إن كان هناك عنوان يدفع النقاد للشعور بعدم أهميته فهو "أطياف غراي" (درجات الرمادي)، فبعد مضي عقد على ظهور باكورة أعمال إي أل جايمس "درجات الرمادي الخمسون" Fifty Shades of Grey، الكتاب الذي استدعى عدداً لا يحصى من المقالات التأملية والساخرة وفيلماً تجارياً وملايين ملايين الدولارات، ها نحن اليوم أمام إصدار جايمس الأخير "تحررت" Freed، لكن ماذا يمكن أن نقول بعد إزاء هذا الكتاب؟
يمثل "تحررت" الكتاب الثالث [في السلسلة] والذي يروى من وجهة نظر البليونير المكتئب كريستيان غراي، متابعاً ثلاثية قدمت من وجهة نظر طالبة شابة وخجولة اسمها آناستازيا ستيل، وهذا يشكل جوهر وقائع وأحداث الكتاب الثالث في السلسلة الأولى، مجترة ومبصوقة عبر "صوت ذكري" رسمت جايمس ملامحه التقريبية.
وتأتي فصول "تحررت" بشكل مقاطع يوميات، كي تقنعك بأنها صادرة فعلاً من وجهة نظر رجل أعمال في عقده الثالث ومتعطل عاطفياً.
وغدا "أطياف غراي الخمسون" سيء السمعة لأنه أريد منه أن يكون كتاباً "إيروسياً".
ليس ثمة هنا ما يهدف إلى إثارة القراء إلا إذا كانت أهواؤكم الملتوية تضج بداخلكم، فيبلغ ذاك الالتواء حينها أصابع أقدامكم بمجرد أن تكرر آنا عبارة "أشعر بالإثارة".
على أن التفاعلات القائمة بين آنا وكريستيان في القصة تمثل تفاعلات شخصين لم يسبق لهما لقاء أي كائن بشري من قبل، وهكذا يسألها كريستيان للمرة المئة "هل تغازلينني يا آنسة ستيل؟" كما تأتي ملاحظاته المتعلقة بمظهرها الخارجي [الجسدي] ملاحظات تشريحية على نحو مريب، بدل أن تكون مثيرة وشهوانية، فيذكر "تُحرك آنا رأسها قليلاً ناظرة إليّ وأنا أعاين تسارع صعود وهبوط نهديها تزامناً مع تسارع أنفاسها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن القول إنه عمل لم تؤلفه كاتبة تحب شخصياتها، نثر جايمس الذي لم يكن يوماً الأفضل يبدو أكثر إيلاماً عندما تكتب من وجهة نظر ذكر، فموقفها تجاه طرق التفكير المختلفة بين النساء والرجال يبدو مستمداً مباشرة من عمل جون غراي الكلاسيكي سنة 1992 "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" Men are from Mars, Women are from Venus.
شخصية كريستيان تستمر بتصرفاتها السامة حيال علاقاتها، إنه رجل متملك وغيور ومتحكم وقهري، وحتى عندما يدلل آنا فإن ذلك غالباً ما يجعلها تبدو في منتهى الحمق. عيناها أعجوبة طبية. وهما [العينان] في الفصل الأول لوحده، تتدرجان من نصف إطباقة إلى الالتماع بالمرح والإشراقة بالحنان والتفهم والتوهج بالجشع والاستدارة بالتمنع والسطوع بشعاع شمس الصباح والاتساع الممتلئ ببريق الدموع التي لم تجف والكِبر المستحيل.
في سنة 2012 اعترف سلمان رشدي بأنه قرأ بضع صفحات من "درجات الرمادي الخمسين" على أمازون، وعن ذلك قال "لم أقرأ في حياتي نصاً بهذا السوء وجد طريقه للنشر. لقد جعل تويلايت Twilight [الشفق - سلسلة روايات خيالية للكاتبة الأميركية ستيفاني ماير] يبدو مثل [رواية ليف تولستوي] الحرب والسلام"، إلا أن الشيء الأفضل الذي يمكن قوله اليوم إزاء "تحررت" هو أنه أخيراً سيتم إسدال الستارة على سلسلة "الأطياف الخمسين".
*نشرت المقالة في اندبندنت بتاريخ 1 يونيو 2021
© The Independent
