Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تحاصر الحرائق وارتفاع أسعار الأسمدة لإنقاذ موسم الحصاد

غياب إجراءات التحفيز والجفاف ونقص التمويل تلاحق القطاع الزراعي في 2022

سهل قمح خلال موسم الحصاد في منطقة سيدي ثابت بالقرب من أريانة شمال العاصمة التونسية (أ ف ب)

يتواصل موسم حصاد الحبوب في تونس، في ظل توقعات بحصيلة أفضل من الأعوام السابقة التي شهدت تراجعاً، إذ بدأ الحصاد منذ مستهل شهر يونيو (حزيران) وينتهي في غضون أسبوعين. وتأمل تونس في أن تمكنها الكميات المجمعة هذه السنة من تغطية الجزء الأوفر من استهلاكها للقمح الصلب، على أن تستورد حاجاتها من القمح اللين والأعلاف بسبب النقص المسجل فيهما.

ويواجه موسم الحصاد إشكاليات حالت دون زيادة نسق الإنتاج المأمول، وفق متخصصين ومسؤولين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، أبرزها ارتفاع درجات الحرارة في الفترات المفصلية لعملية الزراعة، والصعوبات التي واجهها الفلاحون في سبيل التزود بمستلزمات زراعة الحبوب، من أسمدة ومبيدات بسبب الاضطرابات بوحدات تحويل الفوسفات في الجنوب التونسي، إضافة إلى الإشكالات المتمثلة في نقص التمويل.

ارتفاع نسبي في الإنتاج

وتُقدَر محاصيل الحبوب على أنواعها للموسم 2021-2022، بنحو 18 مليون قنطار (1.8 مليون طن)، مقابل إنتاج 16.4 مليون قنطار (1.6 مليون طن) خلال موسم 2020/2021 أي بزيادة 9 في المئة، وفق وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري. ويتوزع الإنتاج على 11.35 مليون قنطار (1.1 مليون طن) قمح صلب مقابل 10.7 مليون قنطار (1.07 مليون طن) خلال الموسم المنقضي، و1.17 مليون قنطار (117 ألف طن) قمح لين و5.2 مليون قنطار (520 ألف طن) شعير مقابل 4.3 مليون قنطار (430 ألف طن) في السنة الماضية و230 ألف قنطار من العلف (23 ألف طن).

وكشفت وزارة الفلاحة أن عمليات الحصاد انطلقت في مستهل شهر يونيو بغالبية محافظات الجمهورية ويتوقع أن تتواصل إلى منتصف شهر أغسطس (آب). ويُعتمد فيها نحو 2500 آلة حصاد. ووقعت المصادقة على 170 مركزاً لتجميع الحبوب، منها 27 في محافظة سليانة بمفردها، وتمت المصادقة على 23 مخبراً لتعيير الحبوب، فيما تجرى حالياً عملية معاينة المساحات المعدة لإنتاج البذور.

وكانت رئيسة الحكومة نجلاء بودن أشارت إلى تأخر الأمطار الخريفية، وغلاء غالبية مستلزمات الإنتاج، مع حرص الحكومة على التخطيط للتوسع في الزراعات وتوفير كل المستلزمات، من بذور ممتازة وأسمدة.

واستعدت الحكومة التونسية لموسم الحصاد، عبر برنامج متكامل يرتكز على الوقاية من الحرائق، وملازمة اليقظة وتشديد المراقبة من قبل جميع المصالح الجهوية وتعديل آلات الحصاد وتشديد المراقبة على التجميع العشوائي وتمويل الشركات التعاونية المركزية وتكوين فرق يقظة ومتابعة، وفق بودن التي قالت إن "الحكومة رفعت أسعار الحبوب واستعدت بصفة مبكرة لتوفير كل مستلزمات الإنتاج، عبر تأمين بذور ممتازة في حدود 450 ألف قنطار (45 ألف طن) لتشجيع المنتجين وتحفيزهم على كسب التحدي المتمثل في تجميع أكثر ما يمكن من الحبوب لهذا الموسم، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب، ابتداءً من الموسم المقبل عبر التوسع في مساحات الزراعات الكبرى وتحسين المردودية".

الحرائق والاحتباس الحراري

وتمثل الحرائق الخطر الأكبر الذي يواجه المحصول، بخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، إذ سُجلت  حرائق عدة، منها التي اندلعت في محافظة باجة بالشمال الغربي والتهمت نحو 6 هكتارات (60 ألف متر مربع) من القمح الصلب والأعلاف منذ أيام، وتسببت في إتلاف 45 هكتاراً (450 ألف متر مربع) من الحبوب، وتمكنت قوات الحماية المدنية من إخماد الحرائق ومنعت انتشارها في نحو 800 هكتار (8 كيلومترات مربعة) أخرى من مزارع الحبوب الملاصقة.

وفي محافظة جندوبة بالشمال الغربي، ارتفعت وتيرة الحرائق بصفة يومية تقريباً، وفي أكثر من منطقة، وأتت على أكثر من 100 هكتار (1 كيلومتر مربع) من حقول القمح وجزء من محاصيل الأعلاف المجمعة، في حصيلة قابلة للارتفاع، ما تطلّب تدخلات يومية لفرق الحماية المدنية والمواطنين لمنع انتشار الحرائق والحد من الخسائر.

وذكر ليث بن بشر، العضو المؤسس للنقابة التونسية للفلاحين أن الارتفاع الملحوظ لدرجات الحرارة يضاف إلى عوامل أخرى بشرية يؤديان إلى اندلاع الحرائق، مضيفاً أن درجات الحرارة المسجلة هذه السنة تجاوزت المعدلات، ومن الممكن أن تتسبب في تأخير عملية الحصاد المتواصلة حالياً بسبب إرهاق العمالة، وكذلك تأثيرها في آلات الحصاد.

ويستدرك بن بشر "لكن تظل هذه ظروف العمل الفلاحي، وإن انعكست على نسق عملية التجميع، فإنها لا تؤثر في كمية المحاصيل، فهي نتيجة ظروف مجتمعة انطلقت منذ عملية البذر حتى التجذير"، مشيراً إلى أن الإنتاج تأثر بالنقص المسجل في الأمطار بأوائل الشتاء الماضي، ومنوهاً بأن الاحتباس الحراري أصبح حقيقة ملموسة في القطاع الذي يعاني نقصاً في المياه، على اعتبار أن زراعة الحبوب مطرية في غالبية مساحاتها بتونس.

ولفت بن بشر إلى أن المحاصيل لن تتجاوز 10 ملايين قنطار (1 مليون طن) في أفضل الحالات، مقارنة بـ7 ملايين قنطار (700 ألف طن) عام 2021، وهي إن سجلت ارتفاعاً فإنها تظل ضئيلة بالنظر إلى حجم استهلاك التونسيين للحبوب، وكذلك اتساع المساحات المخصصة لزراعتها، ويعود ذلك إلى الصعوبات التي تعانيها الزراعات الكبرى، وأبرزها غياب التمويل الموجه للفلاحين وانعدام استراتيجية للنهوض بالقطاع، موضحاً أن قطاع الحبوب في الموسم الحالي عانى نقصاً في البذور والأسمدة، ما أخر عملية التسميد، إضافة إلى افتقار الفلاحين إلى سياسة تمويل موجهة، وغياب بنوك متخصصة في تمويل الفلاحة وارتفاع فوائد الإقراض إلى 11 في المئة، علاوة على مصاريف التأمينات لتبلغ 14 في المئة بمرحلة أخيرة.

كلفة الواردات

من جهته، نفى حاتم المانسي، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (هيئة نقابية) ورئيس الشركة التعاونية المركزية للقمح (هيئة مستقلة)، بلوغ عملية الحصاد 40 في المئة من المحاصيل، مؤكداً تجميع 60 في المئة من محصول الحبوب ما يساوي 5 ملايين قنطار (500 ألف طن)، منوهاً بأن المحاصيل المجمعة للموسم برمّته لن تتجاوز 8 ملايين قنطار (800 ألف طن) مقابل 12 مليون قنطار (1.2 مليون طن) في المجمل، وهي أقل من تقديرات وزارة الفلاحة التي تتوقع 12 مليون قنطار (1.2 مليون طن) مجمعة و18 مليون قنطار (1.8 مليون طن) في المجمل.

واعتبر المانسي انتشار الحرائق بسبب تصاعد درجات الحرارة، أمراً طبيعياً، تكرر في الأعوام الماضية، مرجعاً إياها إلى عوامل بشرية، من إهمال ونقص في الانتباه وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة، ومشيراً إلى أن الحرائق لا تؤثر بصفة مباشرة في مردودية الموسم، لكن ما يتسبب في تراجع الإنتاج والجودة عوامل سابقة، أهمها النقص الفادح في التسميد أو ارتفاع أسعارها في الأسواق، ما أسهم في انتشار الفطريات.

في المقابل، بلغت كلفة الإنتاج في الهكتار 1500 دينار (500 دولار) وهي مرتفعة للغاية، ويستوجب على الفلاح إنتاج 15 قنطاراً (1.5 طن) من الحبوب في الهكتار الواحد (10 آلاف متر مربع) ليجني أرباحاً وفق الأسعار المحددة، والحال أن معدل الإنتاج في الهكتار (10 آلاف متر مربع) لا يتجاوز 12 قنطاراً (1.2 طن). وتتراوح أسعار القنطار (0.1 طن) عند البيع في السوق بين 130 (43.3 دولار) و100 دينار (33.3 دولار) وفق الجودة، وهي أسعار غير مناسبة مقارنة بكُلف الإنتاج التي تتأثر بكلفة الاقتراض، وتصل إلى 12 في المئة، إضافة إلى غياب الإرشاد لتطبيق الحزمة الفنية لتحسين الإنتاج.

ولن يتمكن القطاع من تغطية الاستهلاك الوطني في الظروف الحالية، إذ تبلغ حاجات تونس من الحبوب 30 مليون قنطار (3 ملايين طن)، ومن المنتظر أن تستورد تونس 22 مليون قنطار (2.2 مليون طن) من الحبوب بكلفة تتجاوز المسجلة العام الماضي، تأثراً بالحرب الروسية الأوكرانية.

اقرأ المزيد