Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتجه نحو تصفية ديون المؤسسات والتصرف في أسهم حكومية

القـروض المسندة مـن قبل الدولة إلى الشركات العمومية ارتفعت 18 في المئة عام 2021 ومحللون يطالبون بـ"استراتيجية للتسوية"

الحكومة التونسية تتجه إلى تسوية ديون مؤسسات الدولة في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي  (أ ف ب)

تتجه الحكومة التونسية إلى برنامج تسوية ديون المؤسسات العمومية مع الدولة، عن طريق تصفية الديون المتقاطعة وفق القطاعات المختلفة والتصرف في بعض الأسهم الحكومية، في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة المؤسسات وحوكمتها، إذ تعمقت الأزمة المالية لدى هذه المؤسسات بفعل الحرب الأوكرانية والأزمة الصحية، ما زاد من خسائرها جراء ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية وانعكاس الصعوبات التي تمر بها على قطاع النقل بالتحديد.

وشكّل مسـتوى مديونيـة الشركات العموميـة وعدم قدرتهـا على السـداد خطراً علـى موازنة الدولة، وهو خطر صريح في حال ضمنت الدولة هذه الديون، أو كانت هي نفسها قد منحت قروضاً. وسـجلت القـروض المسندة مـن قبـل الدولـة إلى الشركات العموميـة ارتفاعاً بنسـبة 18 في المئة عام 2021 وأضحت تمثل مخاطر عالية على موازنة الدولة وفق معايير الدعم الموجه وحجم القروض المسندة من قبل الدولة أو الممنوحة بالضمان.

وأعلنت الحكومة أن عملية الإصلاح التي ستنطلق فيها تتعلق بتطوير المؤسسات العمومية وبلورة رؤية استراتيجية لدور الدولة في هذه المؤسسات العمومية، إلى جانب تحسين الحوكمة فيها. وأشارت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية إلى أن "ذلك سيتم من خلال ضبط قائمة المؤسسات العمومية الناشطة في القطاعات الاستراتيجية، وإعداد برنامج لتسوية الديون بين الدولة والمؤسسات العمومية، وتصفية الديون المتقاطعة بحسب القطاعات"، ما دفع إلى طرح فرضيات التفويت في مساهمات الدولة المنخفضة بالقطاعات غير المصنفة استراتيجية.

وكانت رئيسة الحكومة نجلاء بودن صرحت بأنه "سيتم ضبط قائمة بالمؤسسات الناشطة في القطاعات الاستراتيجية، وإرساء أسس حوكمة جديدة للمؤسسات العمومية، ترتكز على الشفافية وادلمساءلة". واعتبر خبراء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن التفويت الجزئي في مساهمات الدولة في الشركات ذات النشاط غير الاستراتيجي أصبح بديهياً، بينما اختلفوا حول انعكاسات التفويت الكلي في بعض الشركات على أداء الاقتصاد والتوازنات الاجتماعية بالبلاد.

ديون متقاطعة

وتواجه المؤسسات العمومية، وعددها 111، صعوبات مالية تسببت في ارتفاع مستوى ديونها إلى 6.5 مليار دينار (2.16 مليار دولار) عام 2021 مقابل 6 مليارات دينار (2 مليار دولار) عام 2019، منها جزء كبير من مستحقات الدولة.

واتسمت هذه الديون بصفتها المتقاطعـة باستدانة الإدارات التابعة للدولة بدورها لدى هذه المؤسسات، لكن أدى الارتفاع المتواصـل للديون إلى تدهـور الوضعيـة المالية لعدـد من المؤسسـات، بخاصـة الناشـطة في قطـاع الطاقـة والمحروقـات وصناديـق الضمـان الاجتماعـي، إذ تطورت مثلاً مستحقات "المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية" تجاه كل من "الشركة التونسية للكهرباء والغـاز" و"الشـركة التونسـية لصناعـات التكريـر"، إلى 774 مليون دينار (258 مليون دولار) ومليار دينار (333 مليون دولار) على التوالي حتى نهاية يوليو (تموز) 2021. ونتـج من عـدم استخلاص هـذه الديـون توقـف "المؤسسـة التونسـية للأنشطة البتروليـة" عـن خـلاص دائنيهـا ودفـع مسـتحقات الدولـة بمـا قيمتـه 373 مليون دينار (124.3 مليون دولار)، وبلـغ مسـتوى العجـز المالـي لديهـا 830 مليون دينار (276.6 مليون دولار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعـزى عـدم قـدرة "الشـركة التونسـية لصناعـات التكريـر" علـى تسـديد ديونهـا إلى ارتفاع أسعار النفـط الخام، وبلغـت مسـتحقاتها لـدى الدولـة قرابـة 2.1 مليار دينار (700 مليون دولار) فـي يوليو 2021، وزيادة مسـتحقاتها لـدى الشـركة الوطنيـة لتوزيـع البتـرول بمـا قيمتـه 517 مليون دينار (172.3 مليون دولار).

وفـي غيـاب المـوارد، لجـأت الشـركة لتغطيـة عجزهـا المالـي إلى التدايـن البنكـي ليبلـغ مسـتوى 1.29 مليار دينار (430 مليون دولار)، وكذلـك تأجيـل خـلاص المزوديـن الأجانب مـن المـواد البتروليـة، مـا يهـدد إمكانية اللجـوء إلى اسـتعمال المخـزون الاحتياطـي مـن المحروقـات.

تداعيات على الموازنة

وأدى تدهـور الوضعيـة الماليـة لعدد من المؤسسات وغيـاب السـيولة الكافيـة، إلى عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم تجاه الدولة في ما يتعلق بتسديد الديون الجبائية والديوانية والقروض الممنوحـة لهـا، والتـي حـلّ أجلهـا لتجـد الدولـة نفسـها مجبـرة علـى تعويـض هـذه المداخيـل عـن طريق البحث عن موارد أخرى وبكلفة باهضة. ومن بين المؤسسات العمومية التي لها ديون راجعة للدولة ولم يتم تسـديدها "الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية" بمبلغ يقارب مليار دينار (333 مليون دولار) من ديون جبائية، و"شركة النقل" بتونس بمبلغ 900 مليون دينار (300 مليون دولار) بين ديون جبائية وقروض، و"الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق" بمبلغ 290 مليون دينار (96.6 مليون دولار) قروض خزانة، و"شركة الخطوط التونسية" بمبلغ 51 مليون دينار (17 مليون دولار) ديون جبائية وقروض خزانة.

كما أدى تراكم الخسائر لغالبية المؤسسات منذ عام 2011، بخاصة الشركات الناشطة في قطاعات الفوسفات والاتصالات والصناعة الإسمنتية، إلى تراجع عائدات المساهمات للدولة، بحيث أصبحت لا تتجاوز 3 في المئة من مجموع الموارد الذاتية للموازنة بعد أن كانت في حدود 11 في المئة عام 2010.

زيادة الإنفاق الحكومي

بلـغ مجمـوع التحويـلات المنجـزة للهيـاكل العموميـة ومـا شـابهها خـلال 2019 مـا قيمتــــــه 8.6 مليار دينار (2.86 مليار دولار) وفق وزارة المالية، مقابـل تقديـرات بقانـون الماليـة لسـنة 2019 بمـا قيمتـه 7 مليارات دينار (2.33 مليار دولار)، وبلـغ مجمـوع التحويـلات للمؤسسـات العموميـة خلال 2020 مـا قيمتـه 9.9 مليار دينار (3.3 مليار دولار)، مقابل تقديرات بقانون المالية بما قيمته 8.1 مليار دينار (2.7 مليار دولار)، أي بفارق 1.7 مليار دينار (566 مليون دولار).

 ومثـّل مجمـوع التحويلات خـلال 2020 نسـبة 9.8 في المئة مـن الناتـج المحلـي الخـام، مقابـل 5.7 في المئة عام 2019. كمـا تـم خـلال عامَي 2019 و2020 توجيـه أكثر مـن 60 في المئة مـن مجمـوع هـذه التحويـلات إلى المؤسسات العمومية المنتفعة بالدعم، وهي الشركة التونسية لصناعات التكرير والشركة التونسية للكهرباء والغاز وديـوان الحبـوب، إضافة إلى صنـدوق التقاعـد والحيطـة الاجتماعيـة والصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعـي.

التأثير في الدين العمومي

مـن أهم الدائنيـن الذيـن تعلقـت بذمتهـم قـروض تعود إلى يونيو (حزيران) 2021 ومـا قبلـه، وحـلّ أجلهـا ولـم يتـم تسـديدها، "الشركة التونسية للكهرباء والغاز" بمبلغ 99 مليون دينار (33 مليون دولار) من قروض معاد إقراضها، إذ توقفت عن التسديد منذ 2020. وشركة "نقل تونس" بمبلغ 244 مليون دينار (81.3 مليون دولار)، وهي قروض خارجية معاد إقراضها، و"الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق" بمبلغ 250 مليون دينار (83.33 مليون دولار)، وهي قروض خزانة، و"بنك تمويل المؤسسات الصغرى"، وشركة "التونسية لصناعة الحديد".

ولتوفير حاجات الشركات العمومية للوفاء بالتزاماتها تجاه الممولين، شـهد حجـم الديـون التـي لـم يحـلّ أجلهـا والممنوحـة مـن الدولـة للمنشـآت العموميـة تطوراً عام 2020 لتصبـح 2.3 مليار دينار (766 مليون دولار) بعد أن كانـت فـي حـدود 1.8 مليار دينار (600 مليون دولار) فـي 2019، كمـا شـهد حجـم القـروض المسـندة للمؤسسات العموميـة مـع منـح ضمـان الدولـة في الأعوام الأخيرة ارتفاعاً بنسـبة 52 في المئة خـلال 2016 -2020.

الحوكمة

ذكرت الحكومة أنه سيقع إعداد برامج إعادة هيكلة المؤسسات العمومية إلى جانب تحسين الحوكمة من خلال مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي وتصفية ديونها ووضع قائمة للمؤسسات الناشطة في القطاعات الاستراتيجية. وسجلت تونس عمليات تفويت عدة في المساهمات غير الاستراتيجية للدولة بالبنوك المشتركة على غرار "بنك تونس الخارجي" و"البنك التونسي الإماراتي" و"البنك التونسي الكويتي"، وفق وزارة المالية.

وذكر الخبير الاقتصادي الصادق جبنون أن المؤسسات العمومية تواجه تحديات على مستوى الاضطلاع بمهماتها وكيفية الإشراف عليها وحوكمتها، ما أدى إلى وضعيتها المالية الحالية. وبدا ذلك في تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي أشارت إلى أن ديونها أصبحت تناهز 16 في المئة من الدخل القومي الخام، وأن البنوك التونسية اقتربت من مرحلة المخاطر العالية جراء هذه المؤسسات العمومية وديون الدولة التي أضحت تمثل 20 في المئة من مجمل الديون. وما زاد الإشكال أن هذه الديون متقاطعة باستدانة أحد الطرفين من الآخر وهما المؤسسات والقطاع العام. ويعود ذلك بالأساس إلى إفلاس هذا النموذج الاقتصادي المؤسس على النظرة الكلاسيكية الموروثة من نماذج جاهزة في السابق، تؤسس للدولة التي تدير الاقتصاد، لكنها تجاوزتها الآن إلى اقتصاد السوق. وفي المقابل، تواجه تونس مصاعب متعلقة بعقلية إدارية عمومية قديمة ترغب بإدارة ملف الطاقة، في حين لا يمثل إقحام الاستثمارات الخاصة تهديداً على المستهلك التونسي، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات المالية أو الطاقة والخدمات.

المحلل وسيم بن حسين رأى أن المرحلة الأولى لتسوية الديون تتعلق بوضع استراتيجية للتصرف في هذا المستوى العالي من التداين المتداخل بين الدولة وهذه المؤسسات، يليها النظر فيها وفق القطاعات وتحديد الوظائف الحيوية لبعض هذه المؤسسات التي ستمنع التفويت فيها بحكم وظيفتها التنموية والاجتماعية. وتضطلع البنوك العمومية بمعاضدة الاستثمار العمومي والحفاظ على استقرار العملة الوطنية، لذلك سينحصر الإصلاح في مراجعة مشاركة الدولة في رأس مال المؤسسات العمومية من خلال إصلاح استراتيجية مساهمة الدولة فيها، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتفويت في المساهمات بالمؤسسات العمومية غير الاستراتيجية فحسب، بعد تسوية الديون بين الدولة والشركات، وتصفية الديون المتقاطعة بين المؤسسات، وتدقيق متخلدات المؤسسات الكبرى، وإعادة جدولة الديون المصرفية، وإعادة تقييم أصول المؤسسات العمومية والتخلص من الأصول غير الضرورية لنشاط المؤسسة، إضافة إلى إرساء سياسة لتغطية مخاطر السوق.

اقرأ المزيد