Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التفاوض على الحدود بين لبنان وإسرائيل تحت غطاء التهديدات

التسخين الإقليمي أيقظ المخاوف من مواجهة بين طهران وتل أبيب و"حزب الله" انساق وراء المزايدات الداخلية

متظاهرون لبنانيون يحتجون بعد أيام على إحضار إسرائيل سفينة ستعمل على استخراج الغاز من حقل كاريش (أ ف ب)

أجواء التوتر والتسخين التي يعيشها الشرق الأوسط فتحت المجال لشتى السيناريوهات عن إمكان اندلاع مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل تشمل الجبهة اللبنانية، على خلفية التصريحات والمواقف النارية، معطوفة على جملة من الضربات العسكرية هنا وهناك.

تنطلق الخشية من مواجهة عسكرية، من واقعة تراجع الآمال بإمكان إنقاذ الاتفاق على النووي في محادثات فيينا، ومن أن طهران صعدت رد فعلها على حسم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رفضها المطالب الإيرانية، وفي طليعتها رفع "حرس الثورة" عن قائمة الإرهاب، بعد أخذ ورد حول إمكان قيام إدارة بايدن بخطوة جزئية تقضي برفع الحرس عن قائمة الإرهاب، من دون "قوة القدس".

وحُسِم الموقف الأميركي بحجة أن طهران تطرح مطالب لا علاقة لها بعنوان محادثات فيينا، أي إحياء اتفاق عام 2015 النووي، وما استتبعه من تصعيد إيراني بالإعلان عن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المئة، الذي يقرّبها من القدرة على صنع سلاح نووي، وبقرار وكالة الطاقة الذرية الدولية قبل أيام ينتقد إيران رسمياً، "لعدم تعاونها وامتناعها عن تقديم تفسير لوجود آثار لليورانيوم في مواقع غير معلنة"، نفذت طهران تهديدها بإعادة النظر بتعاونها مع الوكالة، فأوقفت العمل بـ28 كاميرا مراقبة تابعة للأخيرة في مواقع نووية، ونصبت أجهزة طرد مركزي متطورة. وسبق القرار بيوم واحد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أن إيران ستدفع ثمناً باهظاً إذا ما استمرت في ما وصفها بسياستها "المتحدية"، معلناً أن "الحصانة" لإيران انتهت، وأن بلاده "تتحرك ضد إيران نفسها، وليس أذرعها فحسب". وردت طهران على لسان قائد القوات البرية في الجيش الإيراني كيومرث حيدري الذي قال إن "إيران ستدمر مدينتي تل أبيب وحيفا إذا ارتكبت إسرائيل أي خطأ". 

ترابط وقائع التصعيد المتبادل في الإقليم

في رأي المراقبين الذين تخوفوا من سيناريوهات الحرب في المنطقة، أن التهديدات المتبادلة بين تل أبيب وطهران ليست العامل الوحيد الذي يبرر المخاوف من إمكان المواجهة العسكرية في المنطقة، بل يربطون سلسلة تطورات تصعيدية متزامنة في الإقليم، على الصعيدين العسكري والأمني مع بعضها: اتهام إيران إسرائيل بتنفيذ سلسلة الاغتيالات لعلماء إيرانيين وضباط في الحرس الثوري والوعد بالثأر، وإطلاق طائرة مسيّرة فوق منطقة يقع فيها مبنى قيد البناء للقنصلية الأميركية في كردستان العراق واتهام "حزب الله" العراقي بالعملية، توجيه قذائف لقواعد توجد فيها قوات أميركية في العراق، وإعلان إسرائيل عن اكتشاف مخطط لاغتيال إسرائيليين في تركيا بموازاة نشر وكالة أنباء "فارس" الإيرانية معلومات عن شخصيات إسرائيلية قد يشملها الانتقام، والإعلان عن نشر منظومة رادارات إسرائيلية في بعض الدول الخليجية واعتبار أوساط إيرانية ذلك "خطراً على الأمن القومي"، والمناورات العسكرية الإسرائيلية التي حاكت توجيه ضربات لإيران، وتسارع وتيرة القصف الإسرائيلي لمواقع تابعة لـ"حرس الثورة" في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، سواء في الوسط أو في جنوب دمشق أو قرب منطقة القنيطرة المحاذية للجولان السوري المحتل آخرها يوم الجمعة 10 يونيو (حزيران)، وقصف مدرج مطار دمشق الذي عطل حركة الطيران فيه للمرة الأولى في مسلسل الاستهدافات الإسرائيلية للوجود الإيراني في بلاد الشام، وأخيراً وليس آخراً، إنذار الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في 9 يونيو بإمكان قيام حزبه بعمل عسكري لمنع سفينة استخراج الغاز والنفط من حقل "كاريش" الذي أجازت إسرائيل حفر الآبار فيه، من إفادة إسرائيل من الثروة الغازية في ضوء استمرار النزاع اللبناني الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية.

استحضار مثل حرب 2006 

يعتبر المتخوفون من تراكم هذه الأحداث وغيرها، ومنها الفشل في إحداث أي تقدم سياسي في اليمن لتعزيز الهدنة العسكرية، أنها تشكل مناخاً  لقرع طبول الحرب، وأن أصلها ومصدرها ما نقله مصدر دبلوماسي عربي زار واشنطن قبل أسبوعين، بالقول لـ"اندبندنت عربية"، إن إدارة بايدن "لم تعد متحمسة لإنجاز اتفاق فيينا". ويشير المصدر إياه إلى أن واشنطن لم تعد تُبالي بهذا الاتفاق إلى درجة أن بعض المسؤولين فيها لا يترددون بالقول إنه لا مانع لديهم من أن تواصل طهران بيع النفط الذي تهربه من العقوبات الأميركية بسعر مخفض. 

تشترك أوساط لبنانية في الحديث عن سيناريوهات الحرب، استناداً إلى تجربة حرب يوليو (تموز) 2006 التي اندلعت في ظل انسداد المحادثات الدولية الإيرانية حول ملف طهران النووي في حينها، مشيرة إلى أن التسخين على الجبهة السورية ينذر بدوره بإمكان تطبيق توجه "وحدة" جبهات لبنان وسوريا وغزة، وربما العراق واليمن (أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أنه أصبح قاعدة إيرانية لإطلاق المسيّرات)، في حال تطور الأمور. 

تهديدات نصر الله وكوخافي تستبق هوكستين 

إنذار نصر الله باستهداف السفينة اليونانية التي وصلت المياه الإقليمية الإسرائيلية جاء قبل بضعة أيام من وصول الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، آيموس هوكستين إلى بيروت في 13 يونيو الحالي. وكان لبنان الرسمي قد استعجل إيفاده من أجل استئناف المفاوضات غير المباشرة. وشبّه نصر الله قضية الدفاع عن حقوق لبنان في الثروة الغازية في البحر بـ"تحرير الشريط الحدودي المحتل في جنوب لبنان بعد اجتياح إسرائيل لبنان في عام 1982، معتبراً أن كل يوم سيسجل أن هناك مالاً وثروةً للبنان وللشعب اللبناني ستضيع من أيديهم، بالتالي الوقت لا يلعب لمصلحة لبنان". وأضاف، "سمعتم الإسرائيلي يقول إنه أرسل غواصات وسفناً حربية، وجاء بالقبّة الحديدية البحرية... كل إجراءات العدو لن تستطيع لا أن تحمي هذه المنصة العائمة، أي السفينة اليونانية، ولن تستطيع أن تحمي عملية الاستخراج من حقل كاريش"، مؤكداً أن "المقاومة لا تستطيع أن تقف ‏مكتوفة الأيدي، ولن تقف مكتوفة الأيدي".

وقابل إنذار نصر الله تهديد من رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي بقصف مدمر وواسع إذا وقعت الحرب مع لبنان، مشيراً إلى "أننا سنعطي تحذيراً مسبقاً لسكان الحدود اللبنانية للمغادرة قبل اندلاع أي حرب، والتوتر القادم مع لبنان سيشهد قصفاً غير مسبوق". وقال إن جيشه بلور آلاف الأهداف التي سيتم تدميرها في لبنان". كما أشار إلى أن إسرائيل يمكن أن تتلقى زهاء 1500 صاروخ في اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين التهديد و"الواقعية" 

مقابل الترويج على بعض قنوات التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الإعلام وبعض الأوساط السياسية لمناخات المواجهة العسكرية الإقليمية، فإن القراءات التي تستبعد تلك الحرب ترى أنه على صحة الانطباع بأن رفع نصر الله السقف يأتي في مناخ تعثر اتفاق فيينا، مستخدماً مادة لبنانية، إلا أنها تصنف تصعيده أيضاً في إطار المزايدات الداخلية اللبنانية، التي دفعت أوساطاً عديدة معارضة له، إلى التساؤل عن غياب الحزب عن مواجهة التشدد الإسرائيلي، وتجنبه اتخاذ موقف حيال مطالبة بعض الأفرقاء، ومنهم نواب التغيير، الحزب بتبني الخط البحري 29 بدلاً من الخط 23 لرسم الحدود البحرية، والذي تكتفي السلطة اللبنانية باتفاق بين أركانها بالحصول عليه زائد حقل "قانا" الغازي كاملاً، والذي يقع جزء منه في المنطقة الإسرائيلية، أي إن هذه القراءة ترى أن تشدد نصر الله اللفظي يصب أيضاً في سياق المشاحنات اللبنانية الداخلية في شأن حقوق لبنان في الغاز والنفط في البحر.  

وتقر أوساط سياسية بعضها متعاطفة مع "حزب الله"، بأن نصر الله تحدث بلهجة تصعيدية موجهاً رسائل متعددة الاتجاهات، لكنه يدرك أن المواجهة العسكرية في الظروف الاقتصادية شديدة الصعوبة التي يمر بها لبنان ستكون كارثية عليه، وأنه استخدم في لهجة التهديد التي اعتمدها منطق "الافتراض" أكثر من مرة، من دون أن يلتزم بشكل حاسم بضربة عسكرية لسفينة استخراج الغاز، التي كرر ما نشر عن أنها تقف بعيداً من حقل "كاريش". ولفتت هذه الأوساط إلى قول نصر الله، إنه "يجب أن ‏نكون واقعيين، أي أن لا نعطي للناس توقعات أو نتائج هي غير واقعية بالاستفادة من كل ‏التجارب السابقة"، مشيراً بذلك إلى مطالبة أفرقاء باعتماد الخط 29 للحدود، الذي سبق للإسرائيليين والأميركيين أن رفضوه، فيما يقبل به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي أكد أنه يثق به وموقفه يتميز بالصلابة. فنصر الله جدد التزامه بأنه يقف خلف ما تقرره الدولة في هذا الصدد. كما لفتت دعوة نصر الله في مجال تنقيب لبنان عن الغاز والنفط وتلزيم شركات عالمية بالأمر، إلى ضرورة "ممارسة الضغط السياسي على الأميركيين ‏والإسرائيليين، وعلى الدول الغربية وعمن يهدد هذه الشركات ويمنعها من ان ‏تقوم بواجبها في الاستكشاف والتنقيب".

بوحبيب واستبعاد الحرب

ينتهي أصحاب القراءة التي تستبعد سيناريو الحرب وترجيحها تجنب "حزب الله" التسبب بها إلى القول إن بقاء السفينة اليونانية المعنية باستخراج الغاز من حقل "كاريش" بعيدة عنه، قد يكون المخرج الذي سعت إليه الوساطة الأميركية في انتظار تبلور جهود هوكستين بين لبنان وإسرائيل. فبدء السفينة مهمتها التقنية، وهي فصل الغاز عن النفط، وعن المياه التي يختلط بها عندما يجري استخراجه من البئر التي جرى حفرها يتطلب تحضيرات لوجيستية تستغرق زهاء شهر ونصف الشهر، أو أكثر، تكون اتضحت خلاله نتائج المفاوضات التي بدأها الوسيط الأميركي لرسم الحدود البحرية.

أي السيناريوهات سيطغى في الأجواء المحمومة التي تعيشها المنطقة ولبنان؟ وهل التسخين غطاء للتفاوض، ليس على جبهة الحدود البحرية اللبنانية - الإسرائيلية فحسب، بل أيضاً على جبهة التحرك الذي تقوم به دولة قطر وغيرها، بين طهران وواشنطن على صعيد الملف النووي؟

في انتظار ما ستكشف عنه المرحلة القريبة المقبلة استبعد وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب الذي كان قد زار واشنطن قبل أسبوعين، وجود "مؤشرات جدية من جانب إسرائيل وحزب الله لوقوع حرب على الرغم من التهديدات المتبادلة بين الطرفين، وهذا المعطى مبني على معلومات دقيقة من دوائر معنية". وأبدى تفاؤله بإمكان التوصل إلى اتفاق في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل.

المزيد من تقارير