Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحاكي المجتمع الأميركي "حكاية خادمة" ويصادر حقوق الإناث؟

لم يمر قانون حظر الإجهاض مرور الكرام في الولايات المتحدة وحمل الروائية مارغريت أتوود على قرع ناقوس الخطر وتفنيده حتى قبل إقراره

كرّمت كندا الروائية مارغريت أتوود قبل أشهر وأصدرت طابعاً بريدياً يحمل صورتها (رويترز)

قبل نحو شهر ونصف الشهر، حين تسرَّب نبأ بحث المحكمة العليا الأميركية في طيّ قانون "رو ضد وايد"، الذي يُبيح الإجهاض، كتبت مارغريت أتوود، صاحبة رواية "حكاية خادمة" في "ذي أتلانتيك" عن أوجه الشبه المُفاجئة بين أحوال الولايات المتحدة اليوم، وبين أميركا المتخيلة في روايتها الديستوبية (خلاف اليوتوبيا، عالم المثل)، حيث تحتكم كل ولاية منها إلى شريعتها الخاصة التي تبيح استرقاق النساء. وعرفت تلك الرواية المكتوبة في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين رواجاً كبيراً بعد نقلها إلى الشاشة الصغيرة في2017. وفي ولاية جلعاد الخيالية، حقوق النساء لا تُذكر على ما كانت أحوالهن في القرن السابع عشر بمنطقة نيو إنغلاند.

وروت مارغريت أتوود في معرض تعليقها على مشروع إطاحة حق الإجهاض المُكتسب قبل 5 عقود، أنها أوشكت على أن تتخلى عن مشروع روايتها، ورأت حين كتابتها أنها تُغالي في المبالغة، ولكن الحوادث الراهنة أثبتت أن الديكتاتوريات الثيوقراطية من بنات عصرنا هذا، وتساءلت ما الذي يحول دون انزلاق أميركا إلى مثل هذا المصير؟

في جلعاد كانت نساء كبار القوم تملكن جاريات مستعبدات، وكانت الواحدة منهن حين تشاء تملك حق الطلب من زوجها إنجاب أطفال من الجارية وتنسب الأطفال إليها وإليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واليوم، بعد إلغاء المحكمة العليا الأميركية حق الإجهاض و"ضربها عرض الحائط بقانون سُن قبل خمسين عاماً بناءً على مزاعم مفادها أن هذا الحق غير مذكور في الدستور، وليس "راسخاً" في "التاريخ والتقاليد الأميركية"،  تقول أتوود، "بالفعل، المسألة غير واردة في الدستور الذي لم ينص على ما يتعلق بصحة المرأة الإنجابية، لا بل إنه في البدء لم يأتِ على ذكر الإناث أبداً. فالنساء أُقصين من العتق من العبودية [لم يشملهن العتق]. وعلى الرغم من أن ثوار حرب الاستقلال في 1776 رفعوا شعار "لا ضرائب من دون الحق في التمثيل [السياسي]، وأعلنوا أن ركن الحوكمة هو رضا المحكومين، لم يدُر الكلام على تمثيل النساء أو الولاية عليهن بالتراضي، فهن لم يملكن حق التصويت. وهذه الحال بقيت إلى 1920 حين إقرار التعديل التاسع عشر. ولقي التعديل هذا معارضة عارمة بذريعة أنه مخالف للدستور الأوّلي. وبالفعل كان كذلك.

ولم تُعدّ النساء في مرتبة الأشخاص في القانون الأميركي لمدة أطوال كثيراً من مدة اعتبارهن  ذوات".  

وتنبه أتوود إلى أن نقض قانون الإجهاض (رو ضد وايد)، بناءً على مسوغات القاضي في المحكمة العليا، سامويل آليتو، قد يُعبّد الطريق أمام نقض حق النساء في الاقتراع. فتصويت الإناث غير مذكور في الدستور.

 

 

وكتبت أتوود، "الحقوق الإنجابية كانت مدار النقاش، أخيراً، ولكن ما سُلط الضوء عليه هو جانب واحد من المسألة: حق [المرأة] في الامتناع عن الإنجاب، ولكن الجانب الآخر المُضمر [والمُظلم] هو قدرة الدولة على الحيلولة دون التناسل. فالمحكمة العليا في 1927 استندت إلى قانون "بوك ضد بيل" لمنح السلطة الحق بإلحاق العقم بالناس من دون رضاهم. وعلى الرغم من أن القرار هذا أُلغي بناءً على قضايا أخرى، ونقض حق تشريعات الدولة التي تبيح التعقيم الواسع النطاق، لا يزال "بوك ضد بيل" مدوناً في النص. وهذا الضرب من أفكار الاصطفاء [عقيدة علمية لتحسين الأعراق، وفي هذا المعرض الاصطفاء الجندري]، كان يُعد ذات يوم "تقدمياً"، وأدى إلى إجراء 70 ألف عملية تعقيم - أُنزلت بذكور ونساء على حد سواء، ولكن الشطر الراجح أنزل بالإناث - في الولايات المتحدة. فما هو "راسخ ومُتجذّر" في الإرث [الأميركي] مفاده أنه لا سلطان للنساء على أعضائهن التناسلية [لا تعود إليهن]، فالسيطرة تعود إلى الدولة.

واليوم، ما يُعد خطيئة في بعض المعتقدات الدينية صار جُرماً يسري حظره على الجميع".

وتمضي أتوود في تفنيد التفسيرات التي يستند إليها نقض قانون "رو ضد وايد"، وتكتب قائلة، "لننظر إلى التعديل الأول [في الدستور الأميركي]. فهو ينص على أن الكونغرس لن يسنّ قانوناً يُرسي ديانةً ما، أو يحظر ممارسة أخرى، أو يقوض حرية التعبير، أو [حرية] الصحافة، أو حق الناس في التجمع سلمياً، والاعتراض على الحكومة وتقديم الالتماس لرفع المظالم". فواضعو الدستور لم تَخفهم الحروب الدينية الدموية التي قطّعت أوصال أوروبا منذ أن أبصرت البروتستانتية النور، وكانوا يريدون تفادي الوقوع في شراك تلك المصيدة المميتة.

ولُبّ المسألة بسيط: إذا كان المرء يؤمن بأن الروح تُنفخ فور الحمل، لا يجوز له إجراء إجهاض، لأن ذلك خطيئة في ميزان ديانته، ولكن إذا لم يكن يؤمن بذلك فلا يجوز استناداً إلى الدستور، إلزامه بمعتقدات الآخرين الدينية". فالرأي الذي يسوقه [القاضي] آليتو يزعم أنه يستند إلى الدستور الأميركي، ولكنه يستند، والحق يُقال، إلى القضاء الإنجليزي في القرن السابع عشر، حين أودى الاعتقاد بالسحر بحياة أبرياء كثر. ومحاكمات "سالم" لمطاردة الساحرة كانت محاكمات فعلية – فيها قُضاة ولجان محلفين، ولكنها احتكمت إلى "بينات طيفية [هشّة وخيالية]، و"استندت إلى معتقدات مفادها أن الساحرة تستطيع إرسال قرينتها أو طيفها إلى العالم لارتكاب الجرائم. وعليه، إذا كان المرء نائماً وثمّة عدد كبير من الشهود على ذلك، وبلّغ عنه رجل واتهمه بارتكاب أعمال مُسيئة إلى بقرة على بعد أميال كثيرة، ثبتت عليه تهمة الشعوذة، ولم يملك دحض ذلك.

واليوم، وعلى نحو مماثل، سيكون إثبات زيف اتهام كاذب بالخضوع للإجهاض بالغ الصعوبة. فأي معلومات عن وقوع إجهاض، أو زعم يُدلي به شريك سابق مُستاء [من شريكته السابقة]، سيجعل المرأة في مصاف المُجرمة. وستكرّ سبحة قضايا الانتقام والاتهامات والملاحقات القضائية، وفق ما حصل قبل 500 عام".

ولكن هل ترغب النساء في الصدوع بقوانين القرن السابع عشر على نحو ما يشاء القاضي آليتو؟ تسأل أتوود في ختام مقالها. والمسألة مثار نقاش وجدال في الولايات المتحدة، وثمّة ذرائع سياسية واقتصادية لتسويغ القانون. فأحوال العالم كلها تبدو وكأنها انقلبت رأساً على عقب، ورياح التغيير لم تحرك السياسة الخارجية فحسب. فما بد مُكتسباً وراسخاً يتزعزع، سواء في مضمار الجغرافيا السياسية، أو في مضمار حقوق النساء والأقليات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير