Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبل ست سنوات اقترعت لمصلحة بريكست لكن هل كنت لأعيد الكرة؟

قلل أشخاص مثلي من مدى صعوبة الحياة خارج الاتحاد الأوروبي وبالغوا في تقدير درجة الحرية التي يمكن أن يحصلوا عليها

بريكست لا يسير إلا وفق نموذج اقتصادي مغاير وذلك غير الذي صوت لمصلحته البريطانيون  (غيتي)

لقد ارتكبتُ خطأ فظيعاً قبل ست سنوات، حين اقترعتُ لمصلحة مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي  [بريكست]. لقد اعتقدتُ وقتها أن بريكست سينجح، أو أنه يمكن أن ينجح في الأقل، ويخلق ظروفاً تساعد على بناء اقتصاد أكثر تنافسية، بالتالي أكثر

ازدهاراً.

ألهمتني مشاهدة بطولة كأس أوروبا سنة 2016، حين كانت لكل الفرق تكتيكات مختلفة، وتنافست بأنظمة مختلفة أيضاً، وكان لديهم تكتيكات فريدة مع نقاط قوة وضعف اللاعبين. ومع أن مديري الفرق اتخذوا قرارتهم الخاصة، إلا أنهم تعرضوا للإقالة في حالة الفشل. واستطراداً، لقد كان الناخبون، أو بعبارة أخرى، ممثلوهم في البرلمان قادرين على "إقالة المدير" بهدف محاولة الحصول على ميزة تنافسية في الاقتصاد حينما صدر الحكم علينا بأننا نخسر ونتخلف عن البلاد الأخرى. إذ لم يكن داخل الاتحاد الأوروبي ما يكفي من الحرية لتعديل السياسات وتنظيم المسألة الديمقراطية.

سأوردُ هنا ما كتبته آنذاك، قبل التصويت. وأعتقد أن كثيراً من الناس شعروا بالشيء نفسه. وأعتقد أن لدي الحرية في الاستشهاد بنفسي مطولاً أو جزئياً، في سياق مسألة الدفاع العادل عن عمل ثبت أنه مضلل وخاطئ. لقد كتبتُ آنذاك، "في بريطانيا، اعتادت الأمور أن تسير على هذا النحو، حتى في ظل المرحلة المبكرة من زمن انضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي. منذ عام 1945، كان لدينا اقتصاد اشتراكي قيادي مع التقنين، وطريقة حزب محافظين في الاقتصاد الموجه، والتخطيط الويلسوني في السياسة الخارجية [إشارة إلى الرئيس الأميركي وودرو ويلسون واقتراحه بعد الحرب العالمية  الأولى، إرساء نظام عالمي يشمل الدول كلها بقيادة الغرب]، وشركات بتوجهات تعود إلى حقبة رئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث [تولى رئاسة الحكومة بين عامي 1970 و1974. وضغط على شركات كي تتبع سياسة وسطية فتتحمل بعض المسؤوليات حيال المجتمع، فيما تُمارس الدولة عليها تأثيراً جزئياً]، وبعض الفترات القليلة من الديمقراطية الاجتماعية، وتجربة طويلة مع التاتشرية [إشارة إلى رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر التي أيدت عدم تقييد الشركات وخفض الضرائب وتخفيف سيطرة الدولة المركزية]، ثم ما جاء بعد ذلك (التي أفترض أنها النزعة الإدارية)". [الإدارية هي مزيج من المعرفة الإدارية التي تفرض نفسها كتوجه فكري على المؤسسات والمجتمع، مع تقليص قوة المجتمع المدني والموظفين في صنع القرار].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وآنذاك أضفتُ، "عاجلاً أم آجلاً، استنفدت تلك المقاربات قوتها، وحصلت القطيعة مع السياسة من قبل ناخبين أرادوا قيادةً جديدةً ونهجاً جديداً.  بالتالي، فقد أقالوا الحكومة في انتخابات عامة. بعبارة أخرى، تمكن الناخبون، أو ممثلوهم في البرلمان، من "إقالة المدير" في محاولة منهم للحصول على ميزة تنافسية في الاقتصاد، حينما حُكِمَ علينا بأننا نخسر ونتخلف عن البلدان الأخرى".

وحينئذ، لاحظتُ أنه "بحسب ما هو جلي الآن، ليس بمقدور المملكة المتحدة اتخاذ خطوات جذرية إلى اليسار أو اليمين كي تغير السياسة الاقتصادية إن أرادت ذلك. نعم، لدينا انتخابات عامة وبعض الحريات بالنسبة إلى معدلات الضرائب وما إلى ذلك. لكن الاتجاه العام في أوروبا هو نحو التنسيق المستمر [بمعنى جعل الكل ينسجم في نمط واحد] والحد من حرية العمل الوطنية".

والآن، أستطيع أن أرى من أين أتت نظرتي تلك. إذ عانى الاتحاد الأوروبي ولا يزال يعاني، عيوباً خطيرة. ثم التشبيه مع نموذج كرة القدم أمر ضعيف لأن المشاركة في بطولة كرة القدم الأوروبية يجب أن تكون لها قواعد ومعايير مشتركة (مثلاً، وجود 11 لاعباً في الملعب في أي وقت، وقاعدة التسلل المزعجة)، وإذا كنت لا ترغب في اللعب وفقاً لهذه القواعد، فلا بأس، لكن لا يمكنك دخول بطولة كرة القدم الأوروبية. إذاً، العب مع دول أخرى بدلاً من ذلك. أو العب مع نفسك، إن جاز التعبيرـ إذ يمكنك إنشاء نظام كرة قدم رائع في العالم، لكن إذا كانت الدول الأخرى لا تريد السماح لك بالمشاركة في منافساتها، فلن يكون ذلك مفيداً لك.

بعبارة أخرى، لقد قلَّلْتُ وأشخاص مثلي، مدى صعوبة الحياة خارج الاتحاد الأوروبي، وبالغنا أيضاً في تقدير درجة الحرية التي يمكن أن نحصل عليها في ما يتعلق بالوصول إلى الأسواق الأوروبية المهمة، والاقتصادات السريعة النمو في جميع أنحاء العالم. وسأستخدم هنا عبارة أمستْ سيئة السمعة في ما بعد، "لقد ظننت أنه يمكننا الاحتفاظ بالكعكة وأكلها في الوقت نفسه"، بمعنى أنه بإمكاننا أن نحتفظ بكل ما أحببناه في عضوية الاتحاد الأوروبي، وأن نتخلص من الأجزاء التي لا نرغب فيها. (بعد كل شيء، حينما تصوت دولة من دول الاتحاد الأوروبي بـ"لا" لبعض معاهدات الاتحاد الأوروبي الجديدة، تحدث إعادة تفاوض سريعة، وتجري تسوية الشروط بطريقة أفضل).

واقعياً، لقد اتضح من خلال مسار مفاوضات ما بعد الاستفتاء [الذي أُجري في بريطانيا عن خروجها من الاتحاد الأوروبي] أن الاتحاد الأوروبي لم يكن  مهتماً بأن يقدم الصفقة التي حلمنا بها في المملكة المتحدة، لأننا كنا بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي أكثر مما هو بحاجة إلينا، حتى إن جنى صانعوا السيارات الألمان كثيراً من المال هنا.

وبالرجوع إلى استخدام مثل كرة القدم، لقد فضلوا اللعب مع إنجلترا (نعتذر لبقية المملكة المتحدة)، لكنهم تمكنوا من إدارة بطولة رائعة من دونهم. مع أنه لا يمكن لإنجلترا أن تلعب في مسابقات كرة القدم الأوروبية من دون الموافقة على قواعد معينة لا تستطيع في النهاية القبول بها. في عامي 2018 و 2019، تمثل الشيء الوحيد الذي كان من شأنه أن يكون معقولاً ونزيهاً وديمقراطياً، هو تأمين أي شروط متاحة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تلك المرحلة، ومن ثم الطلب من الناس أن يصوتوا للموافقة عليها، بمعنى أن ذلك الشيء هو استفتاء القول النهائي الذي أطلقت "اندبندنت" حملة من أجله.

على نحو مماثل، لقد قللتُ آنذاك من تقدير الألم الذي قد يحدث في الاقتصاد، على الرغم من أن ما قدرتُه لم يشمل تعرض الناتج المحلي الإجمالي  للضرر. وقد اعتقدتُ حينها، أن سعر الصرف سيتعرض لكثير من ضغوط التعديل، وكذلك الحال بالنسبة إلى التضخم، لكن ثبت أن العملية ستستغرق وقتاً أطول مما توقعته، هذا إذا كان لها أن تنفذ.

كذلك لقد ثبت أن الصفقات التجارية مع الدول الأخرى التي كنا في انتظار التوقيع عليها، بعيدة المنال. إن الفشل في الاتفاق مع أميركا، في ظل رئاستين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كان الأكثر إحباطاً على الإطلاق. وتمثلت الحقيقة في أنه ليس من المهم إذا كان رئيس الولايات المتحدة من عشاق اللغة الإنجليزية أم لا. إذ يتحكم الكونغرس في السياسة التجارية، وغالبية القيادات السياسية الأميركية تعبر عن تفضيل عامة الناس هناك لسياسة الحماية، وشكوكهم حول التجارة الحرة. وتتلخص تلك الآراء كلها في شعار "أميركا أولاً"، وبملاحظة كتبها دونالد ترامب بعناية ذات مرة على مسودة خطاب عن الاقتصاد، هي "التجارة سيئة".

 بالتالي، إن فكرة ربط المملكة المتحدة بالصين وروسيا والبرازيل لم تعد رائعة الآن، لأسباب محبطة من نوع مختلف. إذ تعد اليابان والهند القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين الوحيدتين التي يمكننا التعامل معهما تقريباً، إضافة إلى دول الخليج وأستراليا. ولا يكفي ذلك للتعويض عن خسارة أسواق التصدير، وسلاسل التوريد الأوروبية المعطلة، وفوق كل ذلك نقص العمالة وتضخم التكلفة الذي أعقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يضاف إلى ذلك، خسارة "مشروع هورايزن" الأوروبي في التعاون الدفاعي والأمني.

 

لقد كنتُ محقاً بشأن العداء البريطاني العام للأوروبيين "الذين يخبروننا دائماً بما يجب أن نفعله" و "حرية حركة" الهجرة، وهي عوامل ربما جعلتْ من  بريكست أمراً لا مناص منه. ولكن سوء التقدير الذي ارتكبتُه حول بريكست تمثل في التقليل من مدى استعداد البريطانيين حينها، على غرار حالهم الآن، لاتخاذ الإجراءات الثورية اللازمة لتغيير الاقتصاد. كان ذلك غبياً بشكل خاص، لأنه كان من الواضح أن المزاج البريكستي في عام 2016  شكَّله تعزيز الحماسة العمياء، وهي علامة واضحة عن تفاؤل جونسوني أحمق.

إن نصف السكان الذي صوت لمصحلة البقاء في الاتحاد الأوروبي، لم يؤيدها في عام 2016 أو بعد ذلك. في المقابل، إن معظم النصف الآخر الذي صوت لمصلحة مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، باعتبارها نتيجة طبيعية للتغيير الجذري، لم يكن مستعداً لإجراء تغيير واسع ولا حتى توقعه. لقد كان بريكست يعني دائماً مكابدة بعض الصعوبات، إذا كان المطلوب هو الفوز بمكاسب طويلة الأجل. وقد انقلب الجو تماماً. إذ بات كل الاهتمام يتعلق بالفراشات الخارجة من الشرنقة، وعيد الاستقلال، كأن لسان

حالهم يقول "لقد فككنا قيد بروميثيوس". حسناً، لقد بات لدينا تغيير، وفق ما نرى.

ثم إني اتخذت وجهة نظر كسولة في عام 2016 مفادها، أن مسألة إيرلندا الشمالية قابلة للحل بحسن نية. وبحسب ما اعتقد بوريس جونسون، كان من السخافة أن يكون الذيل هو الذي يهز الكلب، وأنه إذا كانت مصلحة المملكة المتحدة بأكملها المغادرة، فلا ينبغي أن يوقفها عدد السكان الصغير نسبياً في المقاطعة. كانت تلك غلطة كبرى.

في الحقيقة، وبغض النظر تماماً عن أن بريكست غير متوافق مع "اتفاق الجمعة العظيمة" الموقع في بلفاست [في 1998 لإنهاء الصراع المسلح بين الأطراف المتقاتلة في إيرلندا الشمالية]، فإن المملكة المتحدة الفيدرالية الزائفة الجديدة التي ظهرت مع حلول عام 2016 تعني فعلياً أن إيرلندا الشمالية واسكتلندا وويلز وإنجلترا يجب أن يكون لها حق نقض فاعل، لأن محاولة مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون موافقة الغالبية في جميع أنحاء المملكة المتحدة الأربعة، شكل سعياً وراء المشكلات مادام الأمر يتعلق بالاتحاد. وقد ثبت ذلك، لأن اسكتلندا وإيرلندا الشمالية صوتتا معاً لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي، وبالطبع صوتت ويلز وإنجلترا لمصلحة المغادرة بهوامش متواضعة نسبياً، مع تصويت لندن ومدن أخرى لمصلحة البقاء.

إن الشروع في مشروع وطني ضخم وشاق على غرار بريكست يتطلب موافقة شعبية أكثر قليلاً مما حصلت عليه في عام 2016، والآن أصبح أمراً مثيراً للاستياء أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية.

يتمثل أهم أمر فهمتُه في أن بريطانيا يجب أن تنافس في العالم (وكذلك تفعل أوروبا)، ولا يمكنها التهرب إلى الأبد من المنافسة الناشئة، من طريق الاختباء وراء حواجز التعريفات، وكذلك لا يمكن تجنب الخيارات الصعبة التي لا مفر منها من خلال إلقاء الإعانات. ما كان لبريكست أن يعمل إلا كمشروع لتأمين بقاء اقتصادي عالمي طويل الأجل يمكن فهمه ودعمه من قبل الغالبية العظمى من السكان. وليست "فرص بريكست" مرمية في مكان ما، في انتظار أن يلتقطها جاكوب ريس موغ ويصدر قانوناً لإحيائها، كالسماح ببيع مكانس الكهرباء القوية. إن هذه نسخة طفولية من بريكست. تدور فرص لبريكست حول التضحيات من أجل مملكة متحدة قادرة على المنافسة عالمياً، وقادرة على التغلب على الحواجز الجمركية وغيرها من حواجز سياسة الحماية الاقتصادية. يتعلق الأمر بتسوية التكاليف وتقليل الاستهلاك بهدف تعزيز الاستثمار الإنتاجي للقطاع الخاص. ويتعلق الأمر كذلك بتحويل السلع والخدمات المستهلكة داخلياً نحو الصادرات. وسيعني ذلك خدمات عامة أكثر فقراً، في الأقل على المدى القصير. إنه يعني مزيداً من الهجرة من كل مكان. لا يتعلق الأمر بدعم أسعار البنزين أو "الأجور العادلة" أو إعفاء ملكية المنازل من ضريبة أرباح رأس المال.

إن النموذج الاقتصادي المختلف جذرياً يمثل الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يعمل بريكست بها، وهذا ليس هو بريكست الذي صوت البريطانيون لمصلحته. لقد صدق البريطانيون بوريس جونسون، واعتقدوا أن بإمكانهم

الاحتفاظ بكعكتهم وأكلها في الوقت نفسه. الحقيقة أن الصفقة التي أبرمناها مع الاتحاد الأوروبي لم تكن مثالية، لكنها كانت أفضل بكثير مما كنا نتصور.

ومع استثناءات نادرة، يؤسفني أن أقول إنه لم يدرك أي شخص صوت للمغادرة عام 2016، بشكل صحيح ما سيترتب على ذلك حقاً من أجل إنجاحها. ويشملني ذلك الأمر [الخطأ في إدراك عواقب بريكست]. أنا آسف!

للاحتفال بالذكرى السنوية السادسة للاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، تقدم "اندبندنت" مجموعة مقالات أصوات بريكست، بعد 6 سنوات، وهي سلسلة تستكشف تأثير التصويت لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 23 يونيو 2022

© The Independent

المزيد من آراء