Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يعد إلغاء حق الإجهاض في أميركا ضربة موجعة لليسار؟

رهانات الديمقراطيين للاستفادة من الحكم في تغيير المشهد الانتخابي واهية

حكم إلغاء حق الإجهاض هز المجتمع الأميركي وكان له وقع الصدمة لكثيرين من الليبراليين واليساريين في الحزب الديمقراطي (أ ب)

أظهر الحكم الصادر من المحكمة العليا الأميركية بإلغاء حق الإجهاض بعد نحو نصف قرن من حمايته دستورياً، مشهداً جديداً لأمة مستقطبة، فمن الرئيس جو بايدن إلى قيادات الكونغرس، ومن الحشود المؤيدة والمناهضة للحكم إلى النقاشات الساخنة على وسائل الإعلام، كان هناك ابتهاج وترحيب للمحافظين والجمهوريين، وغضب وحزن من الليبراليين والديمقراطيين، فلماذا يعد هذا الحكم ضربة موجعة لليسار؟ وهل يمكن لهم تعويض هذه الخسارة؟

صدمة لليسار

على الرغم من أن حكم إلغاء حق الإجهاض كان متوقعاً منذ أن تم تسريب مسودة التصويت المبدئية قبل أسابيع، إلا أن الحكم هز المجتمع الأميركي، وكان له وقع الصدمة لكثيرين من الليبراليين واليساريين في الحزب الديمقراطي، ليس فقط لأنه جعل قوانين حظر الإجهاض التي أقرتها مسبقاً ولايات محافظة عدة، سارية بشكل فوري، بينما تستعد ولايات أخرى للحاق بها خلال أسابيع قليلة، ولكن أيضاً لأن الليبراليين يستشعرون خطراً من إلغاء سوابق أخرى يمكن أن تتخذها المحكمة العليا التي يسيطر عليها المحافظون، بخاصة بعدما دعا قاضي المحكمة العليا كلارنس توماس إلى إلغاء الحقوق الدستورية التي أكدتها المحكمة للحصول على وسائل منع الحمل وحقوق مجتمع "الميم".

مشاعر الصدمة والغضب عكسها رد الفعل السريع والغاضب من الإدارة الأميركية وكبار أعضاء الكونغرس، إذ اتهم الرئيس بايدن المحكمة العليا باتخاذ مسار متطرف وارتكاب خطأ مأسوي بقرارها إلغاء حكم "رو ضد وايد" الصادر عام 1973 بشأن حقوق الإجهاض، وقال إن المحكمة تعاقب المرأة التي تريد حماية نفسها من إنجاب طفل مغتصبها، أو نتيجة لسفاح القربى على حد وصفه، محذراً من تعرض حقوق أخرى للخطر.

أما نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب فقد انتقدت قرار المحكمة العليا الذي اعتبرته قراراً شائناً وقاسياً، ودعت الناخبين للتدفق إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل للتصويت لصالح الديمقراطيين، كما استنكر الرئيس السابق باراك أوباما قرار المحكمة الذي اعتبره مدمراً لحريات ملايين الأميركيين.

انتصار جمهوري

وبينما أطلق المشرعون والمرشحون الديمقراطيون للانتخابات التشريعية المقبلة، سيلاً من التصريحات الغاضبة والمتحدية، ووعدوا بجعل حقوق الإجهاض قضية حاسمة للناخبين، احتفل الجمهوريون بفوزهم في معركة استمرت عقوداً من أجل إنهاء ما اعتبره الليبراليون حقاً دستورياً للإجهاض، فقد أشاد زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بقرار المحكمة العليا ووصفه بأنه شجاع وبمثابة انتصار تاريخي للدستور لأنها صححت خطأ قانونياً وأخلاقياً فظيعاً، كما أعلنت المدعية العامة في ولاية ميسيسيبي لين فيتش التي طلبت من المحكمة العليا إلغاء حق الإجهاض، أن أميركا دخلت حقبة جديدة في التاريخ.

وردد زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي هذا الشعور، وغرد قائلاً، إن كل طفل لم يولد بعد يستحق الحماية، وإن هذا الحكم التاريخي سينقذ أرواح أبرياء لا تحصى.

نهاية البداية

ولأن حكم المحكمة العليا أعاد مسألة تنظيم الإجهاض إلى الهيئات المنتخبة في كل ولاية من الولايات الأميركية الـ 50، فقد بدأت معارك جديدة، واعتبر جيمس بوب جونيور، المستشار العام للجنة الوطنية لجماعة الحق في الحياة، الذي شن حملة ضد الإجهاض منذ عام 1973، أن المعارك السابقة كانت نصف مكتملة، لكن الآن هناك تشريعات نموذجية لحظر الإجهاض في كل ولاية، مع استثناءات فقط للحالات التي تشكل خطراً على حياة الأم، مؤكداً أن حكم المحكمة العليا ليس إلا "نهاية البداية"، كما قال رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ذات مرة، في إشارة إلى التيار المعارض الذي سيواجه التشريعات الجديدة.

 لكن بالنسبة لميني تيماراغو، رئيسة مؤسسة "نارال"، التي ناضلت من أجل قانون الإجهاض منذ الستينيات، فقد وصفت قرار المحكمة بأنه السيناريو الأسوأ، لكنه ليس نهاية هذه المعركة، فهناك انتخابات في نوفمبر، وسيتعلم السياسيون المتطرفون، أنهم حينما يعتدون على حقوقنا، فسوف نسلبهم مقاعدهم في الانتخابات.

تغيير لغة الخطاب

وعلى الرغم من أن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وصف قرار المحكمة بأنه واحد من أحلك الأيام التي شهدتها أميركا على الإطلاق، إلا أن الديمقراطيين يعتقدون أن الحكم يمكن أن يساعدهم على تغيير لغة الخطاب في المعركة الانتخابية بعيداً من التضخم وأسعار الوقود المرتفعة وشبح الركود وقضايا المهاجرين من الجنوب، إلى التركيز على مسألة الحقوق الإنجابية.

ويساعدهم في ذلك أن قاضي المحكمة العليا صامويل أليتو، كتب في رأيه عن الحكم، أنه إذا لم ترض النساء بقرار منح الولاية سلطة تقرير ما إذا كانت ستسمح بالإجهاض، فعليهن الإدلاء بأصواتهن والسعي للتأثير على العملية التشريعية من خلال تحريك الرأي العام، والضغط على المشرعين، والتصويت والترشح للمناصب، ولهذا بدأ بعض المرشحين الديمقراطيين لمجلس الشيوخ يحثون النساء على ممارسة تلك السلطة في صناديق الاقتراع في الخريف المقبل، ومنهم جون فيترمان، المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا، الذي أكد أن الحق في الإجهاض سيكون على ورقة الاقتراع في نوفمبر، كما قالت النائبة الديمقراطية المرشحة لمجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا فال ديمينغز، إنها سئمت من تسييس الحق في الخصوصية.

استطلاعات مخيبة للآمال

ومع ذلك، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة جاءت مخيبة لآمال الديمقراطيين، فحتى أولئك الذين يعارضون قلب قضية "رو ضد وايد"، عبروا عن اعتقادهم بأن قضية الاقتصاد الأميركي، تنال أولوية أكبر بالنسبة لتصويتهم، وعلى الرغم من أن الجمهوريين يواجهون بعض الأخطار، بسبب موقفهم المناهض للإجهاض الذي يتعارض مع معظم الناخبين، فضلاً عن أن معظم الأميركيين يعرفون أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء الذين أجهضوا في فترة من حياتهم، فإن تغيير المشهد السياسي في انتخابات التجديد النصفي لصالح الديمقراطيين تبدو بعيدة المنال.

في استطلاع أجرته قبل أيام صحيفة "يو أس إيه توداي" مع جامعة "سافولك" قبل صدور قرار المحكمة، اتضح أن الأميركيين الذين يعارضون إلغاء حقوق الإجهاض يقولون بنسبة 59 في المئة، إن الاقتصاد سيكون أكثر أهمية في تصويتهم في شهر نوفمبر، كما قال سبعة من كل 10، إن حكم المحكمة العليا لن يكون له أي تأثير على اختيارهم خلال الإدلاء بأصواتهم.

بدائل محدودة

وفي حين تعهد الرئيس بايدن بإصدار أوامر تنفيذية للحفاظ على الحق في إنهاء الحمل، إلا أن أي أمر تنفيذي يمكن أن يلغيه أي رئيس جمهوري قادم، كما أنه لا يمكن أن يعيد الإجهاض كحق دستوري، كما أن إصدار قانون من الكونغرس لن يكلل بالنجاح بالنظر إلى الأغلبية الضئيلة جداً للديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وهو ما حدث مرتين من قبل حول حقوق الإجهاض، إذ نجح الجمهوريون في مجلس الشيوخ في منع قانون حماية صحة المرأة المقترح، وإذا خسر الديمقراطيون الأغلبية في مجلس النواب أو فشلوا في الحصول على مقاعد أكثر في مجلس الشيوخ بعد الانتخابات النصفية المقبلة، فإن فرص تمرير أي تشريع يحمي حقوق الإجهاض ستبدو ضئيلة للغاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحتى إذا تحقق حلم الديمقراطيين بالحفاظ على سيطرتهم في مجلس النواب، وزيادة مقعد أو أكثر قليلاً في مجلس الشيوخ، فإن ذلك لا يضمن إقرار القانون إلا عبر إنهاء آلية التعطيل أو المماطلة المعروفة باسم "فليبيستر"، التي تحتاج إلى موافقة 60 صوتاً في مجلس الشيوخ لتمرير التشريعات، الأمر الذي يرفضه بعض الديمقراطيين مثل السيناتور جو مانشين، ويتردد آخرون في استخدامها لأنها تفتح الباب للجمهوريين لاستخدام الأسلوب نفسه وتمرير ما يرونه من تشريعات، حال سيطرتهم على مجلس الشيوخ.

معضلة المحكمة العليا

وعلاوة على ذلك، إذا كان الكونغرس قادراً على تمرير قانون يكرس الحق في الإجهاض لجميع الأميركيين، فسوف تظهر مشكلة أخرى، ويبدو من المؤكد أن الولايات المحافظة ستسعى إلى إلغاء القانون مثلما فعلت ولاية ميسيسيبي الآن، بدعوى أن الحكومة الفيدرالية تتجاوز سلطتها، وإذا أحيلت القضية إلى المحكمة العليا، فمن المتوقع أن القضاة المحافظين وعددهم حالياً ستة مقابل ثلاثة ليبراليين، سوف يرفضون أي محاولة لتقييد حقوق كل ولاية عندما يتعلق الأمر بالإجهاض، كما أن أي محاولة لسن قانون فيدرالي يقيد الإجهاض للجميع، قد يتعارض مع موقف المحكمة العليا بأنه ينبغي ترك الأمر للولايات لاتخاذ القرار.

وبينما هدد الديمقراطيون من قبل، بأنهم قد يتجهون إلى زيادة مقاعد المحكمة العليا أو تحديد فترة ولاية خدمة القضاة بسنوات محددة بدلاً من البقاء في مقعدهم مدى الحياة عبر إصدار قانون يقره الرئيس، وبما يسمح بإنهاء سيطرة المحافظين على المحكمة وانضمام قضاة ليبراليين أكثر إليها، إلا أن تساوي مقاعدهم من الجمهوريين في مجلس الشيوخ (50 – 50) واعتراض السيناتور الديمقراطي جو مانشين، لن يتيح لهم ذلك، إذ لن يكون باستطاعة نائبة الرئيس كامالا هاريس كسر التعادل في التصويت لتمرير القانون، لأن تعادل الأصوات لم يحدث أصلاً. 

ولا يعني هذا أنه لا يمكن حماية حق الإجهاض من خلال قانون، ولكن فقط لأن العملية السياسية الآن أصعب بالنسبة للديمقراطيين، كما أنه ليس هناك ما يضمن أن التشريع الذي يقره أي كونغرس، لن يتم إلغاؤه من قبل المشرعين في وقت لاحق.

 وحسب خبراء الدستور والقانون في الولايات المتحدة، فإن الحقوق بشكل عام تتمتع بحماية أكثر ديمومة إذا حكمت بها المحكمة العليا، إذ إن لها الكلمة الأخيرة بشأن ما يحميه ولا يحميه الدستور في ظل نظام الحكم الأميركي، إذ يُنظر إلى بعض الحريات على أنها أساسية للغاية، بحيث لا ينبغي ترك حمايتها لأهواء تغيير الأغلبية في نظام الحكم الديمقراطي.

ومع ذلك، كان يُنظر إلى ما تقرره المحكمة على أنه كاف لحماية الحق الدستوري، لكن رأي المحكمة العليا، يشير أيضاً إلى أن أحد حدود تلك الحماية ليس دائماً، لأن المحكمة العليا قد تلغي أحكامها السابقة كما حدث في إلغاء حكم "رو ضد وايد".

المزيد من تحلیل