Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحول جونسون إلى "بطة عرجاء" في داوننغ ستريت؟

نجاة رئيس الوزراء البريطاني من حجب الثقة لا تعني نهاية متاعبه السياسية

يتعرض جونسون لضغوط شديدة من المحافظين لاعتماد سياسة اقتصادية أكثر انسجاماً مع القيم المحافظة (أ ف ب)

على الرغم من نجاته من محاولة سحب الثقة، بعد أن دعمه العدد الأكبر من نواب حزبه الأسبوع الماضي، لا يزال مستقبل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون محل جدل في الأوساط البريطانية، لما سببته مذكرة حجب الثقة من إضعاف لموقعه السياسي، ما يعد "مؤشراً على طريق مرهق من مزيد من أزمات الثقة".

والاثنين الماضي، حصل جونسون على دعم 59 في المئة من النواب المحافظين (صوّت لصالحه 211 من أصل 359 نائباً)، وهذه النتيجة أقل من تلك التي حققتها رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، التي حصلت على دعم 63 في المئة من نواب حزب المحافظين في 2018، لكن انتهى بها الأمر بالاستقالة بعد ستة أشهر. وينتظر جونسون وفق مراقبين، مزيداً من التحديات، التي قد تبدأ قبل نهاية الشهر الحالي، لا سيما مع إجراء انتخابات فرعية مقررة في 23 يونيو (حزيران)، لاختيار نواب جدد في ويكفيلد وتيفرتون وهونيتون، وهما المقعدان اللذان كان يشغلان في السابق من قبل المحافظين، وإذا خسر مرشحا الحزب الحاكم أمام أحزاب المعارضة، فقد يجد رئيس الوزراء الحالي نفسه تحت ضغط متجدد.

وشهدت الأشهر الأخيرة زيادة في وتيرة الانتقادات لرئيس الوزراء، بسبب حفلات أقيمت في مقار حكومية، عرفت إعلامياً بـ"بارتي غيت" خلال فترة الإغلاق الذي شهدته البلاد بسبب فيروس كورونا، كما تعرض جونسون لضغوط متزايدة من جانب أعضاء البرلمان بعد أن غرمته الشرطة بسبب حضوره حفلاً في مقر رئاسة الوزراء. ويقول مؤيدو جونسون، إنه يتمتع بقدرات خاصة في الخروج من الأزمات على الرغم من تواليها عليه، فعادة ما يلجأ إلى الإعلان عن سياسات كبرى تلقى قبولاً شعبياً كلما واجه أزمة كبرى.

"بطة عرجاء"

تجمع كثير من القراءات البريطانية على أن مستقبل بوريس جونسون في 10 داوننغ ستريت (مقر رئاسة الحكومة البريطانية) بات محل شك، مع تكرار الأزمات والتحديات التي يواجهها الرجل في الفترة الراهنة، والتي عززها الانقسام داخل حزب المحافظين بشأنه.

وبحسب ما كتبه جيمس فورسيث، في صحيفة "التايمز" البريطانية، فإن جونسون، "بات يفقد قبضته على مقاليد السلطة في البلاد، وعليه التحلي بالجرأة، إذ لم يعد العمل كالمعتاد ينقذ رئاسته للوزراء. وأصبح يواجه صراعاً لتحقيق أي نوع من التغيير". وذكر فورسيث "أصبح جونسون سجين حزبه"، معرباً عن اعتقاده أن "اقتراع سحب ثقة آخر، سواء في الخريف أو بعد عام من الآن، يبدو شبه مؤكد، إذ يحتاج منتقدوه في الحزب فقط إلى 32 صوتاً إضافياً لإطاحته (صوّت ضده في حجب الثقة 148 نائباً من أصل 359)، ولذا يتعين على رئيس الوزراء أن يخطو بحذر".

وأضاف فورسيث، أن "مشكلة جونسون أصبحت تتمثل في أنه إذا اعتقد المسؤولون أنه قد لا يكون موجوداً في غضون عام، فسوف يميلون إلى إبطاء الأفكار التي لا يهتمون بها كثيراً، على أمل أن يتم نسيانها مع قائد جديد لرئاسة الحزب والحكومة"، مشيراً إلى أن التقدم البطيء أصبح أسوأ، لأن الحكومة تضخ الأفكار بطريقة مبعثرة، حيث اشتكى أحد الوزراء من أن ما يخرج من المركز "غير متماسك أو محكم، ما يجعل الأمر يبدو وكأنه آخر أيام رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي (تولت السلطة في الفترة ما بين 2016 إلى 2019)".

وأشار الكاتب إلى أن "جونسون استطاع خلال حياته المهنية النجاة من الخدوش السياسية والشخصية التي كانت ستقضي على السياسيين الآخرين، لكن الوقت ينفد منه لتغيير الأمور، والخطر هو أنه بعد أن صوّت 41 في المئة من نوابه ضده، سيجد أن أوامره لا تسير المجمع الحكومي كما حدث من قبل. وعليه من الصعب استعادة السلطة بمجرد فقدانها".

ويتعرض جونسون لضغوط شديدة من المحافظين لاعتماد سياسة اقتصادية أكثر انسجاماً مع القيم المحافظة، أي خفض ضرائب مقابل الزيادة المثيرة للجدل في مساهمات الضمان الاجتماعي التي قررتها الحكومة أو الضريبة المعلنة على أرباح عمالقة النفط. وهو تنازل تبدي الحكومة استعدادها لدراسته، بحسب ما قال وزير الصحة، ساجد جاويد، مذكراً في الوقت نفسه بوطأة وباء كورونا على المالية العامة.

"مزيد من أزمات الثقة"

وفيما يشير تاريخ الحكم الإنجليزي الحديث إلى أنه طوال العقود الأربعة الأخيرة، كان كل زعماء حزب المحافظين الذين مروا باقتراع داخلي بحجب ثقة، إما خسروا الانتخابات العامة بعدها، مثل ما حدث مع جون ميجور في انتخابات عام 1997، أو اضطروا للاستقالة من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة مثل ما حدث مع مارغريت تاتشر عام 1990، وتيريزا ماي عام 2019، كتب ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني السابق، في عهد حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، في الصحيفة ذاتها أنه بعد نتيجة الاقتراع الأخير بشأن سحب الثقة من جونسون، فإن على الأخير البحث عن "مخرج مشرف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هيغ، الزعيم المحافظ كذلك، أوضح في مقاله، أن "هناك نوعين من التمردات ضد القيادات الحزبية. النوع الأول هو عمل منظم من قبل فصيل أو مرشح منافس لزعيم الحزب، مع محاولة إبعاد شاغل الوظيفة في الوقت الذي يختارونه، والنوع الآخر أقل تنظيماً وأكثر عفوية، ويتمثل في فقدان الثقة في زعيم الحزب"، مضيفاً أن الدعوة إلى التصويت على الثقة في حالة جونسون تندرج ضمن الفئة الثانية،  التي أظهرت أن عدداً لا يستهان به من النواب انضموا إلى هذا التمرد، نظراً لما يرون أنه تخبط في زعامة الحزب وتخبط الحكومة وافتقارها إلى وجهة صحيحة".

ويرى هيغ "نجاة جونسون إثر فوزه بهامش ضئيل من الأصوات لا يعد فوزاً، فهو لم ينتصر على فصيل منافس، ولم يتصد لمرشح بديل، بل تؤشر نتيجة التصويت إلى طريق مرهق من مزيد من أزمات الثقة"، وتابع "على الرغم من نجاة جونسون من سحب الثقة، فإن الأضرار التي لحقت برئاسته للوزراء شديدة، إذ قيلت كلمات لا يمكن التراجع عنها، ونشرت تقارير لا يمكن محوها، وتم الإدلاء بأصوات تظهر مستوى أعلى من الرفض أكثر مما واجه أي زعيم لحزب المحافظين".

وفيما تمنع قواعد حزب المحافظين المضي في إجراءات سحب ثقة ثانية أو إجراء تصويت آخر لمدة عام، فإن مراقبين يرجحون أن تدفع المتاعب رئيس الوزراء جونسون للاستقالة، كما حدث في حالة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، بعد أن تم تقويض سلطتها "بشكل لا يمكن التعافي منه".

أزمات شبيهة

وخلال العقود الأخيرة، شهدت السياسة البريطانية أزمات متعددة لقادة الحكومة المحافظين، قادت في النهاية إلى استقالتهم أو سقوطهم في الانتخابات. وكانت أحدث تلك الحالات هي لرئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، التي على الرغم من نجاتها من اقتراع الثقة في ديسمبر (كانون الأول) 2018، فإنها استقالت من منصب رئاسة الوزراء بعد ستة أشهر.

أما في عام 2003، وبعد أشهر من التكهنات، خسر زعيم حزب المحافظين، إيان دنكان سميث، بفارق ضئيل في تصويت الثقة في أكتوبر (تشرين الأول) واستقال، كذلك حالة جون ميجور، التي جاءت استقالته من زعامة حزب المحافظين (وليس رئاسة الوزراء) لتدشن منافسة على زعامة الحزب الحاكم وسط خلافات حول سياسة الحزب تجاه أوروبا، وقد تغلب ميجور على منافسه جون ريدوود، لكنه خسر انتخابات عام 1997.

وفي عام 1990، استقالت مارغريت تاتشر من منصب رئاسة الوزراء بعد فشلها في تحقيق نصر كامل لقيادة الحزب، وبعد أن تغلبت على مايكل هيسلتين بأغلبية 204 أصوات مقابل 152، تم إقناعها من قبل وزراء حكومتها بالتخلي عن منصبها.

المزيد من تقارير