Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعود طعام الشارع إلى الواجهة؟

بات لكل ثقافة شعبية أكلها الذي تروجه وتحارب آخرين يعتبرونه من مائدتهم الخاصة

طبق من الحمص يقدم في أحد مطاعم مدينة طرابلس اللبنانية (أ ف ب)

في رحلة سياحية إلى نيبال، أصيبت المجموعة السياحية بالملل من أكل المطاعم المخصصة للأجانب الذين قد لا يتقبلون الطعام النيبالي المحلي، وهو خليط من الطعام الصيني والهندي والنيبالي الخاص، طالما أن الشعب النيبالي هو خليط من الصينيين والهنود. لذا، قررت المجموعة تجربة الطعام المحلي الذي يأكله الفقراء من النيباليين بشكل يومي، فكانت عربة تسير على عجلات وفوقها صندوق يحتوي على مجموعة من الحبوب والسوائل والخضار. الصحن عبارة عن ورقة ملفوفة على شكل قمع، تضع العاملة، وهي غالباً أنثى، إذ إن العمل الحرفي للنساء والعمل في الأرض والزراعة للرجال، والطعام عبارة عن خليط من حبوب الصويا المقلية والأرز والبصل والملفوف، مع الخل والزيت والبهارات النيبالية مخلوطة ببعضها.

وكان ثمن هذا الطبق المشبع والنباتي والأشبه بالسلطة على الموائد الأخرى، لا يقارب نصف دولار، بل أقل بكثير ويمكن حسابه بالسنتات. وبات هذا الطبق طعام المجموعة السائحة طوال الرحلة، الأمر نفسه ينطبق على الفول و"الطعمية" في مصر، والفلافل في سوريا ولبنان والأردن، والمعجنات على أنواعها تلك التي يكون عجين القمح من مكوناتها الأساسية.

العولمة وأكل الشارع والتضخم

ويبدو أن مفهوم الأكل السريع قد بدأ يتغير في العالم، من الطعام الأميركي المعولم، كـ"الهمبرغر" ومشتقاتها و"البيتزا" وأنواعها، نحو الوصفات المحلية في كل بلد، في محاولة لاستعادتها أهميتها ووجودها في ظل الغلاء العالمي وانحدار الطبقات الوسطى معيشياً، وهو ما حاولته أطعمة الأكل السريع المعولمة، ولكنها لم تصل في أسعارها وجودتها إلى الطعام المحلي والمائدة التي يختص كل بلد بها.

وبات لكل ثقافة شعبية طعامها الذي تروجه وتحارب آخرين يعتبرونه من مائدتهم الخاصة، كما هي حال الحمص والتبولة والشاورما، التي تتبناها بلدان عدة على أنها من مائدتها كلبنان وإسرائيل وتركيا وسوريا. ويتباهى الجميع بأكبر طبق منها في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، وذلك لأن هذه الأنواع من الصحون أو السندويتشات باتت متداولة حول العالم وفي كل مكان، ومن الطبيعي أن تجد من يدافع عنها على أنها من مائدته، ولكن في زمن العولمة والانفتاح الحدودي والاقتصادي والمعلوماتي لم يعد بالإمكان حصر طبق ما بدولة ما، فـ"الهمبرغر" من أصول ألمانية، وكذلك "الفرانكفورتر"، و"البيتزا"، و"السباغيتي" الإيطالية التي باتت تصنع في كل مكان في العالم.

هذا من الناحية الثقافية، أما من الناحية الاقتصادية، فمن المفروض أن الأكل السريع يؤمن حاجات عدة، أولاً، توفير الوقت الممنوح للأكل، وثانياً، توفير المال الذي تتكلفه صناعة طبق في المنزل، فقد تبين في حسابات رياضية أن كلفة الطعام لعائلة مؤلفة من ثلاثة أشخاص خارج المنزل أقل مما لو قرروا الطبخ، وهذا يصبح معكوساً حسابياً بالنسبة لعائلة كبيرة العدد، ووجبات الشوارع حول العالم باتت مقصد الشباب تحديداً من المسافرين الذين لا يرغبون في تضييع كثير من الوقت في تناول وجبات الطعام، ولكن بعض هؤلاء الشباب من المهتمين بالموائد الغريبة أو الجديدة، قاموا بنقل وصفات الطعام هذه إلى بلادهم، وهكذا، منذ بدايات الألفية الجديدة، انتشرت أنواع كثيرة من الأطعمة حول العالم منها الياباني والصيني والشرق آسيوي عموماً، وبعضها قادم من أميركا اللاتينية كالذي يقوم على نبتة "الكينوا" في أسسه. فكما تعولمت المعلومات والملابس والموضة، كذلك أنواع الطعام، وهناك ظاهرة جديدة بدأت بالانتشار، وهي أن السائحين أو المسافرين باتوا يفضلون رؤية كيفية صناعة طبقهم أو سندويتشهم أمامهم، فيرون المكونات وكيف يتم خلطها ببعضها، بعدما بات الطعام القادم من مطبخ المطعم يدعو إلى الريبة بسبب فضائح كثيرة تنتشر بين فينة وأخرى عن تسمم مجموعات أو عن فساد في اللحوم والخضار المستخدمة أو المواد الصناعية التي تدخل في بعض الوجبات كتلك التي انتشرت أخبارها عن المحتويات، والأواني، والمواد الحافظة التي توضع في الطعام الجاهز كي يحافظ على شكله الطازج. وعلاقة الطعام بالشباب باتت منظورة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً الشباب المعاصر الذي يحب السفر والتنقل وهي نزعة جديدة ومنتشرة، أي نزعة الرحلات الطويلة حول العالم قبل الاستقرار ومواصلة التعليم الجامعي أو البحث عن وظيفة، ويجد هؤلاء في أكلات الشوارع حول العالم ما يضيف إلى خبراتهم الحياتية ويعينهم على إكمال الرحلة بميزانية محدودة.

أنواع أكلات الشارع المشهورة

في الهند يشتهر بهار "الماسالا"، وكل الطعام الذي يدخل في هذا البهار وأهمها "مسالا دوسا" في مدينة مومباي، وتتكون من رغيف من الخبز وطبق من الدجاج المطبوخ بالكاري، وتقدم على العربات، وتتسم الوجبة بغناها الغذائي، وثمنها رخيص يقل عن بضعة دولارات، وهناك "باد تاي" التايلاندية التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد، وتعد أصل وجبات الشوارع في تايلاند على الرغم من أن البعض يشكك في أن أصل الوجبة صيني، وهي تتكون من شعرات "النودلز" والخضراوات المقلية، ويمكن إضافة قطع اللحم أو الأسماك إليها، وهي تباع في أرجاء العاصمة بانكوك ولا يزيد سعرها على دولارين للوجبة، وهناك وجبة "الباوزي" الصينية، وهي فطائر صغيرة تباع محشوة بالخضراوات أو اللحوم، يتم طهي هذه الفطائر بالبخار ولا يزيد سعرها على 1.4 دولار، وهي وجبة تباع في الشوارع وتشتهر أكثر في مدينة شنغهاي وفي الأسواق الشعبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"بوتين" الطبق الكندي المشهور، ويعود أصله إلى مقاطعة كيبيك الكندية الفرنسية، وهو يتكون من كثير من المكونات في طبق واحد يحتوي على البطاطس المقلية والجبن والصلصة، ويقام لهذه الوجبة مهرجان سنوي في مدينة أوتاوا، ويقبل عليها الكنديون بسبب طعمها اللذيذ كوجبة سريعة، وأيضاً لرخص ثمنها الذي لا يزيد على أربعة دولارات، وهناك "كاري ورست" الألمانية، وهي وجبة تقليدية تتكون من السجق المقطع إلى شرائح والمغطى بصلصة تشبه "الكاتشاب" مع بعض التوابل، إضافة إلى البطاطس المقلية، وهي تحمل مواصفات الوجبات السريعة من حيث الطعم ورخص الثمن وهي في شعبيتها كالسمك والبطاطس في بريطانيا.

السندويتشات الفيتنامية

في جامايكا يشتهر طبق "جيرك تشيكن" المكون من الدجاج المشوي، إضافة إلى طبق من الأرز بالتوابل والبازلاء، ويتم شوي الدجاج على الأخشاب، ولا يزيد ثمن الوجبة على أربعة دولارات، وهي تباع من أكواخ في الشوارع، وأهم منافذ البيع توجد في العاصمة كينغستون.

السندويتشات الفيتنامية "بان مي" لها الشهرة نفسها، وتأثرت بفترات الغزو الأجنبي للبلاد، حيث تأتي في خبز فرنسي "باغيت"، وتحتوي على كثير من خيارات اللحوم والخضراوات. وكرات "الدانغو" اليابانية البيضاء مشهورة، وتكون على أعواد خشبية مكونة من طحين الأرز ويتم شويها على نار الفحم وتقدم مع الصلصات والسمسم ويتناولها اليابانيون كوجبة سريعة.

وفي ظل التضخم العالمي، وعودة رحلات السفر بعد أعوام من الانقطاع بسبب كورونا، قد تكون أكلات الشارع السريعة والنظيفة الحل المقبل لأزمة الطعام العالمي والسياحي بسبب انتقالها بين دول العالم بسهولة وثمنها الزهيد ودلالاتها على الثقافات المحلية التي تميّز ذائقة كل مجتمع عن آخر.

المزيد من منوعات