Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترحيل المهاجرين غير الشرعيين يفقد الاقتصاد الأميركي تريليون دولار

تكاليف إبعاد 11 مليون شخص تصل إلى 600 مليار دولار وتحتاج 20 عاماً

مهاجرون مكسيكيون في طريق العبور نحو أميركا (أ.ف.ب.)

في وقت وجّه فيه الرئيس دونالد ترمب وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) بترحيل "ملايين" المهاجرين غير الشرعيين بدءا من الأسبوع المقبل، تخشى قطاعات أعمال أميركية من آثار هذه الخطوة على الاقتصاد الأميركي، الذي يعتمد على نحو11  مليون مهاجر غير شرعي يعيشون ويعملون في أميركا من دون أي أوراق رسمية.

ويقدّر إسهام المهاجرين غير الشرعيين في قطاع الأعمال الأميركي بنسبة 5.6% بحسب دراسة لمنتدى العمل الأميركي (AAF). وتفيد الدراسة بأن ترحيل هذا العدد سيتطلب إنفاقا من الحكومة الفيدرالية بين 400 إلى600  مليار دولار، بينما سينخفض الناتج المحلي الحقيقي بنحو تريليون دولار.

ملف شائك سياسيّاً

ويعتبر ملف الهجرة إلى أميركا من أكثر الملفات الشائكة حاليا في أروقة السياسة والاقتصاد الأميركية، حيث ساعد هذا الملف ترمب على الوصول إلى البيت الأبيض في انتخابات 2016، إذ غلب على حملته الانتخابية طابع العداء للأجانب والمهاجرين غير الشرعيين، وهو ما رفع حظوظه في الولايات ذات الغالبية المحافظة من الحزب الجمهوري، خصوصا الولايات الجنوبية.

ويبدو أن ملف الهجرة إلى أميركا سيكون القصة الأبرز في الانتخابات الأميركية المقبلة 2020. فبينما أطلق ترمب تهديداته بترحيل المهاجرين غير الشرعيين قبيل ساعات من إطلاق حملته الانتخابية لولاية ثانية، جاء الردّ سريعا من الولاية التي تعدّ من معاقل الديموقراطيين، حيث سمحت ولاية نيويورك بمنح المهاجرين غير الشرعيين رخصة سوق بمعزل عن وضعهم القانوني في الولايات المتحدة. 

بين قوانين الولايات والقوانين الاتحادية

وقضية المهاجرين غير الشرعيين تتخذ أبعاداً عدة في الولايات الأميركية، فبينما يحرّك ترامب وكالة (ICE) الفيدرالية لترحيل المهاجرين، تمنع قوانين بعض الولايات من توقيف المهاجرين وترحيلهم أو تسليمهم إلى الوكالة الفيدرالية، أي أن هناك تعارضاً بين قوانين الولايات والقوانين الفيدرالية. فولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال، أقرّت قوانين تجعلها "ملاذا آمنا" للساكنين على أراضيها (California "Sanctuary State" Law)، إذ تمنع هذه القوانين رجال الشرطة في الولاية من تسليم أي مهاجر غير شرعي لإدارة الهجرة الفيدرالية.

وقد وضعت هذه القوانين في العامين الماضيين بعد وصول إدارة ترمب إلى البيت الأبيض، والتي اتخذت قرارات كثيرة لعرقلة وصول المهاجرين أو تسيير أعمالهم.

ويعتبر اقتصاد كاليفورنيا الأكبر بين الولايات الأميركية بحجم 3 تريليونات دولار، وتعتمد هذه الولاية، كما غيرها من الولايات، على ملايين المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون إليها من الحدود الجنوبية مع المكسيك، أو يصلونها بالطرق الرسمية عبر المطارات عبر تأشيرات سياحية أو تأشيرات عمل، ثم يقررون البقاء فيها بعد انتهاء المدة القانونية لإقامتهم، وهي غالبا 6  أشهر.

ممنوع التعرض للمهاجرين

 وعلى عكس الاعتقاد السائد، لا تعتبر الولايات المتحدة دولة "بوليسية"، فكثير من الولايات تشبه كاليفورنيا، حيث تمنع التعرض للمهاجرين وتمنحهم كل الحقوق التي تجعلهم يعيشون أوضاعا طبيعية تماما كما هم مواطنو البلاد، إذ تمنحهم رخصة سوق تمكنهم من إبرازها عندما يحتاجون إلى تقديم هوية ثبوتية، وحرية في التنقل والسكن وغيرها. وتعتبر هذه الحقوق جزءا لا يتجزأ من مبادئ النظام الأميركي الذي قام على فتح أبوابه للمهاجرين، أو ما يعرف بـ"الحلم الأميركي". وفي الوقت نفسه تفترض هذه الولايات من المهاجرين الالتزام بواجباتهم مثل دفع الضرائب التي تعود بالنفع على اقتصاد الولايات والاقتصاد عموما.

وبحسب دراسة للمنتدى الوطني للهجرة، فإن المهاجرين دفعوا نحو 328 مليار دولار ضرائب للولايات التي يعيشون فيها، إضافة إلى الضرائب الفيدرالية. وتمكنت الولايات التي تتساهل مع المهاجرين من حصد الضرائب بشكل مرتفع، حيث يدفع المهاجرون أكثر من ربع الضرائب في كاليفورنيا، بينما تقترب من الربع في نيويورك ونيوجيرسي. ودفع المهاجرون غير الشرعيين نحو 12 مليار دولار ضرائب موزعة بين ضرائب دخل وسكن ومشتريات.

أهمية المهاجرين في الاقتصاد

ويظهر هذا الواقع حجم وأهمية المهاجرين عموما للولايات الأميركية، الذي يقدر بنحو 44 مليون مهاجر، وحضور المهاجرين غير الشرعيين في الاقتصاد الأميركي، الذي يقدر بنحو 11 مليون مهاجر (أي أن ربع المهاجرين غير شرعيين). وتقول دراسة المنتدى أن بعض القطاعات تعتمد بشكل أساسي على المهاجرين غير الشرعيين، مثل الزراعة والغابات وصيد الأسماك والصيد، حيث يشكلون 16% من قوى العمل في هذه القطاعات. بينما يشكل هؤلاء المهاجرون نسبة 12% في قطاعات البناء، و9% في قطاع الضيافة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويكشف ذلك عن الاقتصاد الخفيّ الذي يحركه المهاجرون غير الشرعيين الذين يعملون غالبا بالحد الأدنى من أجور الولايات وبالاتفاق المباشر مع أصحاب الأعمال من أصحاب المطاعم والمزارعين والبنائين. ويستفيد أرباب العمل كثيرا من هذه العمالة التي تسدّ فجوة في السوق الأميركية.

 وقد ظهرت أخيرا مشكلة في الاقتصاد الأميركي الذي يشهد أدنى بطالة منذ 50  عاما، حيث أدى التضييق على تدفق العمالة المهاجرة إلى السوق الأميركية وتعقيد إجراءات العمل بها إلى إغلاق متاجر عدة لعدم قدرتها على إيجاد موظفين. من ناحية أخرى، وبسبب حالة التضييق هذه، اتّجه كثير من المهاجرين من المبادرين وأصحاب الأعمال إلى دول أخرى لتأسيس شركاتهم والعمل بظروف أكثر ترحيباً بالمستثمرين. ويشكل المهاجرون غير الشرعيين من المهنيين وأصحاب الأعمال والعاملين في القطاعات المالية نحو 9% من عدد المهاجرين غير الشرعيين، ويقدر عددهم بنحو 1.2 مليون مهاجر، لكن كثيرا من هؤلاء يحزمون حقائبهم الآن ويتجهون إلى دول مثل كندا والمكسيك أو أستراليا أو ألمانيا ودول أوروبية أخرى.

الهجرة العكسية

ويقول المبادر الكويتي، مزيد المسعود، إنه وجد صعوبة في تأسيس شركته بالولايات المتحدة والحصول على إقامة عمل بعد تخرجه في جامعة "يال" الأميركية، حيث ابتكر نموذج عمل مميزاً يقضي بإدارة أموال أبطال مباريات NBA الأميركية ومحترفي الرياضات المختلفة، لكنه وجد دعما من صندوق للمبادرين في كندا، ما جعله ينتقل للعيش هناك والحصول على إقامة عمل تتيح له التحرك بسهولة.

ويحاول كثيرون، مثل "مزيد"، الوجود في أماكن قريبة من السوق الأميركية، مثل كندا، حيث أصبحت ملاذا آمنا للمبادرين وأصحاب الأفكار الجديدة التي يودون تطبيقها في السوق الأميركية، أو التوجه إلى المكسيك مثل أصحاب الأعمال الذين يستفيدون من فرق العملة ورخص الأيدي العاملة والبضائع الرخيصة نسبياً مقارنة بالسوق الأميركية، فيقومون بالتصنيع في المكسيك ويصدّرون البضائع إلى السوق الأميركية.

الترحيل يحتاج 20 عاماً

وكادت إدارة ترمب أن تحدث أزمة أكبر لو فرضت نسبة 25% على البضائع المكسيكية قبل أسبوعين، بذريعة الضغط على مكسيكو لمنع تدفق المهاجرين عبر الحدود الأميركية-المكسيكية، لكنها عدلت سريعا عن هذا القرار بعدما ظهر عمق الأزمة التي سيشكلها هذا القرار على الاقتصاد الأميركي. لكن الإدارة الأميركية أعلنت وقتذاك أن هناك اتفاقاً جرى مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين، غير أن هذا الاتفاق لم يعلن حتى الآن بشكل تفصيلي.

وهناك شكوك حاليا حول قدرة إدارة ترمب على ترحيل نحو 11 مليون مهاجر، فبجانب القيود القانونية في بعض الولايات، هناك عدم قدرة فنية على ترحيل هذا العدد، إذ قال رئيس ICE، مارك مورغان، إن الوكالة لا تستطيع ترحيل هذا العدد مرة واحدة، وأضاف "ليس لدينا القدرة على ترحيل 11 مليون شخص في فترة زمنية قصيرة".

وهناك ضغط كبير على جميع الوكالات التي تتعامل مع الهجرة. تشير بعض التقديرات إلى أن هناك 700 ألف قضية هجرة لم يُبتّ فيها بعد، ما دفع وزارة الأمن الداخلي إلى طلب 4.5 مليار دولار إضافية لتوفير مساعدة لهذه الوكالات.

وتقول دراسة لمنتدى العمل الأميركي إنه مع افتراض وعد الرئيس ترمب بترحيل المهاجرين في غضون عامين، فإن ذلك سيحتاج إلى زيادة عدد الموظفين الاتحاديين في الهجرة من 5 آلاف موظف إلى 90 ألف موظف، ورفع عدد موظفي التحقيقات الشخصية في إدارة الهجرة من5  آلاف موظف إلى 53 ألف موظف، ورفع أعداد محاميي الهجرة الفيدراليين من 1400 محام إلى 32 ألف، وعدد محاكم الهجرة من 58 إلى 1300 محكمة، مرجحة أن هذا الإجراء يحتاج إلى 20  عاماً استنادا إلى حجم وطاقة ICE الحالية.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد