلسي، ما يعني أن الولايات المتحدة قد أعطت الضوء الأخضر أيضاً. في المقابل، يعطي ذلك الأمر شعوراً بأن المواجهة بين الدول العظمى تقترب أكثر فأكثر.
واستطراداً، ستكون تلك المواجهة بمثابة اختبار قاس لقدرة روسيا على ضبط أعصابها. إذ توعَّدَ الكرملين بعواقب وخيمة لم يُحدّدها [رداً على خطوة ليتوانيا حيال كاليننغراد]، وقد يكون هناك من دون أدنى شك نوع من الرد. وبحسب وزارة الخارجية الروسية، "تحتفظ روسيا بحق الرد واتخاذ التدابير لحماية مصالحها الوطنية". لكن موسكو لا يمكنها استخدام القوة بشكل مباشر ضد ليتوانيا أو بولندا حتى بالتنسيق مع حليفتها الوفية دولة بيلاروس، من دون المخاطرة باندلاع مواجهة مع دول حلف الأطلسي ككل. وقد تلجأ روسيا وبيلاروس إلى تعقيد حياة الراغبين بالانتقال من دولة إستونيا ولاتفيا جنوباً عبر كالينينغراد، وعرقلة حركة التجارة عموماً في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن هذه ستكون حدود التحرك الروسي [السلمي]. وليس من المستبعد أن يرفض الرئيس إلكسندر لوكاتشينكو، الحليف الوفي للرئيس بوتين، جرّه إلى حرب مع حلف الأطلسي إذا سمح لروسيا باستخدام أراضي بلاده كقاعدة لانطلاق العمليات العسكرية ضد بولندا أو ليتوانيا. من سخرية القدر أن جزّار "مينسك" [عاصمة بيلاروس]، قد يتحول إلى عامل مؤثر يهدئ بوتين، حتى لو جاء ذلك من محض عِلمِه بمدى الكُره الذي يكنه له شعبه، وأنه ربما لن ينجح في الحفاظ على سلطته بعد خوض حرب مع الغرب.
يجري كل ذلك فيما تبقى الأعين شاخصة على ما يجري في شرق أوكرانيا من تقدم واضح، ولو بطيء، للجيش الأحمر هناك. وفيما تستمر القيادة الضعيفة للقوات الروسية المسلحة تسليحاً غير مناسب بالمقارنة مع المهمات المنوطة بها، تُبرز القوات الروسية ولو ببطء أهمية التفوق العددي وكذلك تفوق القوة النارية للمدفعية الثقيلة التي تقصف مناطق إقليم "دونباس" من أجل إخضاعها. وتسمح عملية قضم الأراضي للروس بإحكام سيطرتهم على موانئ البحر الأسود ومخزوناته الكبيرة من القمح التي تنتظر التصدير للمساعدة في إطعام العالم والتخفيف من نسبة التضخم المرتفعة عالمياً.
إذاً، حتى إذا لم تتجرأ روسيا على مهاجمة بولندا أو ليتوانيا، فيمكن لتلك الأمور [فرض العقوبات الأوروبية على كاليننغراد] أن تزيد قسوة حملتها الحالية [في أوكرانيا]. إذ يستطيع الكرملين أن يحجب بشكل أكبر تصدير النفط والغاز الروسيين للدول الغربية، ويمكنه أيضاً تحويل تصدير القمح وزيت دوار الشمس إلى سلاح عبر تجويع الدول الفقيرة الهشة في الشرق الأوسط وآسيا وشمال أفريقيا. بالتالي، فقد تتزايد الضغوط الدولية على الدول الغربية لإنهاء الحرب ودعوة أوكرانيا للاستسلام. وقد تؤدي تلك الضغوط إلى أزمة إنسانية تضاف إلى الأزمات الأخرى المتفاقمة.
واستطراداً، لا شك في أن أكثر القرارات صعوبة بالنسبة للدول الغربية باتت قادمة. حاضراً، من شأن استمرار تدفق الرساميل والمعلومات الاستخبارية والتدريب والأسلحة أن يساعد القوات الأوكرانية على الصمود في وجه غالبية الهجمات الروسية، لكن كل تلك المساعدات المقدمة لا يبدو أنها كافية لدحر القوات الروسية المهاجمة.
بالتالي، ثمة سؤال بات يطرح الآن مجدداً يتناول أهداف الحرب الغربية وإمكانية تطورها. ماذا سيحدث لو أراد الغرب تأمين طريق لتصدير القمح والحبوب وزيت الطبخ من أوكرانيا عبر البحر الأسود، على الرغم من استمرار تركيا في عدم تعاونها فيما تواصل روسيا في إطلاق تهديداتها؟
في حرب وصلت الآن تقريباً إلى مرحلة من الجمود [طريق مسدود]، سيسعى الجانبان إلى فتح جبهات جديدة بغية تحقيق تقدّم، وهنا تصبح مخاطر وقوع حوادث أو سوء فهم، أمراً محتملاً جداً.


نشر في "اندبندنت" بتاريخ 24 يونيو 2022

© The Independent

المزيد من آراء