في ختام اجتماعه في أمستردام، الخميس 9 يونيو (حزيران)، أعلن البنك المركزي الأوروبي، أنه سيبدأ في رفع سعر الفائدة ووقف برنامج شراء الأصول مطلع شهر يوليو (تموز) المقبل.
وسيرفع البنك سعر الفائدة في دول منطقة اليورو بمقدار ربع نقطة مئوية (0.25 في المئة) الشهر المقبل. وتبلغ نسبة الفائدة في دول منطقة اليورو حالياً نحو 0.5 في المئة. كما سيوقف البنك برنامج شراء السندات (ضخ السيولة ضمن برنامج التيسير الكمي) بمليارات الدولارات شهرياً.
وكان متوقعاً على نطاق واسع، في ظل ارتفاع معدلات التضخم في أوروبا، أن "يكون قرار البنك بدء التشديد النقدي بسرعة، خصوصاً مع توقعات من مختلف الهيئات والمؤسسات الدولية وشركات الاستشارات في السوق بآفاق سلبية للوضع الاقتصادي في أوروبا. وسيخفض البنك المركزي الأوروبي كذلك توقعاته للنمو الاقتصادي في دول منطقة اليورو، ويرفع توقعاته لزيادة معدلات التضخم، في ما تبقى من هذا العام والعامين التاليين.
الأشهر المقبلة ستكون أسوأ
ويقدر بعض المحللين والمعلقين أن الآثار الكاملة للحرب في أوكرانيا، والعقوبات على روسيا، لم تتضح بعد، وأن الأشهر المقبلة ستكون أسوأ على اقتصادات دول أوروبا كلها مع زيادة احتمالات الركود الاقتصادي، وبدء البنك المركزي الأوروبي تشديد السياسة النقدية.
وعلى الرغم من انخفاض معدلات البطالة بدول منطقة اليورو في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) إلى أدنى مستوى لها منذ طرح العملة الموحدة عام 1999 لتصل إلى 6.8 في المئة، فإن المؤشرات على ارتفاع تكلفة المعيشة في ازدياد مطرد. وارتفع معدل التضخم في دول منطقة اليورو لشهر مايو (أيار) الماضي إلى نسبة 8.1 في المئة، أي أعلى من معدل التضخم في بريطانيا، ويقارب معدل التضخم في الولايات المتحدة.
ومع توقعات استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في أوروبا، لن يكون هناك مفر من وقف برنامج التيسير النقدي بسرعة، والبالغة قيمته ما يقارب تريليون دولار (800 مليار يورو)، وبدء المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة لمواجهة ارتفاع التضخم. ومن شأن ذلك أن يزيد الضغط سلباً على النشاط الاقتصادي ويزيد احتمالات الركود.
فحتى قبل الحرب في أوكرانيا، وتبعاتها الاقتصادية نتيجة العقوبات على روسيا، لم يحقق الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة اليورو نمواً بأكثر من 0.3 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي 2021، وتراجع النمو أكثر في الربع الأول من هذا العام إلى نسبة 0.2 في المئة، أي يكاد يكون توقف تقريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقنين الاستهلاك
تواجه أوروبا أيضاً خطراً غير مسبوق في فصل الشتاء المقبل، خصوصاً إذا تزامنت برودة الطقس في نصف الكرة الأرضية الشمالي مع زيادة الطلب على الطاقة في الصين، التي بدأت تعيد فتح اقتصادها من الإغلاق الأخير، بسبب انتشار وباء كورونا. وفي أكثر التصريحات تشاؤماً حول نقص إمدادات الطاقة، حذر المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، من أن دول أوروبا قد تضطر إلى تقنين استهلاك الطاقة، بخاصة في الاستخدام الصناعي للغاز الطبيعي مع نقص الإمدادات.
وفي مقابلة مع صحيفة "الفايننشيال تايمز"، الأربعاء، قال بيرول "إذا جاء الشتاء قاسياً وطويلاً، وإذا لم تتخذ إجراءات (في ما يتعلق بجانب الطلب) فلا أستبعد تقنين استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا، بدءاً من المنشآت الصناعية الكبرى"، وامتداداً إلى غيرها أيضاً.
ودعا رئيس الوكالة الدول الأوروبية إلى سرعة اتخاذ ما يلزم لخفض الطلب على الطاقة باتباع خطوات زيادة الكفاءة في الاستخدام، لكنه أشار إلى أن نقص الغاز الطبيعي في أوروبا قد لا يكون بهذه الحدة "إذا لم يعد الاقتصاد الصيني للنشاط بمعدله الطبيعي".
وتعتمد أوروبا بشدة على إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا، التي توفر ما يصل إلى 40 في المئة من احتياجات الغاز الأوروبية. ونتيجة الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، فرضت أوروبا أخيراً حظراً تدريجياً على واردات الطاقة الروسية. وعلى الرغم من أن عشرات شركات الطاقة الأوروبية الكبرى وافقت على دفع ثمن الغاز بالعملة الروسية، الروبل، كما طلبت روسيا رداً على العقوبات الغربية عليها، فإن شركة "غازبروم" قطعت الإمدادات عن دول رفضت الدفع بالروبل، مثل بولندا وبلغاريا وفنلندا.
وتأتي تصريحات فاتح بيرول متزامنة مع تصريحات ألمانية ونمساوية أشارت إلى احتمالات تقنين استهلاك الطاقة في حال النقص الشديد في الإمدادات. وعلى الرغم من الدعوات لترشيد الاستهلاك وزيادة الكفاءة، خصوصاً في ما يتعلق بالطلب على الغاز الطبيعي، فإن بيرول حذر من استمرار ارتفاع أسعار الغاز والنفط لفترة طويلة.