Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل كان موليير نصاباً وكورناي المؤلف الحقيقي لمسرحيات صاحب "البخيل"؟

السؤال – اللغز يعود لمناسبة احتفال الفرنسيين بالمئوية الرابعة لولادته

موليير، معارك لا تهدأ والسؤال الأساسي: هل كان نصاباً؟ (موقع غيتي)

تصخب فرنسا وحياتها الثقافية هذه الأيام وطوال أسابيع باحتفالات عدة تقام لمناسبة مرور 400 سنة على ولادة كاتبها المسرحي الكوميدي الكبير جان باتيست بوكلان المعروف باسمه الفني "موليير" (1622 – 1673)، وكان من الطبيعي أن تصل الاحتفالات إلى ذروتها يوم الأحد الـ 12 من يونيو (حزيران) الحالي، عبر استعراضات ضخمة أقيمت في فرساي التي شهد قصرها الملكي العروض الأولى لأبرز مسرحيات الكاتب، كما العروض الأولى للمسرحيات التراجيدية التي كتبها كورناي وراسين، ولكن ما لم يكن طبيعياً في المقابل إنما كان تلك العودة التي كانت مرتقبة على أي حال للسؤال اللغز "هل كان موليير نصاباً؟"، الذي بقي غير مطروح ولا يهتم بطرحه أحد حتى العام 1919 حين صاغه الكاتب المعاصر حينها بيار لويس فأثار ضجة ما بعدها ضجة، وصراعات فكرية بين من حاولوا تبنيه باعتباره نوعاً من تساؤل يحمل جواباً إيجابياً في ثناياه، ومن استنكروه متهمين طارحيه وعلى رأسهم لويس بأنهم في محاولتهم تقليد "أعدائنا الإنجليز في كل شيء، ها هم هنا يقلدونهم في قدس أقداسهم، إذ كما أنكر الإنجليز أن يكون المدعو ويليام شكسبير مؤلف تلك المسرحيات العظيمة، ها هم بدورهم ينكرون أن يكون موليير هو من كتب تلك الهزليات الرائعة بل المؤسسة، ناسبينها إلى مجايله كورناي الكبير".

دراسات لغوية أسلوبية

إذاً في العام 1919 خلق بيار لويس ذلك الملف الذي دعي من حينها "قضية موليير" محاولاً إعادة النظر في جزء كبير من تاريخ المسرح الفرنسي.

صحيح أن عدد الذين اتبعوا لويس في تخمينه لم يكن كثيراً، لكن "سمهم كان مؤذياً" بحسب تعبير منتقديهم، والحال أن القضية لم تختف بعد ذلك تماماً على الرغم من شبه الإجماع على رفضها، بل على الرغم من أن الرفض كان حاسماً بحيث أننا حتى نحن هنا نضع مصطلح "تخمين" بين هلالين لأن "أطروحة" بيار لويس لم تَعّد يومها أن تكون تكهنات لا تستند إلى أي توثيق، وكل ما في الأمر أن كاتب بدايات القرن الـ 20 الذي اشتهر دائماً بأدبه الفضائحي، إنما طلع بنظريته إستناداً إلى دراسة أسلوبية ولغوية كما إلى "تعمق في درس المواقف المولييرية" كما قال. غير أن عدداً قليلاً من الباحثين وجد نفسه بين الحين والآخر يستند إلى نظرية لويس خلال حقب متفاوتة من القرن الـ 20 ليتعمق أكثر ويصل إلى استنتاجات مشابهة تقول في نهاية الأمر ما معناه أن موليير لم يكن أكثر من نصاب، و"هو وجد حقاً ولكن كممثل، ليس له باع لا في اللغة ولا في فنون الكتابة".

وكان الأبرز بين مقتفي خطى لويس ولكن في العام 2004، باحث يدعى دومينيك لابيه اشتغل على حاسوبه الخاص ليقول في دراسة انتشرت حينها بقوة أن بحوثه الحاسوبية على مفردات مسرحيات "موليير" قد أفادته بأن اللغة لم تكن شيئاً آخر غير لغة بيار كورناي.


أضواء "نهائية"

واللافت أن باحثاً فرنسياً آخر يدعى هذه المرة ديني بواسييه أصدر بعد إصدار لابيه كتابه بعام واحد كتاباً عنوانه "قضية موليير"، أكد فيه أنه يلقي أضواء كاشفة ونهائية على القضية المولييرية، بل إنه حدد في سياق دراسته التي استخدم في الحديث عنها ومنذ مقدمتها حتى خاتمتها كلمة "نهائية" عشرات المرات، وحدد أن المسرحيات التي "لا ريب في أن كاتبها الحقيقي هو كورناي" التالية، "دون جوان"، "النفور"، "طرطوف"، "مدرسة النساء" ثم "نقد مدرسة النساء"، مما يعني أن بواسيه نقل من موليير إلى كورناي بعض أعظم مسرحياته. والحقيقة، بحسب عدد لا بأس به من نقاد وباحثين تابعوا القضية والكتابين، أن ثمة وقائع تبدو مقلقة ومنها عمق العلاقة التي كانت قائمة بين موليير وكورناي، علماً بأن موليير قام بأدوار كثيرة كممثل في العديد من مسرحيات كورناي حين تشاركا العمل في المسرح نفسه، وكانا وعضوين في فرقته المسرحية، علماً بأن كورناي توقف عن كتابة مسرحياته التاريخية الكبرى في الوقت نفسه الذي انطلق فيه موليير منتجاً رواياته الخاصة، بحيث أن أعمالاً لهما لم تصدر في الوقت نفسه أبداً، لكن هذا لا يمكن أن يعني شيئاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تاجر أمي مبتذل

وهو لا يعني شيئاً على الإطلاق بخاصة أن التاريخ يقول لنا دائماً إن الرجلين لم يخوضا المعارك نفسها ضد الخصوم نفسهم، بخاصة أن معارك موليير كانت دائماً ضد كبار القوم وضد الكنيسة كما ضد كل أولئك الذين كان يغيظهم إعلان موليير انتماءه الى الإرث المسرحي الإسباني، ومع ذلك رأى أصحاب نظرية "تجريم موليير ووصمه بالجهل الكتابي والوهن اللغوي" أن من غير المنطقي السكوت عن تطابق في بعض الحوارات التي وجدوها بحرفيتها واردة في لحظات مسرحية معينة لدى الكاتبين، ولكن من المؤكد أن موليير نقلها عن كورناي الذي سبقت صياغته لها صياغة زميله بسنوات، ومنها على سبيل المثال عبارة ترد في مسرحية كورناي "سرتونيوس" وهي "أنا السيد وأنا الذي يتكلم وعليكم أن تطيعوا"، لكننا نجدها بحذافيرها في مسرحية موليير "مدرسة النساء"، والأدهى من ذلك كله أن الناقد المسرحي جيل كوستاز ينقل عن كتاب بواسييه كيف أن هذا الأخير يستنكف في كل كتابه عن وصف موليير بالمؤلف متحدثاً عنه بوصفه ممثلاً لا أكثر، مؤكداً في سياق وعده بإصدار كتاب آخر عنه قريباً يتناول فيه ما سماه "سيرة موليير الحقيقية"، بأن موليير الذي لا ينكر وجوده حقاً لم يكن في نهاية الأمر سوى "تاجر مبتذل لا يملك أي ثقافة أو أي علم، لكنه عرف طوال مساره المهني كيف يمارس سياسة المضخة التي تسحب الأفكار من أصحابها ناسبة إياها إلى إبداعها الخاص".

وثائق قوية ولكن!

ولعل الخطورة في هذا الكتاب تكمن في مدى جديته وجدية وموثوقية الوثائق التي يستند إليها، ومع ذلك فإن منتقدي الكتاب وصاحبه لم يكفوا عن طرح أسئلة تفوقه جدية ومنطقية، مثل لماذا عمد كورناي إلى استخدام موليير ليوقع اسمه على مسرحياته بدلاً منه؟ ولماذا ترى كورناي الذي كان في الوقت نفسه حقوقياً ورجل قانون، لم يترك وراءه ولو ورقة واحدة يقر فيها بحقيقة ما حدث ولو من باب حفظ الحقوق أو الصدق مع التاريخ؟ فالحقيقة أنه لا كورناي ولا موليير وجدا من الضروري أن يترك أي منهما أثراً يكشف الحقيقة ولو بشكل موارب، ففي نهاية المطاف قد تكون الدراسات والوثائق التي استند إليها بواسييه قوية لكنها ليست دامغة، حتى وإن كانت أكثر فصاحة من تأكيدات بيار لويس، وذلك لأنها بعد كل شيء دراسات حاسوبية ولغوية وأسلوبية تفتقر إلى التحليل التاريخي الدامغ، وكلها في أحسن أحوالها فرضيات تعجز عن الإجابة الحاسمة على السؤال الأبسط: إذا كان موليير جاهلاً وأمياً إلى هذا الحد وكان بالتالي عبقرياً في ممارسة النصب، فكيف آمن الألوف بل عشرات الألوف من قرائه ومشاهدي مسرحياته عبر العصور والأجيال بعبقريته من دون أن يسائلوا أنفسهم عن حقيقتها؟

ثم لئن كان الرجل أمياً وجاهلاً ومنتحلاً ونصاباً، فلم جابهته الكنيسة في زمنه وخلال حياته وبسبب كتاباته ومواقفه بكل ذلك العداء الذي لم يتمكن عاهل البلاد نفسه، وله ما له من مكانته وقوته، من حمايته؟ ولو كان موليير مجرد منتحل ونصاب أمي، أما كان الأجدر والأكثر منطقية أن تحاسبه محاكم القضاء الجنائي؟

المعركة متواصلة

مهما يكن من أمر، تبقى القضية مفتوحة ويبقى ثمة دائماً من يعيدها إلى الواجهة من جديد في كل مرة تلوح فيها مناسبة مولييرية للمشاغبة عليها، وفي كل مرة يحدث فيها ذلك تكون حجة وقوة منطق المدافعين عن موليير ومكانته أكبر من حجة خصومه، ويبدو أن ذلك هو الوضع من جديد هذه المرة في مناسبة المئوية الرابعة لولادة الكاتب الهزلي العظيم، إذ تكاد المناسبة تمضي ولا تزال أصوات مناوئي صاحب "النفور" و"البخيل" و"طبيب رغم أنفه" أضعف بكثير من أصوات أنصاره الذين يبقون أقوى وأكثر ثقة بالنفس.

المزيد من ثقافة