Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدامات في "القرية البدوية" بين السكان و"حماس" بسبب إزالة المنازل

لقي الحدث استنكاراً شعبياً واسعاً باعتبار أن القرار لا يراعي ظروف الناس التي تعيش في حصار وواقع اقتصادي صعب

رد سكان "القرية البدوية" بالحجارة في محاولة لمنع أمن "حماس" من هدم منازل مواطنين شيدت في أراضي "مشاع دولة" (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

في حادثة هي الأولى من نوعها منذ سيطرة حركة "حماس" على سدة الحكم في قطاع غزة، انفجر سكان منطقة "القرية البدوية" شمال مدينة غزة، في وجه عناصر أمن مدججين بالأسلحة هاجموا بيوتهم، بهدف هدم منازل مواطنين يسكنون أرضاً تصنف على أنها "مشاع دولة". تطبيقاً لقرار اتخذته سلطة الأراضي من أجل استعادة دونمات تعود ملكيتها إلى السلطة الفلسطينية.

إصابات واعتقالات

وألقى سكان محليون في غزة على القوة العسكرية، التي هدمت منزلاً، الحجارة في محاولة لمنعهم من تنفيذ قرار إزالة البيت، فيما أطلق عناصر الشرطة الأعيرة النارية صوب الموجودين، وأسفرت هذه الأحداث عن إصابة عنصر أمن و25 مواطناً، ثمانية منهم بالرصاص الحي.

وعلى خلفية الأحداث، نفذت عناصر الشرطة حملة اعتقالات واسعة، واحتجزت نحو 85 فرداً، لكن بعد تدخل وسطاء محليين أطلقت سراح 74 مواطناً، وما زالت توقف البقية.

هذا الحدث لقي استنكاراً شعبياً واسعاً، إذ اعتبر النشطاء السياسيون والحقوقيون أن استخدام القوة العسكرية المفرطة مرفوض، ولا يراعي ظروف الناس التي تعيش في حصار وواقع اقتصادي صعب في ظل فرض ضرائب كبيرة عليهم، وكذلك استنكرت الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة "حماس" هذا الإجراء الذي يحدث للمرة الأولى. ووصف ذلك بأنه انفلات أمني لا بد من معالجته، فيما يرى سكان المنطقة البدوية فعلهم دفاعاً عن بيوتهم وحرمتها، في ظل عدم تقديم سلطة الأراضي أي حلول بديلة أو تعويضات لهم.

أصل الحكاية

ويعود أصل الحكاية إلى أن سلطة الأراضي في غزة (تتبع لحركة حماس)، ترى أن أهالي منطقة القرية البدوية، الذين يسكنونها قبل نحو 80 عاماً (أي منذ زمن الانتداب البريطاني) سكان غير نظاميين، لأنهم قاموا ببناء منازلهم على أراضٍ مصنفة وفق التقسيم الجغرافي أنها "مشاع دولة".

وبحسب رئيس سلطة الأراضي عماد الباز، فإن البناء على هذه الأراضي يعد تعدياً على ملك الحكومة، وهو نظام عشوائيات لا يسير وفقاً لتخطيط البلديات العاملة في غزة، لذلك من الضروري إزالة التعديات وهدم المنازل التي تقع على "مشاع دولة".

في الواقع، ليست القرية البدوية وحدها التي تنوي سلطة الأراضي إزالة التعديات عليها، بل هناك نحو 28 منطقة "مشاع دولة" تسكنها آلاف الأسر، يعمل الباز وفريق عمله على دراسة هدم بيوت المواطنين فيها.

الهدف

وبدأت سلطة الأراضي في حملة "إزالة التعديات" كما تسميها، أو "هدم وتهجير السكان" كما يسميها المواطنون، على "مشاع الدولة" عام 2017، ولكنها توقفت مؤقتاً عن ذلك، ثم عادت بقوة هذا العام للإجراء نفسه.

وبالعادة، تخطر سلطة الأراضي أصحاب البيوت المبنية على "مشاع الدولة" بنيتها هدم المنزل، وتمنحهم يومين للإخلاء، فيما أجبرت مواطنين عدة على هدم بيوتهم بأيديهم. ولاحقاً تستخدم هذه الأراضي من أجل توزيعها على موظفين يعملون في السلك الحكومي الذي تديره "حماس"، عوضاً عن مستحقاتهم المالية المتراكمة، إذ يتقاضون ما نسبته 60 في المئة من رواتبهم الشهرية، والبقية مستحقة على وزارة المالية التي عليها تعويضهم أو دفع المتراكم.

"مشاع دولة" وروح القانون

ويقول الباز إن الأراضي هي حق لجميع أبناء سكان غزة، ولن يسمح بتحويلها إلى ملكيات خاصة بالطرق غير المشروعة. وهذا تعريف علمي لـ"مشاع الدولة"، ويعني أن ملكية الأرض ليست للحكومة التي يعمل فيها مسؤول سلطة الأراضي، وإنما لمصالح ومنافع المواطنين، بحسب البعض.

وفقاً لذلك، يرى سكان القرية البدوية، كما معظم العشوائيات، أن بيوتهم مشيدة على أرض مخصصة للنفع العام للمواطنين، وبما أنهم بلا مأوى شيدوا عليها بيوتهم.

في القانون الفلسطيني لا يحق لهم ذلك، إذ تخصص هذه الأراضي لبناء المدارس والجامعات والمستشفيات والمرافق الترفيهية، لكن روح القانون وظروف السكان الصعبة يبيحان أن يسكن هؤلاء الفقراء الأرض حتى تتحسن ظروفهم.

كما يفرض القانون والواقع على جهات الاختصاص تعويض السكان عن بيوتهم التي تهدم، لكن سلطة الأراضي لم تقدم لهم أي بدائل، كما يقول سكان العشوائيات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تفاصيل أكثر

وبالعودة إلى الحادثة، فإن سلطة الأراضي أخطرت سكان القرية البدوية بضرورة الإخلاء، وإذا لم يحصل ذلك، فإنها ستستخدم القوة في تنفيذ ذلك، هذا القرار دفع أهالي المنطقة إلى تشكيل لجنة للحل السلمي تحمل اسم "لجنة مشايخ أم النصر" لمتابعة إجراءات الجهات الحكومية، وعدم جر الحي إلى مواجهات عنيفة، لكن يبدو أن هذه الخطوة لم تنجح في تأخير قرار هدم منازل المواطنين.

وفي تفاصيل الحادثة. يقول عضو اللجنة يحيى أبو ثرية إنه في نحو الساعة 11 صباحاً من يوم الخميس 9 يونيو (حزيران)، حضرت قوة شرطة مكونة من 15 عنصراً وجميعهم يلبسون الزي العسكري، برفقتهم عناصر من سلطة الأراضي إلى منطقة القرية البدوية، لهدم بيت أحد المواطنين، وبعد تدخل وجهاء من المنطقة انسحبت القوة العسكرية.

ويضيف أبو ثرية "وعند نحو الساعة الواحدة ظهراً، وصلت جرافة تابعة لسلطة الأراضي، وبرفقتها قوة أمنية كبيرة، مكونة من جهاز الشرطة ويلبسون زياً عسكرياً، وآخرين بملابس مدنية، ويقدر عددهم بنحو 300، وصلوا على متن 50 جيباً عسكرياً، وإسعاف واحد، حينها مباشرة أدركنا أنهم ينوون على حدث خطير".

نساء وأطفال واقتحام منازل

وبحسب أبو ثرية، فإن الأمن سيطر على الشوارع الرئيسة، وهدمت الجرافة التي كانت محاطة بأفراد من الشرطة موجهين أسلحتهم صوب المواطنين، منزلاً، الأمر الذي أدى إلى اعتراض سكان الحي وقذفهم بالحجارة، فرد الأفراد بالزي العسكري والمدني بإطلاق النار.

ويشير إلى أن الأمن استخدم القوة المفرطة في حين كان يوجد أطفال ونساء من ذوي الاحتياجات الخاصة، واقتحموا منازل عدة من دون الحصول على إذن.

ويوضح أن "الأمن منع سيارات الإسعاف من الوصول، على الرغم من أنه كانت هناك سيارة إسعاف رافقت القوة العسكرية، ورفضت تقديم الرعاية الصحية للمصابين، وهذا ما دفعنا إلى نقلهم في سيارات مدنية إلى المستشفى".

ويعتبر أبو ثرية كما باقي سكان المنطقة، أن ما حدث معهم، يشبه إجراءات إسرائيل في القدس وحي الشيخ جراح، ولا فرق بين أفعال شرطة "حماس"، وأنشطة الجيش، فكلاهما يهدم بيوت الفلسطينيين.

السلم المجتمعي

وتطابقت الإفادات مع التوثيق الذي أجرته الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (أكبر مؤسسة حقوقية وهي منظمة حكومية مستقلة) التي وثقت أيضاً وجود عناصر من الأمن الداخلي وقوات التدخل وحفظ النظام وعناصر من كتائب القسام، وقد تبين لديها عدم التدرج في استخدام القوة، علاوة على تدمير محتويات عدد من منازل المواطنين.

ويقول مديرها عمار دويك "من غير المقبول تدخل جهات غير مكلفة إنفاذ القانون وأفراد بالزي المدني في الاعتداء، الأمر يشكل خطراً حقيقياً على الأمن المجتمعي، ومن الضروري احترام الفئات المهمشة وعدم تركهم بلا مأوى، والعمل على توفير بدائل للمساكن المهددة بالإزالة، صوناً لحقهم في السكن".

ويضيف "على السلطات جبر الضرر، ومحاسبة أفراد الأمن الذين أطلقوا الأعيرة النارية ومن أعطى التعليمات بالتعامل مع الحدث، والالتزام باللوائح الخاصة بالتدرج باستخدام القوة من قبل المكلفين بإنفاذ القانون، ومنع غير المكلفين من التدخل في الحياة المدنية، باعتبار ذلك من اختصاص الشرطة".

ردود رسمية

مباشرة، تعهدت وزارة الداخلية على لسان المتحدث باسمها إياد البزم فتح تحقيق للوقوف على ملابسات الحادثة، فيما قال المجلس التشريعي إنه سيتخذ الإجراءات الرقابية، ويحاسب من يثبت مخالفته القانون، مع مراعاة ظروف المواطنين.

في المقابل، قال رئيس لجنة متابعة العمل الحكومي، عصام الدعليس (يقوم بمهام رئيس الوزراء في غزة)، إنه قرر محاسبة كل مخطئ بغض النظر عن موقعه وصفته، وكذلك لا يمكن القبول ببقاء أي تعديات على الأرض الحكومية، وفي الوقت ذاته من غير المسموح معالجة الأمر بالقوة.

في الواقع، يبدو أن الجهات الحكومية لم تتراجع عن قرار هدم بيوت المواطنين المشيدة على مشاع الدولة على الرغم من أن السكان يعيشون ظروفاً صعبة، فالبطالة تخطت الـ72 في المئة، وزادت نسبة الفقر على 82 في المئة، وانعدام الأمن الغذائي وصل إلى 42 في المئة.

رأي "فتح" و"حماس"

هذه الأحداث رفضتها الفصائل بما فيها حركة "فتح"، التي يقول ناطقها حسين حمايل إن تلك "جريمة ومنافسة لما تقوم به إسرائيل في عملية تدمير عوامل صمود المواطنين على أرضهم تحت ذرائع واهية. إن الهجوم على المواطنين محاولة من رؤوس حماس للتغطية على جريمتهم بالاستيلاء على أراضٍ حكومية وتقسيمها في ما بينهم وتوزيع بعضها على أتباعهم، هذا الإجراء يعمق الأزمات الاجتماعية والإنسانية في غزة".

أما حركة "حماس"، فقال الناطق باسمها فوزي برهوم، إنه من الضروري تنفيذ القانون والحفاظ على الممتلكات العامة، وفي الوقت ذاته يجب توفير احتياجات السكان ومتطلبات حياتهم والتخفيف من معاناتهم، في ظل استمرار الحصار والظروف الصعبة التي يمر بها القطاع".

 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات