سلّطت حادثة وفاة معلمة وهي على رأس عملها، الضوء على حجم المعاناة والتجاوزات التي يتعرض لها العديد من العاملين في المدارس الخاصة بالأردن، من حيث تدني الأجور دون الحد الأدنى، وعدد ساعات العمل، والأعباء الوظيفية، فضلاً عن غياب مظلات الحماية الاجتماعية والصحية.
وتسببت الحادثة بردود فعل كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصف بعض الناشطين عبر موقع "تويتر" ما يحصل بأنه عمل بـ"بالسخرة"، مطالبين بتفعيل القوانين التي تحارب الطمع والجشع في القطاع التعليمي.
ويزيد عدد المعلمين والمعلمات في الأردن على 140 ألفاً، معظمهم في المدارس الحكومية، وعلى الرغم من أن ظروف عمل هؤلاء أفضل حالاً من زملائهم في القطاع الخاص، فإن رواتبهم لا تزيد على 700 دولار عند التقاعد بعد سنوات طويلة من العمل، وتستوعب المدارس الخاصة في الأردن نحو 30 في المئة من عدد الطلاب الإجمالي في البلاد، بخاصة بعد انتقال نحو 130 ألف طالب من المدارس الخاصة إلى الحكومية العام الحالي بسبب تردي الظروف الاقتصادية.
تجاوزات مخفية
يروى زوج المعلمة "ربى" بحرقة، كيف توفت زوجته الحامل في شهرها الثامن، خلال ساعات عملها في إحدى المدارس الخاصة، من دون أن يتم إسعافها أو طلب النجدة لها، وسط اتهامات للحكومة بالتقصير وعدم ممارسة الرقابة على هذا القطاع الذي يضم نحو 42 ألف معلم ومعلمة.
ويؤكد زوج المعلمة المتوفاة أن زوجته كانت تعمل بوظيفة الإشراف على توزيع الطلاب من دون توقيع عقد عمل، ومن دون الاشتراك في الضمان الاجتماعي، وبراتب شهري لم يتجاوز 197 دولاراً، وهو أقل من الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة والذي يصل إلى 366 دولاراً.
وعلى الرغم من نفي المدرسة، التي كانت تعمل فيها، لكل هذه الاتهامات، تركت "ربى" خلفها زوجاً مكلوماً وخمسة أطفال، وملفاً مسكوتاً عنه عنوانه الانتهاكات لحقوق المعلمين والمعلمات في القطاع الخاص.
رواتب دون الحد الأدنى
حال ربى، تمثل حال معظم المعلمين العاملين في المدارس الخاصة، حيث يؤكد المرصد العمالي الأردني، أن نحو 55 في المئة من معلمات المدارس الخاصة يتلقين رواتب دون الحد الأدنى، فضلاً عن تعرضهن لانتهاكات مهنية وعمالية صارخة، ليس أولها الرواتب التي لا تتجاوز نصف الحد الأدنى للأجور، إذ تتقاضى 55 في المئة منهن رواتب دون الحد الأدنى للأجور.
وتشكو كثير من المعلمات في القطاع الخاص من حرمانهن من الحصول على نسخ من عقد العمل، عدا عن الحرمان من الإجازات السنوية وإجبارهن على العمل في العطلة الصيفية، بينما تؤكد أخريات أنهن يوقعن مرغمات على تعهدات بعدم المطالبة بأجور خلال فترة العطلة الصيفية.
ولا تغطي رواتب كثير من المعلمات العاملات في القطاع الخاص الاحتياجات الأساسية، حيث تتقاضى بعضهن دون 100 دولار شهرياً، لكنهن مضطرات لهذا العمل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الجميع.
وتبرز معاناة المعلمات الحوامل بشكل أكبر من غيرهن، حيث يتم الاستغناء عن خدماتهن، ويحرمن من إجازة الأمومة في أحسن الأحوال، كما يتم حرمان كثير من المعلمات من الحصول على علاوة التعليم.
إساءة معاملة
يرصد مراقبون تعرض كثير من المعلمات في القطاع الخاص إلى إساءة المعاملة من قبل الإدارات والطلاب وأولياء الأمور على حد سواء. ويدعو هؤلاء إلى مواجهة كل هذه الانتهاكات بتفعيل مشروع تصنيف المدارس الخاصة حسب الخدمات التي تقدمها المدرسة والمرافق والسعة، ووفق هذا التصنيف تدفع رواتب للمعلمات والمعلمين، بينما يطالب آخرون بشمول معلمي القطاع الخاص بالتنمية والتدريب والتأهيل والتطوير.
وتقدر نقابة العاملين في التعليم الخاص عدد الشكاوى حول ظروف العمل وتدني الأجور بنحو 65 ألف شكوى، كما تبرز شكاوى من رفض الإجازات العرضية والمرضية، وإجبار المعلمين على الحضور إلى المدرسة، وعدم تجديد عقود المعلمات الحوامل، وإجبار المعلمين والمعلمات على القيام بأدوار أخرى غير التدريس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صمت على حقوق منقوصة
بدورها، تقول النقابة العامة للعاملين في التعليم الخاص، إن قضية المعلمة "ربى" هي واحدة من بين حالات عديدة لمخالفات عمالية جسيمة في قطاع التعليم الخاص، وعدم احترام بنود العقد الموحد الذي ينظم العلاقة بين الطرفين، مشيرة إلى أن المخالفات تزداد في المدارس الصغيرة والمتوسطة على مستوى المحافظات.
ودعت النقابة المعلمين والمعلمات إلى عدم القبول بانتقاص حقوقهم أو العمل بأجر دون الحد الأدنى، أو عدم تسلم نسخة من العقد الموحد، والتقدم بشكاوى عبر وزارة العمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي لضمان حقوقهم.
بينما توضح الحكومة الأردنية موقفها عبر وزارة العمل التي حثت في بيان، كل معلم متضرر أن يتقدم بشكوى. وقالت إن صمت المعلمين والمعلمات عن انتهاك حقوقهم يسهم في زيادة المشكلة.
وقالت الحكومة، إن قضية المعلمة "ربى" منظورة أمام القضاء، الذي سيحاسب كل من قصر تجاهها، وتؤكد وزارة العمل أنها تنظر في الشكاوى المتعلقة بالحقوق العمالية وتأخذها بعين الاعتبار وتقوم بجولات تفتيشية ورقابية، وتقوم بتوجيه إنذارات ومخالفات للمدارس التي تتجاوز القانون.
وأضافت الحكومة أن "عقد العمل يحفظ الحقوق الكاملة للعامل في أي منشأة، لكن إذا لم يوقع عقد عمل وأثبت التزامه بالدوام خلال أيام الدوام الرسمي فهو يحتفظ بكامل حقوقه ولا ينقص منها شيء".
في حين يتحدث نقيب المدارس الخاصة، منذر الصوراني، عن وجود تعليمات صارمة للمدارس الخاصة حول طريقة التعامل مع أي طارئ يتعرض له المعلمون والطلبة، موضحاً أن المدارس الكبرى لديها ممرضون وأطباء بهذا الخصوص.