Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وإسقاط ما تبقى من رموز الخمينية (الجزء السادس)

العودة والتخلص من الشركاء

إذا ما كانت الدولة العميقة حمّلت روحاني مسؤولية استئناف المفاوضات قبل أشهر من نهاية عمر حكومته، إلا أنها منعته من استكمالها والوصول بها إلى النهاية المطلوبة (أ ف ب)

استطاع النظام ترجمة الاستعدادات الحثيثة التي قام بها، وحقق النتائج التي يريدها في الانتخابات الرئاسية، وجاء بإبراهيم رئيسي إلى السلطة التنفيذية، وقد استطاع تحقيق هذا الهدف بما يشبه التنصيب والتعيين على الرغم من العملية الانتخابية التي جرت والرداء الديمقراطي الذي أسبغ عليها عبر صندوق الاقتراع، وذلك على حساب مرشحين اختارهم مجلس صيانة الدستور بعناية كبيرة وفائقة، بحيث لا يشكلون خطراً على فوز المرشح الذي يريده، ولا يتحولون إلى مراكز قوى لاحقاً، بعد أن استبعد كل الأسماء التي تملك القدرة على أن تكون منافساً حقيقياً، أو أن تحصل على دعم من خارج قوى التيار المحافظ، أو تكون قادرة على تشكيل نقطة التقاء سياسي بين القوى المعتدلة داخل التيار المحافظ وبين التيار الإصلاحي والقوى الوسط المعتدل التي التفت حول الخطاب الذي تبناه روحاني.

المعركة الرئاسية التي خاضها التيار المحافظ وقوى الدولة العميقة، كانت واضحة المعالم والأهداف والأبعاد، فهي ارتكزت على محاولته حصر أي إنجاز سياسي أو تفاوضي بالفريق الذي يمثله في السلطة التنفيذية بعد استعادتها والسيطرة عليها، وتوظيف ما يمكن التوصل إليه من تفاهمات واتفاقات مع المجتمع الدولي في تعزيز صورته الداخلية، بحيث يكون قادراً على تقديم نفسه بصورة المنقذ الذي يمتلك القدرة على تقديم الحلول واتخاذ القرارات الاستراتيجية.

وإذا ما كانت الدولة العميقة قد حمّلت روحاني مسؤولية استئناف المفاوضات قبل أشهر من نهاية عمر حكومته، إلا أنها منعته من استكمالها والوصول بها إلى النهاية المطلوبة التي تسمح بإعادة إحياء اتفاق عام 2015 وإلغاء العقوبات الاقتصادية، مفضلة أن تترك الخطوة الأخيرة والنهائية إلى ما بعد استلام رئيسي مسؤولياته على رأس السلطة التنفيذية، بحيث يكون قادراً على تسجيل الإنجاز التفاوضي لصالحه، واستخدام ما ينتج منه من عودة التدفقات المالية لعائدات النفط المحتجزة في البنوك الدولية نتيجة العقوبات واستخدامها في ترميم الوضع الاقتصادي وتوظيفها في تحقيق تنمية اقتصادية ومالية وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعلّ المحطة الأبرز في هذا السياق، المعركة الصريحة والواضحة التي خاضها التيار المحافظ مستخدماً سلاحه الفعال في مجلس صيانة الدستور، لإقصاء المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي والوسط المعتدل، بالإضافة إلى استبعاد أي مرشح من التيار المحافظ التقليدي أو الجديد قادر على أن يشكل مركز ثقل شعبي قد يهدد وصول رئيسي إلى موقع الرئاسة.

وهنا، لم يتردد مجلس صيانة الدستور من إسقاط أهلية رئيس البرلمان السابق ومستشار المرشد الأعلى والمكلف بمتابعة ملف العلاقة الاقتصادية الاستراتيجية مع الصين علي لاريجاني، ومنعه من المشاركة في السباق الرئاسي، وذلك على الرغم من كون شقيقه صادق لاريجاني يشغل عضوية هذا المجلس ممثلاً الحصة التي يعيّنها المرشد مباشرة من الأعضاء الفقهاء الستة، بالإضافة إلى توليه رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي انتقل إليه من رئاسة السلطة القضائية.

استبعاد لاريجاني، وكذلك إبعاد كل الأسماء التي تمثل الجناح المعتدل داخل التيار المحافظ، والقادرة على مدّ قنوات تواصل مع القوى الأخرى في الوسط السياسي من إصلاحيين ومعتدلين عن مراكز القرار والإدارة في الإدارة الجديدة ما بعد روحاني ومع رئيسي، جاء ترجمة لتوجهات الدولة العميقة ورؤيتها الساعية لإحكام القبضة على كل المفاصل في الدولة بما يخدم نهج النظام في توحيد الموقف والقرار.

الهاجس الذي تتحرك به قوى الدولة العميقة، لا يتعامل مع ما تشكله هذه المواقع والأشخاص من دور، بل بما تملك من تأثير في مستقبل النظام. بخاصة أن الدافع وراء اعتماد سياسة الإقصاء هذه والتخلص من أي جهة أو شخص قد يؤثر لاحقاً في المسار الذي رسمته هذه القوى، يصبّ في إطار المعركة التي تتحضر لها والمرتبطة بمرحلة ما بعد المرشد الأعلى وتعيين خليفته في حال وفاته، إذ تضع هذه القوى في حساباتها، الابتعاد عن مصادر القلق والإرباك التي قد تنتج في حال وجود شخصيات مؤثرة في مواقع مقررة وفاعلة على رأس المؤسسات ومراكز القرار المتقدمة.

واعتمدت استراتيجية هذه القوى على فتح الطريق أمام إيصال شخصيات إلى المواقع المتقدمة في مؤسسات الدولة، غير قادرة على أن تكون فاعلة أو قائمة بذاتها، بل تحتاج إلى غطاء أو دعم من الدولة العميقة والقيادة، ومساعدتها في تطبيق قراراتها وسياساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا تكون صاحبة طموح سياسي يتعدى أو يتجاوز الموقع الذي تشغله، وتكون على استعداد للدخول في تسويات من أجل الإبقاء عليها في موقع القرار.

وهذه الاستراتيجية، تجعل الجهة المتحكمة في مستقبل النظام وموقع القيادة ومفاصل القرار، خارج هذه المؤسسات، وبعيداً من طموحات الأطراف الأخرى التي تملك خطاباً مختلفاً أو متعارضاً مع الخطاب الرسمي للنظام. بالتالي، تكون لها الصلاحية المطلقة في تحديد ورسم مستقبل السلطة وفرض الشخصية التي تريدها على رأس الهرم، بما يضمن استمرار سيطرتها وشراكتها في رسم القرار الاستراتيجي للنظام والدولة داخلياً وخارجياً.

ولعل المشهد الذي برز بعد وصول رئيسي إلى رئاسة الجمهورية، وعملية توزيع الحصص بين أجنحة وأطياف التيار المحافظ التقليدي والمتشدد (الثابتون) أو المحافظون الجدد، والحصة التي حصل عليها ضباط حرس الثورة من كعكة الحكومة وتوليهم وزارات ومؤسسات اقتصادية ومالية مؤثرة، إلى جانب نفوذهم إلى الحلقة الأقرب لرئيس الجمهورية كمستشارين ومعاونين ونواب للرئيس، تعزّز الاعتقاد أن مستقبل النظام والسلطة بات موزعاً بين موقع القيادة والمؤسسة العسكرية والأمنية الممثلة بحرس الثورة وما تملكه من نفوذ سمح لها بالتحكم بالسياسات الاقتصادية والسياسية والعسكرية لإيران.

المزيد من تحلیل