Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هاري بوتر: آخر ظاهرة عظيمة من عصر ما قبل الإنترنت

المكتبات التي تفتح أبوابها في منتصف الليل والترقب المحموم لدى المعجبين وحفلات القراءة: في ظاهرة لن نشهد مثلها مرة أخرى، بيّنت لنا روايات جي كي رولينغ كيف يكون الهوس الثقافي في عصر ما قبل الطلب الفوري عبر الإنترنت

عشاق هاري بوتر يقتنصون نسخاً جديدة من كتاب "هاري بوتر والأمير الهجين" في افتتاح منتصف الليل في لندن عام 2005 (غاريث كاترمول/ غيتي)

في ذلك الوقت، كان كتاباً لا أكثر. لم يكُن هناك معجبون مصطفون في الطوابير أمام المكتبات، ولا أشخاص بالغون يرتدون أزياء الشخصيات ويلوّحون بالعصي السحرية. لم يكُن هناك امتياز لسلسة أفلام رائجة ولا ألعاب فيديو ولا مدن ترفيهية تحمل طابع العمل في تصميمها. في مثل هذا الأسبوع، قبل 25 عاماً، نُشر أول كتاب هاري بوتر بعدما رفضته 12 دار نشر. تقول الأسطورة إن الرئيس التنفيذي لدار "بلومزبري" نايجل نيوتن وافق على طباعة كتاب "هاري بوتر وحجر الفيلسوف" Harry Potter and the Philosopher’s Stone لأن ابنته استمتعت بقراءة المخطوطة. بالتأكيد، بعد بيع 500 مليون نسخة منه لاحقاً، لا بد من أنها تستحق حصة من الأرباح.

لا يستطيع أحد أن يتنبأ ما هي الظاهرة الثقافية الكبيرة التالية التي سنشهدها. على كل حال، ما نعرفه هو أنها لن تتكرر على هذا النحو على الإطلاق. كان هاري بوتر آخر هوس جماعي عظيم لعصر "التكنولوجيا التناظرية" [ما قبل الرقمية]. إنه يعود إلى زمن سبق الإفراط في مشاهدة أفلام أو مسلسلات على التوالي، وقبل الـميمات وقبل [منصة البث الرقمية] "أمازون برايم". كنا نقوم بشيء يُسمّى بـ"الانتظار". لقد غيّرت ثقافة الطلب الفوري عبر الإنترنت عاداتنا بشكل جذري إلى حد يبدو ملفتاً [مذهلاً] التفكير في أن عدداً كبيراً من هؤلاء القراء الخمسمئة مليون ذهبوا بالفعل إلى متجر لبيع الكتب للحصول على نسختهم من الكتاب.

في الواقع، تلك الزيارات إلى المكتبة هي ما أتذكره بالفعل. كانت شهية القراء ضارية جداً لدرجة أنه مع وصول الكتاب الرابع، راحت متاجر بيع الكتب تفتح أبوابها في منتصف الليل بحيث يتمكن المعجبون من البدء بالقراءة في غضون ثوانٍ من إصدار العمل. لم تكُن هناك حفلات قراءة تعقد في منتصف الليل قبل بوتر ولم تحدث منذ ذلك الحين. وبالطبع لم يصل أي كتاب إلى درجة قريبة من هذا المستوى من الترقب، لكنكم الآن أيضاً لستم مضطرين إلى الذهاب لأي مكان كي تحصلوا على ما تريدون بشكل فوري تقريباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما أتذكر أيام كنت طفلة في الـ11 من العمر، كنت أجلس في غرفة نومي في ميدستون، وغمرتني كل تفاصيل الكتاب، فإن هذا الإحساس المرافق للمشهد هو الذي بقي عالقاً في ذهني أكثر من تذكري للقصص بحد ذاتها. الخلاصة المشوشة التي أتذكرها حول ما حدث في هاري بوتر هو أنه حكاية تدور حول ثلاثة أصدقاء كان عليهم الذهاب إلى المدرسة (يا له من أمر مزعج) حيث يتعلمون كيف يصبحون سحرة (هذا أمر مثير للاهتمام أكثر). أثناء قيامهم بذلك، يحاولون قتل رجل بلغ من الشر درجة أنه لا أحد ينطق اسمه (كان هذا العامل ضرورياً، وإن كان ميلودرامياً). وأذكر أيضاً أنه كانت توجد بومة في الحكاية.

صدرت الكتب الأولى عندما كنت في أوج عمر قراءة بوتر. ما عدا أنني في البداية لم أكُن مهتمة بها على الإطلاق. لو اقترح أي شخص بالغ أن أقرأ كتب هاري بوتر تلك، كنت أحدق به وأقول أموراً من قبيل "آه، أنا لست مهووسة!". كنت أتجهم وأغادر المكان وأعود إلى غرفتي لأتأمل في الملصقات التي تحمل صور المغني "لي" من فرقة "بلو" الغنائية.

لكن في أحد الأيام، كنت في منزل أحد أصدقائي وتبدلت الأحوال على حين غرة. كنا جالسين نشاهد الفيلم الأول. انطلقت الموسيقى التصويرية الرشيقة. عبست وتذمرت وأشحت بوجهي نحو الحائط. وبعد ذلك... بدأ عنادي يضعف. ظهر على الشاشة أمامي رجل عملاق يحمل مظلة سحرية. كان يقول لطفل في الـ11 من عمره إن عمه وعمته كانا يكذبان عليه. وإنه كان ساحراً. إنهم كانوا ذاهبين لشراء العصي السحرية! لقد وصل التحدي إلى نهايته. بالتأكيد كان عليّ، كشخص عنيد أن أتصالح مع حقيقة أن هاري بوتر كان... جيداً جداً. بحلول نهاية الأسبوع، كنت قد قرأت الكتب الثلاثة الأولى وأتلهف لصدور الكتاب التالي.

مثلي مثل الملايين من جيلي، أصبحت الكتب رفيقة غير متوقعة خلال فترة المراهقة. عندما تم إصدار الكتاب الأخير كنت في الـ16. في اليوم السابق لوصوله إلى أرفف المكتبات، هجرني حبيبي الأول بطريقة قاسية برسالة فورية عبر "أم أس أن" مسنجر MSN. في ظل ألمي مما حدث، وعدم قدرتي على تناول الطعام أو النوم، كان بإمكاني التفكير في شيء واحد فقط: السماح لوالدي بمرافقتي إلى متجر الكتب في منتصف الليل للمطالبة بنسختي من كتاب "مقدسات الموت" Deathly Hallows. استيقظت في اليوم التالي ورحت أشم الصفحات فعلياً، وأقرأ إلى أن أشعر بالألم في عينيّ، ما أدى إلى خلاصي من عذابي لمدة 24 ساعة. ما الذي حدث في نهاية الكتاب؟ لا أتذكر على الإطلاق.

تبدو الهستيريا المصاحبة لظاهرة هاري بوتر غريبة الآن. تحدّث محررو أعمال جي كي رولينغ عن اجتماعات سرية، بحيث كان يتم تسليم المخطوطات في أكياس محال السوبرماركت البلاستيكية قبل وضعها في خزنة حصينة.

 

عام 2000، نشر الناقد أنتوني هولدن مقالاً ملحمياً يسخر من السلسلة بعنوان "لماذا لم يسحرني هاري بوتر" في صحيفة "ذا أوبزرفر". (الجزء المفضل لدي من هذه الحادثة هي عندما أخبره جيري هول وإيموجين ستابس، زميلاه في لجنة تحكيم مسابقة لجوائز قصص الأطفال الخيالية، أن أطفالهما يحبون بوتر. كان رده: "يجب أن تقرآ لهم ’بيوولف‘ Beowulf [وهي ملحمة خيالية أيضاً]. لقد أذهلني فعلاً"). انهمرت الرسائل بعد ذلك على "ذا أوبزرفر" من الشباب الذين يقولون لـهولدن كم كان مخطئاً. كتب أحدهم: "على الرغم من أنني قد أكون في العاشرة من عمري فقط، إلا أن رأيي ما زال يؤخذ في الحسبان، وهناك آخرون كثر لا يتفقون معك". قد يكون إرث رولينغ مثار جدل الآن، وذلك بفضل عادتها في مشاركة آراء مثيرة للجدل وتعديل الشخصيات التي تصوغها بأثر رجعي، لكن في عام 2011، وُصفت بأنها واحدة من الكنوز الوطنية لبريطانيا إلى جانب بول مكارتني وديفيد أتينبره.

بحلول صدور الكتاب الأخير عام 2007، بدأت ظاهرة فظة، إذ كان بعض الشباب يصورون أنفسهم وهم يقودون سياراتهم بمحاذاة طوابير المعجبين المتحمسين الواقفين أمام المكتبات ويصيحون بعبارات تفسد متعتهم في قراءة الكتاب، مثل "سناب يقتل دمبلدور!" [شخصيتان من الكتاب شريرة وخيّرة]، فيرد عليهم أحد الواقفين "أيها السفلة!". ثم يبدأ معجب آخر بالركض خلف السيارة مستعداً للهجوم. لقد كان التعبير عن الظاهرة متشدداً ومتعصباً وغير مسبوقاً.

لا يعني أي مما سبق أن هواجسنا الثقافية الجماعية لم تعُد ممتعة. هناك ميمات رافقت مسلسل "صراع العروش" Game of Thrones ما زالت تضحكني حتى الآن. كانت الكلمات الموجهة إلى شخصية هاملتون مزروعة في ذهني حتى قبل أن أشاهد العرض. وليست هناك جدوى من مشاهدة برنامج تلفزيون الواقع "جزيرة الحب Love Island إذا لم تقرؤوا التغريدات التي نُشرت حوله.

لكن الأمر مختلف: إنها ظواهر أكثر صخباً وضجيجاً وتركز أكثر على السخرية الخفيفة. أحنّ إلى بوتر لكونه آخر ظاهرة من عصر ما قبل الإنترنت، والتي لن نرى مثلها مرة أخرى.لا يقتصر ذلك على حماسة الشعور بالاحتفال والترقب والذهاب إلى متاجر الكتب، ولكنها كانت ظاهرة تفتقد إلى الضوضاء [خشوع الصمت]. كانت التجربة أكثر هدوءاً [أقل جلبة] وشخصية أكثر. لم تعرض على الشاشات، ولم يوجد أشخاص يفسدون عليكم متعة الحكاية (إذا استثنينا الأشخاص السفهاء). ولم يقُم المؤلف بنشر تعليقاته بشكل مستمر عبر الإنترنت. ربما قرأ الأعمال خمسمئة مليون شخص، لكنها كانت في معظم الأوقات تجربة حميمية بينكم وبين كتابكم فقط.

نُشر في اندبندنت بتاريخ 25 يونيو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من كتب