Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتيجة مذهلة لاختبار دماغ طفلة متوحدة يتوخى علاجها من الإيذاء الذاتي

"مخيف جداً أن يغوصوا في أعماق رأسها وأن يتدلى من صدرها ذلك الجهاز الكبير... ولكن العلاج يستحق هذا العناء" قالت والدة الفتاة ذات السنوات التسع

إيلي تومليانوفيتش واحدة من أوائل المتعالجبن في دراسة تسعى إلى معرفة ما إذا كان "التحفيز العميق للدماغ" يردع الأطفال الذين يلحقون الأذى بأنفسهم (سي تي في نيوز)

تركت نتائج أولية خلصت إليها تجربة خضعت لها فتاة كندية شخصت إصابتها بنوع نادر من اضطراب "طيف التوحد" (ASD) الباحثين في حالة ذهول، وذلك بعد أن نجحوا في إرسال إشارات كهربائية إلى منطقة عميقة في دماغها، ومن ثم منع الطفلة البالغة من العمر 9 سنوات من إلحاق الأذى الشديد بنفسها.

تعيش إيلي توميانوفيتش في مدينة باري الكندية جنوب أونتاريو، الواقعة على بعد 100 كيلو متر تقريباً من مستشفى "سيك كيدز" SickKids للأطفال في تورنتو حيث تلقت العلاج التجريبي "التحفيز العميق للدماغ" (DBS)، كما يسمى، بغية صد سلوكها الذي يلحق الأذى بالنفس، وذلك في ديسمبر (كانون الثاني) 2020.

إيلي، التي شخصت إصابتها باضطراب عصبي وراثي نادر يسمى "متلازمة بيت هوبكنز" Pitt-Hopkins syndrome عندما كانت طفلة، كانت تصارع نوبات عنيفة طوال سنوات، كانت خلالها تضرب رأسها وتعض نفسها وتحاول حتى ابتلاع يديها. في مرحلة ما، أعرب والداها عن خوفهما على حياة ابنتهما الصغيرة لـ"سي تي في نيوز" CTV News.

في أول مقابلة معهما منذ خضوع ابنتهما للجراحة قبل أكثر من 18 شهراً، قالت ليزا توميانوفيتش لـ"سي تي في نيوز"، إن "الوضع أصبح سيئاً جداً" (قبل الجراحة). وفي مقطع مسجل تشاركه الأهل مع الوسيلة الإعلامية، نرى إيلي تتمرمغ في مقعد سيارتها وتعض العاملين في المستشفى خلال محاولتهم منعها من إيذاء نفسها. في النتيجة، كما قالت الأم لـ"سي تي في"، كسرت إيلي عظام وجنتيها"، مضيفة أنها تعرضت أيضاً لإصابات أدت إلى فقدانها أسنانها، بل إن الأم نفسها أصيبت بجروح أيضاً إذ تدخلت من أجل تهدئة ابنتها.

"كانت الكدمات والعضات تغطيان ذراعي على طول جانب عنقي"، قالت الأم.

معلوم أن إلحاق الأذى بالذات أحد الآثار الجانبية لدى بعض الصغار والبالغين الذين يشخصون بـ"طيف التوحد"، علماً بأنه يبقى أكثر شيوعاً في بعض المتلازمات، مثل المتلازمة التي تكابدها إيلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفق دراسة نشرت في "جورنال أوف ذا أميركان ميديكال أسوسييشن" (جاما)، وجد تحليل بعدي [يجمع بين نتائج دراسات علمية عدة] أن احتمالات إيذاء الذات لدى ذوي "طيف التوحد" كانت أكثر بثلاثة أضعاف مقارنة مع غير المصابين. كذلك وجدت مجلة "أوتيزم أند ديفلوبمنتال ديسؤردرز" Autism and Developmental Disorders (التوحد واضطرابات النمو) في دراسة نهضت بها أن نحو 28 في المئة من الأطفال ذووي الثماني سنوات المشخصين باضطراب "طيف التوحد" يتصرفون على نحو يؤذيهم، إذ يجنحون إلى سلوكيات معينة من بينها ضرب الرأس، وعض الذراعين، وترك الخموش على جسدهم الذي اعتبر أكثر شيوعاً بين الأطفال من ذوي "طيف التوحد".

بطبيعة الحال، يعتقد الأطباء أن نوبات العنف التي اجتاحت بعض الأطفال ربما تكون طريقة يتوسلونها للتعبير عما يعتريهم من انزعاج وإحباط، خصوصاً بالنسبة إلى المتوحدين الذين يعجزون عن الكلام. أما والدة إيلي ووالدها، فقررا البحث عن أشكال بديلة من العلاج بعد أن وجدا أن نوع المساعدة الذي يلتجؤون إليه حالياً ليس قابلاً للاستمرار.

قالت السيدة توميانوفيتش: "كانت طبيعة أيامنا تضيق الخناق على إيلي"، في حين أنه في المستطاع، كما أقرت الأم، الاستفادة من يوم عمل كامل، بين ثماني و10 ساعات، لمحاولة منع طفلتهما البالغة من العمر 9 سنوات من إيذاء نفسها.

"لا يمكننا تقييد حريتها الجسدية طوال اليوم"، أضافت الأم. عندما فقدت المهدئات ومضادات الذهان جدواها، علقت الوالدان آمالهما على علاج تجريبي يقدمه "مستشفى الأطفال المرضى" في تورنتو، ويتولاه اختصاصي في جراحة الأعصاب لدى الأطفال يدعى الدكتور جورج إبراهيم.

خلال اللقاء، أوضح الدكتور إبراهيم كيف أنهم في المستشفى افتتحو تجربة تعتبر الأولى من نوعها، تسمى "التحفيز العميق للدماغ" (DBS)، تسعى إلى علاج الأطفال ذوي "طيف التوحد" الذين يعانون سلوكيات تشكل تهديداً على حياتهم. إذ وجدا أن الخيارات المتوفرة أمامهما قد نفدت، وافق الوالدان على المضي بهذه العملية الطبية. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، خضعت إيلي لجراحة تضمنت زرع قطبين كهربائيين عميقاً في دماغها، مع أسلاك تمر عبر عنقها حتى تصل إلى صدرها حيث أضيفت بطارية أيضاً.

ترسل العقد الكهربائية تياراً كهربائياً إلى داخل دماغ إيلي عميقاً، على نحو يشبه العلاج بالصدمات الكهربائية الذي أثبت نجاحه في تخفيف الأعراض لدى مرضى الاكتئاب المزمن الذين لم يستجيبوا للعلاج النفسي والأدوية.

تصف "الجمعية الأميركية لجراحي الأعصاب" (AANS) "التحفيز العميق للدماغ" بأنه آمن وفاعل في حال كان اختيار المتعالجين المرشحين للجراحة صائباً. وتضيف أن "المخاطر والآثار الجانبية المحتملة موجودة فعلاً، ولكنها عموماً خفيفة وفي المستطاع عكس مسارها"، وتشتمل على خطر بنسبة واحد في المئة لمواجهة نزف في الدماغ، وعدوى، وخطب في الجهاز، وصداع، وفي بعض الحالات تدهور الحالة العقلية والنفسية أو العاطفية للمريض. أثناء العلاج بالتحفيز، قد يعاني المرضى وخزاً أو شداً في العضلات أو مشكلات في الكلام/ النظر أو فقدان التوازن.

أوضح الدكتور إبراهيم في مقابلة مع "سي تي في نيوز" أن في مقدورهم أن يضبطوا الجهاز كي يتبينوا الكمية المحددة من التيار الكهربائي التي تستجيب لها إيلي بشكل أفضل. لم يمر وقت طويل على النهوض بأول إجراء طبي من نوعه، حتى أثبتت النتائج أنها "مشجعة جداً"، وفق كلمات الدكتور إبراهيم.

"لقد أدهشتني حقاً"، قال الجراح، بينما أوضحت والدة إيلي أنها ووالد الطفلة لمسا آثار الجراحة فوراً في المنزل. قالت توميانوفيتش: "كانت منخرطة معنا... وأخذت تضحك وتصفق".

النتائج التي أفضت إليها تجربة أونتاريو الكندية تعكس نتائج دراسات سابقة نظرت في العلاقة التي تربط بين تحفيز الدماغ العميق" من جهة، وإيذاء النفس لدى الأطفال ذوي "طيف التوحد"، من جهة أخرى.

في 2013، نشر باحثون نتائج تجربة خضع لها صبي كان يبلغ من العمر 13 عاماً شخصت إصابته بـ"سلوك إيذاء النفس" (SIB) الخطير جداً، و"متلازمة كانر" الشديدة (التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة)، وعرضوا الكيفية التي استجاب بها المريض لـ"التحفيز العميق للدماغ". خلال الدراسة، كشفت الاستنتاجات الأولية التي توصل إليها الباحثون أن العلاج كان "فاعلاً" ولم يخلف أي آثار جانبية سلبية، إنما أوصوا بإجراء مزيد من البحوث بغية دعم نتائجهم.

أخيراً، نشرت مراجعة منهجية لهذا الإجراء الطبي في سبتمبر (أيلول) 2022 في مجلة "جراحة الأعصاب متعددة التخصصات"Interdisciplinary Neurosurgery. التحليل، الذي نظر في سبع مقالات منشورة عن مرضى خضعوا لـ"التحفيز العميق للدماغ" من أجل علاج "طيف التوحد" المصحوب بسلوكيات تؤذي النفس بشدة إلى حد أنها تتهدد حياتهم، أظهر أن تحفيز الدماغ بهذه الطريقة يحقق فاعلية تجاه "أعراض طبية شديدة غير قابلة للسيطرة لدى مرضى اضطرابات "طيف التوحد" من الأطفال والبالغين".

إضافة إلى أنها تعكس نتائج سابقة، تمهد النتائج التي ظهرت لدى الفتاة إيلي الطريق أيضاً أمام النهوض ببحوث من أجل توسيع نطاق الاستجابة الإيجابية التي مرت بها أثناء "التحفيز العميق للدماغ" للتخلص من ميلها إلى إيذاء نفسها.

الدكتور إبراهيم والأطباء في "مستشفى الأطفال المرضى" يفتتحون الآن تجربتهم السريرية لتشمل خمسة أطفال آخرين شخصت حالتهم بسلوكيات إيذاء الذات الشديدة كي يقوموا بمزيد من الاختبارات على نجاعة "التحفيز العميق للدماغ".

"تكمن مهمتهم الآن في إثبات سلامة العلاج وفاعليته... لمعرفة ما إذا كان هذا الخيار قابلاً للتطبيق على المدى الطويل"، كما نقلت "سي تي في" عن الدكتورة إيفدوكيا أناغنوستو، علماً بأنها اختصاصية في التوحد كان مستشفى "سيك كيدز" استعان بها في تصميم التجربة.

كان بعض الأهل، مثل توميانوفيتش، متشككين في جدوى هذا الإجراء الطبي، لا سيما بالنظر إلى المخاطر التي ينطوي عليها وضع طفلك تحت التخدير في أثناء الجراحة.

وأقرت الدكتورة أناغنوستو بأن هذه المخاطر تستحق التحقق منها عند تحديد ما إذا كان إجراء جراحي على شاكلة جراحة دماغية يجدي نفعاً بالنسبة إلى العائلة، مع الاعتراف أيضاً بأن للأدوية آثارها الجانبية أيضاً.

"كثير من الأدوية التي نستخدمها للفاعلية المهلكة تطرح أحياناً قدراً كبيراً من الآثار الجانبية. لذا، إذا كان لدينا إجراء آمن نسبياً ونتجت عنه تأثيرات كبيرة... فمن المحتمل أن يغير الأهل طريقة تفكيرهم في الفائدة المحتملة"، قالت الدكتورة أناغنوستو لـ"سي تي في نيوز".

خضعت إيلي حتى الآن لثلاث جراحات بسيطة بغية استبدال البطارية التي تتحكم في الأقطاب الكهربائية، والموجودة في الجزء العلوي الأيمن من صدر الطفلة ذات السنوات التسع. ومن المقرر إجراء الجراحة البديلة التالية في سبتمبر المقبل، إذ تتطلب البطارية تغييرها ببطارية أخرى كل ستة أشهر.

أخيراً، في يونيو 2022، لم تواجه إيلي أي آثار جانبية خطيرة، وفق "سي تي في نيوز". ولا ينفك والداها يغدقون المديح على هذه الجراحة.

"مخيف جداً أن يغوصوا في أعماق رأسها وأن يتدلى من صدرها ذلك الجهاز الكبير، قالت والدة إيلي في تصريح إلى "سي تي في نيوز"... ولكن العلاج يستحق ذلك".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة