Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هزيمة ماكرون تضعف فرنسا وتداعياتها تؤثر في أوروبا

الفرنسيون أحجموا عن التصويت وأوقعوا بلادهم في إغراءات سياسية أخرى

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لاين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (في الوسط) ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أثناء وصولهم إلى مؤتمر للاتحاد الأوروبي في بروكسل بتاريخ 23 يونيو 2022 (أ ب)

تلقّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هزيمة سياسية في انتخابات أعضاء "الجمعية الوطنية" National Assembly المكونة من نواب المجلس التشريعي، في سياق محاولته الفوز بغالبية مقررة في البرلمان الفرنسي.

وتبيّن من النتائج أن الحزب الأكبر بات حزب من لم يقترعوا لأي نائب، بعد إخفاق ماكرون ومنافسَيه الرئيسيَين، مارين لوبن من اليمين المتطرف المناهضة لأوروبا والموالية لبوتين، وجان لوك ميلانشون من اليسار المتطرف المناهض لأوروبا والمؤيد لبوتين، في إقناع الناخبين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت.

وتواجه الديمقراطية الآن في فرنسا تحدياً حقيقياً، مع عدم وجود قادة فرنسيين أو حركات سياسية قادرة على بث الحماسة لدى الناخبين.

وتتجه البلاد الآن نحو ولاية ثانية لماكرون، من دون رسالة سياسية واضحة من الناخبين، إذ لم يعُد الفرنسيون معجبين بليبرالية رئيسهم التكنوقراطية، بمقدار عدم ميلهم إلى تقبل سياسات صارمة "كوربينية" (نسبة إلى جيريمي كوربين الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني) تجنح نحو اليسار، أو قومية تجرّهم إلى اليمين، على غرار حزب المحافظين البريطاني الذي لديه مخاوف من أوروبا.

لقد تناوبت الأحزاب الكلاسيكية في فرنسا على السلطة عبر اشتراكيين كالرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران أو فرانسوا هولاند، ويمين الوسط كالرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، لكن وجودها ودورها انحسرا.

وبات واضحاً أن هناك الآن فراغاً سياسياً كبيراً في فرنسا. لقد بات ماكرون رئيساً لمدة خمس سنوات، لكن بلا تفويض كامل وبنسبة تأييد أكثر من 30 في المئة من الناخبين. ولا يوجد في البلاد وسيط سياسي أو رابطات من المجتمع المدني بين المواطنين وبين الرئيس شبه الملكي. وفيما تُعدّ النقابات العمالية الحلقة الأضعف بين أقرانها في أوروبا، فإن الصحافة الفرنسية، لا سيما منها وسائل الإعلام المرئية بشكل متزايد، تعلّق على التطورات، لكن مع عدد محدود من التقارير.

وما زال رؤساء بلديات المدن الفرنسية الكبرى الذين كانوا يتمتعون سابقاً بسلطات قوية، يحكمون بفعل الائتلافات، لكنهم باتوا خيالاً شاحباً للقوة السياسية التي كانوا عليها في الماضي. فقد أسس ماكرون ديمقراطية سياسية جديدة بلا أحزاب سياسية قادرة على الفوز بغالبية شعبية تمارس الحكم. وكل ما تبقّى للمواطن الآن هو النزول إلى الشارع، بحيث يمكن أن نتوقع مزيداً من حالات الغضب الشعبي في الشوارع في فترة الأعوام الخمسة المقبلة من الولاية الثانية لماكرون. وستنطلق المعركة على الخلافة قريباً، بحيث يبدأ الخلفاء المحتملون لماكرون على رئاسة البلاد، في تنظيم حملاتهم للفوز بالكرسي في 2027. وبوضوح، تركت صحافة النخبة الإنجليزية والأميركية إيمانويل ماكرون في منتصف الطريق، بعد الحماسة الأولية للانقلاب السياسي الديمقراطي الجريء الذي نهض به عام 2017. من ثم، نجح الرئيس الشاب في دفع أحزاب سياسية فرنسية راسخة إلى مزبلة التاريخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعد بإعادة نبض الحياة إلى أوروبا، لكن قرارات الاتحاد الأوروبي ظلت تُتخذ أولاً على أساس المصالح الوطنية للدول الأعضاء التي لا تملك سوى الحد الأدنى من القاسم المشترك الأوروبي. وفي نهاية الأعوام الخمسة لفترة الحكم الأولى لماكرون، بدا الاتحاد الأوروبي أقل شبهاً بدولة عظمى قوية، ادعى بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني أنها ستقضي على السيادة الوطنية لدول الكتلة. وحينما أبلغ الرئيس الفرنسي أعضاء البرلمان الأوروبي الشهر الماضي بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن ينتقل إلى مزيد من التصويت بالغالبية، هتفوا له مؤيدين، لكن 13 رئيساً للوزراء عادوا ونشروا رسالة مشتركة رفضوا فيها اقتراحه.

في سياق متصل، إن جهود ماكرون لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتفادي العنف الوحشي في أوكرانيا أو السماح بشحن [تصدير] الحبوب لتجنّب مجاعة في أميركا الشمالية، كانت موضع ازدراء من جانب سيد الكرملين. والآن، بات يتعين على الرئيس الفرنسي تقبل الحقيقة المرة القائلة إن وارسو ولندن وهلسنكي [عواصم بولندا وبريطانيا وفنلندا على التوالي]، قد يكون لديها فهم أفضل للتهديد الذي تمثله روسيا بوتين على أوروبا، أكثر بكثير من جميع العباقرة الدبلوماسيين في الـ"كي دورسيه" [مقر وزارة الخارجية الفرنسية].

في المقابل، بالنسبة إلى بريطانيا، يمكن القول إنها لا تستسيغ فرنسا أكثر ضعفاً. فلطالما كان شاغل بوريس جونسون وأنصاره الصحافيون التهكم على ماكرون أو الاستهزاء به. وكذلك، فإن ازدراء فرنسا يجدي نفعاً في مناطق "الجدار الأحمر" في إنجلترا [تقع وسط إنجلترا وشمالها وكانت تصوت تقليدياً لحزب العمال لكن المحافظين فازوا بها في آخر انتخابات]. وفي وقت سابق، لام رئيس الوزراء البريطاني فرنسا على عبور لاجئين القنال الإنجليزي إلى سواحل مقاطعة كِنت. وهدد بإرسال سفن حربية لاعتراض زوارق الصيد العائلية الفرنسية التي كانت تصطاد في المياه البحرية لقرون من الزمن. وكذلك ادعى جونسون أن سياسة فرنسا في لقاحات كورونا كانت "معادية لبريطانيا" (في حين أن الولايات المتحدة كانت هي التي ترفض السماح باستخدام لقاح "أكسفورد - أسترازينيكا" البريطاني حتى ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي).

ويصف معظم الدبلوماسيين العلاقات بين باريس ولندن الآن، بأنها في أدنى مستوياتها منذ نحو قرنين من الزمن. لكن ضعف الرئيس إيمانويل ماكرون سياسياً لا يساعد في حل المشكلات المتراكمة التي نشأت على أثر اتفاق الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست). وقد تفاقمت المشكلات سواء مع الخلاف على بروتوكول إيرلندا الشمالية، أو السماح لعلماء وموسيقيين بريطانيين بالارتباط بمعاهد أبحاث فرنسية، أو المشاركة في مهرجانات الفنون خلال فصل الصيف.

ومن المؤكد أن الموقع المتزايد ضعفاً لماكرون الذي لم يعُد يحظى بإعجاب أو احترام، بل لم يعُد محبوباً حتى، ضمن الدول التي تعتمد الإنجليزية لغتها الأساسية، ما سيدفعه إلى اتخاذ مواقف دفاعية وانفعالية في التعامل مع بريطانيا.

لقد استمرت الشراكة الأوروبية والتكامل بين دول الكتلة على مدى 60 عاماً مرتكزة على فرنسا يتمتع رئيسها بسلطات ديمقراطية كاملة منحه إياها مواطنوه. والآن، تغيّر هذا الواقع.

قد يبتهج أصحاب رهاب ماكرون في بريطانيا، لكن فرنسا التي لم تعُد تقبل على التصويت، ستقع فريسة إغراءات سياسية أخرى تشكل خطورة على أوروبا، وعلى الاستقرار البريطاني، في وقت نواجه تحديات مخيفة مثل الهجمات الروسية - الصينية على الديمقراطية والحرية، وارتفاع معدلات التضخم والفقر والجوع في عالم بات يهيمن عليه عدد متنامٍ من أصحاب المليارات أكثر من أي يوم مضى. ويضاف إلى ذلك تزايد عدد الدول التي يفضل فيها الناخبون منح أصواتهم لشعبويين صاخبين على غرار بوريس جونسون ودونالد ترمب وجايير بولسونارو [في البرازيل] وناريندا مودي [في الهند].

* دنيس ماكشاين وزير دولة بريطاني سابق لشؤون أوروبا في حكومة حزب "العمال"

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 22 يونيو 2022

© The Independent

المزيد من آراء