Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما حقيقة سياسات إيلون ماسك المتضاربة من "الاشتراكية" إلى إغلاقات كورونا؟

قطب "تيسلا" و"سبيس إكس" قدم تبرعات للحزبين في الولايات المتحدة، وهاجم الجميع من جو بايدن إلى دونالد ترمب فنقابات العمال وحتى "الضمائر" لكن خلف كل ذلك تكمن أيديولوجية ثابتة لديه

الجانب الأكثر ثباتاً لديه هو أنه "ليبرالي على الصعيد الاجتماعي، ومحافظ على المستوى المالي" (غيتي)

"أفضل أن أبقى بعيداً من السياسة"، كانت هذه كلمات إيلون ماسك المدير التنفيذي التكنولوجي، عندما اضطر إلى الرد على ادعاء حاكم ولاية تكساس غريغ آبوت بأنه يدعم قوانين الولاية المناهضة للإجهاض.

وإذا كان الأمر على هذا النحو، فإن طريقة السيد ماسك في إظهار ذلك تبدو ظريفة، إذ إن رجل الأعمال المولود في جنوب أفريقيا، الذي أمضى أكثر من عقد من الزمن تحت أضواء الشهرة العامة رئيساً تنفيذياً لشركتي "تيسلا" Tesla و"سبيس إكس" SpaceX، يكاد ألا يدع أحداً أو شيئاً ينجو من تهجماته وانتقاداته اللاذعة، بدءاً من دونالد ترمب (الرئيس الأميركي) السابق، مروراً ببيرني ساندرز (السياسي البارز في حزب "الديمقراطيين")، وصولاً إلى المسؤولين عن تنظيم قواعد "كوفيد" والنقابات العمالية و"الضمائر" (الضمائر المنفصلة في اللغة: هو أو هي، التي تدل على الأشخاص).

وقد أنهى ماسك في مايو (أيار) الماضي، شهوراً من الانتقادات التي وجهها إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، بالكشف عن أنه صوت في الماضي في "أغلب المرات" لحزب "الديمقراطيين"، لكنه الآن سينتقل إلى دعم "الجمهوريين" أقله في دورة انتخابات واحدة مقبلة.

ويقول في هذا الإطار، إنه في الماضي "صوت لـ’الديمقراطيين’، لأنهم كانوا (في أكثر الأحيان) حزب اللباقة، لكنهم باتوا الآن حزب الانقسامات والكراهية" على حد قوله، مشيراً إلى أنه لم يعد في وسعه تأييدهم وأنه سيصوت لـ"الجمهوريين".

جاء ذلك بعد أن انهال في العام الماضي بوابل من الاتهامات على الرئيس بايدن، معتبراً أنه ألحق الضرر بالبنية التحتية الرئيسة في البلاد، وبمخصصات الإنفاق الاجتماعي، من خلال منح إعانات غير ضرورية لصناعة السيارات الكهربائية، وزيادة العجز "الجنوني" في الموازنة الفيدرالية، وقد شتم الرئيس الأميركي في وقت لاحق وشبهه بـ"دمية في شكل بشري".

وبعد نحو شهر من تصريحه، ذهب إلى أبعد من ذلك، كاشفاً عن أنه صوت لمرشحة "جمهورية". وأكد أنه سيدعم حاكم فلوريدا "الجمهوري" رون ديسانتيس، في حال ترشحه للرئاسة ولأن يصبح سيد البيت الأبيض.

وغرد ماسك عبر حسابه قائلاً: "لقد قمت بالتصويت لمايرا فلوريس وهي المرة الأولى التي أقترع فيها لـ"الجمهوريين". إنها موجة حمراء عارمة في السنة 2022 (في إشارة إلى لون الحزب "الجمهوري")".

وسأله أحد مستخدمي "تويتر": "هل يمكنني افتراض أنك ستصوت لـ"جمهوري" في موقع رئاسة البلاد (أيضاً)؟"، فأجابه ماسك: "(سيتحدد الموقف في وقت لاحق)". وفي متابعة من جانب المستجوب سئل ماسك: "إلى أي جانب تميل؟"، فرد قائلاً: "إلى ديسانتيس".

وفي تعليق لاحق من حاكم فلوريدا على كلام الملياردير المولود في جنوب أفريقيا، قال رون ديسانتيس مازحاً: "إنني أركز الآن على (الانتخابات النصفية) في السنة 2022، لكن مع إيلون ماسك، ما أود قوله هو أنني أرحب بدعم الأميركيين الأفارقة. ماذا يمكنني أن أضيف؟".

وبمعزل عن الجهة التي سيصوت لها إيلون ماسك، فقد كانت صعبة للغاية معرفة السياسات الدقيقة للرجل البالغ من العمر من العمر 50 عاماً. فهو تبرع في كثير من الأحيان لكل من "الديمقراطيين" و"الجمهوريين"، في الوقت الذي كان يعلن عن نفسه على نحو مختلف بأنه "معتدل" و"اشتراكي" و"ليبرالي اجتماعي ومحافظ من الناحية المالية".

في شهر أبريل (نيسان)، قدم عرضاً غير مسبوق لشراء خدمة "تويتر" بكاملها في مقابل 54.20 دولار للسهم (قرابة 44 مليار دولار)، بحجة أن إدارة الشبكة الاجتماعية هي يسارية للغاية، وأنه يتعين استعادة "الساحة العامة" على الإنترنت، من أجل "حرية التعبير".

إذاً ما الذي يؤمن به حقاً إيلون ماسك؟ وبما أنه ثاني أغنى شخص في العالم بقيمة أصول صافية تقدر بـ219 مليار دولار (167 مليار جنيه استرليني)، فماذا يعني ذلك بالنسبة إلينا جميعاً؟

لمن تبرع إيلون ماسك بالمال؟

الملامح التي حددها ماسك لسياساته كانت مربكة في بعض الأحيان، لكن الجانب الأكثر ثباتاً لديه هو أنه "ليبرالي على الصعيد الاجتماعي، ومحافظ على المستوى المالي"، أو هو حتى هو "ليبرالي للغاية اجتماعياً". وزعم أنه معروف بأنه مستقل قائلاً: "كي أكون واضحاً، أنا لست محافظاً".

في أبريل، نشر على "تويتر" رسماً كاريكاتيرياً على شكل خط، يمثل المعتدلين من السياسيين، بمن فيهم هو، وهم يقفون ثابتين وسط الطيف السياسي، في وقت يجنح فيه اليساريون بعيداً نحو التطرف، ويجرون معهم خط الوسط بعيداً بحيث بدا المعتدلون يمينيين مقارنة معهم.

وعلى الرغم من ذلك، وصف نفسه في عام 2018، بأنه "فوضوي مثالي من النوع الذي وصفه إيان بانكس على أفضل وجه"، في إشارة إلى مؤلف الخيال العلمي الاسكتلندي الراحل الذي كتب بشوق (ولو بمقدار كبير من الشك) عن حضارة اشتراكية فوضوية عابرة للفضاء تدعى الثقافة، التي ليس فيها مال، ولا فقر، ولا عمل مأجور، ولا شرطة، ولا سجون، ولا جيش دائم، ولديها وفرة غير محدودة من السلع الأساسية.

وفي محطة أخرى، ادعى إيلون ماسك أنه "اشتراكي"، لكن "ليس من النوع الذي يحول الموارد من الأكثر إنتاجية إلى الأقل إنتاجية". وقال لاحقاً، إنه يجب ألا نأخذ الأمور على محمل الجد.

في مقابل ذلك، فلنضع أموال السيد ماسك تحت المجهر لمقارنة الأقوال بالأفعال، ولننظر إلى تبرعاته السياسية. فبحسب بيانات عملت على جمعها منظمة "أوبن سيكريتس" Open Secrets غير الربحية، التي تراقب طرق ممارسة الضغط، قدم إيلون ماسك منذ عام 2002 ما مجموعه 1.2 مليون دولار للسياسيين، والأحزاب، ولجان العمل السياسي (لجان سياسية منظمة تقوم بجمع أموال وإنفاقها إما لانتخاب مرشحين أو لإلحاق الهزيمة بهم في الانتخابات) وحملات الاستفتاء.

تلك الأموال تم توزيعها بالتساوي إلى حد ما، على "الديمقراطيين" (نحو 542 ألف دولار) و"الجمهوريين (574.500 دولار)، مع تخصيص 85 ألف دولار أخرى لحملتي استفتاء يساريتين واسعتي النطاق في كاليفورنيا. وانقلب التوازن على مر الأعوام: فكان تبرعه بشكل ساحق لمصلحة "الجمهوريين" في الأعوام 2006 و2013 و2017، بينما كان في عام 2015 محصوراً فقط بـ"الديمقراطيين".

كما أنه قدم ما مجموعه 30 ألف دولار إلى لجنة عمل سياسي أنشأتها شركته "سبيس إكس"، تبرعت بنسبة 54 في المئة من المجموع لـ"الديمقراطيين"، و46 في المئة منه لـ"الجمهوريين". أما السياسيون المنفردون الذين تلقوا منه تبرعات، فكانوا من المشرعين في ولاية كاليفورنيا، حيث كان يوجد مقر شركة "تيسلا" في السابق، وفي ولاية تكساس، حيث حافظت شركة "سبايس إكس" لفترة طويلة على مرافق اختبار الصواريخ وإطلاقها إلى الفضاء.

في غضون ذلك، أنفقت شركة "سبيس إكس" نفسها قرابة 9 ملايين و700 ألف دولار على جماعات الضغط، فيما أنفقت "تيسلا" قرابة 5 ملايين و500 ألف دولار. وفيما تعتمد الشركة الأولى على العقود الحكومية في كثير من إيراداتها، تخضع الأخيرة لكثير من القواعد. وقد كتبت مؤسسة "سانلايت فاونديشن" Sunlight Foundation (منظمة أميركية غير ربحية تعنى بزيادة الشفافية والمساءلة وتدعو إلى قيام حكومة مفتوحة) في عام 2013 تقول: "كانت حملة "سبيس إكس" لكسب الدعم السياسي منهجية ومتطورة".

وكما يوضح السيد ماسك، فإن هذه التبرعات لا تؤشر كثيراً إلى معتقداته الشخصية. إلا أنه، على عكس ذلك، يصفها ببساطة بأنها تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة.

وقال لموقع "هافينغتون بوست" في عام 2013: "كي يكون صوتك مسموعاً في واشنطن، يتعين عليك تقديم بعض المساهمات الصغيرة، لكن... لم أجد أن واشنطن فاسدة كما يعتقد كثير من الناس. بمعنى، أنها لا يمكن شراؤها بالمال كما قد يفترض البعض. وأنا في الواقع ممتن جداً لذلك، لأنه إذا كان الأمر على هذا النحو، فما كانت لدينا فرصة لتحقيق ما نريد".

إشارات متضاربة من ماسك، هل هو "ليبرالي جداً على المستوى الاجتماعي"؟

ماذا عن الآراء الاجتماعية لإيلون ماسك؟ من الواضح أن لديه خطاً تحررياً قوياً، فهو يفضل "الديمقراطية المباشرة" على الديمقراطية التمثيلية، ويقترح أن تسمح المستعمرات البشرية المستقبلية في المريخ بإلغاء أي قانون من خلال تصويت 40 في المئة من المواطنين.

ودعا إلى إطلاق سراح الأفراد المسجونين في الولايات المتحدة بسبب جرائم تعاطي القنب قبل تشريعه، وقد أقرن القول بالفعل عندما قام بتعاطي الحشيش بنفسه خلال مقابلة مع مضيف البودكاست جو روغان.

فاقت تبرعات ماسك للسياسيين "الديمقراطيين" الأفراد، ما أغدقه على نظرائهم "الجمهوريين"، وغالباً ما أشاد بشخصيات "ديمقراطية" محددة، بطريقة نادراً ما قام بها مع خصومهم. وفي عودة إلى عام 2005، فقد قدم 10 آلاف دولار لـ"المقترح 82"  Proposition 82 في كاليفورنيا، وهو اقتراح يقضي بزيادة الضرائب على الأغنياء من أجل دفع تكاليف برنامج حضانة للأطفال في سن الرابعة، على الرغم من أن المشروع لم يمر.

وعندما كان دونالد ترمب مطروحاً لترشيح الحزب "الجمهوري"، قال ماسك عنه: "لدي شعور غامر بأنه ربما ليس الرجل المناسب، إذ لا يبدو أنه يتمتع بالشخصية التي تعكس صورة جيدة عن الولايات المتحدة".

من جانب آخر، فإنه نادراً ما كانت تصريحات ماسك عن القضايا الاجتماعية صاخبة أو واضحة، كما آراؤه الاقتصادية. وفي الواقع، فإنه غالباً ما بعث بإشارات معاكسة، وبدا أحياناً أنه يغازل التيار الاجتماعي المحافظ.

ففي الربيع الماضي على سبيل المثال، طلب من أتباعه "تناول الحبة الحمراء"، وهي تعبير مجازي يستخدمه دعاة تفوق العرق الأبيض والمناهضون للنسوية في وصفه مسار تحولهم إلى التطرف في نظرتهم للعالم.

وكان في ذلك الوقت، منخرطاً في حملة هجومية على سياسات الإغلاق بسبب "كوفيد" في كاليفورنيا، التي وصفها بأنها "فاشية". وأعلن في وقت مبكر من فترة الوباء أن "الذعر من فيروس "كورونا" هو غباء"، وأن الفيروس سيختفي من الولايات المتحدة بحلول نهاية أبريل.

ونشر في يوليو (تموز) من ذلك العام على "تويتر" أن "استخدام الضمائر أمر سيئ" Pronouns Suck، التي فسرها كثيرون على أنها تستهدف الأشخاص المتحولين جنسياً (بحيث لا يمكن مناداة هؤلاء بضمير المذكر أو المؤنث، علماً بأن الضمائر نفسها هي جزء أساسي لا مفر منه في اللغة الإنجليزية).

صديقة إيلون ماسك آنذاك كلير باوتشر، وهي موسيقية إلكترونية تلقب بـ"غرايمز" Grimes، فهمت المنشور بهذه الطريقة، وعلقت قائلة: "أنا أحبك، لكن من فضلك أغلق هاتفك أو اتصل بي. لا يمكنني أن أدعم الكراهية. رجاء توقف. أعرف أن هذه ليست نيتك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2020، نشر على "تويتر" تغريدة تحمل معنى رمزياً meme تشير إلى تأييده الأشخاص "متوافقي الجنس"Cisgender  (هويتهم الشخصية مطابقة لجنسهم عند الولادة) الذين يذكرون الضمير (هو، هي...) لتحديد أنفسهم، في ملفاتهم الشخصية على "تويتر". وهي طريقة إشاعة للتعبير عن التضامن مع الأشخاص المتحولين جنسياً ضد قمع الملقبين بـ"المعاطف الحمر" (الجنود البريطانيون في الولايات المتحدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) في أميركا الاستعمارية، لكنه أوضح موقفه في وقت لاحق بالقول: "أنا أؤيد تماماً التحول الجنسي، إلا أن كل هذه الضمائر تشكل كابوساً جماليا".

في سبتمبر (أيلول)، قال حاكم ولاية تكساس غريغ آبوت الذي تبرع له إيلون ماسك بمبلغ 10 آلاف دولار في عام 2014، في مقابلة مع قناة "سي أن بي سي"، إنه "كان على إيلون الخروج من كاليفورنيا، والسبب يعود جزئياً إلى السياسات الاجتماعية في تلك الولاية، فقد كان يخبرني باستمرار أنه يفضل السياسات الاجتماعية في ولاية تكساس".

لكن ماسك، وجه إليه انتقادات، إنما بشكل ملتبس ومعتدل، على عكس مواقفه النارية ضد النقابات العمالية أو المقترحات الضريبية، التي علق عليها بالقول: "أعتقد، بشكل عام، أن الحكومة نادراً ما يجب أن تفرض إرادتها على الناس. وعندما تقوم بذلك، يجب أن تحرص على تحقيق سعادة مواطنيها على نحو متزايد، لكن على الرغم من ذلك، أفضل الابتعاد عن السياسة".

مؤيد للرأسمالية ومعاد للنقابات

الجانب الأكثر ثباتاً إلى حد كبير في مواقف إيلون ماسك هو إيمانه برأسمالية السوق الحرة. وعلى الرغم من تصريحاته المصبوغة بلون من الاشتراكية، فإنه في الصميم ليبرالي اقتصادي، متقد حماسة وشديد التشكيك في تدخل الحكومة في الأعمال التجارية.

وقد كانت هذه الخلفية في أساس هجومه، الاثنين، على "قانون إعادة البناء بشكل أفضل" Build Back Better للرئيس الأميركي جو بايدن، عندما قال إن التخفيض الضريبي في مشروع القانون الذي يصل إلى 12,500 دولار للأشخاص الذين يشترون سيارات كهربائية، هو بمثابة صدقة "غير ضرورية" لصناعة مزدهرة أساساً.

وقد عزز هجومه بحجة فلسفية واضحة عن الاختلاف بين الشركات والدول القومية، مصوراً إياها كطرق مختلفة لتوزيع رأس المال- أي الأموال والموارد الأخرى اللازمة لإنتاج السلع والخدمات- من أجل تحقيق غايات مفيدة.

وقال وهو يقصد قادة الأعمال، إنه "ليس من المنطقي استبعاد الأشخاص الذين برعوا وأظهروا مهارة كبيرة في استثمار رأس المال، عن هذه المهمة، وإعطائها لهيئة أظهرت مهارة ضعيفة للغاية في هذا المجال، وهي الحكومة.

وأضاف، أن "الحكومة هي ببساطة أكبر مؤسسة، وهي تحتكر العنف- ولا يتوافر لك فيها ملاذ. السؤال إذاً هو ما مقدار الأموال التي تريد منحها لهذه الهيئة؟".

يمكن ملاحظة هذا النمط من التفكير على امتداد تاريخ ماسك، فقد عارض بشدة النقابات العمالية، لا سيما في شركاته، معتبراً أنها تشكل عائقاً أمام كفاءة العمليات. وتشابك كلامياً مراراً عدة مع "الديمقراطي" بيرني ساندرز في ما يتعلق بمقترحاته فرض ضريبة دخل على أصحاب المليارات.

وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) قال، إن بايدن "يبدو خاضعاً لسيطرة النقابات". وكان قد نشر في عام 2018 تغريدة على "تويتر"، بأن موظفي "تيسلا" الذين حاولوا تكوين نقابات، سيفقدون خيارات الحصول على أسهمهم، وهو ما اعتبرت الجهات المنظمة أنه تصرف غير قانوني.

في المقابل، عندما يؤيد ماسك تدخل الحكومة، فإنه يميل إلى تفضيل الإجراءات التي تقلل من البيروقراطية الحكومية، وتتجنب اختيار المسؤولين للفائزين. وبدلاً من دعم الصناعات الصديقة للبيئة، يفضل فرض ضريبة على انبعاثات الكربون. ويقول إنه ضغط في هذا الاتجاه على إدارة بايدن مطالباً إياها باستحداث هذه الضريبة.

أما الحجة التي يسوقها في هذا الإطار، فهي أن سعر الوقود الأحفوري لا يعكس بالضرورة أثره على البيئة بشكل صحيح، ما يعني أن الشركات تستند في قراراتها إلى معلومات خطأ. ويرى أن فرض ضرائب على الكربون من شأنه أن يصحح هذا التوازن، ما يتيح للسوق الحرة معرفة أفضل السبل لخفض انبعاثاتها الحرارية بطريقتها الخاصة، لكن أياً من ذلك، لم يمنعه عن قبول مليارات الدولارات من الإعانات الحكومية لكل من شركتيه "تيسلا" و"سبيس إكس".

وعلى نحو مماثل، لطالما طالب ماسك بأن يكون هناك حد أدنى شامل من الدخل، لدعم العاملين الذين يؤمن أن وظائفهم سيتم استبدالها قريباً بالذكاء الاصطناعي. وقد تبدو هذه الفكرة يسارية إلى حد ما من بعض النواحي، نظراً إلى أنها تنطوي على إنفاق مبالغ هائلة من أموال دافعي الضرائب.

مع ذلك، كان هذا الطرح في الماضي موضع ترحيب من جانب بعض المحافظين أمثال الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، واقتصاديي السوق الحرة مثل ميلتون فريدمان، الذين رأوا أن من شأنه أن يمنع بيروقراطيي الحكومة من تحديد من يستحق الفوائد والمنافع، وتجنب معاقبة المستفيدين للعثور على عمل.

الطاقة الخضراء كانت دائماً خطاً أحمر بالنسبة إلى إيلون ماسك

تشكل مسألة الاحتباس الحراري والطاقة النظيفة، نقطة أخرى من نقاط التناسق الحقيقي في تفكير إيلون ماسك. ففي عام 2006، قدم أحد أكبر تبرعاته الفردية على الإطلاق- 75 ألف دولار- إلى "الاقتراح 87" Proposition 87، وهو حملة استفتاء في ولاية كاليفورنيا لفرض ضريبة خاصة على الشركات التي تستخرج الوقود الأحفوري.

ومنذ ذلك الحين، غالباً ما أصبحت الانبعاثات الحرارية تشكل خطاً أحمر بالنسبة إليه. ففي الأعوام الأولى من فترة رئاسة دونالد ترمب، انضم ماسك إلى مجلس استشاري تابع للبيت الأبيض، قائلاً، إنه "كلما زادت الأصوات العاقلة والحكيمة التي يستمع إليها الرئيس، كان ذلك أفضل"، لكن عندما سحب ترمب الولايات المتحدة من "اتفاقية باريس للمناخ" Paris Climate Agreement، قدم ماسك استقالته من المجلس الاستشاري قائلاً: "إن تغير المناخ يشكل خطراً جدياً. والخروج من اتفاقية باريس لم يكن بالخطوة الموفقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو العالم".

وعندما تم إقناع ماسك أخيراً، بالانخراط في عالم العملة الافتراضية "بيتكوين" Bitcoin- وهو أمر طبيعي نظراً إلى تطلعاته الليبرالية، وميله إلى ابتداع حلول تكنولوجية للمشكلات السياسية، ناهيك بولعه الشديد بإثارة الجدل- فقد كانت انبعاثات الكربون الهائلة التي تولدها هذه العملة (نظراً إلى أن أجهزة الكمبيوتر تستهلك كثيراً من الطاقة لتعدين العملات الرقمية، ما يسهم في إطلاق مزيد من انبعاثات غاز الدفيئة) هي التي دفعت به إلى إعادة التفكير في الموضوع.

وقال في شهر مايو، إن شركة ""تيسلا" علقت مشتريات مركباتها باستخدام عملة الـ"بيتكوين"". وأضاف: "نحن قلقون من الزيادة المتسارعة في استخدام الوقود الأحفوري لتعدين الـ"بيتكوين" ومعاملاتها، لا سيما منه الفحم الحجري، الذي ينتج أسوأ الانبعاثات مقارنة بأي وقود آخر.

واعتبر أن "العملات المشفرة هي فكرة جيدة على مستويات عدة، ونتوقع أن يكون لها مستقبل واعد، لكن يجب ألا يكون بتكلفة كبيرة على البيئة".

وفي ما يتعلق بدعم إيلون ماسك للرئيس الأميركي جو بايدن، فقد كان ذلك مرتبطاً أيضاً بمسألة انبعاثات الكربون. فبعد تنصيب بادين مباشرة، قال ماسك لمجلة الأعمال الأميركية "فورتشن" Fortune: "أشعر بحماسة شديدة لأن الإدارة الجديدة تركز على المناخ، كما أشعر بتفاؤل عارم لمستقبل الطاقة المستدامة في كنفها".

تكنوقراطي ذو طموحات فلكية

من بين مختلف هذه القضايا، يوجد نوع واحد من سياسات ماسك التي لا يمكن ربطها بسهولة بالأدوات التقليدية لليسار واليمين، وهي التكنوقراطية. ففي عودة إلى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، كان جد إيلون ماسك جوشوا هالدمان، الزعيم الكندي للحركة التكنوقراطية الأصلية، التي كانت تعتقد بوجوب استبدال السياسيين والمصرفيين بأفراد تكنوقراطيين، لديهم الخبرة الأكبر في مجالاتهم.

لا يمكن القول، إن إيلون ماسك الرأسمالي الاستثنائي، يسير تماماً على خطى جده، لكن على الرغم من ذلك، وعلى غرار مؤسس الحركة ويليام هنري سميث، فإن تصريحاته تشير إلى اعتقاد أساسي قوي، بأن العلماء والمهندسين يمكنهم حل المشكلات السياسية المستعصية على الآخرين.

وكما جادلت المؤرخة جيل ليبور، فإن ماسك يشكل مصدر إلهام لكثير من المتابعين له، ببصمة غريبة للرأسمالية التكنولوجية تسميها الـ"ماسكية" Muskism. وتوضح أن عدداً من أفكار (الـ"ماسكية") مستمدة من الخيال العلمي، وأحياناً من الخيال العلمي القديم للغاية، ما يعني أنه إلى جانب الصواريخ الفضائية والسيارات، هي تروج أيضاً "للرؤى المستقبلية".

ويعتقد أننا ربما نعيش في إطار أشبه بالمحاكاة. ويشير بانتظام إلى مؤلف الخيال العلمي الاسكتلندي إيان م. بانكس، ويبدي اهتماماً خاصاً بمخاطر الذكاء الاصطناعي التي يعتبرها "أخطر تهديد للجنس البشري". ويعبر عن قلقه ليس فقط من الأتمتة الجماعية لوظائف ذوي الياقات البيض (أصحاب الأجور المرتفعة الذين يعملون خلف المكاتب) بل أيضاً في ما يتعلق بنشأة ذكاء اصطناعي نظري شديد الدهاء، ذي قوة هائلة لا يستطيع البشر كبح جماحها.

وكان ماسك قد قال في عام 2014: "إننا بالذكاء الاصطناعي نستحضر الشيطان"، مضيفاً أن "كل تلك القصص التي تتحدث عن رجل ما يحمل نجمة خماسية (ترمز إلى الروح والهواء والماء والنار والأرض) ومياهاً مقدسة، ويتمتع بالقوة على سحق الشيطان، إنما هي لا تجدي نفعاً".

هذا الموضوع إضافة إلى مسألة الاحتباس الحراري يعززان اقتناع عملاق الأعمال بأن استعمار كواكب أخرى- لنصبح "فصائل متعددة الكواكب"- يشكل أمراً بالغ الأهمية لاستمرار بقاء الجنس البشري على المدى الطويل، لكن مهما أخذت ذلك على محمل الجد، فمن الواضح أنه هدف مهم يحدد بقية سياسات إيلون ماسك ومواقفه.

ولا بد هنا من ملاحظة أمرين. أحدهما أن هذه المشكلات ليست معروفة جيداً خارج إطار صناعة التكنولوجيا، وأن إعطاءها الأولوية يعني افتراضك بأن هناك بعض التفاصيل التي لا يدركها الآخرون.

أما الأمر الآخر فهو أن ماسك لا ينوي تحقيق ذلك المستقبل من خلال إجراءات حكومية أو مؤسسات جماعية ضخمة مثل الحركات الرسمية أو النقابات العمالية. إنما يريد بدلاً من ذلك أن يحل تلك المشكلة بنفسه، من خلال شركات ربحية هرمية يديرها هو، بحيث يكون القرار له في طريقة تخصيص رأس المال وإدارته.

بعبارة أخرى، إنه تكنوقراطي مختلف: فهو مهندس موهوب ومهووس كبير بعمله، يعتقد أن المهندسين والمهووسين يمكنهم تصميم أنظمة حكومية واقتصادية، أفضل من تلك الموجودة الآن.

وفي دليل على ما تقدم، يكفي إلقاء نظرة على مشروعه المضطرب "هايبرلوب" Hyperloop الذي يحاول من خلاله بناء نظام جديد (فائق السرعة) من وسائل النقل العام (للأفراد والبضائع)، متحاشياً أي تدخل من خبراء النقل التقليديين، الذين يقولون إنه اخترع حافلات غير فعالة على الإطلاق. (والنظام يستفيد هو كذلك من قانون البنية التحتية الذي وضعه بايدن).

عندما اختارت مجلة "تايم" الأميركية إيلون ماسك "شخصية السنة" في عام 2021، وصفته بهذه الطريقة: "إنه الرجل الآتي من المستقبل حيث تجعل التكنولوجيا كل شيء ممكناً، وهو يعيدنا إلى ماضينا الصناعي المجيد"، لكن عدداً من الناس الذين عاشوا بالفعل في ذلك الماضي، شتموا صناعييه واصفين إياهم بأنهم "بارونات لصوص"، معتبرين أن أفعالهم السيئة ألهمت القوانين والسياسات الاجتماعية التي لا تزال سارية المفعول حتى اليوم.

ولعل هذا السبب هو الذي دفع بالبروفيسورة جيل ليبور (مؤرخة أميركية وأستاذة في "جامعة هارفارد") إلى اعتبار أن الـ"ماسكية" تشبه كثيراً الإقطاعية"، قائلة: "يبدو الأمر كما لو أن هناك أسياداً والبقية منا هم من الفلاحين، وأن تقرير مصيرنا يقع بين أيديهم لأنهم يعرفون أكثر... فالافتراض بأن جيف بيزوس (مؤسس "أمازون") وإيلون ماسك، أغنى شخصين في العالم، يمكنهما تقرير مصير البشرية خارج كوكب الأرض، هو في حد ذاته فكرة رجعية غريبة".

لكن لدى ماسك إجابة متفائلة على تلك الادعاءات، فقد قال في برنامج "ساترداي نايت لايف" Saturday Night Live في مايو: "أريد أن أتوجه لأي شخص قد أهنته، أنني أعدت ابتكار السيارات الكهربائية، وأقوم بإرسال أشخاص إلى المريخ على متن مكوك صاروخي". فهل تعتقد أنني سأكون مجرد رجل عادي؟"

© The Independent

المزيد من تقارير