أصدرت جهات أمنية في الجزائر الخميس 20 يونيو (حزيران) 2019، 20 قراراً جديداً بالمنع من مغادرة الجزائر، بحق شخصيات سياسية ومالية، في سياق استمرار ما تسميه وزارة الدفاع "محاربة أتباع العصابة الفاسدين إلى النهاية". ووضعت الأخيرة مقاربة تقول بـ "محاربة الفساد تحضيراً للرئاسيات"، ما يعني أن الموعد الانتخابي قد يتحول إلى خلاص في حد ذاته لـ "أفراد العصابة".
وتبدو قضايا الفساد المطروحة في الجزائر هذه الأيام، بدءاً من المثول اليومي لكبار المسؤولين وصولاً إلى قرارات جديدة بمنع مغادرة التراب الوطني في حق قوائم إضافية، كأنها بديل الهدف منه إبعاد الملف السياسي عن لب النقاشات، لا سيما مسألة الرئاسيات المقبلة، إذ ألغي موعد الرابع من يوليو (تموز) 2019، من دون أن يكشف رئيس الدولة المؤقت عن موعد جديد.
ومثل الخميس 19 يونيو، كل من الوزير الأول السابق أحمد أويحيى والوزير الأول السابق عبد المالك سلال، أمام محكمة سيدي أمحمد، في قضايا متصلة بأفراد من عائلة "كونيناف"، ويكون أويحيى بذلك قد استدعي خمس مرات متتالية، في حين أنه الاستدعاء الثاني لسلال، وأحيلت ملفات كل من الوزير السابق بدة محجوب ويوسف يوسفي إلى المحكمة العليا.
أما الوزير السابق عبد السلام بوشوارب والذي استدعي إلى التحقيق، فلم يستجب لاستدعاءات مصالح الدرك والعدالة، وهو ما يضعه في خانة الفارين من العدالة، نظراً لوجوده في لبنان.
وبات واضحاً أن ملفات الفساد لا تشمل الفترة الأخيرة في حكم بوتفليقة، فقد قررت النيابة العامة لمحافظة تلمسان (500 كلم غرب العاصمة)، استدعاء وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي ووالي تلمسان السابق عبد الوهاب نوري، في إطار التحقيق في تهم متعلقة بتضخيم فواتير تنظيم تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2011. وفي سياق متصل قال مصدر رسمي إن "المحكمة العليا قررت إعادة فتح الملف من جديد أي الحكم بالنقض، وإحالته إلى محكمة ابتدائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرئاسيات في أقرب وقت... لكن بعد تطهير الفساد
ألقى نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، في أحد خطاباته الثلاثة الأسبوع الحالي، بجملة لم تلق حقها من التحليل والمتابعة، فقد ربط مباشرة بين التحضير للانتخابات الرئاسية "في أقرب وقت" وتطهير الفساد. وإن يبدو هذا الكلام منطقياً، نظراً لخشية المؤسسة العسكرية أن يؤثر "أتباع العصابة" على مسار الرئاسيات، فإنه في الوقت نفسه يعرض عليهم ضمنياً، الاستعانة بالخيار الدستوري، عل وعسى يقدم الموعد الرئاسي، انتخاب رئيس شرعي بنظرة مغايرة لمتابعة الملفات القضائية.
وقال قايد صالح إن "إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن وفي أحسن شروط الشفافية والصدقية، يمثل عنصراً أساسياً تستوجبه الديمقراطية الحقيقية التي لا يؤمن بها، مع الأسف الشديد، بعض أتباع المغالاة السياسية والأيديولوجية، الذين يعتبرون أن الانتخابات هي خيار وليست ضرورة، وذلك هو قمة التناقض الفكري والسياسي، فأي ديمقراطية من دون انتخابات حرة ونزيهة، إلا إذا كانت الديمقراطية تعني الانغماس في مستنقع التعيين".
أما في ما يخص محاربة الفساد فقال أحمد قايد صالح، "انطلاقاً من ألا حدود لنطاق مكافحة الفساد ولا استثناء لأي كان، فإن هذا النهج هو الذي ستسهر المؤسسة العسكرية على انتهاجه بكل عزم، في سبيل تمهيد الطريق أمام تخليص الجزائر من دنس الفساد والمفسدين، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة".
وهذا الكلام يعني بالنسبة لكثير من الشخصيات التي تخشى "مقصلة العدالة" أن الأمل الوحيد بين يديها، وهو غير مضمون في الوقت ذاته، التوقف عن إثارة أي عراقيل في طريق الرئاسيات، وانتظار وجهة نظر الرئيس المنتخب شرعياً، كما تصفه قيادة الجيش. ومع ذلك، فإن توافرت ظروف انتخابات شفافة وشرعية، ليس بإمكانها إلا جلب شخصية تؤمن بمحاربة "العصابة"، استجابة لمطالب الجزائريين بشكل جماعي، لا غبار عليه.
الرئيس المؤقت لم يستدع بعد "الهيئة الناخبة"
يترقب الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، إشارات جديدة من الشارع والطبقة السياسية، قبل استدعاء الهيئة الناخبة للرئاسيات من جديد. فالمرة الثالثة لتوجيه الدعوة للناخبين ليست كالمرات السابقة، فالخطأ ممنوع في تقدير الظرف السياسي وتبعاته. وربما يجري استدعاء الهيئة الناخبة، في حال استجابة فعاليات المجتمع المدني والنخب السياسية، لفكرة الحوار غير واضحة المعالم إلى الآن، فيجهل لحد الساعة من سيحاور من؟ وهل سيكون بن صالح الراعي للحوار أم جهة أخرى؟
ويبدو رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، في أريحية من أمره، في ما يخص نهاية ولايته الدستورية المترتبة عن استقالة بوتفليقة في التاسع من يوليو (تموز) المقبل. وقد حظي الرجل بفتوى دستورية أتاحت تمديد ولايته، بل واقترنت نهايته بتاريخ الرئاسيات المقبلة.
وتبدو أريحية بن صالح في الاستمرار على رأس الدولة، في اللقاءات التي يعقدها تباعاً مع الوزير الأول نور الدين بدوي، آخرها عقد الأربعاء 19 يونيو، في مقر رئاسة الجمهورية بالمرادية في العاصمة.
ونقل مصدر رسمي عن رئاسة الجمهورية أن "المباحثات بين بن صالح وبدوي تطرقت إلى مواضيع عدة تهم الشأن العام وآخر التطورات، في ما يخص ملف الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات والدعوة للحوار والتشاور التي دعا إليها رئيس الدولة".
رئاسيات قبل نهاية العام
تقول مراجع مطلعة إن "المؤسسة العسكرية رفضت في نقاشات داخلية، أن تؤجل الرئاسيات إلى ما بعد نهاية السنة الحالية"، وتقترح لذلك موعدين "إما في خريف عام 2019 أي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) أو أجل أخير في حال توافرت الظروف كافة وتوافقت الطبقة السياسية وأيضاً الحراك الشعبي، وذلك نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2019، ما يعني رفض مقترح تمديد الفترة الانتقالية، ولو بقيادة بن صالح نفسه (انتقالية في إطار الدستور)، لأكثر من ستة أشهر.
وضغطت الرئاسة الجزائرية على البرلمان الحالي، على أمل فض النزاعات داخل جبهة التحرير الوطني، ضد رئيس البرلمان معاذ بوشارب، ليتسنى طرح قانون "السلطة الوطنية" لتنظيم الرئاسيات والإشراف عليها، وهو ضمان سياسي تقدمه السلطة في الفترة الحالية، بالتوازي مع ضمان ثان، هو ابتعاد "العصابة" عن صناعة الرئيس المقبل، خصوصاً فريق مسؤول الاستخبارات السابق الجنرال توفيق، والذي يعرف عنه الجزائريون أنه "صانع الرؤساء"، بمن فيهم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي تولى الحكم عام 1999 بدعم من توفيق وضمانات من محيطه في الوقت نفسه.