Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي... ظاهرة مصدرها ومصيرها مجهولان

باتت تشكل مصدر قلق حقيقي نتيجة العشوائية السائدة فيها

لا يمكن أن ننكر كيف أسهم تفاعل الناس في الانتشار الواسع الذي استطاع أن يحققه المؤثرون (رويترز)

منذ سنوات قليلة، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تبدّلت المعايير واختلفت المقاييس سواء بالنسبة إلى وسائل الإعلام أو بالنسبة إلى المؤسسات المعنية بالعلاقات العامة والإعلانات والتسويق، وانتشرت ظاهرة المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين برزوا كجنود يحتلون مكانة مميزة في المجتمع ويلعبون دوراً بارزاً يزداد أهمية مع مرور الوقت. وعلى الرغم من الانتقادات والهواجس، ومن أنه يصعب اكتشاف أسرار ولادة هذه الظاهرة، لا يخفى على أحد أن المؤثرين باتوا عناصر جذب يجري اللجوء إليهم في مختلف المجالات سواء في القضايا الإنسانية أو في الموضة أو في مختلف المجالات لأسباب إعلانية تسويقية. وهناك أرقام هائلة من المتتبعين، إلى جانب تزايد مفاجئ في أعداد المؤثرين، ما يدعو إلى طرح تساؤلات كثيرة تأتي الصدقية على رأسها.

ومع التطور الحاصل في مجال الإعلام والإعلان والتسويق وبروز وسائل التواصل الاجتماعي، حصلت تغييرات جذرية في السوق، في العرض والطلب وفي مختلف المعايير، وكان لا بد للمعنيين بهذه المجالات من مواكبة التطور الحاصل، أما بروز المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي وتزايدهم غير المسبوق فبدّل المقاييس، لا بل أكثر من ذلك، أسهم في تبديل اللاعبين الأساسين في هذه المجالات، وتبدلت الوجوه الإعلانية والإعلامية والأدوات التسويقية وأتى المؤثرون وحدهم كبدائل فاعلة تترك أثراً واضحاً لدى الناس.

طلب زائد على المؤثرين

ولم يقتصر تأثير هؤلاء "الجنود" الجدد على الإعلام، بل بدّل المقاييس في مجال العلاقات العامة اليوم، إذ يبدو تأثيرهم واضحاً في الناس ما جعلهم عناصر جذب دفعت الشركات الإعلانية وشركات العلاقات العامة إلى الاستعانة بهم لأن "جاذبيتهم" لم تعد تخفى على أحد.

وانطلاقاً من ذلك، أكد مؤسس إحدى الشركات طوني أبو غزالي أن ثمة طلباً زائداً على المؤثرين لأهداف إعلانية تسويقية، في ما يبدو أثرهم واضحاً وفاعليتهم، خصوصاً من خلال خاصية الـ Story لديهم والتي يخدمون من خلالها الهدف المرجو للإعلان لارتفاع أعداد متتبعيهم.

وقال "حتى أن المبالغ المالية التي تخصص لهم ولوسائل التواصل الاجتماعي للإعلانات تعتبر أقل بكثير بالنسبة إلى الشركات مقارنة بتلك التي كانت تخصص لوسائل الإعلام التقليدية مهما كانت أسعار المؤثرين مرتفعة. ويتميز المؤثرون أيضاً بقدرتهم على تحقيق الهدف الإعلاني بسرعة كبرى من خلال إيصال الرسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالتغطية مباشرة هنا ويمكن رؤيتها عبر الهاتف بدلاً من الانتظار فترة طويلة. ولكن لا تزال السوق ضائعة أمام هذه الظاهرة في سعيها إلى التجاوب معها".

ومن الطبيعي أن تكون لظاهرة تبدأ سريعاً وتنتشر بهذا الشكل سلبيات عدة، ويضيف أبو غزالي أنه من الواضح هناك عجز في ضبط الأمور في حال الإساءة إلى العلامة التجارية، فقد ينزعج المؤثرون من الخدمة ويسيئون في الكتابة بشكل مبالغ فيه، ولا بد من التحضر عندها للرد بالشكل الصحيح ، ولا يمكن اليوم لأية علامة أن تخطئ مع المؤثرين لأنهم قادرون على الأذى والإساءة، وهذه الظاهرة سيف ذو حدين ولا يمكن التهاون فيها أبداً، خصوصاً أن عالم التواصل الاجتماعي شاسع وتصعب السيطرة على الأمور فيه، كما أن الأثر الذي تركه وجود المؤثرين على الإعلام التقليدي لا يستهان به لأن ميزانيات الشركات الكبرى أصبحت تخصص للمؤثرين.

بين مؤثر وآخر... التمييز ممكن

وتتزايد أعداد المؤثرين بشكل هائل، ومعهم أعداد متتبعيهم، فقد تكون هناك صعوبة في الاختيار والتمييز والكشف عن الصدقية، وفي هذا الإطار يقول أبو غزالي "من المؤكد أن ثمة مؤثرين هم أفضل من آخرين ويظهر مستواهم من خلال المنصة التي يكتبون فيها. منهم من يدفع ثمن أعداد إضافية من المتابعين لكن يسهل كشف ذلك، خصوصاً بالنسبة لمن يشترون أرقاماً كبيرة. شخصياً كوني حائزاً على ماجستير في الإعلام الإلكتروني والإعلان، وإلى جانب خبرتي أستطيع كشف ذلك. كما أن وجود الـ Impressions والـ insights يكشف الأرقام المزيفة، وكم أن المؤثر قادر على إيصال الرسالة، إضافة إلى كمية الـ likes  مقارنة بأعداد المتابعين. وعادة لدى دعوة أي منهم نقوم أنا والشركة بدراسة صفحة المؤثر الذي نتعامل معه وتنسيق الصور لديه وطريقة كتابته وأفكاره وإيجابيته في الكتابة. ثمة بحث مكثف لنحسن الاختيار".

ويشير أبو غزالي إلى بعض من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتمتعون بالصدقية بنظره أمثال كارن وازن ومايا أحمد التي تقوم بشراكات كثيرة على الصعيد العالمي. إضافة إلى Blogger Wannabe التي شكلت ظاهرة لافتة فريدة من نوعها وحققت أرقاماً عالية إلى جانب تمتعها بروح الفكاهة الذي يشكل عنصر جذب للمتابعين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ظاهرة المؤثرين موجودة من الأزل

من جهته، تحدث الاستشاري والباحث في التنمية المستدامة كميل حاماتي عن بداية ظهور المؤثرين، مشيراً إلى أنها ظاهرة موجودة من بداية الإنسانية لكنها لم تكن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بل كان الناس ينظرون إلى شخصيات بارزة كالملوك أو غيرهم من الشخصيات التي يتأثرون بها وصولاً إلى هوليوود حيث تأثر الناس بالممثلين والمشاهير واستخدمتهم الشركات لأسباب تسويقية.

ويقول حاماتي "مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي باتت متنفساً للناس في العالم العربي. ففي أوروبا لا نجد هذا الاهتمام الزائد بالمؤثرين كما في الدول العربية حيث استطاع المؤثرون أن يصلوا إلى الناس سريعاً، خصوصاً مع استعمالهم قالباً قريباً من الناس ومألوفاً لهم في منصاتهم. فالناس يتبعون المؤثر لأنه معروف وقريب منهم ويمكن مراسلته وهو يشبههم وليس صعب المنال كالمشاهير. كما ينقل تفاصيل عن حياته اليومية ما يزيد من تشبه الناس بهم وتقليدهم له. الإنسان بطبيعته يميل إلى التباهي ليبرز ويتبعه الناس الذين يشبهونه. هي ظاهرة اجتماعية طبيعية لكنها اتخذت منحى جديداً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وزاد من أهمية المؤثرين تعاونهم مع شركات عالمية وعلامات تجارية شهيرة. من الطبيعي أن يتبع هؤلاء الأشخاص كثر، خصوصاً في مجتمع له قابلية للقيام بذلك عندما يلاحظ أن شخصاً يجني المال بسهولة. فلم تعد المهن التقليدية جذابة كالسابق".

وعما إذا كان يتوقع أن تستمر هذه الظاهرة يؤكد حاماتي أن التوقع صعب، فكثر توقعوا ألا تصل إلى مكان بينما تبين أن المؤثرين يتزايدون، ويضيف "لكن لا يمكن أن ننكر أن ثمة تغييراً في هذه اللعبة، فمن زمن غير بعيد، قررت انستغرام عدم إظهار عدد الإعجابات للناس الباقين بل للشخص المعني وحده وهذا يلعب دوراً مهماً في ضبط الظاهرة. يدفع ذلك المؤثر إلى تحسين محتوى المنصة لديه من جهة، لكن ينظر إليها البعض بنظرة سلبية لاعتبارها تمنع قياس مدى تأثير المؤثر بالناس.

أما لجهة الصحة النفسية فلها إيجابيتها، فتسمح للمؤثر بعدم التركيز على كمية الإعجابات كمعيار لمحبة الناس له وهو ما يعتبر مرضياً. أما العاملون في مجالات الإعلانات والتسويق فيجب أن يبحثوا عن وسائل أخرى يمكن الاستناد إليها في التعاون مع المؤثرين أو لدى الاستعانة بجدد للكشف عن عدد متابعيهم.

أي جاذبية في المؤثرين؟

في مقابل الانتشار الواسع الذي استطاع أن يحققه المؤثرون، لا يمكن أن ننكر كيف أسهم تفاعل الناس في زيادة هذا الانتشار. وعن أسباب حرص الناس على متابعة أخبار المؤثرين تقول الاختصاصية في المعالجة النفسية شارلوت خليل، إن الإنسان بطبيعته يبحث عن الانتماء وعن الاختيارات التي فيها ما يشبهه، واللافت أنه تولد لدى الإنسان ثقة بالمؤثر ويخف احتمال الخطأ في الاختيار، أما في ما يتعلق بالمؤثرين فيكون لهم شغف في اتجاه معين ويحبون أن يخبروا الناس عنهم.

وتضيف خليل "عندما ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعي يكتسبون المزيد من الشعبية فيتشجعون للمتابعة ويتحولون إلى وسيلة فضلى للدعاية أمام تأثر الناس بما ينشرون. فأن تكون مؤثراً يعني أن تكون لك قدرة على التأثير في وجهات نظر وسلوكيات واختيارات الآخرين بشكل مباشر والحفاظ على ذلك في نمط الحياة. لا يمكن أن ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر اليوم بشكل واضح في لا وعي المتابعين وتبلور أفكارهم وسلوكهم وآراءهم من دون أن يشعروا بذلك".

من جهة أخرى، توضح خليل أن المؤثرين ينشرون عامة اللافت والمثير الذي يكون مطروحاً بشكل مثالي وقد لا يعكس الواقع فعلياً، فتصبح الصورة المنقولة المرجعية التي يلجأ إليها المتابعون ليقيسوا مدى نجاحهم وجاذبيتهم استناداً إليها، وتقول "هنا يكمن الخطر الحقيقي لأن ذلك يؤثر في نظرة الإنسان إلى ذاته وثقته بنفسه فيصبح هدفه أن يصبح كالمؤثر من طريق تبني اختياراته وكأنه يتبنى هويته. عندما ينشر المؤثر تفاصيل عن حياته اليومية، يشعر المتابع أنه يشبهه وأنه قريب منه".

مصدر قلق حقيقي

في إحدى الدراسات التي نشرت، طُلب من الناس متابعة الأشخاص العاديين على انستغرام حفاظاً على صحتهم النفسية، لأن متابعة المؤثرين تضع توقعات غير اعتيادية لأهدافهم في الحياة، خصوصاً في ما يتعلق باللياقة البدنية والجمال، إذ تؤدي الخيبات المتكررة إلى آثار سلبية على النفسية وقد تؤدي إلى الاكتئاب، ولا تقتصر الآثار السلبية على الحالة النفسية للمتابعين بل تطال أيضاً المؤثرين الذين ترتبط حياتهم بعدد الإعجابات والمتابعين وهاجس الحفاظ عليه ما يحرمهم من الحياة الواقعية خارج إطار الانستغرام.

وتشدد خليل على أن وجود هذه الظاهرة بات يؤثر في أولويات التغطية الإعلامية والناس وتؤدي إلى خلل في المعايير التي تعني الاهتمامات، مضيفة "صحيح أن بعض المؤثرين يلعبون دوراً إيجابياً لكن منهم من يشكل مثالاً سيئاً ما يستدعي الحذر، خصوصاً بعد أن فتحت لهم بعض وسائل الإعلام منبراً لنشر أفكارهم". حتى اليوم، لا يمكن أن نتوقع إلى أين يمكن أن تتجه هذه الظاهرة وما التغييرات التي ستطرأ عليها، لكن مما لا شك فيه أنها أصبحت تشكل مصدر قلق حقيقياً نتيجة العشوائية السائدة فيها مع ما لها من انعكاسات سلبية على المجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات