Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يفكر سعوديون في مقاضاة التعليم بأثر رجعي؟

مستشار قانوني أكد أن على الجهات الحكومية أن تتحمل نتائج أخطائها

يكفل النظام الأساسي للحكم في السعودية للجميع حق التقاضي (جامعة الملك سعود)

"هدر ومضيعة وقت، لا جدوى منها، عبئها ثقيل ولم تطبق بالشكل الصحيح"، بهذه العبارات البسيطة تختزل وزارة التعليم في السعودية قرارات إلغاء سياسات مصيرية كانت سائدة في المجال، ارتهن بها مستقبل جيل كامل.

لكن الوزارة أطلقت عنان تصريحاتها من دون أن توضح الأسباب وما النتائج والمؤشرات التي أفضت إليها التجربة، خصوصاً مع اتساع أفق تلك المشاريع وكبر رقعة تطبيقاتها وما الحلول لمعالجة تبعات الإلغاء، فمع إعلان الوزارة عن نظام المسارات البديل من نظام السنة التحضيرية في الجامعات، أثار تصريح الدكتور إبراهيم الحمدان المشرف على البرنامج الجدل، حين قال "السنة التحضيرية في الجامعات هدر، وندرس إلغاءها"!

الطعن في القرارات

بعد هذا التصريح بدأ الطلاب والخريجون في تقليب أوجه الأنظمة والقرارات السابقة للوزارة ومحاكمتها، فالتعليم يعد قضية مجتمعية تخص كل فرد وتدخل كل بيت، فغالباً ما يقضي الفرد في دهاليز مدارس التعليم العام ما يقارب 16 عاماً، ومصيره ومستقبلة المهني والمالي والاجتماعي مرتبط بها، فتولد من هنا السؤال حول ما إذا كانت القرارات التي تصدر في شأن مسيرتهم التعليمية يصح الطعن فيها أمام القضاء السعودي أم لا؟ وهل يحق لهم محاكمة قرارات الوزارة، والحصول على تعويض بأثر رجعي؟ بخاصة تلك القرارات التي أثرت في مسيرتهم التعليمية وفي مستقبل حياتهم، بعد أن اصطدموا بالواقع ووجدوا أن الكثير من القرارات لا تصب في صالحهم.

بحسب نص النظام الأساسي في السعودية يحق لهم ذلك، فهو يكفل للجميع حق التقاضي ولا يسمح بالحرمان من هذا الحق، لكن التساؤل يثور حول القضاء المتخصص بالفصل في منازعاتهم هذه، والحديث عن الطلاب المتضررين وهم تحت مظلة المؤسسات التعليمية.

المسار القانوني

وعن تسلسل الإجراءات وكيف تتم عادة في حال أراد المواطن رفع دعوى قضائية ضد أي جهة حكومية في السعودية، يتم رفع الشكوى لدى "ديوان المظالم"، وهو هيئة قضائية إدارية مستقلة ووجودها يعتبر إحدى ضمانات سيادة حكم القانون وحماية حقوق الأفراد ومصالحهم في البلاد من أخطاء وتعسف الإدارات الحكومية، فهي المتخصصة بالفصل في الدعاوى التي يمكن أن تقام طعناً في القرارات المتعلقة بمسيرة الطلاب التعليمية، وتختص المحاكم الإدارية التابعة لديوان المظالم بالنظر في الدعاوى التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها كدعاوى العقود المبرمة ودعاوى إلغاء القرارات الإدارية.

وحول أحقيتهم في التعويض على ما وقع بهم من ضرر جراء القرارات، أوضح عادل عبد المحسن البراهيم المستشار القانوني، أن "هناك خطوات تسبق الطعن في القرارات أمام القضاء، فلا بد أولاً من التظلم والاعتراض على القرار أمام وزارة التعليم حين أصدرت القرار في حدود 60 يوماً، وعلى المشتكي أن ينتظر رد الوزارة، ثم بناء عليه يقوم برفع الدعوى أمام ديوان المظالم خلال 60 يوماً من تاريخ العلم بالقرار، وفي حال مضي هذه المدة من دون الاعتراض يكتسب الحكم الصفة القطعية ويسقط الحق في الاعتراض".

وفي حال لم تتراجع الوزارة عن قرارها أجاب المستشار القانوني بأنه "يحق للطالب رفع الدعوى متضمنة خطاب التظلم، شرط أن تكون الأضرار الواقعة عليه واضحة، فلا يصح أن يكون الضرر عاماً أو معنوياً، من دون أن يكون ظاهراً، مما يسهل إثبات حالة التظلم ويترك الحكم للقاضي الإداري".

 وعلى ضوء ذلك يصدر الحكم الابتدائي، ويحق للطرفين سواء الطالب أو وزارة التعليم الاعتراض واستئناف الحكم لدى محكمة الاستئناف الإدارية، التي حال صدور حكمها يكون قطعياً ويأخذ الصيغة التنفيذية الملزمة لطرف المعني به.

السنة التحضيرية من الضرورة إلى الغاء

ويشير المستشار القانوني إلى أن تلك الممارسة تؤسس لمجتمع نظامي تقوم العلاقة فيه "على العدل والحق الذي يكفله النظام المستوحى من الشريعة الإسلامية، فمن له حق يجب أن يسلك القنوات القانونية فإن أخطاء الجهات الحكومية ينبغي أن تتحملها تلك الجهات وأن تبذل جهدها لمراعاة حقوق الناس".

تعتبر السنة التحضيرية، التي تسبق البكالوريوس التي استحدثتها معظم الكليات في الجامعات السعودية منذ 2007 فما بعد، بين أكثر المواضيع التعليمية التي أثارت الجدل حديثاً، فالطالب يرى فيها هدراً لسنوات عمره، بينما كانت الحجج الرسمية من الوزارة سابقاً أنها كانت مرحلة ضرورية لتقليص الفجوة بين التعليم العالي والعام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان المبرر أن مخرجات التعليم العام لم تكن بالمستوى المطلوب للجامعات، "إنها مرحلة تمهيدية للاندماج والانتقال إلى المرحلة الجامعية، إذ يدرس الطالب مدة فصلين دراسيين أو فصل واحد المواد التعليمية لمختلف مسارات الدراسة العلمية والصحية والإنسانية، مع التركيز على اللغة الإنجليزية من أهم أهدافها معرفة الجادين بشكل عام في الدراسة الجامعية وتلافي التعثر".

ولا تخفي ريم عبد الله شعورها بالندم بسبب انخراطها في الدراسة الجامعية في السنة الأولى من تطبيق القرار، إذ تعتبر السنة التحضيرية مضيعة للوقت بل ساعدت على خلق فجوة أخرى بين الطالب والجامعة، وتذكر أن برنامجها يعتمد أساساً على اللغة الإنجليزية والرياضيات وكابدت كل الصعاب واجتازتها بعد بذل جهد مضاعف، "ثم تفاجأت بعد ذلك بأن تخصصي يدرس باللغة العربية، وهكذا ضاعت سنة من حياتي بلا معنى".

إلغاء "التقييم المستمر"

سوى ذلك، خضعت المرحلة الابتدائية على سبيل المثال لتجارب كبقية المراحل من قبل المسؤولين والوزراء المتعاقبين، فقبل سنوات مضت، رأت الوزارة أن الاختبارات باتت تمثل شبحاً لطلاب المرحلة وقررت تطبيق نظام التقويم المستمر في جميع المواد الدراسية للصفوف من الأول حتى السادس الابتدائي، بهدف التركيز على الفهم واكتساب المهارات وتفعيل دور أولياء الأمور في الاستمرار في متابعة المستوى التحصيلي لأبنائهم، على الرغم من مطالبات المعلمين وأولياء الأمور بإعادة نظام الاختبارات التحريرية للمرحلة الابتدائية.

 لكن بعد ذلك بنحو عقد من الزمان، بدأت الوزارة معالجة ما تسميه "أخطاء تطبيق نظام التقويم المستمر"، وأعلن وزير التعليم إلغاء النظام، بدءاً من الصف الرابع وأن ما هو موجود الآن ليس في الأصل نظام تقويم مستمر، موضحاً أنه سيتم العمل على اختبارات مركزية للتقويم. فهل يحق للطلاب المتضررين من نظام التقويم المستمر وغيره محاكمة قرار الوزارة بعد سنوات من الفشل في تطبيقه، مما أثر في مسيرتهم التعليمية، مثل طلاب السنة التحضيرية؟ 

سابقة "التعليم الموازي"

ومن أبرز القرارات التي ألغيت وكان لها أثر واضح في رسم مستقبل السعوديين إيقاف جميع برامج التعليم الموازي بجميع الجامعات السعودية، فقد تبنى عدد من الجامعات والكليات إنشاء برامج جديدة سمتها "البرامج الموازية"، ولم يتضح سبب تسميتها البرنامج بهذا الاسم، الذي مكن الكثير من الشباب السعودي -حسب قولهم- من إكمال دراستهم الجامعية في الفترة المسائية مقابل دفع رسوم دراسية، للحصول على شهادة ومؤهل علمي يرفع من قيمتهم في سوق العمل.

 وأتاح هذا النظام فرصة لبعض الطلاب والموظفين المتعطشين لمواصلة دراساتهم، إلا أن قرار إلغائه جاء بشكل مفاجئ، وكان السبب أن مخرجات البرنامج ضعيفة مما أثار العديد من التساؤلات حول من يعوض الطلاب والطالبات عن سنوات قضوها من عمرهم في الدراسة وتحملوا تكاليفها، على الرغم من صعوبة ظروفهم؟ ثم من يتحمل مسؤولية ضعف مستواهم العلمي وعدم توظيفهم؟

وكان طلاب سعوديون لاحقوا جامعات في بلادهم قبل سنوات أمام ديوان المظالم، بعد اتهامها بتجنب العدل في فرض بعض الرسوم الدراسية عليهم، مطالبين إياها بالمساواة، وقد كسبوا القضية أمام المحاكم.

وقد حكم "المظالم" في ذلك الحين 2016 بإلزام جامعة الملك خالد وجامعات أخرى بإعادة الرسوم التي تحصلت عليها من طلاب ماجستير التعليم الموازي، وذلك بعد لائحة تقدم بها عشرات الطلاب ضد الجامعة، لتحصيلها الرسوم منهم، بناءً على مسوغ استند إلى أمر ملكي يقضي بأن "تتحمل الدولة تكاليف الدراسة بالتعليم الموازي في الجامعات".

المزيد من تقارير