Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشوارع الثقافية في البصرة ملتقيات للمثقفين وأسواق رائجة للكتب

"المدينة التي اكتشفت الدورة الدموية في جسد اللغة العربية"

شوارع كانت منسية خدمياً تم تأهيلها لتكون مساحات لبيع وشراء الكتب، وملتقيات للمثقفين ومحبي القراءة، وأماكن لتقديم العروض الفنية، هكذا نشأت في غضون الأعوام القليلة الماضية ظاهرة الشوارع الثقافية في محافظة البصرة الواقعة جنوب العراق، والتجربة مستوحاة من شارع المتنبي في بغداد الذي يمثل أكبر سوق لتجارة الكتب في العراق، وكل يوم جمعة يزدحم بآلاف المثقفين والكتاب الذين يقصدونه من شتى المحافظات، كما يحفل بأنشطة وفعاليات ثقافية وفنية.

شارع الفراهيدي

يعد شارع الفراهيدي أول شارع ثقافي في البصرة، وهو ثمرة مبادرة تبناها مثقفون بالتعاون مع أصحاب مكتبات ودور نشر في المدينة، ومنذ افتتاحه عام 2015 تحول كل يوم جمعة إلى ملتقى للوجوه الأدبية والصحافية والفنية، وميدان فسيح لتجارة الكتب، كما وجد هواة جمع الطوابع والعملات في الشارع متنفساً للتبشير بهوايتهم، وفيه يواظب كثير من الرسامين والمصورين على عرض نتاجاتهم الفنية.

ويقول عضو المجلس المركزي لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين الشاعر عبد السادة البصري إن "شارع الفراهيدي صار معلماً ثقافياً مهماً في البصرة في ظل افتقارها للمنشآت الثقافية كالمسارح وصالات السينما وقاعات الفنون التشكيلية ومعارض الكتب الدائمة"، معتبراً أن "الفراهيدي والشوارع الثقافية الأخرى في البصرة ينبغي أن تحافظ على طابعها الثقافي باستمرار، وتحتضن المثقفين والفنانين والإعلاميين والكتاب يومياً، وليس يوماً واحداً في الأسبوع".

شوارع ثقافية في الأقضية

على غرار شارع الفراهيدي تم تأسيس شارع ثقافي على مقربة من ملتقى نهري دجلة والفرات في قضاء القرنة خلال عام 2017، وقبل شهرين تم افتتاح شارع ثقافي في قضاء الفاو المطل على الخليج، وقبل أيام قليلة تم افتتاح شارع ثقافي جديد في ناحية أم قصر التي تضم أكبر ميناء تجاري عراقي، ومن المتوقع أن تمتد ظاهرة الشوارع والأرصفة الثقافية في المستقبل القريب إلى مناطق أخرى من المحافظة.

ويقول الكاتب الصحافي داوود الفريح، إن "منتدى السياب الثقافي الذي يعنى بالاحتفاء بالمنجز الإبداعي للشاعر بدر شاكر السياب (1926-1964) يرغب بافتتاح شارع ثقافي في قضاء أبي الخصيب، حيث ولد وترعرع السياب"، مضيفاً أن "الحكومة المحلية منحتنا موافقة رسمية لافتتاح الشارع، لكن المبادرة معلقة بانتظار الحصول على دعم مالي، لأن تحويل شارع ما إلى شارع ثقافي يحتاج إلى متطلبات يتعذر توفيرها على نفقتنا الشخصية".

نهضة بعد كبوة

ظاهرة الشوارع الثقافية تأتي في سياق الحراك الثقافي المتصاعد الذي تشهده البصرة منذ عام 2010، بعد أن كان الركود يخيم على المشهد الثقافي نتيجة غياب الاستقرار الأمني والسياسي، كما تبدو الظاهرة متناغمة مع تنامي الإقبال على اقتناء وقراءة الكتب، ولا سيما كتب التنمية البشرية والروايات العالمية والمذكرات السياسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب النائب الإداري لمحافظ البصرة ضرغام الأجودي، والذي يترأس لجنة دعم الفعاليات الثقافية في المحافظة، فإن "الشوارع الثقافية عمرها لا يتجاوز سبع سنوات، لكنها كظاهرة ليست غريبة أو طارئة على البصرة، فهي مدينة منتجة ثقافياً بغزارة في ماضيها وحاضرها"، مضيفاً أن "الحكومة المحلية تشجع على الشوارع الثقافية، ونحرص على إصدار الموافقات الرسمية وتقديم التسهيلات لأصحاب هكذا مبادرات".

مكانة ثقافية رفيعة

وتستمد البصرة مكانتها الأدبية من امتدادها الثقافي الموغل في أعماق الحضارة العربية الإسلامية، وفيها كانت سوق المربد التي تعد من أقدم وأهم الأسواق الأدبية، ولا يكاد يذكر الجاحظ والفراهيدي والأصمعي والفرزدق وسيبويه وابن المقفع، إلا وتذكر مدينتهم البصرة، و"البصرة هي المدينة التي اكتشفت الدورة الدموية في جسد اللغة العربية"، كما قال الشاعر نزار قباني حين سأله الصحافي محمد صالح عبد الرضا عن الأهمية الثقافية للمدينة خلال مهرجان المربد الشعري عام 1971.

وكان العراق رشح البصرة أكثر من مرة لتكون عاصمة للثقافة العربية، آخرها عام 2015 عندما وافق وزراء الثقافة العرب على اعتبارها عاصمة الثقافة العربية لعام 2018، لكن التتويج لم يطبق بسبب هشاشة البنى التحتية الثقافية، فالبصرة حالياً تعوزها المسارح وصالات السينما، ولا معارض دائمة للكتب فيها، أو قاعات للفنون التشكيلية، كما لا تمتلك قناة فضائية تعكس ثقافتها وفنونها إلى العالم، ومواقعها التراثية والأثرية أكثرها مهملة، ومنظماتها الثقافية معظمها فقيرة مالياً، لكن شوارعها الثقافية التي تعجّ بالمثقفين، كل يوم جمعة، تبعث على الأمل بمستقبل مشرق يليق بأصالة الثقافة البصرية.

المزيد من ثقافة