Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ظاهرة هجرة الأطباء من المغرب أزمة متفاقمة تستدعي حلا

يجب العمل على تحسين ظروف ممارسة المهنة داخل البلاد وجعلها أمراً جاذباً

واحد من كل ثلاثة أطباء مغاربة تقريباً يمارس مهنة الطب خارج البلاد (أ ب)

يتجدد السجال حول هجرة الأطباء وخريجي كليات الطب والصيدلة في المغرب إلى الخارج، كلما أورد مسؤول حكومي أو مؤسسة رسمية أرقاماً أو إحصاءات بشأن هذه الظاهرة التي صارت تقض مضاجع المختصين والمسؤولين على حد سواء.
وكشف وزير التعليم العالي المغربي، عبد اللطيف ميرواي، عن أن عدد الأطباء الذين يتخرجون سنوياً في المغرب يصل إلى 1400 طبيب، "نصفهم يهاجر إلى أوروبا"، مبرزاً أن "الدول الأوروبية ترحب باستقدام الأطباء المغاربة المتخرجين، بدليل أن ألمانيا علقت منح التأشيرة لجميع الوافدين خلال الجائحة باستثناء الطلبة الأطباء المغاربة".
وكشفت أرقام وصفها كثيرون بالصادمة، تضمنها تقرير حديث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية تعنى بكل أشكال حقوق الإنسان)، أنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يمارسون مهنتهم في البلاد، يوجد ما بين عشرة آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسونها في الخارج، بخاصة في الدول الأوروبية.
وتدق هذه المعطيات والأرقام ناقوس الخطر بشأن هجرة الأطباء أو الطلبة الأطباء المتخرجين في كليات الطب والصيدلة صوب بلدان أوروبا وأميركا، وهو ما دفع الحكومة المغربية إلى محاولة تدارك تداعيات هذا النزيف باعتماد قرارات وإجراءات تروم تحسين وضعية الطبيب المغربي، حتى لا يختار الهجرة إلى الخارج.

أرقام مفزعة

وسارت تصريحات وزير التعليم العالي المغربي في سياق "القلق والتحذير" نفسه الذي أبدته مؤسسات رسمية ودراسات ميدانية من تضخم هجرة الأطباء وخريجي كليات الطب إلى الخارج خلال السنوات الأخيرة. وشكلت الأرقام التي كشف عنها تقرير حديث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ناقوس خطر كبير داخل المجتمع المغربي، حيث أفاد بأنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يزاولون المهنة بالمغرب، يوجد ما بين عشرة آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسون في بلاد المهجر، خصوصاً في أوروبا.
ووفق التقرير الرسمي ذاته، فإن واحداً من كل ثلاثة أطباء مغاربة تقريباً يمارس مهنة الطب خارج البلد، على الرغم من الحاجة الملحة في المغرب إلى كل أطبائه وإلى مزيد منهم.
ولفت المصدر ذاته إلى مشكل آخر يتمثل في "التوزيع غير المتكافئ لهذه الكوادر الطبية على التراب الوطني"، ذلك أن أكثر من نصف الأطباء يعملون في محور "الجديدة - الدار البيضاء - الرباط - القنيطرة، كما أن ثلثي المهنيين الصحيين يتمركزون في أربع جهات من المملكة، في حين يتوزع الثلث الباقي على ثمانية جهات أخرى (يضم المغرب 12 جهة، وكل جهة تضم محافظات وأقاليم).
وسبق لتقرير برلماني صدر في صيف عام 2021، أن سجل هجرة أكثر من سبعة آلاف طبيب مغربي، وأن عدد الأطباء المهاجرين في عام 2018 لم يكن يتجاوز 603 أطباء، ليتضخم العدد بشكل لافت خلال سنوات قليلة.
في السياق، سبق للمجلة الأوروبية للصحة العامة أن نشرت دراسة جاء فيها أن 71.1 في المئة من طلاب السنة الختامية في كلية الطب بالمغرب ينوون الهجرة.

دوافع الهجرة

ويعزو متخصصون ارتفاع نزيف هجرة الأطباء المغاربة إلى الخارج إلى عدد من العوامل الذاتية والموضوعية، يوجزها علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، في "ظروف العمل الشاقة وهزالة الأجور والتعويضات وغياب الحوافز المادية". ويشرح "بعد سبع سنوات من التحصيل العلمي وانتظار سنتين في الأقل، يجتاز الطبيب مباراة التوظيف ليتم تعيينه في مناطق بعيدة تفتقر إلى الحد الأدنى لشروط الحياة والعمل المهني والعيش الكريم، وبأجر شهري لا يتجاوز 840 دولاراً". وزاد لطفي "قلة الأطباء المتخصصين تفرض على أغلبهم العمل ساعات إضافية (دوام الحراسة) بخاصة أطباء النساء والتوليد، وبسبب الإرهاق البدني والنفسي الذي يصل إلى حد الاكتئاب، يتجه عدد كبير منهم إلى طلب الإعفاء النهائي وتقديم الاستقالة، والهجرة".

من جهته، يرى الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن "الراتب ليس هو السبب الوحيد والرئيس في هجرة الأطباء المغاربة إلى الخارج، بل أيضاً ظروف العمل وظروف التكوين التي لا تتيح للطبيب التطور المهني والمعنوي والرقي الاجتماعي".

ووفق حمضي، فإن سبباً رئيساً آخر يسهم في مغادرة الأطباء المغاربة للبلاد نحو بلدان أوروبا وأميركا، يتمثل في صورة الطبيب النمطية داخل المجتمع"، مشيراً إلى أن "هذه الصورة الرائجة عن الطبيب لا تساعده على البقاء لممارسة المهنة داخل البلاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تداعيات على الوضعية الصحية

ويتخوف مراقبون ومهتمون بالشأن الصحي في المغرب من التداعيات الخطيرة لـ"نزيف الأطباء المغاربة إلى الخارج"، وهو ما يشرحه حمضي بالقول إنه "لا يمكن لأي منظمة صحية أن تكون جيدة وناجعة من دون توافر عدد كافٍ من الأطباء والمهنيين العاملين في المجال الصحي.

وأردف حمضي أن "مشروع تعميم التغطية الصحية الذي أعلن عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس سيزيد الضغط على كاهل الأطباء داخل البلاد، حيث إن التغطية ستشمل زهاء 36 مليون مغربي، وهو عبء ثقيل على الموارد البشرية الحالية".

ولفت المتحدث إلى مسألة الانتقال الديموغرافي أيضاً داخل المجتمع المغربي، فإن كل مواطن مغربي من بين كل عشرة مواطنين، بلغ أكثر من ستين سنة من العمر، وهذا الرقم سيتضاعف ثلاث مرات في أفق عام 2050، وهو ما يعني توجهاً نحو شيخوخة المجتمع، بالتالي الحاجة إلى أطر صحية إضافية.

واستطرد الباحث إلى أن هناك أيضاً مشكلاً آخر يتجسد في الانتقال من الأمراض السارية إلى الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجات طويلة الأمد ومتعددة التخصصات (مريض واحد يستوجب علاجات القلب والكلى والعيون... إلخ)، الشيء الذي يستوجب الحاجة إلى مزيد من الأطر الصحية في خضم واقع هجرة الأطباء إلى الخارج.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أنه إذا كان 23 ألف طبيب مغربي يمارسون المهنة داخل البلاد، فإن هناك حاجة إلى 32387 طبيباً إضافياً حسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، كما أن المغرب بحاجة إلى أكثر من 64774 عاملاً صحياً.

استيراد أطباء؟

وأمام معضلة هجرة الأطباء المغاربة إلى أوروبا وأميركا تحديداً، عمدت الحكومة المغربية أخيراً إلى البحث عن حلول لوقف النزيف، ومحاولة "منع" الأطباء الممارسين أو الأطباء المتخرجين حديثاً في كليات الطب من ترك البلاد.

وهكذا أعلن وزير الصحة المغربية خالد آيت الطالب، أمام مجلس النواب في أبريل (نيسان) الماضي، عن مجموعة تدابير لمواجهة هجرة الأطباء، منها "مراجعة وضعية وظروف عمل الأطباء وإصلاح وضعية ممارسة المهنة من خلال توسيع مجالات التدريب بالمستشفيات الجامعية الجديدة.

ومن الحلول الحكومية المتوخاة أيضاً رفع أجور الأطباء والعاملين الآخرين في القطاع الصحي بدءاً من عام 2023، وأيضاً إعادة هيكلة المنظومة الصحية لإعادة الاعتبار لمهنة الطبيب حتى تكون أكثر جذباً، فضلاً عن رفع مقاعد الطلبة المسجلين في كليات الطب والصيدلة.

وتفكر الحكومة المغربية أيضاً في جلب و"استيراد" أطباء أجانب خصوصاً من القارة الأفريقية لسد النقص الفادح في المواد البشرية في المستشفيات المغربية، وهو ما صادق عليه البرلمان بالإجماع في أواخر يونيو (حزيران) 2021.

استيراد أطباء أجانب لمواجهة هجرة الأطباء المغاربة، يراه الباحث في السياسات الصحية الطيب حمضي، "حلاً غير مجدٍ"، شارحاً بأنه لا توجد دولة في العالم يهاجر أطباؤها وهي تستورد أطباء أجانب.

وشدد حمضي على أنه "لو كانت البلاد تمتلك الإمكانات الكافية لحافظت على أطبائها حتى لا يهاجروا إلى الخارج، وأن يظلوا في البلاد"، مشيراً إلى أن "الحلول تتمثل في تحسين ظروف العمل وتكوين عدد كبير من الأطباء، وجعل القطاع الطبي جذاباً بهدف عودة الأطباء المغاربة الذين يمارسون في الخارج إلى البلاد".