Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مكالمة الضرورة" تحرك المياه الراكدة بين الجزائر وفرنسا

تفرض التجاذبات الدولية التواصل للتفاهم أو تبادل المصالح وإعادة ترتيب الأولويات وأيضاً المقايضة

رئيس مجلس الأمة الجزائري مستقبلاً السفير الفرنسي (الإذاعة الجزائرية)

يبدو أن الرمال تحركت من تحت الأرجل في الجزائر وباريس، بعد المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد سبقتها إشارات من وزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة كاثرين كولونا، أكّدها السفير الفرنسي لدى الجزائر فرانسوا جوييت قبلها، تمحورت حول "بناء شراكة متوازنة وذات منفعة متبادَلة، تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر".

بيان ديبلوماسي "جامد" لكن مفاجئ

وأعلنت الرئاسة الجزائرية، أن الرئيس تبون، أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطرّقا فيها إلى العلاقات الثنائية، وأكدا "عزمهما على تعميق العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بخاصة مع تقارب وجهتي نظرهما وتوافقهما الكبير، على دفع العلاقات إلى مستوى متميّز".
وأشار بيان الرئاسة إلى أن "الاتصال سمح باستعراض ملفات عدة، على رأسها ملفا منطقة الساحل والوضع في ليبيا، إضافة إلى قضايا إقليمية ودولية أخرى".
وفي حين أن البيان لم يكشف عن خفايا الاتصال، وكان دبلوماسياً "جامداً"، إلا أن الخطوة كانت مفاجئة على الرغم من تحركات فرنسية عدة سبقتها، وذلك بالنظر إلى حجم الضرر الذي لحق بعلاقات البلدين بعد أزمة دبلوماسية تسببت فيها تصريحات للرئيس ماكرون. وما زاد من غموض تلك الخطوة هو توقيتها الذي تزامن مع أحداث إقليمية متسارعة بخاصة على مستوى غرب البحر المتوسط وتأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية، الأمر الذي أثار نقاط استفهام وطرح تساؤلات حول حقيقة التقارب الجزائري - الفرنسي.

بوادر انفراج

كذلك، ظهرت بوادر انفراج في العلاقات بين البلدين، إذ تلقى وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، مكالمة هاتفية من نظيرته الفرنسية كاثرين كولونا، في أول اتصال بين الطرفين منذ التعديل الحكومي الأخير في فرنسا. وأشارت الخارجية الجزائرية إلى أن الوزيرين شددا على ضرورة مواصلة الجهود لترجمة التوجهات الاستراتيجية للرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، مضيفةً أن "الجزائر تولي أهمية قصوى لضمان امتثال العلاقات بين الشركاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط للشرعية الدولية، وحمايتها من أي تفاقم من خلال التسريبات غير المسؤولة". في المقابل، أبرزت الخارجية الفرنسية أن كولونا ولعمامرة، أكدا نيّتهما مواصلة الدينامية الإيجابية في العلاقات الثنائية بين بلديهما، وكشفت أنهما تطرقا أيضاً إلى آخر التطورات في العلاقات الجزائرية - الإسبانية، مؤكدةً أهمية "التمسك بالعلاقات الجيدة بين شركائنا الأوروبيين، وجيراننا على الشاطئ الجنوبي للمتوسط".
وسبق الاتصال بين الخارجيتين، استقبال رئيس مجلس الأمة الجزائري، صالح قوجيل، للسفير الفرنسي في الجزائر، فرانسوا جوييت، الذي أكد وجود مساعٍ جدية لدى الرئيس الفرنسي، لمعالجة تداعيات الأزمة الأخيرة التي حدثت مع الجزائر، بين شهري أكتوبر (تشرين الأول) ويناير (كانون الثاني) الماضيين، تزامناً مع حديث بشأن ترتيبات لزيارة مرتقبة له إلى الجزائر قبل نهاية السنة الحالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التوقيت يكشف المستور

وبالعودة إلى توقيت الاتصال، فإن تجاوز القطيعة بين البلدين يمر حتماً عبر أنبوب الغاز الذي أغلقته روسيا في وجه فرنسا التي لن تجد أحسن من الجزائر بديلاً، كما أن الإنزال العربي والأوروبي والآسيوي "استنفر" باريس التي تراجع نفوذها في الجزائر على حساب تركيا والصين والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وبعض الدول الخليجية، في محاولة منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة بعث بعض من مجدها الضائع، وهي التي تأخرت في اغتنام فرصة الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين الجزائر ومدريد، الأمر الذي يجعل من تهدئة الوضع ضرورة تفرضها التطورات الحاصلة والمصالح، بخاصة أنه لم يصدر عن الرئيس الفرنسي أي اعتذارات عن تصريحاته أو تقديمه تنازلات في ملف الذاكرة.

الثابت التاريخي والتجاذبات

في السياق، ترى أستاذة العلاقات الدولية، نجوى عابر، أنه "مبدئياً علينا الانطلاق من ثابت تاريخي وموضوعي يتمثل في أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية علاقات معقدة، فضلاً عن هذا المعطى فإن التجاذبات الدائرة سواء في شرق أوروبا أو في الساحل الأفريقي أو في غرب أفريقيا وحوض البحر المتوسط تفرض التواصل بين الطرفين سواء بغرض التفاهم، أو تبادل المصالح، أو إعادة ترتيب الأولويات، وأيضا المقايضة". وتقول نجوى عابر، إن "التضيق على فرنسا في ليبيا ودفعها إلى الانسحاب مرغمةً من مالي، مقابل تمدد نشاط قوات فاغنر الروسية، وارتفاع وتيرة الرفض الشعبي في النيجر وتشاد ضد التواجد الفرنسي، وهو الوضع الذي حوّل مهمة فرنسا في الساحل بلا جدوى، بخاصة بعد غلق الجزائر مجالها الجوي أمام الطيران الحربي الفرنسي، ومع انقلاب الموقف الإسباني تجاه الملف الصحراوي وعودة الأخيرة لشحذ الدعم الأوروبي، برزت معطيات جديدة وجب إعادة ترتيبها، والنظر في اتفاقات تربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي، لذلك بات ضرورياً إعادة قراءة المعطيات وترتيب الأولويات مع الشركاء الأوروبيين بما فيها فرنسا"، موضحةً أن "تأزم العلاقات الجزائرية - الإسبانية منح فرصة لإيطاليا وفرنسا وألمانيا للاستفادة من تراجع شريك أوروبي كان يمثل منافساً حقيقياً بخاصة في ما يتعلق بعقود الغاز والاستثمار والتبادل التجاري".

تعويض الفقر الغازي

بالمقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المصري، حامد فارس، أن "الاتصال خطوة مهمة في ظل احتياج كل منهما للآخر في الكثير من الملفات محل الاهتمام المشترك، بخاصة أن العلاقات بين البلدين استراتيجية وتاريخية". وأوضح فارس أن "من شأن ذلك إعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد طي صفحه الأزمة وعودة السفير الجزائري إلى فرنسا، وزيارة وزير الخارجية الفرنسي السابق إلى الجزائر وتأكيده أنه لا غنى عن التعاون بين البلدين باعتبار الجزائر وفرنسا ركائز رئيسة وهامة من أجل استقرار المنطقة".

ويواصل فارس أن "الوضع الدولي استدعى أن تعود العلاقات إلى طبيعتها في ظل الحرب الروسية - الأوكرانية وانعكاساتها السلبية على العالم أجمع، والتي نتج منها الكثير من الأزمات الاقتصادية التي تحتاج إلى تكاتف دولي للعمل على حلها وأهمها أزمة الأمن الغذائي وتوقف سلاسل إمدادات الغذاء، وأزمة الطاقة، لا سيما بعد قرار روسيا وقف تزويد فرنسا بالغاز، وإيقاف خط نورد ستريم، بالتالي فإن فرنسا تحتاج إلى الجزائر لتعويض الفقر الغازي الذي أحدثه قرار موسكو".

المزيد من العالم العربي