Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وإسقاط ما تبقى من رموز الخمينية (الجزء الخامس)

إعادة الترميم والتصدي للخطاب المعتدل

غياب رفسنجاني فتح الطريق أمام التيار المحافظ وقوى النظام لتصعيد معركتهم لمحاصرة روحاني وقطع الطريق على مفاعيل ما حققه من إنجاز نووي (أ ف ب)

التخريب الذي مارسه محمود أحمدي نجاد خلال توليه رئاسة الجمهورية على المستويَين الداخلي والخارجي، أجبر النظام وقيادته على العودة إلى المربع الأول، والتفكير في إعادة ترميم ما لحق بهيبته ومقدراته وسلطته من أضرار. فالسياسات الاقتصادية والاتفاق غير المدروس الذي ترافق مع قرار الرئيس إلغاء مؤسسة التخطيط والموازنة، فضلاً عن حالات الاختلاس والهدر الكبير في موارد الدولة وأموالها، جعل من الضروري للنظام التفكير في وضع معالجات جدية للانهيار الاقتصادي الذي أسست له سياسات فريق أحمدي نجاد. أما من ناحية العلاقات الخارجية، فإن النظام والدولة عادا إلى دائرة العزلة الدولية نتيجة المواقف والقرارات التي اتخذها في ما يتعلق بالبرنامج النووي، والتي أسهمت في إفشال كل جهود الحوار والتفاوض التي كان يقودها في تلك المرحلة سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني. ونقلت مواقف أحمدي نجاد الملف النووي من دائرة التفاوض مع الترويكا الأوروبية ومنسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا إلى أروقة مجلس الأمن الذي أصدر خلال رئاسة أحمدي نجاد أربعة قرارات ضد إيران تحت البند السابع.
وشكّل وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية في عام 2013، اعترافاً من النظام بصعوبة الوضع الذي تواجهه إيران داخلياً وخارجياً، وأنه أمام تحدي اللجوء إلى خيار الاعتماد على شخصية بعيدة نسبياً عن التيار المتشدد، وذات طابع معتدل بإمكانها العمل على ترميم العلاقة مع المجتمع الدولي وقيادة عملية التفاوض التي بدأها النظام عام 2012 مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس الأسبق باراك أوباما بعيداً عن أعين أحمدي نجاد وفريقه خوفاً من عمليات تخريب قد يقوم بها. حاجة النظام إلى مثل هذه الخطوة هي التي سمحت لروحاني وفريقه برفع شعار "الحوار المباشر مع الولايات المتحدة" في حملته الانتخابية التي شكلت عاملاً حاسماً في كسب أصوات الشارع الإيراني الذي يبحث عن حلول لأزماته ومخرجاً لحالة القلق على المصير التي يعيشها.

لم تكن مرحلة التفاوض الذي قادها روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، من تصاعد الصراع الداخلي بينه وبين التيار المحافظ، الذي سعى بكل طاقته لوضع العراقيل أمام المفاوضات، وقطع الطريق على وصولها إلى نتائج إيجابية، ليس من منطلق معارضته لمبدأ الحوار مع أميركا بما هي "عدو فكري وعقائدي واستراتيجي"، بل من منطلق الدفاع عن مصالحه وسلطته في الداخل، وخوفاً من أن يؤسس نجاح روحاني للعودة إلى مبدأ المحاصصة في السلطة التي تخلّص منها بعد خروج الإصلاحيين من المؤسستَين التنفيذية والتشريعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نجاح روحاني في إيصال المفاوضات إلى الحد الأدنى من مطالب النظام، والانفراجة الاقتصادية التي حصلت نيتجة عودة التدفقات المالية، واستعادة الأنشطة الاقتصادية والآثار الإيجابية التي تركتها عائدات النفط على الوضع الاقتصاد والأسواق الداخلية، سمحت بأن تكون الدورة الأولى من رئاسته، وعلى الرغم من صراع المصالح الذي ارتفعت حدته على خلفية التوظيف الداخلي السياسي والاجتماعي لنتائج المفاوضات، دورةً أقل صخباً وضجيجاً سياسياً، بعكس الدورة الثانية، التي تحولت إلى ميدان لصراع مفتوح، بينه وبين التيار المحافظ بمختلف أجنحته وأطيافه، على خلفية ما يمكن أن تنتهي إليه الأمور، وما يمكن أن يتكرس من حقائق تسمح له بأن يفرض نفسه شريكاً ولاعباً لا يمكن العبور عنه وتجاوزه في المعادلات السياسية الداخلية.
في هذه الأثناء، استطاع النظام استكمال عملية محاصرة الشيخ هاشمي رفسنجاني، من خلال إخراجه من السباق الرئاسي بإسقاط أهليته في مجلس صيانة الدستور. وكشفت التسريبات التي خرجت عن مداولات هذا المجلس، أن قرار منع رفسنجاني من الترشح كان أمني - سياسي واضح، لما يشكل من تهديد لمؤسسة النظام في حال عاد إلى مراكز القرار، وأصبح شريكاً في السلطة من جديد، ثم جاءت وفاته المشكوك فيها، بحسب الرواية التي قدمتها كريمته، فائزة رفسنجاني، لتعزز الاعتقاد أن النظام لم يعد قادراً على تحمل وجود مَن يشكل تحدياً حقيقياً لحاضر السلطة ومستقبلها وإمكانية أن تخرج من قبضة قوى الدولة العميقة التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها ومكاسبها.

غياب رفسنجاني فتح الطريق أمام التيار المحافظ وقوى النظام لتصعيد معركتهم لمحاصرة روحاني وقطع الطريق على مفاعيل ما حققه من إنجاز نووي، مع ترشحه لانتخابات الرئاسية في الدورة الثانية عام 2017، وقد ظهرت نية مؤسسة النظام في استبعاده وإخراجه من المعادلة من خلال دعمها لمرشحها الأبرز والأساس إبراهيم رئيسي، إلا أن الشارع كان له رأي آخر، إذ جدد الثقة به وبالخطاب الاعتدالي الذي ذهب إليه بواقع أصوات تجاوز 23 مليون صوت، مقابل حصول مرشح النظام رئيسي على نحو 16 مليون صوت.
التجديد لروحاني بالرئاسة، تزامن مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وقراره الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران ومحاصرتها بشكل غير مسبوق، ما سمح للتيار المحافظ بفتح معركة قاسية ضد روحاني واتهامه بالتفريط بالمصالح الاستراتيجية والقومية والوطنية، ومساعدة واشنطن على محاصرة النظام، في الوقت نفسه عمل هذا التيار على تعطيل وإفشال أي محاولة لإعادة التفاوض والحوار مع المجموعة الدولية الراعية للاتفاق. ترافق مع هجوم مباشر على فريقه التفاوضي، وتحديداً وزير الخارجية محمد جواد ظريف، بعد تزايد الحديث عن إمكانية مشاركته في السباق الرئاسي المقبل، واحتمالية أن يحقق خرقاً غير مرغوب به، لما يتمتع به من شعبية واسعة ومؤيدة له، بالإضافة إلى ما قدّمه من صورة مختلفة عن الدبلوماسية الإيرانية في المحافل الدولية وجلسات التفاوض. وهي معركة استخدم فيها التيار المحافظ مختلف الأساليب والأسلحة، وصولاً إلى اتهامه بالخيانة العظمى والسعي إلى محاكمته مع روحاني، بخاصة بعد عملية اغتيال قائد "قوة القدس" في "حرس الثورة" الذراع الإقليمية للنظام قاسم سليماني من قبل القوات الأميركية على أرض العراق.

المزيد من تحلیل