Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تلاشت هيمنة أميركا على أسواق القمح والحبوب حول العالم؟

ارتفاع أسعار الحبوب وانخفاض عملات المنافسين كانت عوامل مساهمة

الحرب بين روسيا وأوكرانيا أحدثت أزمة غذاء عالمية يتوقع أن تستمر لفترة طويلة من الزمن (رويترز)

عُرفت الولايات المتحدة لعشرات السنين بأنها سلة خبز العالم، حينما كانت رائدة في صادرات القمح والذرة وفول الصويا وغيرها من الحبوب، ولكن على الرغم من أن حجم صادراتها لا يزال قوياً، فإن التأثير النسبي لأميركا في سوق الصادرات العالمية أصبح أقل من أي وقت مضى، ولم تظهر الولايات المتحدة كمُنقذ أو سوق بديلة بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي أحدثت ولا تزال أزمة غذاء عالمية يتوقع أن تستمر لفترة طويلة من الزمن، فما السبب وراء تراجع الهيمنة الأميركية في سوق القمح والحبوب العالمية؟

مبالغة بايدن

قبل نحو خمسة أسابيع تجول الرئيس الأميركي جو بايدن في مزارع أوكونور العائلية للقمح، التي تبلغ مساحتها 800 فدان في ولاية إلينوي قبل حصاد المحصول في يوليو (تموز) المقبل، ليتعهد من هناك بمساعدة المزارعين الأميركيين الذين وصفهم بأنهم يشكلون "سلة خبز الديمقراطية" في محاولة تخفيف الارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكن بايدن أعلن أيضاً أنه يمكن التأكد من أن الصادرات الزراعية الأميركية سوف تعوض الفجوة في الإمدادات الأوكرانية، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين مبالغة في غير محلها، بالنظر إلى تراجع نسبة الصادرات الأميركية من القمح والذرة وغيرها من الحبوب خلال السنوات الأخيرة.

والحقيقة التي لا تخفى على المسؤولين في وزارة الزراعة الأميركية أن هناك حدوداً لكمية القمح التي يمكن أن تنتجها الولايات المتحدة لتعويض أي نقص في المعروض العالمي نتيجة للحرب في أوكرانيا، إذ قدرت الوزارة في مارس (آذار) الماضي مساحة الأراضي المزروعة بالقمح بنحو 47.4 مليون فدان هذا العام، بزيادة قدرها واحد في المئة فقط على عام 2021، لكنها ستكون في الوقت نفسه خامس أقل كمية من الأفدنة المخصصة للقمح في السجلات الأميركية التي تعود إلى عام 1919.

تراجع مستمر

وبحسب البيانات الرسمية المعلنة على موقع وزارة الزراعة الأميركية، فإن الولايات المتحدة تعد ثالث أكبر مُصدر للقمح بعد روسيا وكندا، حيث تمثل نحو 14 في المئة من التجارة العالمية، وتنافس هذه الدول الثلاث صادرات القمح من دول أخرى مثل أستراليا والأرجنتين وأوروبا وأوكرانيا، لكن قبل عشر سنوات، كانت حصة صادرات القمح الأمريكية تمثل نحو 23 في المئة من إجمالي الصادرات العالمية، بانخفاض عن نسبة الثلث التي كانت أميركا تستحوذ عليها في أوائل التسعينيات، وأكثر من 40 في المئة خلال السبعينيات، وخلال العقدين الأخيرين، تُصدر أميركا نحو نصف محصول القمح المزروع في الولايات المتحدة، من دون تغيير إلى حد كبير.

وعلى سبيل المثال، بلغت قيمة صادرات القمح الأميركية إلى العالم عام 2020 نحو 6.3 مليار دولار، في حين كانت صادرات روسيا 10.1 مليار دولار، وصادرات كندا نحو سبعة مليارات دولار، وكانت أكبر ثلاثة أسواق للولايات المتحدة التي مثلت 36 في المئة من صادراتها من القمح هي الفيليبين بمبلغ 826 مليون دولار، والمكسيك بنحو 778 مليون دولار، واليابان بنحو 635 مليون دولار.

وبشكل إجمالي بالنسبة إلى الحبوب الأهم في العالم تُصدر الولايات المتحدة حالياً ما يزيد قليلاً على ربع إنتاج العالم من القمح والذرة وفول الصويا مجتمعين، مقارنةً بأكثر من النصف قبل نحو 30 عاماً، كما تزرع البلاد أيضاً نحو ربع تلك المحاصيل العالمية، وهي نسبة أصغر مما كانت عليه في العقود السابقة، على الرغم من أن الانخفاض في الإنتاج، أقل حدة بكثير من انخفاض الصادرات الزراعية الأميركية.

عوامل متعددة

أسهمت مجموعة من العوامل المتضافرة في تلاشي الهيمنة الأميركية على سوق القمح والحبوب حول العالم خلال السنوات الأخيرة، ومن بينها ارتفاع أسعار الحبوب والبذور الزيتية، وزيادة الطلب العالمي، وضعف عملات الدول المنافسة الأخرى، بالإضافة إلى أن نقص المحاصيل في الولايات المتحدة بين عامي 2010 و2012 أدى إلى خفض حصة البلاد في السوق بشكل دائم، وأسهم في صعود المنتجين المتنافسين، فضلاً عن استخدام سياسات زراعية بيئية قللت من الإنتاج الأميركي. 

ووفقاً لموقع "فوود بيزنيس نيوز"، توقعت وزارة الزراعة الأميركية في تقرير إنتاج المحاصيل الصادر في 12 مايو (أيار) الماضي، تراجع إنتاج القمح الشتوي في العام الحالي 2022 بنسبة ثمانية في المئة، مقارنة بالعام السابق، وهي توقعات استندت إلى المساحة المحصودة المتوقعة عند 24.5 مليون فدان، بانخفاض نحو مليون فدان، أو أربعة في المئة، مقارنة بالعام السابق في عام 2021، فضلاً عن انخفاض غلة الفدان التي تعود في جزء منها إلى عوامل الظروف الجافة في كولورادو، وكانساس، وأوكلاهوما، وتكساس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما توقعت وزارة الزراعة الأميركية إنتاج القمح الشتوي الأحمر القاسي في عام 2022 بانخفاض قدره 21 في المئة مقارنة بالعام السابق، وتراجع إنتاج القمح الشتوي الأبيض الصلب بنسبة 23 في المئة مقارنة بالعام السابق. ومن بين أسباب تراجع مساحات زراعة القمح خلال العقد الماضي استبدال المزارعين بفدادين القمح محاصيل أكثر ربحية مثل الذرة وفول الصويا.

تنامي إنتاج المنافسين

كان القمح الأميركي يمثل 13 في المئة من المحصول العالمي قبل 50 عاماً، لكنه انخفض إلى سبعة في المئة فقط الآن، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت على رأس سوق تصدير القمح حتى منتصف العقد الماضي، ولا يزال محصول القمح الأميركي هو رابع أكبر محصول بعد الصين والهند وروسيا، فإن ازدهار إنتاج القمح وقدرات التصدير على وجه التحديد في البحر الأسود خلال السنوات الأخيرة، وتزايد الشحنات المجمعة من روسيا وأوكرانيا على وجه الخصوص قبل الحرب إضافة إلى ضعف حجم الصادرات السنوية للولايات المتحدة، من أسباب تراجع حصة أميركا في السوق.

ولأن المحاصيل تباع بالدولار في السوق الدولية، يدفع ذلك المزارعين غير الأميركيين إلى الحرص على بيع منتجاتهم عندما تضعف عملتهم، ما يزيد من توافر المعروض القابل للتصدير، كما أن أية أضرار تلحق بالمحاصيل على نطاق واسع، مثل حصاد الولايات المتحدة عام 2012، تؤدي إلى زيادة الأسعار العالمية وإغراء المزيد من المنافسين على زيادة الإنتاج خارج الولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال، كان تخفيض قيمة العملة الروسية (الروبل) في عام 2014 عاملاً رئيساً في زيادة إنتاج القمح في البحر الأسود وتصديره، كما تسبب ضعف الريال البرازيلي في قيام المزارعين بتسويق مكثف لمحاصيلهم الحالية والقادمة من محاصيل القمح والذرة وفول الصويا وزراعة مساحة قياسية منها.

سوق ضيقة

وبحسب أندرس آسلوند، أستاذ السياسات الاقتصادية في جامعة جورج تاون، فإن سوق الحبوب العالمية تضيق بسرعة بسبب مشاكل الإنتاج في أجزاء كثيرة من العالم، التي ترتبط إلى حد كبير بتغير المناخ باستثناء روسيا وأوكرانيا، وأنه نتيجة لقيود السوق العالمية للحبوب ارتفعت الأسعار العالمية بشكل كبير، حيث تضاعفت أسعار القمح العالمية منذ أوائل عام 2021 وارتفع سعر طحين القمح من نحو 200 يورو للطن في أوائل عام 2021 إلى 400 يورو للطن في الوقت الحالي.

ولأن الغذاء يعد قضية سياسية حساسة للغاية للسياسيين الحريصين على إبقاء أسعار المواد الغذائية منخفضة، فإنهم يريدون الاحتفاظ بالحبوب الحيوية المنتجة محلياً داخل بلدانهم، وغالباً ما يؤدي النقص إلى حظر التصدير، حيث فرضت أكثر من عشرين دولة بالفعل حظراً على تصدير المواد الغذائية، بما في ذلك منتجو الحبوب المهمون مثل الهند وإندونيسيا، ومن المرجح أن تحذو حذوها دول أخرى، ما يؤدي إلى تفاقم النقص العالمي في الحبوب.

ونظراً إلى أن سوق الحبوب العالمية تنمو بشكل أكثر إحكاماً، فإن العديد من المصدرين التقليديين يحظرون الصادرات للحفاظ على أسعارها المحلية منخفضة، بهدف تجنب التوترات السياسية، لكن حظر الصادرات، يؤدي إلى زيادة أسعار الحبوب في السوق العالمية بينما تعاني الدول الضعيفة اقتصادياً.

تراجع المساحات المزروعة

نقل موقع "فارم دوك دايلي" عن بيانات جامعة ألينوي في أوربانا شامبين، أن انخفاض حصة إنتاج الولايات المتحدة من إجمالي إنتاج العالم من الحبوب والبذور الزيتية، يعود إلى انخفاض حصة الولايات المتحدة من المساحة المزروعة والمحصودة، إلى الحد الذي يدفعها إلى معالجة انخفاض حصتها من إنتاج الحبوب والبذور الزيتية في العالم، بدءاً من معالجة مسألة المساحات المزروعة.

ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية فإن أسباب تراجع المساحات المزروعة تعود لأسباب عديدة، من بينها تزايد تقلب الأسعار خلال الفترة من 1972 إلى 1974، وإزالة الأراضي المزروعة سابقاً في الولايات المتحدة من خلال بعض البرامج الزراعية، فضلاً عن مشروع قانون الزراعة لعام 1973 الذي غير السياسة الزراعية الأميركية وأعطى الأسواق دوراً أكبر في تحديد الأسعار.

ونتيجة لذلك، انخفض متوسط نصيب الولايات المتحدة من إنتاج الحبوب والبذور الزيتية العالمية من 20.3 في المئة بين عامي 1975-1979 إلى 15.9 في المئة في الفترة من 2017 إلى 2021، وعلى الرغم من زيادة إنتاج الولايات المتحدة بنسبة 73 في المئة، من 325 إلى 562 مليون طن متري، لكن إنتاج بقية العالم زاد أيضاً في هذه الفترة بنسبة 133 في المئة، حيث ارتفع من 1276 إلى 2968 مليون طن متري، وتعتبر الزيادة في الإنتاج العالمي من 1276 إلى 2968 مليون طن متري، أكبر بثلاث مرات من إنتاج الولايات المتحدة الحالي من الحبوب والبذور الزيتية، وهذا يعني أن دور الولايات المتحدة في إنتاج الحبوب والبذور الزيتية العالمية بمقدار الخمس في 45 عاماً.

الذرة وفول الصويا

ولا تختلف الصورة كثيراً بالنسبة إلى الذرة وفول الصويا، ففي السبعينيات والثمانينيات، خرج نحو 80 في المئة من شحنات الذرة السنوية في العالم من شواطئ الولايات المتحدة، حيث تم تصدير أكثر من ربع محصول الذرة في الولايات المتحدة، لكن هذه الأرقام تراجعت إلى 15 في المئة فقط، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة المنافسة مع منتجي الإيثانول التي بدأت منذ نحو 15 عاماً.

وبين عامي 1960 و1980، كان نحو 45 في المئة من الذرة في العالم مزروعة في الولايات المتحدة، وتراجع ذلك إلى 40 في المئة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم انخفضت حصة أميركا الآن إلى الثلث.

حصة السوق المفقودة

أما فول الصويا فقد شكلت زراعته في الولايات المتحدة ما يقرب من ثلاثة أرباع الإجمالي العالمي نتيجة قفزات هائلة في تكنولوجيا وأبحاث فول الصويا في الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين، ما جعل البلاد المورد الوحيد للبذور الزيتية بحلول عام 1970، حيث كانت تمثل ما يقرب من 95 في المئة من الصادرات العالمية، وانخفضت هذه الحصة إلى 50 في المئة بحلول عام 1990 ثم تراجعت بشكل مطرد إلى نحو الثلث اليوم، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى دخول البرازيل منافساً.

فقد بدأت البرازيل في الظهور كمنتج رئيسي لفول الصويا منذ نحو 50 عاماً، على الرغم من أن هذا التوسع كان أكثر وضوحاً في العقد الأخير، وأصبحت البرازيل أكبر مصدر في عام 2012 بعد محصولين مخيبين للآمال في الولايات المتحدة، إلى أن استحوذت البرازيل على نصف صادرات فول الصويا العالمية بينما تبلغ حصة الولايات المتحدة الآن نحو 35 في المئة.

المزيد من تقارير