Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرار المحكمة العليا يفجر قنبلة الإجهاض في الشارع الأميركي

قضاة عينهم ترمب لعبوا الدور الحاسم في القضية والجمهوريون يحتفلون بـ"انتصار تاريخي" وبايدن يصف 24 يونيو بـ"اليوم الحزين"

محتجون يتجمعون أمام المحكمة العليا في واشنطن بعد صدور القرار يوم الجمعة 24 يونيو الحالي (أ ف ب)

الجمعة 24 يونيو (حزيران) 2022، يوم أدخلته المحكمة العليا الأميركية في التاريخ، عبر قرار مزلزل ينهي الحق في الإجهاض ويقضي على نصف قرن من الحماية الدستورية في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأميركي، وتشكّل أبرز القضايا في المواجهات الانتخابية.

وألغت المحكمة القرار التاريخي المعروف باسم "رو ضد وايد" الذي صدر عام 1973 ليكرس حق المرأة في الإجهاض، وقالت إن بإمكان كل ولاية أن تسمح بالإجراء أو أن تقيده كما ترى، كما كان سائداً قبل السبعينيات.

وقالت المحكمة وأغلب قضاتها محافظون، إن "الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض، يُنقض (رو ضد وايد) وتعاد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الناس وممثليهم المنتخبين".

وتجمع خارج المحكمة العليا مئات الأشخاص بعضهم يذرف دموع الفرح والبعض الآخر يبكي حزناً، وسط إجراءات أمنية مشددة أقرت قبل صدور الحكم.

حراك يميني لـ50 عاماً

ومن المرجح أن يؤدي قرار المحكمة العليا إلى سن مجموعة قوانين جديدة في نحو نصف الولايات الأميركية الـ50، ستقيد بشدة عمليات الإجهاض أو تحظرها تماماً وتجرمها، ما سيجبر النساء على السفر لمسافات طويلة إلى الولايات التي لا تزال تسمح بهذا الإجراء.

وقال القاضي صمويل أليتو، إن الحكم في قضية "رو ضد وايد" في رأي غالبية قضاة المحكمة "خاطئ بشكل صارخ". وأضاف، "الإجهاض يمثل قضية أخلاقية عميقة يتبنى الأميركيون آراء متضاربة بشدة بشأنها"، وأردف أن "الدستور لا يحظر على مواطني كل ولاية تقنين أو حظر الإجهاض".

كما ذهب قاضي المحكمة العليا الأميركية المحافظ كلارنس توماس إلى أبعد من مسألة الإجهاض، داعياً إلى إلغاء قرارات المحكمة التي منحت الحق في زواج المثليين.

ويمثل الحكم انتصاراً لـ50 عاماً من حراك اليمين الديني ضد الإجهاض، ومن المتوقع الآن أن يواصل النشطاء الضغط من أجل حظره تماماً على مستوى البلاد.

ورفضت المحكمة الحجة التي استندت إليها قضية "رو ضد وايد"، ومفادها أن للنساء الحق في الإجهاض على أساس الحق الدستوري في الخصوصية على أجسادهن.

 

اعتراض ثلاثة قضاة

في المقابل، تعهدت منظمة "الأبوة المخططة" الرائدة في مجال توفير خدمات الإجهاض في الولايات المتحدة، بـ"عدم التوقف أبداً عن النضال" من أجل الحق في الإجهاض.

واعترض القضاة الثلاثة الليبراليون في المحكمة على الحكم الذي جاء غداة قيام المحكمة بتكريس حق المواطنين في حمل مسدس في الأماكن العامة. وقالوا، "أياً كان النطاق الدقيق للقوانين المقبلة، فإن نتيجة قرار اليوم المؤكدة هي تقييد حقوق المرأة".

وكانت القضية المعروضة أصلاً على المحكمة تتعلق بقانون في ولاية ميسيسيبي يقيد الإجهاض خلال 15 أسبوعاً من الحمل، لكن أثناء النظر في القضية في ديسمبر (كانون الأول)، أشار عدد من القضاة إلى استعدادهم للمضي أبعد من ذلك.

دور ترمب

وبعد 17 شهراً من تركه المنصب، حقق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وعداً انتخابياً في قضية الإجهاض.

وخلال رئاسته عين ترمب ثلاثة قضاة هم القاضي نيل غورساتش في عام 2017 والقاضي بريت كافانو في عام 2018 والقاضية إيمي كوني باريت في عام 2020. وكان من شأن ذلك أن المحكمة التي كانت تتكون من أربعة قضاة محافظين مقابل أربعة قضاة ليبراليين في بداية حكم ترمب صارت بها أغلبية راسخة من القضاة المحافظين عددها ستة قضاة مقابل ثلاثة قضاة ليبراليين عند نهاية رئاسته.

وكان القضاة الثلاثة الذين عينهم ترمب من بين الأغلبية التي أبطلت الحكم في قضية "رو ضد وايد". وفي الشهر السابق على انتخابه رئيساً في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016 وعد ترمب، خلال مناظرة مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بتعيين قضاة يلغون الحكم في قضية "رو ضد وايد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال ترمب في ذلك الوقت "حسناً، إذا عينا اثنين أو ربما ثلاثة قضاة آخرين، فإن ذلك (إلغاء حكم رو)... سيحدث تلقائياً في رأيي لأنني أضع قضاة مؤيدين للحياة في المحكمة". ولاقت النغمة التي تحدث بها ترمب هوى في نفوس الناخبين المسيحيين المحافظين الذين صاروا كتلة انتخابية رئيسة خلال رئاسته.

"نصر للحياة"

وقال ترمب في بيان أصدره الجمعة "القرار (الحكم) الذي صدر اليوم الجمعة، وهو أكبر نصر للحياة خلال جيل، بالإضافة إلى قرارات أخرى أُعلنت في الآونة الأخيرة لم تكن لتصدر إلا لأنني فعلت كل شيء كما وعدت به، بما في ذلك تعيين ثلاثة قضاة أجلاء وهم دستوريون أقوياء والحصول على التأييد لتعيينهم (في الكونغرس) في المحكمة العليا للولايات المتحدة".

وأضاف "لي عظيم الشرف أنني فعلت هذا". كما صار ترمب في 2020 أول رئيس أميركي يحضر المسيرة من أجل الحياة التي ينظمها سنوياً في واشنطن مناهضو الإجهاض في وقت قريب من ذكرى الحكم في قضية "رو ضد وايد".

وقال ترمب أمام المشاركين في المسيرة بينما كان يروج على وجه التحديد لتعييناته في المحكمة العليا "الأطفال الذين لم يولدوا لم يكن لهم في أي وقت سابق مدافع عنهم في البيت الأبيض". 

حقوق "ستطرح في الانتخابات"

وبعد صدور قرار المحكمة، توالت ردود الفعل من مختلف الأطياف السياسية. وانتقد الرئيس الأميركي جو بايدن القرار، وقال إن صحة وحياة النساء في بلاده أصبحت الآن في خطر. وأضاف في خطاب في البيت الأبيض بعد صدور الحكم، "إنه يوم حزين للمحكمة وللبلاد".

وتعهد بايدن بمواصلة الكفاح من أجل الحقوق الإنجابية، وقال إنه ليس هناك أمر تنفيذي يمكنه ضمان حق المرأة في الاختيار. وحث الناخبين على التصويت لصالح النواب الذين سيعملون في الكونغرس على تقنين حقوق الإجهاض كقانون أساسي في عموم البلاد. وقال بايدن، "هذا الخريف التصويت على رو. الحريات الشخصية هي محل التصويت". وشدد على أن تكون الدعوة لأي احتجاجات سلمية، وقال "لا ترهيب. العنف ليس مقبولاً على الإطلاق".

وفي صفوف الديمقراطيين، قالت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، في بيان، "هذا الحكم القاسي شائن ومؤلم. ثقوا تماماً أن حقوق النساء وجميع الأميركيين ستطرح في الاقتراع (انتخابات التجديد النصفي للكونغرس)"، في نوفمبر.

وقال وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند، إن وزارته ستستخدم كل الوسائل الموجودة تحت تصرفها لحماية الحرية الإنجابية، وإن الوكالات الاتحادية قد تستمر في تقديم خدمات الصحة الإنجابية إلى أقصى حد يسمح به القانون الاتحادي. وأضاف غارلاند في بيان، "هذا القرار يوجه ضربة قاصمة للحرية الإنجابية في الولايات المتحدة. سيكون له تأثير مباشر لا رجعة له في حياة الناس في جميع أنحاء البلاد... سيكون تأثيره غير متناسب إلى حد كبير في ظل الأعباء الكبرى التي يتحملها الأشخاص من غير أصحاب البشرة البيضاء، وذوي الموارد المالية المحدودة".

الرئيس السابق باراك أوباما قال بدوره، "اليوم، لم تبطل المحكمة العليا سابقة تعود إلى ما يقرب من 50 عاماً فحسب، بل عطلت القرار الشخصي، الأكثر قوة، الذي يمكن لأي شخص اتخاذه لحساب أهواء السياسيين وأصحاب الأيديولوجيات... هذا هجوم على الحريات الأساسية لملايين الأميركيين".

"انتصار" الجمهوريين

من جهته، قال زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، في بيان، "هذا انتصار تاريخي للدستور وللطرف الأضعف في مجتمعنا... (القرار) شجاع وصحيح".

نائب الرئيس السابق مايك بنس قال بدوره في بيان، "اليوم، الحياة فازت. بإلغاء قضية رو ضد وايد، أعطت المحكمة العليا للولايات المتحدة الشعب الأميركي بداية جديدة للحياة، إنني أثني على القضاة في الأغلبية لشجاعتهم في قناعاتهم". وأضاف، "بعد أن أتيحت لنا هذه الفرصة الثانية للحياة، يجب ألا نرتاح، ولا يجب أن نلين حتى تتم استعادة قدسية الحياة إلى مركز القانون الأميركي في كل ولاية في البلاد".

كما ذهب قاضي المحكمة العليا الأميركية المحافظ كلارنس توماس أبعد من الإجهاض، داعياً إلى إلغاء قرارات المحكمة التي منحت الحق في زواج المثليين.

خيبة أمل

خارجياً، اعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن إلغاء حق الإجهاض في الولايات المتحدة يمثل "ضربة هائلة للحقوق الإنسانية للنساء". وقالت ميشيل باشليه في بيان، إن "الحق في الاجهاض الآمن والقانوني والفاعل متجذر بعمق في القانون الإنساني الدولي وهو في صلب استقلالية النساء وقدرتهن على القيام بخياراتهن بأنفسهن"، مبدية أسفها لقرار "يشكل تراجعاً كبيراً".

وعبّر مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن خيبة أمل بالغة بسبب القرار الأميركي. وقال لـ"رويترز" على هامش قمة للكومنولث تعقد في رواندا، "أشعر بخيبة أمل بالغة لأن حقوق النساء واجبة الحماية. وكنت أتوقع أن تحمي أميركا مثل تلك الحقوق".

كما اعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن قرار المحكمة العليا الأميركية "خطوة كبيرة للوراء". وقال في مؤتمر صحافي في كيغالي، "إنه قرار مهم للغاية. ينبغي أن أقول لكم إنه، في اعتقادي، خطوة كبيرة إلى الوراء". وأضاف، "أؤمن على الدوام بحق المرأة في الاختيار ورأيي لم يتغير".

أما الأكاديمية الباباوية من أجل الحياة فأشادت بقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة وقالت إنه "يتحدى العالم أجمع" في ما يخص قضايا الحياة. وقالت الأكاديمية في الفاتيكان في بيان، إن الدفاع عن الحياة البشرية لا يمكن أن يتم حصره في حقوق فردية لأن الحياة أمر "له أهمية اجتماعية واسعة".

"أكثر فتكاً"

من جانبه، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن فرض قيود على هذا الإجراء لن يؤدي إلى منعه "بل سيجعله أكثر فتكاً".

وقال المتحدث ستيفان دوجاريك للصحافيين "الصحة الجنسية والإنجابية والحق فيهما أساس الحياة القائمة على الاختيار والتمكين والمساواة للنساء والفتيات في العالم.. فرض قيود على الإجهاض لا يمنع الناس من السعي للإجهاض، بل يجعله أكثر فتكاً".

وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهي وكالة الصحة الجنسية والإنجابية التابعة للأمم المتحدة إن "45 في المئة من كل عمليات الإجهاض في العالم غير آمنة، مما يجعلها سبباً رئيساً لوفيات الأمهات". 

الرأي العام

وبحسب استطلاع أجرته "رويترز" مع شركة "إبسوس" قبل صدور قرار المحكمة العليا، يقول نحو 71 في المئة من الأميركيين، من بينهم أغلبية من الديمقراطيين والجمهوريين، إن قرارات إنهاء الحمل يجب أن تُترك للمرأة وطبيبها بدلاً من أن تنظمها الحكومة.

لكن هذا الدعم ليس مطلقاً، إذ قال نحو 26 في المئة ممن تم استطلاع آرائهم، إن القانون يجب أن يتيح الإجهاض في كل الأحوال، فيما قال عشرة في المئة، إن القانون يجب أن يجرمه في كل الأحوال. وقال أكثر من نصف من استطلعت آراؤهم، ويبلغ عددهم 4409 أشخاص، إن القانون يجب أن يتيح الإجهاض في بعض الحالات ويجرمه في حالات أخرى.

المزيد من دوليات