Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تستطيع التجارة الحرة أن تكافح التضخم بالولايات المتحدة؟

على بايدن إلغاء الرسوم الجمركية أو خفضها فمزيد من المنافسة يعني أسعاراً أدنى

في ضوء التكاليف الاقتصادية المترتبة عن الحمائية يجب أن يكون تحرير التجارة جزءاً مركزياً من أي سياسة لمكافحة التضخم  (رويترز)

بعد أكثر من سنة على تولي الرئيس الأميركي جو بايدن ولايته الأولى، لا تزال الولايات المتحدة تخوض الحروب الاقتصادية الخاصة بالرئيس السابق دونالد ترمب. يتميز خطاب بايدن بأنه أقل تطرفاً وأكثر تهذيباً، لكن سياساته على الرغم من ذلك توجه الانعزالية القاسية التي تبناها سلفه: لقد أبقى على الرسوم الجمركية المرتفعة للغاية المفروضة على الواردات من الصين، وحافظ على الحصص في ما يتعلق بواردات الصلب والألومنيوم، وأبقى على الرسوم الجمركية المفروضة على الغسالات المستوردة.

في مناخ يتسم بالتضخم الحاد، تفرض هذه السياسات تكاليف حقيقية. فزيادات الأسعار نتيجة للرسوم الجمركية تنقل إلى المستهلكين والشركات من خلال ارتفاع التكاليف المحلية الخاصة بالبضائع المستوردة، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الملابس والأحذية ومنتجات الألبان وغير ذلك من البضائع التي يتحملها الأميركيون العاديون. وهذه التكاليف الإضافية ليست محض خيال أكاديمي، هي تسحب المال الحقيقي من جيوب المستهلكين الحقيقيين.

يتطلب تحدٍ كهذا تغييراً في السياسات. لعل الحمائية الاقتصادية لم تسبب موجة التضخم الأخيرة في الولايات المتحدة، لكن إلغاء الرسوم الجمركية أو خفضها من الممكن أن يساعد في إنهائها. فخفض نقطتين مئويتين في الحواجز القائمة أمام الواردات لصالح مجموعة واسعة من البضائع من الممكن أن يقلل معدل التضخم بمقدار 1.3 نقطة مئوية تقريباً، ما يوفر على الأسرة الأميركية المتوسطة نحو 800 دولار خلال السنة المقبلة. وقال بايدن إن أولويته القصوى "تتلخص في السيطرة على الأسعار". وإذا  كان جاداً في القيام بذلك، يتعين عليه أن يبدأ بإزالة الحواجز التجارية الجمركية وغير الجمركية.

الإدارة جديدة الحمائية نفسها

قام بايدن بأكثر من مجرد الحفاظ على سياسات ترمب التجارية الحمائية. فإضافة إلى مواصلته العمل بالرسوم الجمركية المطابقة لحرب تجارية، والتي أقرها سلفه، ضاعف بايدن القيود الهادفة إلى تعزيز "شراء المنتجات الأميركية" – أي القواعد التي تحجب المشتريات الفيدرالية عن المنافسة الأجنبية – فأخفى إجراءاته تحت عباءة الوطنية. وتشير سياسات كهذه إلى أن الشركات الأجنبية، حتى تلك التي تتخذ من البلدان الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي مقراً، عبارة عن جهات موردة غير مرحب بها، ليس من قبل الحكومة الأميركية فحسب، بل أيضاً من جانب المستهلكين الأميركيين العاديين. كذلك فشل بايدن في إلغاء قانون جونز – وهو مكافأة للبحرية التجارية الأميركية تمنع السفن الأجنبية من حمل البضائع بين الموانئ الأميركية – ففرض بالتالي تكاليف شحن مرتفعة على العائلات الأميركية المقيمة في هاواي وبورتوريكو وزاد من اختناق قطاع الشحن.

كذلك تشكل حمائية بايدن السياسة التي تنتهجها إدارته في التعامل مع الصين. في مؤتمر صحافي في مايو (أيار)، أشارت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى أن بعض الرسوم الجمركية التي فرضت على الواردات الصينية في عهد ترمب "تتسبب بمزيد من الضرر للمستهلكين والشركات"، ولا تفعل إلا أقل القليل لتعزيز المصالح الأميركية. وعلى الرغم من ذلك، تؤكد الممثلة التجارية للولايات المتحدة كاثرين تاي في شكل مستمر على الحاجة إلى "استراتيجية دائمة وفاعلة" للتنافس مع الصين، استراتيجية تتضمن رسوماً جمركية. ومما يزيد هذه المسألة تعقيداً إصرار بعض الساسة، مثل عضوي مجلس الشيوخ الجمهوريين ماركو روبيو وجوش هاولي، على أن أي تجارة مع الصين تخلو من الوطنية، مع عدم التمييز بين أغطية الوسائد وأجهزة الليزر ذات التكنولوجيا الفائقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المؤسف أن معارضة بايدن للتجارة الحرة تتزامن مع معدل التضخم الأعلى على مدى عقود، والذي تفاقم بسبب جائحة "كوفيد-19"، ومشكلات سلاسل الإمداد، وتكاليف الطاقة المتزايدة، فقد تضاعفت الأسعار العالمية للأسمدة، مثلاً، مقارنة بها قبل سنة. وسجلت أسعار الصلب العالمية ارتفاعات تاريخية العام الماضي، بل وقد ترتفع إلى مستويات أعلى بعد أن دمرت روسيا محطة آزوفستال العملاقة في أوكرانيا، وأخضعت العقوبات صادرات موسكو في شكل مباشر إلى حظر غربي.

لن تؤدي الرسوم الجمركية والحصص التي فرضها ترمب – ويفرضها الآن بايدن – على الصلب إلا إلى زيادة معدل التضخم من خلال رفع أسعار السيارات، والثلاجات، وتمديدات السباكة، والجسور، وغير ذلك كثير. وعلى الرغم من أن شركات تصنيع الصلب المحلية قد تصر على أن رسوماً جمركية كهذه تحمي الوظائف الأميركية، يدفع مستخدمو الصلب الأميركيون 650 ألف دولار إضافية سنوياً لكل وظيفة محفوظة من وظائف قطاع الصلب – وهذه تكلفة غير مقبولة. وفي الوقت نفسه، تضيف الضرائب الجزائية على الخشب الكندي 18 ألفاً و600 دولار إضافية إلى سعر المنزل الأميركي المتوسط المشيد حديثاً. وبين عامي 2017 و2021، هبطت واردات الأخشاب من كندا من 5.9 مليار دولار إلى 185 مليون دولار. والقائمة تطول.

حتى الاستثناءات المصممة لمعالجة الشكاوى الأجنبية من الحمائية الأميركية لم تحدث فارقاً كبيراً، فقد فاوضت بعض البلدان بنجاح على إعفاءات دائمة من الرسوم الجمركية الأميركية على الصلب والألومنيوم في مقابل فرض قيود على صادرات أخرى إلى الولايات المتحدة، لكن حصصاً كهذه لا تنجح كثيراً في زيادة إمدادات المواد الخام المتاحة للصناعات الأميركية التي تستخدم الصلب، فقد وافقت البرازيل وكوريا الجنوبية، مثلاً، على حصص عام 2018، لكن صادراتها من الصلب إلى الولايات المتحدة تظل أدنى كثيراً من المستويات التي كانت عليها قبل فرض الرسوم الجمركية.

التجارة والتضخم

في ضوء التكاليف الاقتصادية المترتبة على الحمائية، يجب أن يكون تحرير التجارة جزءاً مركزياً من أي سياسة لمكافحة التضخم، ذلك أن خفض الرسوم الجمركية وإلغاء حصص الاستيراد من شأنهما أن يخفضا تكاليف البضائع المستوردة التي تشتريها الشركات والأسر الأميركية. ومن ناحية أخرى، ستفرض البضائع الأجنبية الأرخص ثمناً ضغوطاً تدفع الأسعار المحلية للبضائع المتنافسة إلى الانخفاض. وبما أن الأسر ذات الدخل المنخفض تستهلك نسبة أكبر من إيراداتها مقارنة بالأسر ذات الدخل المرتفع، سيفيد أيضاً أي خفض للرسوم الجمركية في شكل غير متناسب العائلات الأميركية الأكثر ضعفاً.

من المفيد أن نبدأ بما يعادل خفض الرسوم الجمركية بمقدار نقطتين مئويتين، فمن شأن ذلك أن يخفض معدل التضخم بنحو 1.3 نقطة مئوية على مدى السنة المقبلة. ولتحقيق هذا الهدف، يتعين على بايدن أن يزيل الرسوم الجمركية كلها تقريباً التي فرضها ترمب على الصلب والألومنيوم والواردات الصينية. كذلك يتعين على بايدن أن يقدم إعفاءً طارئاً من الضرائب المفروضة على المنتجات الرئيسة مثل الأسمدة والأخشاب. وعلى على الرغم من أن خفض 1.3 نقطة مئوية قد يبدو ضئيلاً، بينما يستعر معدل التضخم عند 8.3 في المئة، لن يكون الإعفاء تافهاً. من الناحية العملية، ستدخر الأسرة الأميركية المتوسطة 800 دولار إضافية خلال السنة المقبلة. وفي السنوات الأكثر طبيعية، عندما يقترب معدل التضخم من المستهدف السنوي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يبلغ اثنين في المئة، سيكون خفض معدل التضخم بنسبة 1.3 في المئة كبيراً.

لكن إدارة بايدن تستطيع أن تكون أكثر طموحاً. إذا اتخذت واشنطن إجراءات إضافية، بما في ذلك تخفيف القيود الهادفة إلى تعزيز "شراء المنتجات الأميركية" وخفض الحد الأقصى للرسوم الجمركية المفروضة على البلدان الأكثر تفضيلاً – تلك التي تزيد على 20 في المئة – إلى حد أقصى يساوي 10 في المئة، يمكنها أن تقلل من عبء الرسم الجمركي المتوسط بمقدار 4.2 نقطة مئوية وأن تخفض معدل التضخم بمقدار نقطتين مئويتين، ذلك كله مع ترك كثير من الحواجز في مكانه. وعلى وجه الخصوص، يفترض تحليلنا أن الولايات المتحدة ستحتفظ بالقيود المفروضة على الخدمات المستوردة – مثلاً، مطالبة المهنيين الأجانب بالخضوع إلى عمليات ترخيص مرهقة ومنع السفن الأجنبية من نقل البضائع بين الموانئ الأميركية. وعلى الرغم من أن حواجز كهذه ترفع أسعار العديد من الخدمات الحيوية في شكل حاد، من شأن المناخ السياسي الحالي أن يجعل إزالة هذه الحواجز أمراً بالغ الصعوبة.

 

وعلاوة على ذلك، إذا كان بايدن يريد تقديم إعفاء سريع إلى المستهلكين، يمكنه إعطاء الأولوية إلى خفض الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع المستوردة التي تحتل مكانة بارزة في الإنفاق الأسري، بما في ذلك منتجات الألبان والملابس والأحذية. ومن خلال وضع سقف للرسوم الجمركية المفروضة على البلدان الأكثر تفضيلاً في ما يخص هذه المنتجات يساوي 10 في المئة، يستطيع بايدن أن يخفض في شكل واضح الأسعار المعلنة للبضائع اليومية التي تباع من قبل "أمازون" و"والمارت"، وغير ذلك من منافذ البيع بالتجزئة الرئيسة. ومرة أخرى، من شأن سياسة كهذه أن تفيد الأسر ذات الدخل المنخفض في المقام الأول لأنها تنفق حصة أعلى من مداخيلها على البضائع الأساسية.

ومن ناحية أخرى، يستطيع بايدن أن يطلب من الكونغرس سلطة تجيز له تعليق الرسوم الجمركية أو الضرائب لمدة 18 شهراً على أي منتج قد يقرر الرئيس أنه يشهد حالة نقص، بدءاً بحليب الرضع، والأسمدة، والأخشاب. ولتهدئة مخاوف السلطة التشريعية من انتزاع سلطة تنفيذية، يمكن أن ينتهي تلقائياً العمل بالقانون المعني إذا انخفض معدل التضخم السنوي إلى أقل من ثلاثة في المئة خلال 18 شهراً، وأن يحتوي على حكم يسمح للكونغرس بتجاوز الرئيس. وفي حال الجمع بين هذه السياسات، هي ستصقل مؤهلات بايدن في مجال مكافحة التضخم وستلقى ترحيباً من جانب المستهلكين الأميركيين مع انخفاض الأسعار في منافذ البيع بالتجزئة.

تحرير الأوضاع الجيوسياسية

بعيداً من مكافحة التضخم، في مقدور تحرير التجارة أيضاً أن يخدم الأهداف الجيوسياسية للولايات المتحدة. مثلاً، ستؤدي المشاعر الحمائية حتماً إلى تقويض اثنتين من مبادرات بايدن الدولية الرئيسة: الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادي – الذي يهدف إلى التصدي للإدارة الاقتصادية للدولة الصينية، والمجلس الأميركي الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا، الذي يسعى إلى تنسيق السياسات الخاصة بالمسائل التجارية عبر المحيط الأطلسي. وطالما أن المعارضة المحلية للتجارة الحرة تبعد الوصول الجديد إلى الأسواق الأميركية عن الطاولة في المفاوضات، يجب أن تعتمد هاتان المبادرتان البارزتان في شكل متزايد على الالتزامات الأمنية الأميركية لتشجيع المشاركة. فهذه المفاضلة غير المعلنة قد لا تنجح مع البلدان التي لديها بالفعل تحالفات عسكرية مع الولايات المتحدة أو تلك التي قد لا تشعر بمخاوف حادة من التوسع الصيني، مثل إندونيسيا وماليزيا. 

وفي ظل هذه القيود العملية، قد يثبت الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادي والمجلس الأميركي الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا أنهما بديلان غير كافيين لاتفاقيات التجارة والاستثمار القائمة، مثل الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادي – الاتفاقية التي تخلص ترمب منها في وقت مبكر من رئاسته – والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، المدخل الرئيس للصين في رهانات التجارة الإقليمية، ذلك أن بايدن يطلب من الشركاء الأجانب قبول المعايير الأميركية الخاصة بحقوق العاملين والأقليات، والمساواة بين الجنسين، والقواعد البيئية، وفساد القطاع العام، والمؤسسات المملوكة للدولة، والذكاء الاصطناعي، والممارسات الرقمية، وخصوصية البيانات، وغير ذلك كثير في مقابل ضمانات أمنية واسعة وغير محددة. قد لا تجد هذه الصفقة صدى طيباً في الدوائر الانتخابية المحلية في البلدان الشريكة المهتمة بمسائل المعيشة أكثر من اهتمامها بالأوضاع الجيوسياسية.

وعلى النقيض من ذلك، من شأن تحرير التجارة أن يفتح الباب أمام مجموعة من الاحتمالات الجديدة. بوسع بايدن، مثلاً، أن يقدم منافع ملموسة إلى الشركاء من خلال إزالة الرسوم الجمركية والحصص في مجالي الصلب والألومنيوم، وتخفيف القواعد الهادفة إلى تعزيز "شراء المنتجات الأميركية" لتوسيع القدرة على الوصول إلى الأسواق في مجال المشتريات الحكومية، أو خفض الرسوم الجمركية على الألبان والملابس. ومن شأن القيام بذلك أن يظهر حسن النية السياسية ويعزز الدعم الأجنبي للمبادرات الأميركية.

رد الفعل الحتمي

على الرغم من منطقية تحرير التجارة من الناحيتين الاقتصادية والجيوسياسية، هو سيواجه حتماً تحديات من جانب دوائر الأعمال ومجموعات العمالة، ذلك أن المستفيدين من الحمائية يتمتعون بحلفاء أقوياء في الكونغرس وإدارة بايدن، فقد وصف بايدن ذاته القواعد الهادفة إلى تعزيز "شراء المنتجات الأميركية" بأنها حجر الزاوية في سياسته الخارجية، ومن الواضح أن الشركات الأميركية الكبرى، ولا سيما شركات البناء ومتعاقدي الدفاع، سيستفيدون من أحكام هذه القواعد. ومع ذلك، يمكن لتخفيف أحكام كهذه أن يوفر على الحكومة الأميركية ودافعي الضرائب ما يقدر بـ100 مليار دولار سنوياً.

وستأتي وفور مماثلة من خفض الرسوم الجمركية والحصص المفروضة على الصلب، ومن مجموعة كبيرة من الضرائب الجزائية والحدود القصوى للرسوم الجمركية. ويعارض أنصار الحمائية التجارة الحرة باسم "المرونة الاقتصادية"، لكن سياساتهم تأتي بتكاليف باهظة – التكاليف التي يتحملها المستهلكون المتوسطون في نهاية المطاف. فإما أن يكون التضخم في المرتبة الأولى بين أولويات بايدن المحلية أو أنه ليس كذلك، لكن إذا كان كذلك، تصبح قيمة التعامل مع الحمائية واضحة. 

غاري هوفباور زميل أقدم غير مقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

ميغان هوغان محللة بحوث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

يلين وانغ محللة بحوث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي

مترجم عن فورين أفيرز - يونيو 2022

اقرأ المزيد

المزيد من آراء