Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين والمفاضلة بين الاستمرار والرحيل: هل يكون البديل أكثر راديكالية؟

الغرب راهن على سقوط النظام في موسكو والحرب الأوكرانية تحدد كثيراً من ملامح الحياة السياسية في روسيا مستقبلا

بوتين يؤدي القسم تحت أنظار سلفه يلتسين قبل أكثر من عقدين (أ.ب)

كثيرون من خصوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يتوقفون عن توقعاتهم في شأن احتمالات رحيله عن منصبه كأحد أفضل الحلول التي يتصورونها لما تواجهه بلدانهم من أزمات تبدو عاجزة عن معالجتها للشهر الرابع على التوالي. وها هي ذي الدول الغربية تقف "عن بكرة أبيها" ضد روسيا التي تواجه وحدها كل ما فرضته هذه الدول من عقوبات وحصار منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير (شباط) 2014، وما ينتجه استمرار الحرب من خراب ودمار للدولة الأوكرانية، إلى جانب احتمالات ضياع وضعيتها كدولة مستقلة.

أحلام ليلة صيف

الواقع الراهن يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن "أحلام" كثير من الدول الغربية في إطاحة بوتين، لا تعدو أكثر من "أحلام ليلة صيف". وكانت الإدارة الأميركية السابقة مع نهايات سنوات حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، سبق وأعلنت عن "أحلام" مماثلة، قبل أن يعود الرئيس الأميركي جو بايدن ليكشف صراحة عن بعض مفردات خطة مماثلة أوجزها بقوله إن "بوتين يجب أن يرحل".

بوتين لم يحسم موقفه من انتخابات 2024

من هنا يبدو الحديث حول مستقبل بوتين أمراً "وجوبياً". تقول الدوائر الرسمية الروسية إنه محسوم بحكم القانون والدستور. فهما وحدهما المدعوان إلى تحديد أبعاد هذا المستقبل، بحكم ما ينصان عليه من بنود تقول إن الانتخابات وحدها هي السبيل الوحيد لتغيير بوتين، كما أن الموعد محدد سلفاً بتاريخ 2024 لإجراء الانتخابات الرئاسية التي لم يحسم بوتين بعد موقفه من خوضها أو عدمه، بموجب ما جرى إقراره في استفتاء شعبي أجري في 2020، من تعديلات تسمح للرئيس الحالي بالاستمرار في السلطة لفترة ولايتين أخريين حتى عام 2036.

وإذا كان هناك من يقول إن نتيجة الحرب الأوكرانية ستلقي بظلالها على مستقبل الانتخابات المرتقبة ومدى احتمالات ترشح بوتين لفترة ولاية خامسة، فإن هناك أيضاً من يقول إن ما ستسفر عنه هذه الحرب من "مكاسب"، ومنها استعادة روسيا كثيراً من "أراضيها التاريخية"، يمكن أن تكون إضافة إيجابية لرصيد بوتين السياسي، على حد ما خلص إليه كثيرون من ممثلي الأنساق العليا للسلطة في روسيا، وما أكدته نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته كثير من أجهزة قياس الرأي العام.

استطلاعات الرأي

وكانت مؤسسة "فتسيوم" لقياس الرأي العام نشرت نتائج استطلاع الرأي الأخير التي كشفت عن أن 78.9 في المئة من المشاركين فيه يعربون عن تأييدهم نشاط الرئيس بوتين، وهي نسبة تقترب من النسبة التي أجابت عن سؤال مماثل في شأن "الثقة" في الرئيس، كما نشر مركز "ليفادا" لقياس الرأي العام بيانات الاستطلاع الذي أجراه حول ردود الأفعال تجاه قرار بوتين في شأن "العملية العسكرية الروسية الخاصة" ضد أوكرانيا، وأسفر عن تأييد 71 في المئة من المشاركين في هذا الاستطلاع خلال فبراير، وهي النسبة التي ارتفعت في الاستطلاع التالي الذي أجراه "ليفادا" في مارس (آذار) حتى 81 في المئة، وهي نسب تقترب من نسبة الذين أعربوا عن ثقتهم في الرئيس.

وعلى الرغم مما أعربت عنه كثير من المصادر الغربية من شكوك تجاه هذه الأرقام، ومنها مؤسسة كارنيغي الأميركية، بقولها إن ذلك لا يمكن أن يكون القول الفصل، فإنها عادت لتعترف "بعدم نضوج الظروف التي تسمح بالقول إن روسيا مستعدة لانقلاب ضد بوتين". وفي هذا الصدد، نشر موقع مركز كارنيغي في موسكو مقالاً يقول إن "النخب الروسية وهي متعددة الاتجاهات ومتباينة التوجهات، ستقف دوماً على أهبة الدفاع عن مصالحها"، وذلك يعني عملياً أن مصالح هذه النخب الروسية ترتبط بشكل جذري بما يوفره بوتين من استقرار، الأمر الذي يدحض ضمناً ما تروجه الأوساط الغربية من أخبار حول "انشقاقات" في صفوف الأنساق العليا للسلطة.

وفي إطار حرص "كارنيغي" على "التملص" من مسؤولية ما تنشره على موقعها الإلكتروني، نشير إلى أن ما كتبته تاتيانا ستانوفايا على الموقع نفسه حول "انشقاق" القيادة السياسية بسبب قرار الحرب في أوكرانيا، يبدو في غير وفاق مع ما عادت وكتبته حول "أن النخبة الروسية بدأت تدريجياً في قبول الواقع الجديد، والتكيف معه، وإدراك يأس الوضع على المدى الطويل. تم استبدال بالانتعاش الأولي، المرتبط بالاستياء الحاد تجاه الغرب والاستقرار غير المتوقع للنظام المالي الروسي، اليأس وعدم فهم كيفية إعادة بناء البلاد على مسار جديد".

ومضت ستانوفايا إلى ما هو أبعد حين خلصت إلى "أن النخبة تفتقر إلى فكرة عما يجب القيام به بعد ذلك"، وإن نحت باللائمة على "القيادة السياسية لبوتين"، وما وصفته بـ"الطريقة التي تم بها اتخاذ القرار المصيري للبلاد".

خسائر أوروبا فادحة

ولسنا هنا بصدد تأكيد أو دحض ما يتناثر من أنباء في شأن تضارب وجهات النظر تجاه مستوى الثقة في القيادة السياسية الروسية، بقدر ما نريد التوقف عنده من أخبار يتوالى صدورها عن القيادات والمصادر الغربية، تحمل بين ثناياها كثيراً من الاعترافات حول ما يتكبده اقتصاد كثير من البلدان الأوروبية من خسائر.

وبحسب ما نشره موقع "Inosmi" فإن أوكرانيا تعتمد الآن بشكل شبه كامل على منظومات التسلح الغربية والدعم المالي، في الوقت الذي تتزايد فيه الأضرار التي تلحق بأوروبا يوماً بعد يوم. وأضافت المصادر أن أوروبا، ورغماً عن كل ذلك، تواصل تنفيذ سياسة واشنطن، وبدلاً من محاولة إنهاء الصراع في أوكرانيا في أسرع وقت ممكن، لا تتراجع عن الرأي القائل إن روسيا "بحاجة إلى الهزيمة".

وتلك كلها أسانيد تقول بهشاشة التقديرات حول انهيار النظام في روسيا، وتوغل في توقعاتها "غير الدقيقة" حول احتمالات رحيل بوتين. وفي هذا الصدد تباين الآراء التي يتعالى صوتها في لندن، بدرجة تفوق ما هي عليه في باريس على سبيل المثال، في الوقت الذي تبدو فيه الأصوات الفرنسية أكثر حسماً مما هي عليه في برلين، التي يقولون إنها "أكثر تأثيراً وقدرة في تغيير الأوضاع وفقاً للمصالح الأوروبية"، وذلك رغماً عما تقوله الحقائق في شأن تردد المستشار الألماني أولاف شولتز تجاه الدعم العملي لأوكرانيا وما يقال حول أنه "مستعد للتحرك بثبات نحو استئناف الحرب الباردة مع روسيا". وكان موقع Inosmi الإلكتروني الروسي توقف في هذا الصدد وبوصفه من "المفارقات" عندما قال "خلال الحرب الباردة، عندما كان الاتحاد السوفياتي يمثل تهديداً أيديولوجياً شاملاً لألمانيا الغربية، تم بناء (جسور) قوية للطاقة تربط روسيا بأوروبا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المرشحون لخلافة بوتين

أما عن الاحتمالات والتوقعات في شأن رحيل بوتين وما يمكن أن يظهر خلفاً له من البدائل المطروحة في الساحة السياسية الروسية، فإن الموقف يظل "قيد الدراسة" في إطار ما سبق وحدده بوتين بقوله "إن الأمر سابق لأوانه" وأنه لا يريد طرح مثل هذه القضايا في الوقت الحالي حفاظاً على استقرار البلاد وتفادياً لاحتمالات "الهرولة" وراء الترشيحات والتوقعات، بما ينال من درجة استقرار البلاد.

لكن الواضح وما هو أقرب إلى المؤكد يظل في إطار أن "البديل" قادم من رحم النظام نفسه، وأنه لن يكون أقل راديكالية من بوتين، بل وقد يفوقه "راديكالية" في حال اتخاذ بوتين وليس غيره قرار التخلي عن منصبه. وإذا كان هناك من يحاول البحث عن الخليفة "المنتظر" من بين الرموز القيادية الموجودة على الساحة السياسية، فإنه لا بد أن يصطدم بكثير من "العقبات" التي ترتبط بأعمار القيادات النافذة، حتى وإن رجحت كفة نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الذي يكبر في العمر بوتين بما يزيد قليلاً على العام.

وبهذه المناسبة يميل آخرون إلى جيل الشباب الذي يقف بينهم باتروشيف الابن، الذي يشغل حالياً منصب وزير الزراعة، بما حققه من إنجازات حملت روسيا إلى مواقع الصدارة العالمية في إنتاج الحبوب والغلال، على الرغم من كونه لم يتعد الخمسة والأربعين عاماً.

وإذا كان البعض كشف عن توقعات ليس هناك لها نصيب كبير من الصحة، في شأن أفضلية جيل الشباب من أبناء القيادات "وثيقة الصلة" بالرئيس بوتين ومنها الاقتصادي الشاب بيتر فرادكوف، ابن ميخائيل فرادكوف الرئيس الأسبق لجهاز الأمن والاستخبارات ورئيس الحكومة الأسبق، فإن هناك من يطرح اسم أندريه تورتشاك النائب الأول لرئيس مجلس الاتحاد والمدير التنفيذي للحزب الحاكم "الوحدة الروسية" الذي يبلغ من العمر 47 سنة. وكان تورتشاك انضم إلى فصائل المتشددين ومنهم دميتري ميدفيديف الرئيس الروسي السابق ونائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، أول من بادر بإعلان أن روسيا لن تتخلى عن شبر واحد من الأراضي التي تستولي عليها نتيجة "العملية العسكرية الروسية الخاصة".

 وإذا نظرنا اليوم إلى ما حققته موسكو من مكاسب ومنها استعادة "الأراضي الروسية التاريخية" التي تشغلها جمهوريتا "دونتسك" و"لوغانسك" في جنوب شرقي أوكرانيا وما جاورهما من أراضٍ داخل كييف، ومنها في مقاطعتي خاركوف وزابوروجيه إلى جانب مقاطعة خيرسون على ضفاف البحر الأسود، فإننا تكون أمام واقع جغرافي جديد يقول بتحول كل محيط بحر آزوف إلى "بحيرة روسية خاصة"، فضلاً عن استعادة الشريط البري الذي يربط شبه جزيرة القرم مع روسيا، وبما يمكن معه في حال الاستيلاء على أوديسا ونيكولايف عزل أوكرانيا تماماً عن البحر الأسود.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير