بنوع من الرضى غادر الوسيط الأميركي آموس هوكستين بيروت بعد زيارة استمرت يومين على أن يعود الأسبوع المقبل، وقد عبر هوكستين عن سروره بالإجماع في الموقف اللبناني والإعداد الجدي الذي لمسه للزيارة من قبل المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، واصفاً في حديث تلفزيوني الأفكار التي سمعها بأنها تشكل أسساً لمواصلة المفاوضات والتقدم بها.
سلسلة لقاءات
الوسيط الأميركي الذي وصل لبنان عصر الإثنين الـ 13 من يونيو (حزيران) الحالي، بناء على دعوة وجهت إليه من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد دخول الباخرة اليونانية إلى "حقل كاريش"، كان له في بيروت سلسلة لقاءات رسمية شملت عون وميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وكان لافتاً مشاركة إبراهيم وأيضاً نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب في أحد اللقاءات، كما استقبل في مقر السفارة وفداً من النواب التغييريين الذين غردوا خارج سرب لبنان الرسمي عبر الإصرار على الخط (29) واعتبار "حقل كاريش" ضمن المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل. ولفتت زيارة هوكستين مقر إقامة السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، وسط معلومات كشفت عن لقاء عقدته الأخيرة في الضاحية الجنوبية مع النائب السابق نواف الموسوي المكلف من قبل "حزب الله" حديثاً بملف ترسيم الحدود البحرية، وهو ما أعطى انطباعاً بأن الموفد الأميركي أراد التأكد من موقف الحزب في شأن الطرح اللبناني الرسمي قبل طرحه على إسرائيل، كون الفرنسيين على تواصل دائم مع "حزب الله"، وكان الرئيس عون الذي سبق وذكّر بالمادة الدستورية التي تحصر صلاحية البت في الاتفاقات الدولية برئاسة الجمهورية، هو الذي تولى إبلاغ هوكستين بموقف لبنان من اقتراح سابق كان حمله الوسيط الأميركي إلى بيروت في فبراير (شباط) الفائت، مع التمني عليه بالعودة بالجواب سريعاً الى لبنان.
لبنان يتخلى عن الخط (29)
في لقاء بعبدا (حيث القصر الجمهوري) استمع هوكستين على مدى 40 دقيقة إلى شرح من رئيس الجمهورية تضمن "موقف لبنان الموحد" حيال المقترح الذي كان حمله معه خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، وكشفت مصادر شاركت في اللقاء لـ "اندبندنت عربية" أن الموقف اللبناني أسقط الخط (29) بما يمنح إسرائيل كامل "حقل كاريش"، في مقابل التفاوض على أساس الخط (23) الذي يمنح لبنان كامل "حقل قانا".
وبحسب المعلومات فإن رئيس الجمهورية طالب بحق لبنان الكامل في حقل قانا، ورد باعتماد الخط (23) لكن معدلاً، على أن يُرسم بشكل مستقيم لا متعرجاً كما كان اقترح هوكستين.
والتعديل المقترح من الجانب اللبناني يسمح للبنان باستعادة جزء من قانا الموجود في المنطقة المتنازع عليها، أي ضمن الخط (29)، ويُستكمل بعدها الخط بشكل مستقيم وفق الخط (23).
وأصر رئيس الجمهورية على عدم مشاركة لبنان مع أي طرف آخر بملكية حقل قانا، ووضع البلوكات الموجودة شمال الخط (23) بتصرف لبنان وحده وألا يكون لإسرائيل أي حصة في هذه البلوكات.
وعُلم أن رئيس الجمهورية قدم للوسيط الأميركي خريطة تحدد المنطقة التي يطالب بها لبنان وفق الخط (23)، وبحسب المعلومات فإن الجانب اللبناني طالب الوسيط الأميركي بإلزام إسرائيل تجميد أي نشاط استثماري أو استكشافي في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان إلى حين إبرام الاتفاق النهائي على الترسيم، مع دعوته أيضاً إلى الدفع باتجاه العودة سريعاً للمفاوضات غير المباشرة لتحقيق هذا الهدف.
وعلمت "اندبندت عربية" أن الباخرة اليونانية أوقفت عملها بطلب من الوسيط الأميركي إلى حين إنهاء مهمته، وهو أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن الباخرة بعيدة من المنطقة المتنازع عليها بحوالى الميلين ونصف الميل، ولا نية لدى إسرائيل بإدخال الباخرة إلى المنطقة المتنازع عليها بانتظار نتائج المفاوضات.
من يعطي الضمانات لشركات التنقيب؟
في السراي الحكومي في بيروت كما في عين التينة (مقر رئاسة البرلمان) كذلك في القصر الجمهوري، سمع الوسيط الأميركي موقفاً موحداً بحضور لافت لنائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم والمدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير، الذين شاركوا في اللقاءات الثلاثة، مما طرح تساؤلات عن إمكان استبعاد ضباط الجيش عن الملف بعد تجاذبات واتهامات قادها بو صعب ضد رئيس الوفد اللبناني المفاوض العميد المتقاعد بسام ياسين، محملاً إياه مسؤولية خلق عقدة الخط (29) لأسباب مجهولة، وفيما ذكّر بري باتفاق الاطار الذي سبق أن رعى إبرامه، مؤكداً أنه "يبقى الأساس والآلية الأصلح في التفاوض غير المباشر استناداً إلى النصوص الواردة فيه والتي تدعو إلى استمرار اللقاءات وصولاً إلى النتائج المرجوة كحل وحيد لملف ترسيم الحدود"، لفت ما تضمنه البيان الصادر من السراي الحكومي بعد لقاء ميقاتي الوسيط الأميركي حول ضرورة البدء بالتنقيب عن النفط لما فيه مصلحة لبنان، وهو ما يحمل ضمناً إشارة إلى الصعوبات التي حالت حتى الآن دون تنقيب "شركة توتال" في البلوك رقم (9)، إضافة الى عدم تقدم أي شركة جديدة للمناقصات التي فُتحت على الرغم من تمديد المهل.
ومعلوم أن الأسباب وراء ذلك سياسية، ربما من باب الضغط على لبنان لإنهاء هذا الموضوع، إضافة إلى حاجة الشركات إلى ضمانات أمنية وسط عدم قدرة السلطات اللبنانية على ضبط إيقاع "حزب الله" وارتباط ملف الحدود بالموضوع الإقليمي.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية" أن الجانب اللبناني طلب المساعدة الأميركية المباشرة في عملية استكشاف البلوكات اللبنانية، نظراً لكون الشركات المعنية التي تم تلزيمها هذه العملية لا تزال تتذرع بعدم وجود مناخٍ آمن يتيح البدء بأعمالها قبل إنجاز الترسيم البحري بصورة نهائية.
لماذا زار هوكستين السفيرة الفرنسية؟
ونشرت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو عبر صفحتها على "تويتر" صورة تجمعها مع الوسيط الأميركي بحضور السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، وغردت "حوار مستفيض في شأن الحدود البحرية مع الموفد الأميركي آموس هوكستين. من المهم بالنسبة إلى مستقبل لبنان واستقرار المنطقة أن يتم التوصل إلى حل دبلوماسي لهذا النزاع عبر التفاوض، وفرنسا لن تألو جهداً في هذا السبيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترافق اللقاء بمقر السفارة الفرنسية في "قصر الصنوبر" مع معلومات كشفتها مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية" عن دور فرنسي تولته السفيرة غريو التي لم تقطع بلادها العلاقة مع "حزب الله"، في تلبية الطلب الأميركي بمعرفة حقيقة موقف الحزب من ملف ترسيم الحدود البحرية على وقع التهديدات المتبادلة بينه وبين إسرائيل، ولم يكن قرار الحزب تعيين النائب السابق نواف الموسوي مسؤولاً عن ملف ترسيم الحدود فور الإعلان عن زيارة هوكستين بيروت صدفة، وبرزت معلومات نقلتها وكالة "مهر" الإيرانية قبل يومين من وصول الوسيط الأميركي إلى بيروت عن أن موفداً فرنسياً حط في الضاحية والتقى مسؤولين في الحزب، وكشفت الوكالة أن الموضوع كان السفينة اليونانية وعملها في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، وقد سمع الموفد الفرنسي كلاماً أكد جهوزية الحزب في الدفاع بكل الوسائل لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها النفطية.
وبحسب المعلومات فإن الموفد الفرنسي الذي زار الضاحية هو السفيرة الفرنسية التي التقت مسؤولين في الحزب بينهم الموسوي، ونفت السفارة الفرنسية أن يكون البحث تناول زيارة هوكستين أو ترسيم الحدود لا من قريب ولا من بعيد. وأكدت أن البحث تناول القضايا اللبنانية العامة، لا سيما المضي في تشكيل حكومة والإسراع في الخطوات الضرورية للإصلاحات البنيوية.
هل ارتكب المسؤولون جرم الخيانة العظمى؟
من جهة أخرى، وفي وقت التزم فيه "حزب الله" الصمت وأعطى أمينه العام حسن نصرالله الدولة اللبنانية مهلة شهرين لانهاء المفاوضات على قاعدة عدم التخلي عن الحقوق اللبنانية، مهدداً بضرب الباخرة اليونانية لعدم السماح لإسرائيل باستخراج الغاز من منطقة متنازع عليها، برزت أصوات معترضة على إسقاط لبنان الخط (29)، وانتقدت الموقف الرسمي اللبناني الذي أبلغه عون للوسيط الأميركي.
أحد المعترضين هو أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام خليفة، الذي أرسل رسالة احتجاجية إلى النواب تضمنت كل الشروح والوثائق التي تدعم موقفه، وأكد لـ "اندبندنت عربية" أن "لا دولة في العالم وضعت حدوداً للمنطقة الاقتصادية التابعة لها إلا انطلاقاً من حدودها البرية، على عكس لبنان". وبحسب خليفة فإن "الخط (23) لا مبرر قانوني له، ولم ينطلق من رأس الناقورة ولا أسس علمية له"، معتبراً أن ذلك الخط "مناقض للقانون الدولي ولقانون الترسيم". وسأل خليفة عن خلفيات اعتماد لبنان الرسمي الخط (23)، مذكراً بأن الدولة اللبنانية عندما استعانت بالمكتب البريطاني "يو كي إتش أو" UKHO وطلبت منه إعداد دراسة كاملة عن حدودها مع إسرائيل، أتى الجواب البريطاني باعتماد الحدود بناء للخط (29)، فيما لا أساس قانوني مثبت للخط (23) غير أن إسرائيل هي التي حددته وفقاً للبلوكات التابعة لها وبما يتناسب مع مصالحها.
واتهم خليفة "رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعدم الأخذ بالخط (29) عام 2011، وبمسؤولية تسجيل الحدود اللبنانية في الأمم المتحدة وفق الخط (23)، علماً أن الجيش اللبناني الذي عاد ووضع دراسة استندت الى وثائق وخرائط، حدد الخط (29) لحدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة".
وإذ اتهم أستاذ التاريخ أيضاً رئيس مجلس النواب بأنه هو من ارتكب الخطأ الأساس عندما وضع "إطار التوافق" هرباً من "خط هوف"، فهو يحذر المسؤولين من توقيع هكذا مرسوم تحت طائلة رفع دعوى ضدهم بتهمة ارتكاب جرم الخيانة العظمى، مهدداً باستعداده لتقديم هكذا دعوى.